بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
في كثير من مقالاته وحواراته يُؤكد الدكتور عبد العزيز قاسم ـ رئيس تحرير مجلة رؤى ـ أنه تربى تربية سلفية ، وأنه أحد أفراد التوجه السلفي ( الوهابي ) في المملكة العربية السعودية .
ومَن يرقب عبد العزيز قاسم بعينين ، أو يصغي إليه بأذنين ، يعلم أن السلفية في واد وعبد العزيز قاسم في وادٍ آخر ، وحين يلتقيان فمتنافرين يتناطحان وفي أحسن الأحوال لا يتعارفان!! .
فالمتتبع لأقواله وأفعاله يجد منه الرفض بل والتطاول على ( السلفية ) التي نعرفها ، ويجده يسعى في إيجاد نسخة جديدة معدلة من السلفية ، فيما يسمى بتحديث الخطاب الديني !
ويضيق المقام عن تقصي مواقف الدكتور عبد العزيز قاسم رئيس تحرير مجلة رؤى من السلفية ، فقط إشارات أضعها بين يدي القارئ .
إننا أمام حالة من الرفض ، بل والبغض ، للتوجه السلفي الذي نعرفه ، وإننا أمام حالة من الإصرار على تغير الوضع القائم ليتماشى مع متطلبات العصر ، وإننا أمام حالة تحتمي ببعض العبارات الجميلة ترددها بين حين وآخر عن السلفية والسلفيين .
وقد علمنا الله أن الأقوال إذا خالفت الأفعال ، فالقول قول الأفعال لا قول اللسان ، قال تعالى : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ . أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ }[ البقرة : 11ـ12]
أرى قاسماً مراوغاً..متلوناً ، معادياً للسلفية ، حاله كمن عناه الشاعر :
يعطيني من طرف اللسان حلاوة * * * ويروغ عني كما يروغ الثعلب ُ
تارة يقولون ـ هو وأضرابه ـ لا بد أن نقيم المستجدات ونزنها برؤية عصرية بعيدة عن الخطاب الديني المنغلق! ، وتارة يقول لا بد من مواكبة تيار الحضارة الجارف وعدم التضييق على العباد ويجترون بعض نصوص التيسير ويحملونها على غير محملها الصحيح ، وتارة يثربون على من تمسك بمنهج الرعيل الأول ويزعمون أن الاستمساك بورقة التحريم يلغي فرص استثمار المستجدات العولمية لصالح الدين! .
وكثيرا ما يصبون انتقاداتهم للخطاب الديني يستترون به لا يجرؤن على التصريح برفض وعداء وانتقاد السلفية !
محاولة هدم السلفية من الداخل :
يشبه قاسم في تعامله مع المنهج السلفي المفكر الحداثي محمد الجابري في تعامله مع العقل العربي ، الجابري يقول العقل العربي بحاجة لإعادة تكوين ، وقاسم يقول المنهج السلفي بحاجة لفك مداميكه وتغييره من الداخل! ، يقول: نصلح هذا الخطاب الديني من داخله!
ولا تفسير لهذا إلا أنه محاولة لتنحية كبار العلماء الذين يقفون كحجر عثرة في طريق العصرانيين ومشاريعهم الانفتاحية !
إنه يستخدم خطاباً متدنياً حين يتحدث عن هؤلاء الرموز ، فهو ينفر منهم ويصمهم بالانغلاق والجمود! ، وهاك الدليل من كلامه : يقول : في مقال له بعنوان: "الإصلاح من داخل التيار"، وقد بدأه بقوله: (( ولازلت أردّد بأن أكبر خطأ يرتكبه معارضو هذا التيار هو مهاجمته من الخارج، ومنالغفلة، بل ومن الحماقة بمكان، التصوّر بأن الفرصة سانحة للقضاء على هذا التيارالمتجذّر في هذه الأرض مذ أكثر من ثلاثة قرون، وطمس أدبياته عبر مقالات سطحية ساذجةهنا أو هناك، أو حتى الزعيق واللطم في فضائيات ناعقة، لا تجيد سوى الصراخ، ما يزيدهذا التيار متانةً وتكاتفًا وتحوصلاً، في حين أن النهج الصحيح يتمثل في محاولةتوجيه بوصلة هذا التيار إلى طريق المعاصرة والوسطية،))
لا يخفى عليك أخي القارئ الكريم أن التيار الذي ظهر منذ ثلاثة قرون مواكبا لبداية ظهور الدولة السعودية بمراحلها الثلاث هو التيار الوهابي السلفي.."دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب" والتي كانت تجديداً لما كان
عليه سلف الأمة ، ولم تأت بجديد من عند نفسها ، وما نعرفه أن العداء مع ( الوهابية ) هو عداء مع ما تركه لنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ، إذ لا وهابية ولا يحزنون ، بل دعوة سلفية تبتغي ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم . وإن الرافضين لها هم الكارهين لهذا النموذج.
وبرصد وتحليل تحركات قاسم على الساحة الفكرية نجد أنه يحاول مزاحمة العلماء الكبار بآخرين صغار -اقصد سنا وإلا فهم محترمين ومعتبرين لدينا جدا- من المنتسبين للتيار السلفي ، فهو في مجموعته وبرنامجه يقدم شباباً مع وجود الكبار . وندعه هو يتحدث ، يقول ردا على أحدهم في محاور حول سجال السينما:
(وأنا معك كذلك بأن الزمن سيبدد كثيرا من آليات التفكير تلك وتحقق مواتهاوذلك مشاهد في دعاة انخلعوا عما كانوا عليه..)
واضح لكل ذي لب وفهم أن الرجل يقصد بآلية التفكير..تفكير علمائنا ، أما الدعاة الذين انخلعوا عما كانوا عليه فأظنكم تعرفونهم جيدا.
ويقول لآخر في نفس المنتدى:
(وأجيبك يا عزيزي بأن التمتع بطول النفسوالتدرج في خطوات الإصلاح مسلك حكيم وفعال، والنوازل من حولنا تفك مداميك كل أي فكرمنغلق أو متردد ، ولست بالطبع معك في وصف خطابنا الديني بالظلامي والرجعي ، بل هوكأي فكر قابل للتطور والحداثة، ويتأكد ذلك في خطابنا الاسلامي.)
وأيضا يقول لآخر:
( صديقي الأنيق جنتل:
... شيئافشيئا بمحاولات الفضلاء أمثالكم وهم يستصحبون الحكمة والعقل والرفق، سيفك مداميككثير من الأفكار الصدئة، ولكن برفق..أيها الأنيق.)
وليتكم تعلمون أي فكر يحمل "جنتل" هذا الذي أسبغ عليه د.عبدالعزيز وصف الفضيلة!! ، وليس ذلك بغريب منه وقد ادعى أن الخاشقجي ينتمي للتيار الإسلامي المتطرف وأن الإسلاميين إنما ينقمون منه بعض الأفكار الإصلاحية الانفتاحية !!
كما أظنه لا يخفى القارئ الكريم مقصود قاسم بالأفكار الصدئة!!.
وهو ذكي لا يحب المواجهة التي لن يقوى ومن معه عليها ، لكن الرفق والصبر والتدرج هو شعار د.قاسم وصحبه في سبيل التخلص من الأفكار الصدئة وموروثات الماضي.
وأختم هنا بأم البواقع واتهام قاسم للوهابية بالعمالة وذلك في ندوة بعنوان "تحولات الخطابات الثقافية السعودية.. رؤية إعلامية" جمعته بصديقه قينان الغامدي ، فقد جاء في خبر تلك الندوة : وعلق الدكتور عبدالعزيز قاسم على أن الوهابية كانت قبل الأخوان ووظفتها الدولة العثمانية ثم بريطانيا،
هذا حال قاسم ، وبعض الكرام لا يزال يدور في حلقة احتواء وتأليف قاسم وأخذه بالرفق وعدم الإنكار عليه ، أملاً في أن ينصلح حاله .
ألا إنني أهدي هذه النصوص ـ من كلام قاسم ويأتي ما هو أشد ـ لهؤلاء الكرام ، كي يفيقوا ، يكفي ، أفي كل مرة نلدغ من ذات الجحر ؟!!
ألا ومن أصر فليبعد عني فلستُ منه وليس مني .
عبدالعزيز قاسم..والتبشير بالدعاة الجدد!!
قاسم يعلم تماما أن انخلاع* وتغيير من شابت لحاهم في الطلب من كبار العلماء عن منهجهم يكاد يكون مستحيلا ، فلا يتوقع أبدا أن يجد لمشاريعه العصرانية التغريبية تأييدا من الفوزان مثلا أو المفتي أو اللحيدان أو غيرهم من الكبار ، فلجأ للتواصل الإنساني مع بعض الصغار ، يريد إحراجهم بتعامله الراقي والمؤدب ، يريد منهم إن لم يقفوا محايدين من بعض القضايا ، أو يكون إنكارهم لطيفا ، وقد أثمر هذا مع بعض الفضلاء هنا في هذا الصرح الشامخ ( بناء ) ، فتجد أحد الفضلاء بسبب الاتصال الإنساني بينه وبين عبد العزيز قاسم لا يستطيع أن ينكر عليه إلا بينه وبينه أو على استحياء ؛ بل ربما يدافع عنه ، ثم الأهم أنه يريد أن يجعلهم في الواجهة بدلا عن العلماء ، فهولاء يؤمل فيهم الانخلاع كما انخلع غيرهم ، أو على الأقل يسهل مزاحمتهم ، أوْ ليس لهم في حس الناس ذاك الحب والتقدير !
في مقال "المولد النبوي أما آن لهذا الجدل أن يتوقف" يرد قاسم على أحدهم قائلا:
(أخي الواضح :
قلت حفظك الله ( السؤال الكبير والذي يظهر في جميع المسائل المختلففيها هو :
لماذا لا يقبل معظم علماء السلفية اختلاف الآخرين معهم ويعذرونوهمفيما اختلفوا معهم فيه؟
في تصور اخيك المتواضع ان تيارا جديدا في داخل هؤلاء العلماء مختلف نوعا ما عنالباقين ممن يحملون الارث الماضي..شيئا فشيئا تفك المداميك وتتحلل نحو خير الدينوالوطن.)
إذن هناك تيار جديد مختلف لا يحمل إرث الماضي الذي يحمله المنغلقون المترددون!!
قاسم يعول كثيرا على المنخلعين ، ويأمل أن يتبعهم آخرون ، يتواصل معهم إنسانيا ، ومن يجد فيه غلظة على المخالف ورفض لفكرة العصرنة والتمييع فإنه يحاول إسقاطه بطريقة أو بأخرى ، وهو يتوق جدا لتغير البارزين ذوي الأقلام الحادة والردود العقلانية المؤصلة والموجعة كالشيخ بندر الشويقي والشيخ سعد بن ناصر الغامدي ، وانظر ما يقول عن الشيخ الشويقي في سياق رده على أحدهم :
( وأخيرا لقد راهنت في هذا المنتدى على أن الشويقي مشروع مفكر واعد ، هو وثلة منزملائه في التيار السلفي، وانه وابراهيم السكران طليعة واعدة، سيكون لهما شأن كبيرفي مستقبل الأيام بتجديد كثيرا من آليات ونمطيات التفكير والتعامل مع المستجداتللتيار السلفي المحلي، بدون أن يعني ذلك أنهم سيتنازلون عن الأصول والأركان العامةللفكر ..
وقد ردّ علي بعض الزملاء في (محاور) متهكمين إذاك..غير أن الايام أثبتت شيئا مماذهبت اليه..وسنرى ان شاء الله أخانا الحبيب بندر الشويقي، الذي توافر على هذهالعقلية الفذة ، إلا أن تقوده إلى الطريق الصحيح والأقوم والأليق بها ان شاءالله)
ويصف العلماء والسائرين على نهج السلف الصالح من المستمسكين بنصوص الشرع وقواعده بدعاة العسر ويبشر في ذات الوقت بدعاة الوسط قائلا:
(قلت حفظك الله ( لن يفهمون الا عندما - للأسف - يرون الأجيال القادمة تتفلت وتتحولالى أقصى اليسار (..
الرهان بدعاة الوسط ، يعيدون الراية ممن دعاة العسرويتصدون للمجتمع كنماذج خلاقة تتعلق بها الأجيال، ويحولون دون أن تتحققرؤيتك..وللأسف هي في الطريق لما تراه.)
قاسم وعقيدة الولاء والبراء وتقريب المخالف:
في ملحق الرسالة قبل عدة سنوات فتح د.قاسم الباب على مصرعيه للمخالفين سواء من الطوائف والفرق كالصوفية والشيعة أو ممن يحملون أفكاراً فلسفية غربية معاصرة كالليبراليين والحداثيين ، في مكاشفاته تلك أخرج أولئك كي يبرروا كثيرا من طوامهم ، ونادى بعدها بالتقريب مع الشيعة ، بل وتبنى مشروع التقريب حتى أنه سافر للقطيف وزار مكتبة الصفار وأشاد بمشروع "ميثاق الشرف" ويتكئ على عبارات مجملة لبعض العلماء كحق الشيعة في العيش والمواطنة!! ، وكأن بيننا من يطالب بإعدامهم أو حرمانهم من مقومات الحياة!!
والتقى الشيعة هناك ـ في القطيف ـ وحضر ندوة في منتدى الثلاثاء الشيعي وبشر الشيعة بدعاة جدد واعين سياسيا ، متجردين عن الأساطير والأوهام –يقصد ما يتعلق بعقيدة الولاء والبراء التي تنص على مفارقة أهل البدع والأهواء والبراءة منهم!!-،
http://www.alwihdah.com/view.php?cat=2&id=419
وكان يعرض في ملحق الرسالة كثيرا من القضايا والمسلمات يضعها على مقصلة النقد ، يعرضها على جهال ومغرضين ، وقام بنفس الدور في ملحق الدين الحياة ، وفي قناة دليل –التي لا أشك ذرة أنها قامت لدعم فكر العصرانيين من الإسلاميين حاملي مشاريع التغريب- .
ويحتج قاسم على علمائنا لإنكارهم على المولد النبوي !! ، ويصنفه ضمن الخلاف الفقهي ، وتتعجب كثيرا وأنت ترى استماتة عجيبة منه في سبيل إدخال الاحتفال بالمولد ضمن الخلافيات السائغة!!
ويترحم على المالكي محيي عقيدة عمرة بن لحي.
ويزور الصوفية في معاقلهم "منتدى الروضة" "ومنتدى الوحدة" مبشرا بالتقارب مع الشيعة وغيرهم ومشيدا بحسن الصفار ، ومؤيدا لفتوى محمود شلتوت بجوز التعبد بالمذهب الجعفري!!
كأنه عالم ألم بدقائق الخلاف مع الشيعة وبمسائل المذهب الجعفري!!.
ويدافع عن خاشقجي ويصفه بالانتماء للتيار الإسلامي المتطرف!!!!!!
ومن هنا تعلم أي اعتدال ينادي به قاسم!! فمادام الشأن أن خاشقجي إسلامي متطرف فقل على اعتدال ووسطية الدكتور ومن معه من العصرانيين السلام!!.
وقينان الغامدي صديق مقرب كما الشيخ بندر الشويقي والشيخ سعيد بن ناصر!!
ولا ننسى دفاعه عن المستر عبد الرحمن الراشد وتركي الحمد ، وحمله على الشيخ الدويش في سبيلهما!
مع أننا لم نر له منذ ظهوره هجوما على ليبرالي واحد ، بل هو دائما يجتهد في تلميعهم ، ولا يعترف بتصنيفهم كليبراليين مع أنهم هم من صرح بانتمائهم لليبرالية!
ثم يقول عن نفسه أنه : سلفي وتربى تربية سلفية!!
أخيرا ليعلم من يعاتبني وهم ممن أحبهم وأقربهم أنه ليس بيني وبين قاسم عداوة شخصية ، بل وددت والله أني بعيدة عن هذا ، وأن قام له غيري .
والقضية مناقشة فكر "العصرانية" يريدون استبدال السلفية الأصيلة بها عبر طرح إعلامي منمق وتواصل إنساني مؤدب ومهذب.*
شذى صالح
=========
· لاحظ أنه يعبر بمصطلح الانخلاع وفرق بين التعبير بالتغير والانخلاع الذي يدل على خلع رداء ولبس آخر مغاير له.
· ولكن السلفية بإرثها الأصيل المستمد من الوحيين ، وخطابها المتميز البعيد عن ميوعة العصرنة باقية ثابتة على المحجة البيضا حتى يأتي أمر الله ، بل لعل في ظهور بدعة العصرانيين في هذا الوقت بالذات سبب في نهوض السلفية وعودتها وبقوة للساحة ، والقضاء على فتنة وبدعة العصرنة ، يقول ابن تيمية –رحمه الله- : (ومن أعظم أسباب ظهورالإيمان والدين , وبيان حقيقة أنباء المرسلين ظهور المعارضين لهم من أهل الإفكالمبين ؛ وذلك أن الحق إذا جُحد وعُورض بالشبهات , أقام الله -تعالى- مما يحقّ بهالحق , ويبطل به الباطل من الآيات والبينات بما يظهره من أدلة الحق)