تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 22

الموضوع: ما سبب اختلاف حكم تخضيب اللحية عن حكم اعفاءها

  1. #1

    افتراضي ما سبب اختلاف حكم تخضيب اللحية عن حكم اعفاءها

    بسم الله الرحمن الرحيم

    قال الرسول صلى الله عليه وسلم " إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم " وهذا عن تخضيب اللحية
    وقال في اعفاءها : "خالفوا المشركين وفروا اللحى واحفوا الشوارب "

    فالعلة في الحديث الأول مخالفة اليهود والنصارى وفي الثاني مخالفة المشركين .
    وأن الاثنان من الشرائع الظاهرة .
    مع ذلك لم يخضب جميع الصحابة لحاهم فلم يفهموا منه الوجوب ، فهل يوجد دليل أنهم فهموا الوجوب من حديث الإعفاء أم أن عادتهم كانت الإعفاء لذلك لم ينقل عنهم حلقها ، وإذا كانوا قد فهموا الوجوب فما وجه ذلك عند الأصوليين والعلة واحدة ؟

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    بلاد الحرمين
    المشاركات
    3,043

    افتراضي رد: ما سبب اختلاف حكم تخضيب اللحية عن حكم اعفاءها

    بسم الله الرحمن الرحيم

    باختصار شديد..
    لأنه في الأولى أتت نصوص تصرف الأمر عن الوجوب، بينما في الثاني فجميع النصوص دالة على الأمر، وهذا الأمر في الثاني لا يوجد ما يصرفه، ولم يصدر بصيغة الحث، فكان الفهم المراد منه = الوجوب _ طبعاً على الصحيح في ذلك؛ ولا عبرة بقول آخر غيره _.

    والله تعالى أعلم
    حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداءٌ له وخصوم
    كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لذميم

  3. #3

    افتراضي رد: ما سبب اختلاف حكم تخضيب اللحية عن حكم اعفاءها

    الأخ السكران التيمي

    بارك الله فيك ولكن أشكل علي شيء في النصوص التي صرفت النصوص عن الوجوب وهو أنه كما أعرف أن :
    1- التخضيب لم يكن عادة عند العرب في ذلك الوقت بمعنى أنه كان هناك من يتركها ولا أدري إن نقل أن أحدا فعلها قبل البعثة .
    2- أن إعفاء اللحية كان أمرا معروفا عند العرب فلم نسمع عن عربي كان يقص لحيته ولو كان ذلك لكان من الشاذ بخلاف التخضيب .

    فإذا فهم الصحابة رضي الله عنهم أن كلا الأمرين للاستحباب فسترى أن منهم رضي الله عنهم من سيخصب لحيته ومنهم من من لم يخضبها كما نقل لأنها في الأساس لم تكن مخضبة كلها ، وكذلك لو فهموا أن الأمر بالإعفاء للاستحباب ففي الغالب لن ترى أحدا منهم يترك الإعفاء لأن العادة إعفاءها فوافقت العادة في ذاك الوقت المستحب - فرضا - فلم يكن هناك حاجة لترك الإعفاء .

    فلم أجد دليلا في حد علمي وفهمي على أن الصحابة فهموا أن حكم التخضيب يختلف عن حكم الإعفاء لأن الثاني وافق العادة أصلا فلم نستطع الحكم من خلال هذا الصارف لأننا لا ندري أءبقوا عليها معفاة لأن ذلك للوجوب أو لأنه عادة ومستحب وحينها سنعود للحديث وللتخضيب فالصيغتان متشابهتان والعلة واحدة وفهم من التخضيب الاستحباب وهذا ما نستطيع الجزم به أما الصارف الذي ذكرته بارك الله فيك فلا نستطيع الحكم منه لأنه يحتمل كلا الامرين يحتمل كون الاعفاء مستحب وافق عادتهم فأبقوها كما هي ويحتمل أن الوجوب وافق العادة فكان تركها للوجوب لا للعادة.

    هذا الإشكال الذي لدي وأرجوا من الإخوة الإفادة .

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    بلاد الحرمين
    المشاركات
    3,043

    افتراضي رد: ما سبب اختلاف حكم تخضيب اللحية عن حكم اعفاءها

    بل كان التخضيب معروفاً عندهم، ودليله الحديث الذي ورد فيه دخول ثلاثة أصناف على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس قد غيروا البياض: أما الأول فقد خضب بالكتم، وأما الثاني فبالكتم والحناء، وأما الثالث فبالصفرة، وكل ما دخل واحد منهما مدحه على الذي قبله، ولم يكن سبق منه أمر بذلك بل هي على العادة السابقة للناس.

    بخلاف اللحية؛ فلا يسوغ أن نقول أن إعفاءها عادة لا ينكر على من لم يعفها، لأن النصوص كما قلت لك لا تسعف هذا الرأي.

    والله أعلم
    حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداءٌ له وخصوم
    كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لذميم

  5. #5

    افتراضي رد: ما سبب اختلاف حكم تخضيب اللحية عن حكم اعفاءها

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة السكران التميمي مشاهدة المشاركة
    بل كان التخضيب معروفاً عندهم، ودليله الحديث الذي ورد فيه دخول ثلاثة أصناف على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس قد غيروا البياض: أما الأول فقد خضب بالكتم، وأما الثاني فبالكتم والحناء، وأما الثالث فبالصفرة، وكل ما دخل واحد منهما مدحه على الذي قبله، ولم يكن سبق منه أمر بذلك بل هي على العادة السابقة للناس.

    بخلاف اللحية؛ فلا يسوغ أن نقول أن إعفاءها عادة لا ينكر على من لم يعفها، لأن النصوص كما قلت لك لا تسعف هذا الرأي.

    والله أعلم
    بارك الله فيك أرجوا أن تتحملني . فقد عدلت في المشاركة السابقة وأرجوا أن ترى التعديل

    واذا كان التخضيب معروفا فهل كان عاما بمعنى أن كل العرب تفعله إلا من شذ منهم . وهل كانت اللحية عامة في العرب بمعنى أن كل العرب تعفيها إلا من شذ منهم ؟

    فإذا كان التخضيب ليس عاما وهو الظاهر لي صح صرفنا الحكم في التخضيب للاستحباب لأن كل الصحابة لم يفعلوه .
    أما اللحية فإذا كانت عامة يعفيها العرب جميعا فلا يصح الصارف لأنه كان موجودا قبل وبعد الأمر ولم ندري أفهموها على الاستحباب أو الوجوب .

    أرجوا يا أخي الفاضل أن لا تأخذ كلامي من باب التقرير والإخبار ولكن من باب التساؤل .

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    بلاد الحرمين
    المشاركات
    3,043

    افتراضي رد: ما سبب اختلاف حكم تخضيب اللحية عن حكم اعفاءها

    أما بالنسبة للخضاب؛ فنعم كل العرب تفعله إلا من لم يرد ذلك، كحال أبي قحافة. لأنه ليس من مسائل الإنكار.
    أما بالنسبة للحية فقبل البعثة نعم؛ كانت شعاراً للرجولة والفحولة، وبعد البعثة قررت فكانت شعاراً دينياً وانصبغت بصبغة شرعية، فكان الخطاب الوارد فيها قد حولها من كونها عادة إلى كونها عبادة. فتأمل
    حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداءٌ له وخصوم
    كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لذميم

  7. #7

    افتراضي رد: ما سبب اختلاف حكم تخضيب اللحية عن حكم اعفاءها

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة السكران التميمي مشاهدة المشاركة
    أما بالنسبة للخضاب؛ فنعم كل العرب تفعله إلا من لم يرد ذلك، كحال أبي قحافة. لأنه ليس من مسائل الإنكار.
    أما بالنسبة للحية فقبل البعثة نعم؛ كانت شعاراً للرجولة والفحولة، وبعد البعثة قررت فكانت شعاراً دينياً وانصبغت بصبغة شرعية، فكان الخطاب الوارد فيها قد حولها من كونها عادة إلى كونها عبادة. فتأمل
    لا أخالفك أخي في كونها تحولت من عادة إلى عبادة ولكن هل اصبحت عبادة واجبة او عبادة مستحبة هذا السؤال بارك الله فيك .
    وكذلك التخضيب اذا كان عادة فقد تحول من كونه عادة إلى عبادة مستحبة . فما الفرق بين الاثنين ومن اين استدل اهل العلم على فهم الصحابة للوجوب

    بارك الله فيك على تحملك لي ولاسئلتي

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    بلاد الحرمين
    المشاركات
    3,043

    افتراضي رد: ما سبب اختلاف حكم تخضيب اللحية عن حكم اعفاءها

    أخبرتك أخي (حمدان) عن الجواب في أول مشاركة، فأعد النظر فيه رحمك الله.
    حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداءٌ له وخصوم
    كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لذميم

  9. #9

    افتراضي رد: ما سبب اختلاف حكم تخضيب اللحية عن حكم اعفاءها

    بارك الله فيك أخي الفاضل وجزاك الله خيرا . لكن ألا يصح أن يقال أن الأمرين مترابطين وإذا صرف أحدهما صارف فيشمل الأمر المرتبط به حيث أنهما مشتركان في العلة والأول معطوف على الثاني ؟

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    بلاد الحرمين
    المشاركات
    3,043

    افتراضي رد: ما سبب اختلاف حكم تخضيب اللحية عن حكم اعفاءها

    غفر الله لك يا (أبا عبد الله)..

    لا يلزم رحمك الله من اشتراك العلة اشتراك الحكم حتى يقاس هذا على هذا، فالعلة يختلف الحكم بسببها بحسب فحوى الخطاب.

    فليس الخطاب المتوجه في إغفاء اللحية كالخطاب الموجه في تغيير لون الشعر، وهو ما يعرف بالقرينة الصارفة رعاك الله.
    حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداءٌ له وخصوم
    كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لذميم

  11. #11

    افتراضي رد: ما سبب اختلاف حكم تخضيب اللحية عن حكم اعفاءها

    فتوى للشيخ سليمان الماجد – القاضي بمحكمة الرياض
    http://www.salmajed.com/ar/node/4173
    س : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. هناك رجل يأخذ بقولكم في الأخذ من اللحية ، فيجعل لحيته خفيفة جداً ـ رقم أربعة ـ ويحتج بقوله : أهم شي ظهور السواد ولو كانت خفيفة ؛ فما رأيكم ونصيحتكم ؟

    ج : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..الأخذ من اللحية : فهو جائز في قول جماهير السلف والخلف ، ونص عليه فقهاء المذاهب الأربعة ، وقد أخذ منها ابن عمر وأبو هريرة بمحضر من الصحابة والتابعين دون أن يُنقل نكير ، والأولى أن يكون بقدر القبضة فقط خروجاً من الخلاف . والله أعلم.اهـ
    جمهور الفقهاء من أحناف ومالكية وحنابلة وقول عند الشافعية على وجوب إعفاء اللحية وحرمة حلقها والكلام في هذه المسألة قليل جدا في كتب الفقه المذهبية والمستقلة وذلك لأنه لم يكن بهم حاجة للخوض في هذه المسألة لأن المجتمع كله-تقريبا-كان ملتحيا عادة أكثر منه عبادة فلم تكن بهم حاجة لحلقها.
    ,من المعروف أن المعتمد عند الشافعية كراهية حلق اللحية لا حرمته .
    ذكر ذلك شيخا المذهب الشافعي: الإمام النووي والإمام الرافعي، وأقرهم عليه المتأخرون كابن حجر الهيتمي والرملي وهما عمدة من جاء بعدهم في الفتوى على المذهب .
    وانظر كلام الرملي في الفتاوى المطبوعة بهامش فتاوى ابن حجر 4/ 69:
    ‏( باب العقيقة ) ( سئل ) هل يحرم حلق الذقن ونتفها أو لا ؟ ( فأجاب ) بأن حلق لحية الرجل ونتفها مكروه لا حرام , وقول الحليمي ‏في منهاجه لا يحل لأحد أن يحلق لحيته ولا حاجبيه ضعيف .‏
    ,والقول بالكراهة لحلق اللحية صرح به في كتاب الشهادات البجيرمي في حاشيته على شرح الخطيب لمتن أبي شجاع في الفقه الشافعي.
    ,
    وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى كما في شرح مسلم (1/154( :”يكره حلقها وقصها وتحريقها أما الأخذ من طولها وعرضها فحسن“.
    , وقد قال شطا الدمياطي في حاشيته النفيسة في المذهب “إعانة الطالبين” 2 / 240 عند قول الشارح (ويحرم حلق اللحية) ما نصه :
    المعتمد عند الغزالي وشيخ الإسلام _ أي القاضي زكريا الأنصاري كما هو اصطلاح المتأخرين _ وابن حجر في التحفة والرملي والخطيب _ أي الشربيني _ وغيرهم الكراهة .”
    ,وأما فتاوى العلماء المعاصرين فأغلب علماء السعودية على حرمة حلقها وفتاواهم في ذلك أشهر من أن تذكر- ولكن الغريب أنه لا تنشر الفتاوى الأخرى المبيحة أو الكارهة فقط لحلقها, وكذلك لا تنشر فتاوى من حرم حلقها في الظروف العادية ورخص في حلقها في ظروف استثنائية
    ويقول أحد الأساتذة/

    نرى أن في حلق اللحية ثلاثة أقول: قول بالتحريم وهو الذي ذكره ابن تيمية وغيره. وقول بالكراهة وهو الذي ذكر في الفتح عن عياض ولم يذكر غيره. وقول بالإباحة وهو الذي يقول به بعض علماء العصر. ولعل أوسطها أقربها وأعدلها -وهو القول بالكراهة- فإن الأمر لا يدل على الوجوب جزما وإن علل بمخالفة الكفار، وأقرب مثل على ذلك هو الأمر بصبغ الشيب مخالفة لليهود والنصارى، فإن بعض الصحابة لم يصبغوا، فدل على أن الأمر للاستحباب.
    صحيح أنه لم ينقل عن أحد من السلف حلق اللحية، ولعل ذلك لأنه لم تكن بهم حاجة لحلقها وهي عادتهم.والله أعلم.
    ,ويقول الشيخ فيصل مولوي-نائب رئيس المجلس الأوربي للإفتاء-:

    ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة وهو قول في مذهب الشافعية، إلى حرمة حلق اللحية لأنه مخالف للأمر النبوي بالإعفاء، والأصح في مذهب الشافعية أن حلق اللحية مكروه، وقال كثير من العلماء المعاصرين إن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحى وتوفيرها إنما يُحمل على الاستحباب وليس الوجوب، لذلك لم يجدوا شيئاً في حلق اللحية، وقالوا إنما هي من الأفعال العادية للرسول صلى الله عليه وسلم وليست من الأمور التعبدية الشرعية، والحق أن النهي عن حلق اللحية جاء في عدد من النصوص الصريحة الواضحة التي لا خلاف فيها. وإنما قيس على أمره صلى الله عليه وسلم بالتخضب أي صبغ الشعر، حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتغيير الشيب مخالفة لليهود والنصارى، وثبت أن بعض الصحابة خضب وبعضهم لم يخضب، وفهموا من أمر النبي الاستحباب وليس الوجوب، أما في موضوع اللحية فإنه لم ينقل عن واحد من السلف حلق اللحية، ولعل ذلك يرجع إلى عدم حاجتهم إلى حلقها وأنها عادتهم، أما إن كان هناك خوف على دين المسلم أو ماله أو نفسه أو عرضه ، فإنها تكون ضرورة عند جميع المذاهب والضرورات تبيح المحظورات.

  12. #12

    افتراضي رد: ما سبب اختلاف حكم تخضيب اللحية عن حكم اعفاءها

    ,ويقول الشيخ عطية صقر-رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف سابقا ومن كبار علماء الأزهر الشريف-:

    سؤال: تتمسك بعض الجماعات بإعفاء اللحية، وترمي من يخالف ذلك بالفسق وعدم الإئتمام به في الصلاة، فما رأي الدين في ذلك؟
    الجواب: اللحية هي الشعر النابت على الذقن خاصة، وهي مجمع اللحيين، وهما العظمان اللذان تنيت عليهما الأسنان السفلي. والعارضان هما صفحتا الخد.
    وإعفاء اللحية –أي تركها بدون حلق- فرط فيه جماعة وأفرطوا في عيب الآخرين، كما أفرط في التمسك بإعفائها جماعة وفرطوا في احترام الآخرين. والدين لا يقر مسلك الطرفين، ذلك أن القدر المتفق عليه بين الفقهاء أن إعفاءها مطلوب، لكنهم اختلفوا في درجة الطلب مع مراعاة علة الحكم وهي مخالفة المشركين، فقال جماعة بوجوب إعفائها، وقال جماعة بالندب، ومعلوم أن الواجب ما يثاب المرء على فعله ويعاقب على تركه، والمندوب ما يثاب المرء على فعله ولا يعاقب على تركه.
    فالقائلون بوجوب إعفائها استدلوا بحديث الصحيحين “خالفوا المشركين، وفروا اللحى، واحفوا الشوارب” واللحى بكسر اللام –وقد تضم- جمع لحية. فحملوا الأمر هنا على الوجوب. والقائلون بندب إعفائها استندوا إلى حديث مسلم عشرة من الفطرة:، قص الشارب وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظافر، وغسل البراجم –جم برجمة بضم الباء والجيم وهي عقد الأصابع ومفاصلها- ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء” يعني الاستنجاء، قال مصعب: ونسيت العاشرة، إلا أن تكون المضمضة. فقالوا: إن إعفاء اللحية شأنه شأن الأمور المذكورة في الحديث، وليست كلها واجبة، كالسواك والاستنشاق وقص الأظافر، فلماذا لا يكون إعفاؤها مندوبًا؟ ولا يحتج عليهم بأن إعفاء اللحية ورد فيه أمر مخصوص معلل بمخالفة المشركين، وهذه المخالفة تصرف الأمر للوجوب ولا يحتج عليهم بذلك لأن الأمر عندهم في الحديث هو للندب لا للوجوب، ومخالفة المشركين لا تصرف الأمر للوجوب، لأنه لو كانت كل مخالفة للمشركين واجبة لوجب صبغ الشعر الذي ورد فيه الحديث الذي رواه الجماعة “إن اليهود لا يصبغون فخالفوهم” وقد أجمع السلف على عدم وجوب صبغ الشعر، فقد صبغ بعض ولم يصبغ بعض آخر كما قاله ابن حجر في فتح الباري. فالأمر هو للإرشاد فقط، وهو لا يفيد الوجوب في كل حال، وفي شرح النووي لصحيح مسلم ج14 ص80″ ما نصه: قال القاضي –عياض- قال الطبراني: الصواب أن الآثار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم بتغيير الشيب وبالنهي عنه كلها صحيحة وليس فيها تناقض، بل الأمر بالتغيير لمن شيبه كشيب أبي قحافة، والنهي لمن له شمط فقط. قال: واختلاف السلف في فصل الأمرين بحسب اختلاف أحوالهم في ذلك، مع أن الأمر والنهي في ذلك ليس للوجوب بالإجماع، ولهذا لم ينكر بعضهم على بعض خلافه في ذلك. ا هـ.
    ولهذا قال بعض العلماء: لو قيل في اللحية ما قيل في الصبغ من عدم الخروج على المألوف من عرف أهل البلد لكان أولى، بل لو تركت هذه المسألة وما أشبهها مما ليس فيه قربة ولا يحصل منه ضرر للشخص ولا لغيره –لو تركت لظروف الإنسان وتقديره ونيته ما كان في ذلك بأس. جاء في كتاب نهج البلاغة “ج2 ص141″ سئل علي عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: “غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود” فقال: إنما قال النبي ذلك والدين قل، فأما الآن وقد اتسع نطاقه وضرب بجرانه فامرؤ وما يختار.
    جاء في فتاوى الشيخ محمود شلتوت “ص 210″ أن الأمر كما يكون للوجوب يكون لمجرد الإرشاد إلى ما هو أفضل، وأن مشابهة المخالفين في الدين إنما تحرم فيما يقصد فيه التشبه من خصالهم الدينية، أما مجرد المشابهة فيما تجري به العادات والأعراف العامة فإنه لا بأس بها ولا كراهة ولا حرمة. ثم قال: الحق أن أمر اللباس والهيئات الشخصية –ومنها حلق اللحى- من العادات التي ينبغي أن ينزل المرء فيها على استحسان البيئة. ا هـ.
    هذه هي الآراء، ولكل مسلم أن يختار منها ما يطمئن إليه قلبه، وإن كنت أرى أن أدلة الطلب قوية وأن القول بالوجوب هو قول جمهور الفقهاء فهو أرجح، وعليه فمن أعفى لحيته يطمئن إلى ثوابه، ومن حلقها لا يجزم بعقابه.
    وأنصح بعدم التعصب وحدة الخلاف في هذا الموضوع. إلى الدرجة التي تكون فيها مقاطعة وخصام واحتقار وعدم اقتداء في الصلاة، فالحرمة ليس مجمعًا عليها من الفقهاء، وليست بالقدر الذي حرمت به السرقة والربا والرشوة وما إلى ذلك من الأمور التي يجب أن نوجه إليها اهتمامنا لنطهر أنفسنا ومجتمعنا منها، ولندخر قوانا الفكرية والعصبية والنفسية للوقت الذي ينادينا فيه ديننا للنهوض بأهله وتخليصهم من تحكم العدو فيهم، فذلك جهاد لا ينقطع إلى يوم القيامة.
    ,ويقول الدكتور/محمد سيد أحمد المسير-أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر-:

    اختلف العلماء في حكم إطلاق اللحية، والذي نراه ونطمئن إليه أنها سنة تُفعل عند المقدرة وعدم الموانع، ويستطيع كل إنسان أن ينوي إطلاقها إذا كان غير مطلقٍ لها، ويتخير الوقت المناسب لإطلاقها إذا كان يجد في مجتمعه أو بيئته بعض الموانع والمضار، وليس الأمر يتوقف على المظهر وحده إنما نحن في حاجة إلى مخبر ومظهر، وإلى عقيدة وسلوك ولا ينبغي أن تكون مثل هذه الموضوعات المتعلقة باللحية أو الثوب القصير أو الإسبال مصادر خلافات ومنازعات، فإن قضايا الإسلام أعمق من ذلك كله، وهناك أولويات في فقه الدعوة يجب أن نراعيها حتى لا تتبدد الجهود ونستهلك الوقت والعقل فيما لا طائلة من ورائه، والله أعلم .
    ويقول الشيخ عبد الرزاق القطان -مقرِّر هيئة الفتوى والرقابة الشرعيَّة ببيت التمويل الكويتي-:

    اللحية معدودة في السنن المؤكدة عند جمهور العلماء، على خلاف في ذلك بين موجب وغير موجب، مع أنه لم ير بعض الفقهاء شيئاً في حلقها لغير عذر.

    وأما حلقها لعذر؛ سواء كان بدنياً من مرض حساسية مثلاً، أو غيره، أو كان عذراً عاماً: كمتطلبات مهنة، أو متطلبات أمن، فإن حالقها معذور.
    وأما طولها؛ فليس فيه نص يوجب حدًّا معيناً؛ لأن التوجيه في الحديث إلي مطلق الترك. ومعلوم أن من ترك لحيته، ولو شيئا يسيراً؛ فهو يقع في مفهوم مطلقي اللحية، إلا أنه ثبت أن لحية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كانت على عادة أهل زمانه عظيمة وافرة، وكذلك كانت لحى أصحابه (رضوان الله عليهم).
    وقد ورد أن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) كان إذا فرغ من موسم الحج قبض بيده على لحيته، ثم أخذ ما زاد عن ذلك.
    على أنه ينبغي التنبه إلي قضية هامة، وهي أنه لا يمكن إلزام جميع المسلمين بقول واحد في المسائل الخلافية، كما أنه لا يجوز أن يشنع المسلم على الآخرين إذا خالفوه في مسائل الخلاف.
    ولا يليق أن يضيع المسلم جهده وجهد غيره في مسائل خلافية، بينما لا تفرق قذائف اليهود الغاصبين بين صاحب لحية أو حالقها، ولا تخاطب البرامج الهدامة أصحاب اللحى أو حالقي اللحية. فعلينا أن نجعل همنا في التقريب والتأليف بين المسلمين، والتصدي صفًّا واحداً أمام مكائد الأعداء. والله تعالى أعلم.
    ,ويقول فريق من الباحثين:

    وردت أحاديث كثيرة في أمر بإحفاء الشارب وإعفاء اللحية مقروناً بالأمر بمخالفة المشركين أو المجوس أو اليهود والنصارى كحديث ابن عمر مرفوعاً (خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب) متفق عليه وجاء في اللحية (اعفوا أوفوا وأرخوا وارجوا ووفروا) ومعناها كلها تركها على حالها.
    ومع ذلك فقد اختلف العلماء قديماً وحديثاً في الأخذ من اللحية أو نتفها أو حلقها أو إطلاقها دون أخذ منها، وما بين منكر لنتفها أو حلقها وجعل ذلك بدعة محرمة وبين مجيز لذلك وجعله من سنن الفطرة التي هي من المستحبات أو المكروهات ومنهم من قال هي سنة واجبة ومنهم من جعلها سنة مؤكدة ومنهم من جعلها من المستحبات ومنهم من جعلها من سنن العادات- عادت القوم والبيئة- ومنهم من جعلها من خصائص النبي.
    وكل هؤلاء علماء مجتهدون على مختلف العصور، ولم ينكر بعضهم على بعض اجتهادهم وإنما قبلوا هذا الاختلاف الذي هو نوع اختلاف التنوع وليس التضاد.

    وهذا الخلاف ناتج من فهم العلماء للأمر في الحديث; فالحديث يشتمل على نوعين من الأمور: الأمر الأول بمخالفة المشركين وهذا الأمر يفيد الوجوب حتماً لأن الكثير من الآيات والأحاديث شددت في ذلك وتوعدت عمن لا يخالفهم تديناً كما سردها ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم. أما الأمر الآخر فهو مخالفتهم في بعض السمات والمظاهر كاللحية والشارب. فهل الأمر الأخير ينزل كالأول منزلة الوجوب أم أن للندب أم للعادة أم للإشادة. هذا هو مناط الإختلاف بين العلماء،.

    ولكي نحرر موضع النزاع هذا ننظر إلى أقوال العلماء فيما شابه هذا الحديث، فقد وردت أحاديث أخرى فيها الأمران معاً الأول بالمخالفة والأخر بتعيين صفة ما لتحقيق هذه المخالفة، مثل حديث أبن عباس مرفوعاً وأن اليهـود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم) رواه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود، وفى رواية للترمذي (وغيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود) ومع ذلك فقد اتفق الجميع على وجوب مخالفتهم خاصة في ما يتعلق بأمور دينهم، ولكن العلماء والصحابة والسلف الصالح قد اختلفوا في الخضاب وجنسه، فقال بعضهم ترك الخضاب أفضل، وبعض الصحابة خضب وأخرون لم يخضبوا.

    وقال الطبري: واختلاف السلف في فعل الأمرين بحسب اختلاف أحوالهم في ذلك مع أن الأمر والنهى في ذلك للوجوب بالإجماع، ولهذا لم ينكر بعضهم على بعض (نيل الأوطار 1/ 141) وشرح النووي على مسلم (14/80).
    وقال القاضي عياض: وقال غيره يعنى غير الطبري من العلماء- هو على حالين فمن كان في موضوع عادة أهل الصبغ أو تركه فخروجه عن العادة شهرة ومكره، والثاني أنه يختلف باختلاف نظافة الشيب، فمن كان شيبته تكون نقية احسن منها مصبوغة فالترك أولى ومن كانت شيبته تستبشع فالصبغ أولى.
    وكذلك حديث الصلاة في النعال ومخالفة اليهود.
    فلم يقل أحد بوجوب الصلاة في النعال وإن كان الجميع متفقون على وجوب المخالفة.
    بل حديث اللحية نفسه، جمع اللحية والشارب معاً في مخرج واحد (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى) رواه أحمد ومسلم عن أبى هريرة (خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب) متفق عليه عن ابن عمر.

    ومع ذلك فقد اختلف العلماء في تطبيقه، فكثير من السلف والكوفيين كأبي حنيفة وزفر وأبى يوسف ومحمد بن الحسن وكذلك أحمد وأصحاب الشافعي كالمزني والربيع المرادي كل هؤلاء ذهبوا إلى استئصال الشارب وحلقه لظاهر قوله (احفوا وانهكو) وذهب مالك وآخرون إلى منع الحلق والاستئصال، وكان مالك يرى تأديب من حلقه وروى عن ابن القاسم تلميذ مالك أنه قال (إحفاء الشارب مثله) وبعضهم يرى قص ما طال عن الشفتين، وهو ما اختاره مالك والنووي من المتأخرين، وفى رواية عن أحمد أنه ساوى بين الإحفاء والقص وما فيهما لا بأس.
    راجع نيل الأوطار للشوكاني (1/138)

    إذاً لماذا أختلف العلماء في فهم الأمر بإحفاء الشارب حتى قال بعضهم إن الإحفاء مُثْلَهَ وكلمة الإحفاء هي نص الحديث في إحدى الروايات، لعل ذلك راجع إلى العرف أو البيئة وفهم الأمر الذي هو عندهم للإرشاد كوسيلة من وسائل المخالفة وإلا ما اختلفوا هذا الاختلاف.
    وفى مثل هذه الأحاديث عقب الأمر بالوصف المشتق المناسب وذلك دليل على أن مخالفة المجوس أمر مقصود للشارع وهو العلة في هذا الحكم كما يقول ابن تيمية وغيره ويقول: ولهذا لما فهم السلف كراهة التشبه بالمجوس في هذا وغيره كرهوا أشياء غير منصوصة بعينها عن النبى من هدى المجوس، وضرب مثلاً بكراهة أحمد لحلق القفا لأنه من فعل المجوس وانزل المفهوم من حديث اللحية منزلة حديث صبغ الشيب فقال والتقرير من هذا الحديث شبيه بالتقرير من قوله (لا يصبغون فخالفوهم) (اقتضاء الصراط المستقيم/ 59)
    وهذا هو الحق فكل أحاديث المخالفة تحتوى شقين:
    الأول: وجوب المخالفة للمشركين في هديهم وما يتعلق بدينهم وعبادتهم وهذا لا خلاف فيه.
    الثاني: الإرشاد إلى بعض الجوانب والمظاهر التي بها يحصل التميز وتظهر المخالفة ويمكن الجمع بين الأمرين بأنه على المسلم أن يأتي عملاً أو مظهراً أو سلوكاً يظهر منه التميز عن المشركين وليس شرطاً وجوب الامتثال بالمخالفة في اللحية أو الصبغ أو الصلاة في النعال، بدليل أن الصحابة كثير منهم لم يصبغوا ولم يصلوا في النعال ولم يلتزموا هيئة واحدة في الشارب بل روى مالك عن عمر أنه كان إذا غضب برم شاربه لذلك يقول الشيخ محمود شلتوت ونحن لو تمشينا مع التحريم لمجرد المشابهة في كل ما عرف عنهم من العادات والمظاهر الزمنية لوجب علينا الآن تحريم إعفاء اللحى لأن شأن الرهبان في سائر الأمم التي تخالف في الدين، ولوجب الحكم بالحرمة على لبس القبعة وبذلك تعود مسألتها جذعة (أصلية ) بعد أن طوى الزمن صفحتها، وأخذت عن الناس مسلك الأعراف العامة التي لا تتصل بتدين ولا فسق ولا بإيمان وكفر.

    ويقول: والحق أن أمر اللباس والهيئات الشخصية ومنها حلق اللحية من العادات التي ينبغي أن ينزل على استحسان البيئة فمن(وجدت) بيئته على استحسان شئ منها كان عليه أن يساير بيئته، وكان خروجه عما ألف الناس فيها شذوذاً عن البيئة راجح الفتاوى للشيخ شلتوت ص( 129)
    والحق أن الشيخ شلتوت يوضح ما ذهب إليه الإمام الطبري المجتهد من نحو ألف عام كما سبق.
    تبقى هناك نقطتان هامتان:
    الأولى: هناك من يأخذ بسنية اللحية وتوكيدها أو جوبها ولكن قد تَعرض له ظروف أو واجبات تدفعه إلى حلقها كأن يضار بسببها في معيشته وعمله وهو ملزم بالنفقة على بيته وأولاده فيصيبهم الضرر لذلك، فهنا يتعارض واجبان أو أن تتعارض مع القيام بمهام الدعوة الإسلامية والأمر بالمعروف النهى عن المنكر في بعض البلدان، لطبيعة المجتمع والنظم القائمة والوسائل المتاحة لتبليغ الدعوة وهنا أيضاً يتعارض واجبان.
    وفى مثل هذه الحالة أو غيرها مقرر في الأصول أنه إذا تعارض واجبان قدم أوجبهما، ولا شك أن الأوجب هو ما أجمع العلماء على وجوبه دون خلاف كالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والعمل لإقامة الدين ودولة الإسلام وكذلك النفقة على النفس والأولاد والأهل، والأقل وجوباً ما كان مختلفاً فيه بين الوجوب والتوكيد والاستحسان والندب والإرشاد والعرف.
    وقد روى ابن كثير في تاريخه في فتح بيت المقدس أن صلاح الدين أمر جنوده أن يحلقوا لحاهم ويغيروا من ثيابهم وهيئتهم لخداع العدو ولمصلحة المسلمين ولم ينكر عليه أحد مع العلم بأن صلاح الدين كان عالماً محدثاً وكان في عصره مئات العلماء والأئمة ولم يؤثر عن أحدهم إنكار ذلك، بل ابن كثير يسوق هذا الخبر سياق المشيد بحكمة صلاح الدين وحسن تصرفه.
    بل قديماً طلب النبي من نعيم بن مسعود كتم خبر إسلامه لمصلحة الدعوة، وفى القرآن (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه رجلاً أن يقول ربى الله…) الآية.
    ولا شك أن كتم الإسلام والإيمان أشد من كتم مظهر من مظاهرهما بل سمح النبي لمحمد بن مسلمة وصحبه أن يذكروه ببعض سوء حين أمرهم بقتل كعب الأشراف اليهودي، وذلك من أجل أن يتمكنوا منه.
    الثانية: هناك بعض المتحمسين الذين لا يدركون دقائق العلم ولا يلمون بقول العلماء من السلف والخلف يسارعون بالإنكار على من خالف رأيهم بل يبدعونه ويضللونه ويكفرونه أحياناً لا لشئ إلا لمجرد خلافه لهم وقد يصل الحال إلى الخصومة والفرقة والتشتت والتنابز بالألقاب في الدروس وعلى المنابر.

    وهؤلاء حتماً وقعوا في بدعتين عظيمتين:
    البدعة الأولى: هي الإنكار على المخالف فيما اختلف فيه العلماء وفيما تطرق إليه الاحتمال والقاعدة الأصولية على أنه (ما اختلاف فيه لا إنكار فيه) وكذلك (ما يتطرق إليه الاحتمال يسقط به الاستدلال) والمأثور عن النبي والصحابة والسلف قبول الاختلاف في أمور كثيرة كقصة صلاة العصر في بنى قريظة وكذلك (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله) وغير ذلك كثير وقول عمر بن عبد العزيز (اختلاف الأمة رحمة) وامتناع مالك عن جمع الناس على مذهب أو رأى واحد وقول الشافعي رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأى غيري خطأ يحتمل الصواب، وقول أبى حنيفة وأحمد إذا وافق قولي الحديث وإلا فاضربوا به عرض الحائط).
    وإذاً الخلاف الفقهي أمر مقرر في الشريعة والتاريخ الإسلامي وفي عهد النبوة ورافض هذا الاختلاف مبتدع في الدين بدعة أصلية لا وكيل عليها إلا الانتصار للنفس واتباع ما تهوى الأنفس.
    البدعة الثانية:
    التخاصم والتفرق والتنابز بسبب هذا الاختلاف ورمى المخالف بالتبديع والتفسيق والتضليل والتكفير.
    وهذا فيه شق لأمر الأمة خاصة في مثل الظروف التي يمر بها العالم الإسلامي اليوم من ضعف واستهداف من قبل أعدائه، فهم بذلك يسهلون العدو دورة، بدلاً من التآلف والتلاحم ووحدة الصف.
    وقد جاءت الآيات والأحاديث الكثيرة تدعو إلى الوحدة وتحذر من التفرق وتتوعد من يعمل على تفريق الأمة واضعاً فهما.
    (
    واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا).
    (
    ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ويحكم).
    نخرج من هذا بأن اللحية أو حلقها من الأمور المختلف فيها- كما تقدم- ولذلك فمن أطلق لحيته أخذاً برأي من قال بوجوب إطلاقها- جزاه الله على فعله إحساناً ولكن لا يجوز له أن ينكر على من أخذ بالآراء الفقهية الأخرى أو رميه بالفسق أو الابتداع أو غيره لأنه يلزمه بذلك أن يرمى الصحابة والتابعين الذين أطالوا شواربهم أو حلقوها تماما أو تركوا الصبغ أو صلوا حفاة بأنهم مبتدعون أو واقعون في الحرام، وهذا خطر عظيم يقع فيه من لم يحيطوا بعموم المسائل.والله تعالى أعلى وأعلم.

    وفي كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- الشهير(اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم)(176-177) في معرض حديثه عن مخالفة الكفار في الهدي الظاهر يقول رحمه الله وأجزل مثوبته:

    (إن المخالفة لهم لا تكون إلا بعد ظهور الدين وعلوه كالجهاد وإلزامهم بالجزية والصغار فلما كان المسلمون في أول
    الأمر ضعفاء لم يشرع المخالفة لهم فلما كمل الدين وظهر وعلا شرع ذلك ومثل ذلك اليوم: لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأمورا بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر لما عليه في ذلك من الضرر بل قد يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحيانا في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين والإطلاع على باطن أمرهم لإخبار المسلمين بذلك أو دفع ضررهم عن المسلمين ونحو ذلك من المقاصد الصالحة.
    فأما في دار الإسلام والهجرة التي أعز الله فيها دينه وجعل على الكافرين بها الصغار والجزية:ففيها شرعت المخالفة وإذا ظهرت الموافقة والمخالفة لهم باختلاف الزمان ظهر حقيقة الأحاديث من هذا)أ.هـ.


  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    بلاد الحرمين
    المشاركات
    3,043

    افتراضي رد: ما سبب اختلاف حكم تخضيب اللحية عن حكم اعفاءها

    المعذرة منك أخي (عبد الجليل سعيد)..

    لكن لينتبه الإخوة ويحذروا ففي الكلام الذي نقله الأخ (عبد الجليل سعيد) حق وباطل، وغثٌ وسمين، فلا يؤخذ الكلام بالتسليم أبداً في مجمله، بل لا بد من تنقيحه وتدقيقه، ونخله وتصفيته، خاصة في فتاوى المعاصرين وآراءهم.
    وقد بُين حكم هذه المسألة في غير هذا المقام الذي لا يحتمل ذكره هنا، وفيما ذكر هناك كفاية عنه هنا.

    فقط احببنا التنبيه على النقولات، والله يهدي للحق وهو خير الحاكمين.
    حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداءٌ له وخصوم
    كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لذميم

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jun 2009
    المشاركات
    106

    افتراضي رد: ما سبب اختلاف حكم تخضيب اللحية عن حكم اعفاءها

    الامر للواجب فإعفاء اللحية واجب لإمره عليه الصلاة والسلام إلا إذا وجد صارف ولا صارف هنا
    وتغيير البياض أمر للوجوب لكن وجود صارف جعله مستحب وهو ُعدّ بلحيته صلى الله عليه وسلم شعرات بيضاء
    س/
    يقول: ما حكم حلق اللحى؟
    ج /حرام، جاءت النصوص الكثيرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أكرموا)) ((وفروا)) ((أعفوا)) ونقل ابن حزم لأنه يقول: هل هي كبيرة أو صغيرة؟ نقل ابن حزم الإجماع على أن حلق اللحية كبيرة من كبائر الذنوب،
    س/هل هي سنة أو واجبة؟
    ج / نقول: واجبة وجوباً متأكداً
    الشيخ عبدالكريم الخضير

    والله أعلم وأحكم..
    موقع الشيخ الدكتور / عبدالكريم الخضير

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    بلاد الحرمين
    المشاركات
    3,043

    افتراضي رد: ما سبب اختلاف حكم تخضيب اللحية عن حكم اعفاءها

    أخي العزيز (حمدان).. سأعيد ترتيب الكلام بدقة أكثر حتى يتضح لك الأمر إن شاء الله، وحتى يكون حديثنا منصباً على أساس وصلب مداخلتك:

    إعلم أخي الكريم أن خطاب الوضع _ وهو ما استفيد بواسطة نصب الشارع عَلَماً مُعَرِّفاً لحكمه؛ لتعذر معرفة خطابه في كل حال _ وهذا العَلَمُ المنصوب من الشارع له أصناف تؤدي بدورها إلى خطاب الوضع، والذي من خلالها نستنتج الحكم الشرعي.
    ومن هذه الأصناف التي تؤدي إلى خطاب الوضع (العلة) وهي: ما أوجب الحكم الشرعي لا محالة، والذي هو عبارة عن مجموع مركب من: (مقتضى الحكم وشرطه ومحله وأهله)، ويدخل تحتها أيضاً: مقتضى الحكم وإن تخلف المقتضى لفوات شرط أو وجود مانع، كما يدخل تحتها: الحكمة.

    ثم لتعلم رحمك الله أنه يجوز تعليل حكمين بعلة، لكن وفقاً لما سبق؛ لا يستلزم إتفاقهما في العلة إتفاقهما في الحكم الشرعي، بناءً على ما سبق فيما أوجب الحكم الشرعي.

    واعلم أيضاً بوركت أن صيغة (افعل) ترد لمعانٍ عديدة فمنها:
    1) الوجوب؛ كقوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة}، وقوله عليه الصلاة والسلام: "..وفروا اللحى..".
    2) الندب؛ كقوله تعالى: {فكاتبوهم..}، وقوله عليه الصلاة والسلام: ".. فخالفوهم".

    والأمر المجرد عن قرينة يقتضي الوجوب على الصحيح الصواب والذي عليه جماهيرالعلماء، ولا ينصرف إلى الندب إلا بقرينة.
    وعند النظر في أدلة إعفاء اللحية وجدناها أوامر مجردة، فحوى الخطاب فيها صريح، صدرت على وجه القطع والشدة والتغليظ، بعكس أدلة تغيير الشيب وصبغه فإننا وجدناها قد صرفت عن الوجوب بقرائن وليست قرينة، فمنها:
    - صيغة الخطاب غير الجازمة، والمشعرة بالتخيير.
    - أنه صلى الله عليه وسلم قد كان فيه شعرات بيضاء ومع ذلك لم يصبغ عليه الصلاة والسلام.
    - أن في إيجاب الصبغ على من كثر شعره الأبيض مشقة، فليس كل احد بإمكانه إيجاد ما يخضب به، وفي هذا مخالفة لهديه صلى الله عليه وسلم في التيسير ورفع الحرج.
    - النصوص الكثيرة في أنه عليه الصلاة والسلام كان يعجبه تغيير البياض لكن دون إيجاب.
    وغير ذلك مما دل على صرف الأمر إلى الندب.
    فلذلك قال الأصوليين: (وإذا صرف الأمر عن الوجوب؛ جاز الاحتجاج به في الندب والإباحة) وهو قول جمهور أهل العلم.

    وفيما سبق ردٌ على قولك: (فلم أجد دليلا في حد علمي وفهمي على أن الصحابة فهموا أن حكم التخضيب يختلف عن حكمالإعفاء لأن الثاني وافق العادة أصلا فلم نستطع الحكم من خلال هذا الصارف لأننا لاندري أءبقوا عليها معفاة لأن ذلك للوجوب أو لأنه عادة ومستحب وحينها سنعود للحديثوللتخضيب فالصيغتان متشابهتان والعلة واحدة).

    وأزيد أيضاً فأقول:
    بل عرفوا وفهموا رضي الله عنهم مفهوم الخطاب في كلا الحالتين، فليس كل عادة توافق حكماً تكون هي موجبة ذلك الحكم، بل الحكم ثبت بالشرع وأتى مُقراً لهذه العادة، فأصبحت بذلك شرعية تترتب عليها حسنات وسيئات، وثواب وعقاب، بعكس العادة التي أتى الشرع بتقريرها لكن على وجه الندب والتحفيز، والحث والحض، لأنها من العادات السليمة الحسنة التي غفل عنها بعض الناس فناسب في الشرع التذكير بها على وجه الإستحباب والندب والإباحة، لا على وجه الإيجاب والإلزام.
    فعرفنا من ذلك أن إبقاءهم لها بعد الأمر بها ليس لكونها عادة أبدا، بل لكونها شرعاً مأموراً به الآن.
    حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداءٌ له وخصوم
    كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لذميم

  16. #16

    افتراضي رد: ما سبب اختلاف حكم تخضيب اللحية عن حكم اعفاءها

    جزاك الله خيرا أخي السكران التميمي على التوضيح .

    وعندي سؤال : وهو عندما صرف حكم فعل التخضيب من الوجوب إلى الندب فهل هذا الصرف شامل لعلة التخضيب التي هي المخالفة أم هو غير شامل للعلة ؟ مع بيان السبب بارك الله فيك .

    وبصيغة أخرى هل الصارف يصرف حكم الفعل وعلته بمعنى أنه إذا وردت نفس العلة في حكم آخر قلنا أنه للندب لأن العلة صرفها صارف عن أن تكون علة موجبة ، أم يصرف الصارف أحدهما فقط ولماذا ؟

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    120

    افتراضي رد: ما سبب اختلاف حكم تخضيب اللحية عن حكم اعفاءها

    السلام عليكم
    التشبه بالكفار ليس على مرتبة واحدة .
    فمن التشبه ما يكون كفرا .
    ومن التشبه ما يجب فيه المخالفة
    ومنه التشبه ما تستحب فيه المخالفة .

    وقد جاء ان النبي عليه الصلاة والسلام أمر بالسحور لمخالفة اليهود , ومع ذلك لم يقل احد انه واجب وتاركه آثم , إذ المخالفة هنا مستحبة وليست واجبة , كمسألة الخضاب , ولبس النعال في الصلاة وماشابهها .

    والله تعالى أعلم .

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    الدولة
    أينما رحلتُ فإنما أسيرُ في أرضي
    المشاركات
    414

    Arrow رد: ما سبب اختلاف حكم تخضيب اللحية عن حكم اعفاءها

    أتى قول النبي بمخالفة المشر كين في اكثر من حديث
    ك لبس النعال, والتخضيب, واكل السحور, ولبس السراويل,000000000
    وكلها علقت بمخالفة المشركين
    \ولم يقل احد من العلماء انها الوجوب
    فالذي يقول بوجوبها( اللحية)
    فبالبحث في ادلة اخرى .
    (ومعرفة الحق بالرّجال عادة ضعفاء العقول)
    الإمام الغزالي

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    بلاد الحرمين
    المشاركات
    3,043

    افتراضي رد: ما سبب اختلاف حكم تخضيب اللحية عن حكم اعفاءها

    أحسن الله إليك أخي الفاضل (حمدان)..

    لا أخي الكريم، العلة باقية لا تغيرها القرينة الصارفة، لكن قد تنتفي لانتفاء سببها، وقد تتجدد في المحل، وهذه مسأئل أخرى.
    الذي يهمنا هنا = أن العلة ثابتة لا تتغير، فهي موجب الحكم، لكن الذي يتغير كما سبق هو خطاب الوضع، أو فحوى الخطاب = وبالتالي الحكم الشرعي المستخرج.

    والله تعالى أعلم
    حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداءٌ له وخصوم
    كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لذميم

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    120

    افتراضي رد: ما سبب اختلاف حكم تخضيب اللحية عن حكم اعفاءها

    المقصود ان في الاعتماد في الحكم على التشبه هو العلة ممتنع , لتنوع الحكم بذلك بين المنع والاستحباب .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •