تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123
النتائج 41 إلى 57 من 57

الموضوع: سلسلة:انهيار شرفات الاستشراق على طريق السور المكية

  1. #41
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    759

    افتراضي رد: سلسلة:انهيار شرفات الاستشراق على طريق السور المكية

    طارق منينة
    انهيار شرفات الاستشراق .. ولادة «نسطاس» في العصر الحديث
    الاربعاء



    بدأ طه حسين جرأته على المقدسات بكتابه "في الشعر الجاهلي"، عام 1926م، ثم بعدها بسنوات بدأ بنشر روايته "على هامش السيرة"، 1933م، وقبل كتابته هذه الرواية كان قد أنكر أن يكون القرآن مرجعا تاريخيا لقصص الأنبياء كما أشار العلماني نصر أبو زيد، فقد ذهب إلى "اعتبار القرآن مرجعا تاريخيا بالنسبة للحياة الجاهلية، وإنكار المرجعية نفسها بالنسبة لقصص الأنبياء، وهذا الإنكار الأخير هو القشة التي قصمت ظهر البعير" (النص، السلطة، الحقيقة، لنصر أبو زيد، المركز الثقافي العربي، 1995، ص32). فكأنه يرفض الصدق القرآني وأن يكون القرآن مرجعا تاريخيا حقيقيا لقصص الأنبياء في الكتاب الأول. أما في الكتاب الثاني، فقد تلاعب بالسيرة النبوية وكأنه يرفض قبولها، كما هي، مرجعا حقيقيا لسيرة الرسول اللهم إلا قبولها بشكل عاطفي بعيدا عن النقد العقلي والعلمي لها أو بعيدا عن إضافات وتخرصات المستشرقين وسيناريوهاتهم المختلقة والتي حاول أن يدس بعض مواقفها من تاريخ النبي في "على هامش السيرة"! يقول غالي شكري (من كبار العلمانيين): "جاء طه حسين بما يشبه "الضربة القاضية" ليقول: ان العاطفة الدينية والوجدان الروحي ومعتقدات السلف لا علاقة لها بالعلم وقوانينه وتجاربه ورؤاه ومقدماته ونتائجه. وإذا كان كل إنسان ينطوي على هاتين الشخصيتين، العاطفية والعقلية، فإن العالم حين يبحث لا يعتمد سوى العقل وبالتالي الشك، بل نسيان العواطف القومية والدينية (!) لذلك كان كتابه -من بعض النواحي- أول مساس بالإسلام" (النهضة والسقوط في الفكر المصري القديم لغالي شكري، الهيئة العامة المصرية للكتاب، 1992، ص253). فهو كما قال غالي شكري قد تجرأ "على اقتحام المقدسات" (النهضة والسقوط، ص251)، كما أنه بكتاباته تلك حاول إحداث "أول مساس بالإسلام"، فيما يسمى بعصر النهضة العربية العلمانية الحديثة.
    ينبغي أن يضع القارئ النص التالي أيضا نصب عينيه، وهو لعلماني مخضرم هو خليل أحمد خليل فهو يصف مشروع طيب تيزيني بقوله: "الواقع أن مشروع نقد التراث في الفكر اليساري العربي، والماركسي خصوصا، موضوعه الأخير "هو نقد الفكر الديني" من جهة العلم والعلمانية، أم من جهة الجدل والمادية. الدكتور طيب تيزيني يتمم الجزء الرابع من مشروعه لرؤية جديدة بنقد (!) التجربة الإسلامية المبكرة(!)، وتخصيص البحث باتجاه السيرة النبوية" (موسوعة أعلام العرب في القرن العشرين، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 2001، ص217). وهكذا اجتمع النقد على النقد أو الخيال على الخيال والكيد على الكيد لهدم النبوة والنبي كما فعلته أوروبا مع المسيح والمسيحية!
    لننظر كيف جمع طيب تيزيني بين تلاعبات طه حسين وتخرصات الإستشراق وإضافاته هو أيضا واستخلاصه من ذلك سيناريو غاية في الطيش والتسرع النقدي في زمن العلو الماركسي في النصف الأخير من القرن المنصرم. يقول: "ما نقله لنا طه حسين من أن (النبأ العظيم-الإسلام) لم يكن حدثا فرديا يتصل بشخص محمد، أو بمجموعة حوله من أقاربه وأصحابه بالدرجة الأولى، وإنما كان أولا وبصورة رئيسية حدثاً "عالميا" بمقاييس العصر آنذاك، أو أنه على الاقل كان حدثا أكثر من محلي. فطه حسين يورد حوارا بين ورقة ورجل يوناني، أتى مكة من الإسكندرية، سرا، تحت وطأة ملاحقة السلطة الرومانية له هناك، وذلك بهدف الاطلاع على الوضع في مكة(!)، كذلك بغية إطلاع ورقة وغيره من المكيين النصارى الحنيفيين على آراء أصحابه في (الإسكندرية وغيرها من مدن الروم). وفي هذا(!) الحوار، تبين وجود(!) مؤسسة مركزية تقوم على تنظيم الدعاوة الدينية في بيزنطة والحجاز، وبلدان أخرى، كما تلزم أتباعها "بأوامر" لا يجوز لها التنكر لها وإهمالها، وقد أوردنا سابقا رأياً يرى صاحبه -وهو هرشفيلد- أن محمدا كان على صلة بمعلمين نساطرة. من هنا وتأسيسا على ما تقدم نجد أنفسنا أمام ما ألمحنا إليه في سياق سابق، وهو ضرورة ترجيح النظر إلى زواج خديجة بمحمد على أنه -بأحد إعتباراته- كان زواجا سياسيا بقدر ما كان دينيا خطط له على نحو محكم ومديد، وهذا بدوره يحيلنا إلى الآية القرآنية التالية التي قد تنطوي على دلالة محورية (!) بالنسبة إلى ما نحن بسبيله (!)، أي بالنسبة الى ما تلقته خديجة من راهبها وابن عمها، وربما كذلك من آخرين "وأمرت أن أكون من المسلمين" سورة النمل:91. (مقدمات أولية لطيب تيزيني، ص 299).
    أوحى طيب تيزيني لقرائه ان طه حسين "نقل" ما يؤكد ان "الحدث-الإسلام" كان عالميا، ويقصد تيزيني أن تنظيما عالميا معارضا لروما أثر على الرسول وجهزه للنبوة التي يعتبرها تيزيني من أساطير الأولين والمعارضين!
    والثغرات في فرضية تيزيني الهشة واسعة جدا، فإن عليه أن يثبت أولا أن طه حسين "نقل" وقائع تاريخية حقيقية وهو ما لا يستطيعه ولو اتخذ المستشرقين والماركسيين له ظهيرا من أولهم إلى آخرهم. هذا علاوة على أن طيب تيزيني نفسه حرف مشاهد رواية طه حسين عن "نسطاس" وهو الشيء الذي يمكن تسميته لا بثغرة وانما بسقطة وكذبة واسعة.
    لقد "نقل" طه حسين فعلا لكن لا عن وقائع حقيقية وانما عن اتهامات أو ما يمكن وصفه بـ"وقائع استشراقية!" خيالية، كذلك فطه حسين لم يذكر في روايته أن رجلا حضر للتو من الإسكندرية الى مكة بصورة متخفية لتبليغ رسائل وأسرار وأوامر مؤسسة مركزية مقرها بيزنطة، فضلا عن أن تكون أوامر باستدراج محمد رسول الله إلى التنظيم عن طريق الزواج!! فهذا الأخيرة إضافة تيزينية –ادعاها خليل عبدالكريم لاحقا ونسب فكرتها إلى نفسه!- هي إضافة مزورة على نص طه حسين التمثيلي.
    فنسطاس الرومي هذا بحسب تمثيلية طه حسين المخترعة إنما كان يسكن مكة لزمن طويل وكان صديقا لعمرو ابن هشام وعلى علاقة بورقة بن نوفل (انظر ص33 الجزء الثالث). لقد كان الرومي –في الرواية المخترعة لطه حسين- صاحب "حانة" في مكة يذهب إليها شبابها للشرب واللهو والنساء وقد وصفه عمرو بن هشام –في الرواية- بـ"صديقي الرومي" (الجزء الثالث ص33)، وقال: "إني أختلف مع شباب قريش إلى "بيت" نسطاس فنشرب ونعبث ونلهو" (ص12)، وقال: "وأما أني أتخلف عن أترابي عند نسطاس إذا انصرفوا حين يتقدم الليل فهذا حق أيضا"(ص14)، وقال لورقة ابن نوفل في الرواية "تعلم أيها الشيخ أني لا ألتمس الخمر واللذة والغناء عند نسطاس فحسب، وإنما ألتمس عنده العلم أيضا"!(ص26)، وأما صورة هذا العلم فيعرفنا به النص التالي –من الرواية- لعمرو ابن هشام: "علمت أن وراء نسطاس التاجر الخمار الذي يفتن شباب قريش بالخمر والنساء والغناء فيلسوفا يلتمس الحق حدثني بأنه من جماعة منتشرة في بلاد الروم، يتعارف أفرادها فيما بينهم بعلامات لهم، لا يعرفها غيرهم.. بالرموز والإشارات(!).. وحدثني بأن الجماعة عرفت(!) أن أمر هذا الدين قد قرب، وأن زمانه قد أطل.. وقد فرقت الجماعة سفراءها في أقطار الأرض.. ونسطاس أحد هؤلاء.. فأقبل يلهينا بالخمر والفناء والنساء، وينتظر أمر السماء"!(الجزء الثالث ص27-30). أما اللقاء السري بين ورقة ابن نوفل ونسطاس فقد أشار إلى أنه لم يكن الأول بينهما إلا أنه على ما يظهر كان اللقاء الأخير قبل هروب نسطاس من مكة بحسب حبكة طه حسين، وذلك لانكشاف سر علاقته بورقة (بحسب خيال طه حسين طبعا) ففي الرواية: "لا والله ما أزالت نسطاس صروف الليالي.. وإنما أزالته أمور دبرت بليل"!(ص56) بهذا القول انقلب عمرو ابن هشام على صديقه الرومي القديم صاحب الحانة في الظاهر والمخطط للقاءات المعارضة الدينية في مكة وغيرها، والذي ساعد بحسب طبعا التفسير المادي الفاشل لطيب تيزيني وإخوانه، على خلق ظاهرة محمد والنبوة. وقد وضع طه حسين على لسان عمرو ابن هشام ما صرح به فعلا سيد القمني حديثا من زعمه بإفساد اليهودية لفكر محمد وقرآنه (هكذا قال!): "فهؤلاء هم الذين أفسدوا علينا زيد ابن عمرو وورقة بن نوفل وغيرهما من كرام قومنا، وما محمد إلا أحد هؤلاء"!
    كان ذلك الهروب بعد آخر لقاء سري رسمه خيال طه حسين بين ورقة وصاحب حانة الخمر، "فظهر ورقة كأنما كان في مخبأ. فلما رأى الرومي حيّاه بالإشارة (!) ثم قال: اتبعني يا نسطاس.. قٌال نسطاس".. وقد أنبئت أن عندك من هذا العلم كله، فأعد(!) علي من ذلك ما تعلم، تقول أنت بعربيتك وأكتب أنا بيونانيتي.. واذا نسطاس يقول لصاحبه: "ما أحسن ما كوفئنا يا ورقة بعد شدة الجهد وطول الانتظار!" (ص46-53)
    عند هذه النقطة يمكننا القول إن شخصية نسطاس في رواية طه حسين إنما هي "صورة مستحدثة" خيالية للشخوص المكرورة الرومية والرهبانية التي اتهم الرسول بانه تعلم منها (الغلام الأعجمي، بحيرا-نسطورس، حداد- الغلام عداس إلخ).
    أيضا، لم يكتف طيب تيزيني بالتلاعب بالنصوص التاريخية كما الخيالية أو الموضوعة ومنها نص طه حسين التمثيلي الخيالي، بل حاول التلاعب بمفهوم الآية (93) من سورة النمل، لقد استخدمها لدعم اقتباساته السابقة عن طه حسين و"هيرشفيلد" (اليهودي الذي لفق اتهامات للرسول)، مع أن الآية تذكر أن الأمر هو للرسول بعد بعثته –والأمة من بعده- بالطاعة المطلقة لله وليس "أمرا قبليا" -قبل البعثة- بزواج سياسي!. إن في سورة النمل نفسها "آية جامعة" لكل ما عرضه القرآن -آية فيها الوعد الإلهي الذي تحقق لاحقا وصار واقعا-مما أظهرته المجاهر والأجهزة الدقيقة من صدق وصفه لأطوار خلق الإنسان في آيات عديدة في القرآن أو للحقائق الكونية السماوية والقرآن مملوء بها، وهذه الآية (الأخيرة من السورة) التي تشير الى المستقبل هي قوله تعالى: "وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون".
    والشيء المثير للدهشة العلمية والعقلية والنفسية هو أن السورة في آياتها الأولى تذكر مصدر التلقي في حين أن آخر آية في السورة تذكر الوعد الإلهي الذي تحقق كما أخبر "سيريكم آياته فتعرفونها"، ومنها أول حقيقة علمية أعلنها الوحي للرسول محمد وهي "خلق الإنسان من علق"، وكأن السورة تختم بما يظل عالقا بالأذهان حتى يتحقق كاملا جيلا بعد جيل، فلله الحمد في الأولى والآخرة.
    فيا ألله كم حجب العلمانيون من حقائق بمزابل استشراقية وعلمانية تراكمت عبر قرون التعصب الأعمى.

    http://www.assabeel.net/ar/default.a...Jpbb44nqDFw%3d
    وهو من الجريدة الورقية بي دي اف ص23 من هنا
    http://www.assabeel.net/ar/DataFiles...21-24-1167.pdf

  2. #42
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    759

    افتراضي رد: سلسلة:انهيار شرفات الاستشراق على طريق السور المكية

    هذا المقال ارسلته الى الجريدة -السبيل من اسبوع الا انه ربما لطوله لم ينشر حتى الان خصوصا ان الجريدة نبهت بان المفروض ان يكون المقال 700 كلمة فقط
    والى ان يعرض في الجريدة ربما غدا او بعد غدا او اي وقت اخر فاني اعرضه هنا في هذا الموقع الكريم
    ------------------------------------


    انهيار شرفات الاستشراق..أساطي ر علمانية تتساقط كالقطر


    طارق منينة

    راحت الفلسفة العلمانية تطبق نظرياتها المادية المتضاربة على القرآن وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بعد أن فرغت منذ زمن بعيد من نقد المسيحية مستعينة آنذاك بفتوحات العقل الجدلي الإسلامي الفعّال والذي وصل الى اوروبا واستقر فيها لمدة ثمانية قرون ،حاملا البراهين القرآنية وآليات فحص صور الإنحرافات الكتابية والدهرية والفلسفية والعلمية ،حتى إنك لتجد أن جل ماكتبه نقادها ضد أسفار الكنيسة المقدسة مأخوذ من المؤلفات الإسلامية!! ..أما اليوم فقد راحت في أحدث فرضياتها الساذجة تُدخل الإسلام من باب الأسطورة-مع القول بأن الإنسان اسطوري الطبع وأن طبعه هو مصدر الدين- وذلك بعد أن أخرجها الإسلام نفسه من عصورها الوسطى المظلمة ومن أبواب الجهل والأسطورة والخرافات الدينية وبينما نراها تطلق أحكامها الطائشة عن الإسلام ورسوله والإنسان وميوله الفطرية فإننا نبصرها بأعيننا المادية والنقدية تخترع ،في فتنة زادتها رهقا على رهق، أساطيرها المتجددة المتناطحة عن الإنسان والإجتماع البشري وهي تعيش حالة من الإضطراب العنيف، متداعية متساقطة تارة، وقائمة مترنحة تارة أخرى كالسكران الخائر القوى، تئن-ويئن معها العالم- من نتائج فلسفاتها الواقعية ووضعها المأزوم كالذي يتخبطه الشيطان من المس أو كالذي يغشى عليه من الموت (ولا عجب فقد أعلن صنم غربي كبير، هو معبود لكثير من العلمانيين العرب اليوم وهو: ميشيل فوكو "موت الإنسان" لاترنحه فقط!!!) ..راح كهنتها يخترعون أصول وتفسيرات مادية تاريخية ملفقة لنبوة رسول الله أقل ما يقال عنها انها تفسيرات اسطورية كتفسيراتها وتخرصاتها التائهة عن أصل البشرية الأولى. ومنها اسطورة المراحل الخمس المزعومة لتطور البشرية والتي استخدمها طيب تيزيني،في التوسل الى نقد ما سماه بـ"الإسلام الباكر"، وهي الفرضية التي قال عنها الناقد العلماني "تركي علي الربيعو" انها "الخطاطة التطورية المؤدلجة التي أصابتنا بعاهة، التي ترى أن تاريخ البشرية يمر حكما عبر مراحل خمس، سحر، أسطورة، دين، ثم الفلسفة فإلى العلم. وكان هذا يتطلب الإعتماد الكلي على أطروحة فريزر في "الغصن الذهبي". وقد لاقت هذه التطورية ترحيبا في الوسط الماركسي آنذاك وسيحتفي بعض الباحثين العرب، وأخص منهم طيب تيزيني، الذي راح يركض لاهثا للجمع بين الخطية السابقة وخطية التطور على مستوى المادية التاريخية. وكان هذا يعني الوقوع في التبسيطية وفي براثن المادية المبتذلة وعلى حد تعبير سمير أمين" (الأرض اليباب، محاكمة الفكر الاسطوري العربي، تركي علي الربيعو، طبعة رياض الريس للكتب والنشر، ط1، لسنة2007 ص125)
    لقد نتج عن امتطاء العلمانية ظهر الحضارة الإنسانية (في البداية على جبال من علوم المسلمين العقلية والتجريبية!) ظهور وانتاج كَمّ هائل من الأساطير العلمانية المتسرعة في جميع المجالات العلمية، ومنها الإجتماعية والثقافية والنفسية، ومنها اسطورة فرويد عالم النفس الغربي، اليهودي الأصل، فمن وجهة نظر كلود ليفي ستروس (الذي هو صاحب أسطورة عصرية!!) "أنه يمكن رصف أسطورة فرويد في عداد الأساطير الأوروبية العديدة" (ص208). كذلك ظهرت اساطير "علم الإجتماع والإناسة" ومنها فرضيات "دوركاييم" و"فريزر" و"تايلور" وأشباههم، والتي قال عنها تركي ربيعو "وهي إجتهادات باتت في خبر كان على حد تعبير ستروس لكنها وكما يبدو، تنفع على صعيد خطاب عربي مصاب بعقدة الخواجة"(ص133).
    وهذه الإجتهادات التي صارت في خبر كان، وفي حالة موت بحثية لا تزال ثاوية وراء هذا الخطاب العربي العلماني -يقول تركي الربيعو-: "توجهه وتفرض عليه مزيدا من الأحكام المؤدلجة"(ص187)، وأن عبيد المادية التاريخية أمثال طيب تيزيني والقمني وغيرهما (اخترعوا كما رأينا أساطير علمانية عن النبي محمد وذلك تبعا لإيمانهم بالأساطير الغربية عن الدين والإنسان!) الذين إتبعوا فرضيات أصحاب هذه الأساطير الغربية الجامحة هم مصابون أيضا تبعا لأسيادهم "بعدوى الاسطورة -يقول ربيعو-، فيهيمون في كل واد، وبالأخص في وادي الأسطورة، ووراء كان يا ما كان في قديم الزمان على حد تعبير بريتشارد في تعليقه على فرويد"(ص 208)، ما دعا "الربيعو" أن يوجه السؤال الممنوع لاخوانه آملا أن يقتفوا معه أثر حذاء كلود ستروس ومن معه حذو الكعب بالكعب "لماذا كل هذا التزاحم في المضيق الضيق المحدود بين شك ديكارت وانطباعية ماركس أيها المثقفون الراديكاليون؟"(ص 52). هذه الفرضيات -والفلسفات- الحديثة صارت في الغرب في خبر كان ياماكان!،قد تجاوزتها التخرصات العلمانية الجديدة، تخرصات "كلود ليفي ستروس" و"إ.إيفنز بريتشارد" وغيرهما، والتي يتنفس بها اليوم بعض العلمانيين العرب مثل الربيعو نفسه! والتي هي ايضا عبارة عن تخرصات وفرضيات، الحق فيها نزر يسير والباطل فيها جمّ غفير. وهذه الأخيرة قلبت بجحودها المزري حقيقة ان الفطرة البشرية مفطورة ربانيا على التدين بالقول بأن الإنسان أسطوري بطبعه وأن أي دين تدين به انما هو نتاج خياله الأسطوري الذي يتطور مع المعرفة الوجودية.
    وفي الحقيقة، فالإسلام يهدم هذا التلبيس الذي غرضه ظرفي حاجي وهو إفساح مجال للدين بإعتباره حاجة إنسانية ولو باطلة أو خيالية بدل ان كانت النظرة القديمة لعقود مرت هي نفيه من الحياة ومحاربته وقد برز هذا الموقف العلماني أخيرا كحل للمشكلة الغربية مع التدين المتنامي ،وذلك بعد السيطرة العلمانية الكاملة على الحياة في الغرب!.. ان الإنسان في الإسلام متدين بطبعه وليس الأصل فيه الأسطرة كما زعموا أخيرا، وإنما الفطرة والتوحيد والميل الذاتي الى الخالق العظيم وهو ما فطر عليه الإنسان "فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون"(سورة الروم:30)، ففقر الإنسان وحاجته وضرورته الى الله والتعلق به سبحانه ضرورة فطرية ذاتية ، وهذا "الفقر الذاتي" هو في الحقيقة "الغنى الحقيقي"، لأنه يعني ان غناه الظاهري والباطني هو من الله، وهو الغني الذي أنتج التواضع والرحمة في الحضارة الإسلامية وجعل الإنسان يشعر أن رفعته وعزته لا تكون الا بالله. وهذا الفقر والغنى غير المتعارضين في العقيدة الإسلامية انطلق بهما المسلمون لتحرير شعوب الأرض واكتشاف سنن الكون وإعمال العقل والخيال غير المفرط في الآيات الكونية والقوانين العلمية. إن الفطرة الإنسانية فطرة أصيلة قد تلحقها الخرافة والأسطورة ولوثات الأديان المنحرفة وكثير من أحلام الفرق والجماعات الباطلة. فالإسطورة طارئة ،والفطرة ومعارفها الكلية حقيقة ثابتة. صحيح أن الفرضية العلمانية الآخيرة توصلت إلى حقيقة "أن حياة المرء ككائن بشري هي بحد ذاتها فعل ديني" (انظر المرجع السابق ص13)، و"أن الدين هو واحد من أهم أبعاد الإنسان في هذا الوجود"(ص67)، الا انها كل جعلت أشواق وتطلعات الإنسان وميله الفطري لربه ومبدعه خيال اسطوري، وزعمت ان "التفكير الأسطوري ملازم للعقل البشري... "(ص187) ، وهنا تم –في الفرضية الجديدة- وضع كلمة الإسطورة مكان كلمة "الفطرة"، وبدل ان يبحثوا عن أصل مشترك بين ما تنقل في الأساطير من "حقائق" دينية وفطرية نراهم يرمون هذا الأصل بأنه دليل على إما الخرافة والوهم المشترك وإما "ملكة خيال مؤسطرة"، مع ان تواتر هذه الحقائق في اساطير الأمم والقبائل المختلفة يدل على مصدر رباني لها موافق للفطرة غير معارض لها ولا للعقل الصحيح ،وأن اصلها من لوازم الفطرة، انتقلت للأساطير بعملية التأثير والتأثر والموافقة إما عن طريق دعوة الأنبياء أو اتباعهم أو الهجرات القديمة للقبائل واختلاط الشعوب والغزوات و آثار الأنبياء الباقية مع إختلاطها بالخرافة والوهم (وكمثال عقيدة التوحيد وشعائر الحنيفية التي إختلطت عند العرب بإضافات وثنية منقولة أومخترعة محليا) وكثير منها تدل عليه حفريات مادية او معرفية ما زالت تُهَمَش عمداً في حقل علم الحفريات الجديد وعلوم الإناسة والإجتماع كما هُمِشت حفريات تدل على أصل الإنسان بأنه إنسان ولُفِقَت له حفريات مزيفة تزعم أنه من أصل حيوان!! فالتوحيد هو الأصل في الإيمان كما أن الفطرة هي الأصل في الإنسان، وهو ما تُشاكس حوله النظريات العلمانية وتتخذ فرضياتها عن الدين وسيلة لدحض نبوة رسول الله وهو تحريف وإلتواء ما زالت تُلقي سمومه في علوم الإنسان والإجتماع وبدل الإعتراف بأن الإنسان كائن ديني أي مفطور على الدين وأن له رباً مبدعاً له ، فإن آخر فرضية علمانية معاصرة نكصت على عقبيها مرة أخرى بعد أن كادت تضع يدها على حقيقة أولية ثمينة، والسبب أنها تنكر خالق الإنسان وتجحد حقائق وشرائع الرحمن، وقد هجمت بسبب ذلك على النبوة(وهذه هي نقطة بحثنا في التعرف على سبب الهجوم على النبوةبصورة عامة والنبي بصورة خاصة!) كما قال تعالى مُلفِتا نظر رسوله محمد إلى هذه الحقيقة المهمة، اي أن الجحود طريق للإفتراء كما أن الشرك قرين للكذب: "قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" (سورة الأنعام:33)، كما قال في سبب عظيم الإفك وكبير البهتان "كذلك يُؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون"(سورة غافر:63). ومن الإفك العلماني زعم تركي الربيعو بأن القرآن يدخل في النصوص الأسطورية غير المألوفة!، وأن النص القرآني هو نص اسطوري ملحمي له وقع على قارئه وسامعه كنص آسر! ويحتج ربيعو على ذلك بحادثة عمر ابن الخطاب لدى سماعه القرآن في بيت أخته فاطمة!(انظر ص44) ولا يُرجع ذلك الى ما يتميز به القرآن من حقائق كونية ودينية وعلمية وانسانية خالصة أدهشت الفطرة والذكاء الإنساني (والتي أدت بعلماء وساسة غربيون عصريون الى اعلان اسلامهم وكتابة شهاداتهم العلمية في ذلك في كتب مشهورة أمثال مراد هوفمان السفير الألماني وموريس بوكاي الدكتور الفرنسي وغيرهما)، ولا إلى معرفة عمر رضي الله عنه بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل هذه الحادثة حتى أعلن اسلامه في لحظة فعالة لا مرد لها لصدقه ونقاوته الداخلية، وانما الى: ايحاء موسيقى تعزيمية، الدخول في الضياع، إيقاعات مسيطرة...إلخ. وهكذا تلاعبت الميثولوجيا في الفرضيات الغربية بالتاريخ الإنساني ولوثت حقيقة الفطرة البشرية وزورت حقيقة القرآن خصوصا والغيب الحقيقي عموماً، وتواطئت الحداثة وما بعدها مع الميثولوجيا على إلباس الإنسان نفسية اسطورية.

  3. #43
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    759

    افتراضي رد: سلسلة:انهيار شرفات الاستشراق على طريق السور المكية

    الحمد لله عرض المقال السابق اليوم في جريدة السبيل الاردنية
    http://www.assabeel.net/ar/default.a...X1yOtYuNMyw%3d
    وهو في الجريدة الورقية -بي دي اف ص 23 من هنا

    http://www.assabeel.net/ar/DataFiles...21-24-1193.pdf
    وهناك خطأ ورد في المقال في الجريدة لا في النص الذي وضعته هنا قبل ان يعرض في الجريدة وهذا الخطأ هو كلمة"الوطاطة" والصواب"الخطاطة" والكلمة الصواب هي من نص مقتبس من كلام تركي علي الربيعو وقد نقلته بنصه كما سبق عرضه هنا قبل نزوله في الجريدة لكن يبدو ان الكلمة اشكلت عند المراجع فوضع مكانها مارآه أو ظنه صحيحا وعلى كل فالتصحيح واجب والاشارة اليه ضرورية

  4. #44
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    759

    افتراضي رد: سلسلة:انهيار شرفات الاستشراق على طريق السور المكية

    أخذت جريدة السبيل الأردنية شكلا جديدا ولذلك ربما الروابط السابقة كلها لاتظهر حاليا
    هذا هو مقال اليوم -الاربعاء
    -
    انهيار شرفات الاستشراق... البيان الأخير في فضح الأساطير

    الثلاثاء, 13 نيسان 2010 21:20 طارق منينة


    أقسمَ الله بظواهر الكون السماوية والأرضية، السابحة في كوننا البديع، والجارية في أفلاك تُبهر الأبصار، وتثير الألباب، وكذلك الجارية بالبشر في آفاق الأرض جرياناً قلّما تشعر معه باضطراب، أو تحملهم حملاً خفيفاً لطيفاً في وديانها وسهولها وآفاقها وبحارها.. من كل ما يحمل البشر في الآفاق، أو يجري بهم للرفاهة وجلب الأرزاق.. أقسمَ سبحانه بذلك مما يشاهدونه ويعرفونه، ومما لم تصل إليه المعرفة البشرية إلا بعد ذلك بقرون، على أنه سيفضح الفتن الجامحة لأعداء الإسلام، وسيبصرهم اضطراب تصوراتهم، وإفك تخرصاتهم، في وعد قرآني ما يزال يتحقق إلى يومنا هذا، وقد أظهرنا فيما تقدم "جهة" أو "جهات" هذه الفتن المضطربة التي شاهد الصحابة أوائلها تتساقط أمامهم، فما سمعوه من وعد قرآني وهم تحت التعذيب تحقق كما أخبر "فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ، بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ" (سورة القلم: 5-6)، وهو وعد ذُكِر لاحقا -أيضا- مع قَسَم عظيم "وَالذَّارِيَات ذَرْوًا، فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا، فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا، فَالْمُقَسِّمَا تِ أَمْرًا، إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ، وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ، وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ، إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ، يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ، قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ" (الذاريات 1-11)
    إن تخرصات العلمانيين والمستشرقين وأقوالهم المتخالفة التي يكذب بعضها بعضا، هي من غمرات الغفلة التي أقسم الحق على إبصار أصحابها في التاريخ نتائجها الخاطئة، وقد عرضنا بعضا منها في المقالات السابقة، ومنها ماعبر عنه الربيعو بأنه نتاج سراب المادية المبتذلة الحديثة، فقال في كتابه (الأرض اليباب): "تيزيني يجعل من الأسطرة مجرد وسيلة معرفية يتلاعب بها كبار الكهنة، بحيث يظهر الدين في مشروعه لعبة كبار الكهنة، بهدف الوصول والحصول على فائض اقتصادي... يغريه بذلك اللهاث وراء السراب، والركض وراء أسطورة المادية التاريخية، إن جاز التعبير. إنه الخواء بكل معناه الذي يتحكم في رقاب مشروع بهذه الضخامة" (ص147) وقال: "إن من يتجشم عناء السفر في أسفار تيزيني لا بد أن يصيبه الإعياء والنصب.. تيزيني لا يمارس القراءة، بل يقوم بقسر التراث والتاريخ ليطابق المادية التاريخية كسقف للتاريخ ظل تيزيني عاجزا عن بلوغه باستمرار"(ص 143) وأضاف: "هي من وجهة نظرنا لوثة فكرية بقيت كراسب ماركسوي في ثقافتنا المعاصرة.. نرصد آثارها في كتابات الراديكاليين العرب، مثل: صادق جلال العظم، والطيب تيزيني، وبصورة خاصة كتابات الدكتور السيد القمني" (ص210).
    كذلك يسجل الربيعو اندهاشه من هذه الحشود المتخرصة عبر التاريخ، التي استعان بها تيزيني، فقال: "لماذا كل هذا الحضور بصورته الاستشراقية الكلاسيكية المفوَّتة كإطار مرجعي في عمل طيب تيزيني، حضور فلهاوزن ورودنسون وبلاشير وهنري ماسيه وجيب وبيتروشيفسكي من الاستشراق السوفيتي-الروسي الجديد؟ ألا يشي هذا الحضور الكبير للاستشراق في الفكر المادي الجدلي على تلك الصلة الوثيقة بين الماركسية والاستشراق، الصلة التي سبق لإدوارد سعيد أن بينها وفضحها عندما بيّن الخلفية المرجعية لماركس عن الشرق.. ثم ألا يعني هذا الحضور الكبير للاستشراق عند باحث عربي يعلن صراحة انتماءه إلى الفكر المادي الجدلي في قراءته للإسلام الباكر.. أقول ألا يعني أن هذا المفكر يحكم على مشروعه بالإحباط والقصور المنهجي والأدواتي والمفاهيمي، عندما يتكئ على الاستشراق" (ص154).
    العجيب أن محمد أركون اتكأ أيضا على الاستشراق، مثل اعتماده على هنري كوربان الذي يُعيِّرُ الربيعو الجابريَّ به، انظر ص175، ومع ذلك، ولأن أركون متفق مع تركي علي الربيعو على الأخذ من المذاهب الحديثة جدا في الغرب -وهو لهث في نفس المضمار العلماني في الحقيقة- فإننا لم نر في كتاب الربيعو ونقده إلا استشهاداً بأركون ضد من ذكرناهم آنفا (انظر على سبيل المثال ص 116،219).
    إن هؤلاء لا يرون ما لا يحبون أن يرونه مع أنه موجود، فالحقيقة أمامهم، لكنهم لا يريدون أن يروها كما قال جلال أمين، كما أنهم يرون ما ليس بموجود لمجرد أنهم يحبون أن يكون موجودا (انظر "التنوير المزيف" لجلال أمين، سلسلة اقرأ، طبعة دار المعارف ص130). وهو نفس ما قاله زياد منى العلماني في تحليله لكتاب "قس ونبي" لصاحبه (أبو موسى الحريري" بقوله "ونرى أن بحثه المحموم عن دعم لآرائه المسبقة هو ما سبب تسرعه وبحثه عن الإثارة، ومحاولة إجبار المراجع على البوح بمعلومات لا تحويها" ("الإبيونيون وورقة ابن نوفل والإسلام"، زياد منى، قدمس للنشر والتوزيع، دمشق، ط1، 2001، ص23).
    في نهاية عرضنا لهذه الأساطير العلمانية عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان لا بد أن نعرض الحكم الأخير من داخل المنظومة العلمانية نفسها، حكم "تركي الربيعو" على أسطورة طيب تيزيني عن النبي، يقول: "إن تيزيني يمارس شططا في قراءة التاريخ عندما يتحدث عن الحتمية التاريخية التي أفرزت الإسلام المحمدي الباكر... وفي إطار بحثه هذا يرى أن ورقة بن نوفل كان المعلم الأول... تيزيني يندفع بشططه بعيدا عندما يخبرنا أن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من خديجة كان "مخططا له ومقصودا وناجحا"، ويضيف بقوله: "نميل إلى ترجيح أن ورقة وخديجة مثلا نقطتين حاسمتين في تكوين شخصية محمد باستدراج محمد الشاب -عبر تعيينه مدير أعمال لتجارتها ثم الزواج بها- إلى دائرة الفكر النوفلي نسبة إلى ورقة بن نوفل. الاستشهادات السابقة المأخوذة عن طيب تيزيني، ما هي إلا عينة من فيض كبير لا ينفع معه الحوار، ولا تنفع معه مقارعة الحجة بالحجة... وفي رأيي النهائي أن كتاب "الإسلام المحمدي الباكر" ما هو إلا بيان ختامي يعلن فيه تيزيني، وباللاشعور، موت المادية التاريخية والجدلية في فكرنا، وموت الاستشراق"!(ص161-162)
    وهكذا أعلنت الفرضيات العلمانية الجديدة موت الفرضيات العلمانية القديمة في بيان علماني ختامي يُصدق القسم القرآني من حيث لا يدري.
    http://www.assabeel.net/index.php?op...says&Itemid=84

  5. #45
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    759

    افتراضي رد: سلسلة:انهيار شرفات الاستشراق على طريق السور المكية

    وهذا هو رابط الب دي اف للجريدة الورقية والمقال في ص23
    http://www.assabeel.net/index.php?op...aper&Itemid=93
    ويمكن تنزيل العدد من مركز التحميل
    من هنا-عدد الاربعاء 14 ابريل
    http://www.assabeel.net/index.php?op...id=1&Itemid=99

    وبهذا المقال اختتمت تقريبا عرض اخر الاساطير الملفقة التي نسبها اخيرا كبار العلمانيين العرب للرسول وسيرته
    وطبقت عليهم الآيات التي وردت في المقال الاخير-وقد اوردتها من قبل ايضا في مقالات اخر-كما انها تنطبق ايضا على من فضحتهم كارين آرمسترونج في كتابها الاسلام في مرآة الغرب وبعض كتبها الاخرى من كهنة بيزنطة او قساوسة روما او المستشرقين لماقبل عصرنا
    وطبعا هي ايضا اتبعت مونتجمري وات ورودنسون ايضا -ايضا فضح اساطير الغرب القديمة عن الرسول-وغيرهم في تفسير نبوة النبي لكنها لم تخترع اسطورة او قصة ملفقة تنسبها لتاريخ النبي وان كانت فسرت اعماله صلى الله عليه وسلم بحسب التفسير المادي الاقتصادي تبعا لمونتجمري وات
    -

  6. #46
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    759

    افتراضي رد: سلسلة:انهيار شرفات الاستشراق على طريق السور المكية

    بالضغط على هذا الرابط حملت العدد الذي ورد فيه المقال الفائت وهو منه ص23
    عدد الأربعاء 14 نيسان 2010 (2.93 MB)
    ذلك ان الجريدة في بث تجريبي ويبدو ان الروابط للمقالات السابقة لاتعمل حاليا

  7. #47
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    759

    افتراضي رد: سلسلة:انهيار شرفات الاستشراق على طريق السور المكية

    -انهيار شرفات الاستشراق -

    العماء العلماني والإخفاء الاستشراقي

    الأحد, 25 نيسان 2010 00:00 طارق منينة


    جريدة السبيل الاردنية


    سورة القلم من أوائل ما نزل من القرآن وفيها أحكام قضائية ربانية صدرت ضد قادة الكفر في مكة وتحققت بعد الهجرة الى المدينة
    بوقت قصير، عرضنا بعضها في الحلقة الماضية وكلها مُقسَم عليها. وهنا نعرض أحكاماً ووعوداً جديدة من السورة نفسها وهي التي أشارت اليها الآية (48) من السورة بأنها أحكام ربانية، بقوله تعالى «فاصبر لحكم ربك»، يقول ابن كثير: أي لقضاء ربك.
    وهي قوله تعالى:»سنستدرجه من حيث لايعلمون وأملي لهم ان كيدي متين»وقوله «سنسمه على الخرطوم»
    وهي مفصلة ومحددة بآيات مكية،ايضا، نزلت بعدها ومنها:
    «سيُهزم الحمع ويولون الدبر»(القمر:45)
    «جُند ماهنالك مهزوم من الأحزاب»(سورة ص:11)
    هذا هو «الغيب القرآني»المُتحد ي للقوى المتمكنة يومئذ في مكة وفي الآيات إشارة واضحة الى حفظ النبي ونصر دعوته وهزيمة قادة الكفر ممن أشارت اليهم الآيات وبينت الروايات من اسباب النزول.
    تدين الآيات من سورة القلم الشعور الزائف بالقدرة التامة الذي كانت رؤوساء الإجرام تبدو به.. شعور الاستغلال المستند على السلطة والمال.. والسورة تتحدى أهل التقدير والتدبير والتخطيط منهم، الذين يبدون في غاية الثقة من مستقبلهم ومستقبل تكهناتهم وان لهم أن يفعلوا مايحلو لهم من استغلال واجرام وتعذيب البشر،بقوله عز وجل «أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ»(ال ية:47) وقوله «أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ»(ال ية:37)، والتاريخ يمتحن هذه الثقة الزائفة القائمة على رمال الدهرية المتحركة، وسننه تمتحن تخيراتها وتكهنتها وأمانيها الكاذبة،وادعاءا تها الباطلة، والقدر يمنحهم الوقت والاختيار، فليصدروا احكامهم لكن لن يمنحهم صكوك غفران «إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ»ال آية38 «أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ «الآية39
    وهذه النصوص مع انها نزلت في قريش الا انها عامة في كافة قوى الاستغلال والباطل..وهي تثبت أن مصدر الوعد الحق غير مصادر التخرصات والتكهنات التي تطلقها الأساطير الوثنية والكهنوتية والقيادات الدهرية والعلمانية- ومنها وعود «نهاية التاريخ»التي اطلقها فلاسفة الغرب ماركسيين ولا دينيين..والتي لم ينتهي التاريخ كما قدروا عند حدود رسموها وعصور ذهبية تكهنوها وانما سقطت الماركسية والسوفيتية والهتلرية وسقطت نظرية فوكوياما الرأسمالية! ومعلوم ان العلمانيين العرب أمثال صادق جلال العظم وطيب تيزيني وبقية الجوقة الماركسية راهنت على اكتساح الماركسية للعالم الإسلامي وانحسار الإٍسلام!.. وهنا يقف محمد النبي الأمي المولود في القرية المباركة «مكة»،وهو الفقير صلى الله عليه وسلم، في عالم لم يكن فيه مراكز دراسات وبحوث ممولة، يقف هذا النبي الأمين شامخا في التاريخ أمام تكهنات كافة المشاريع المتخرصة التي ماتزال تنفق المليارات على مؤسساتها العسكرية ومراكز بحوثها الخادمة للإستعمار..فبينم ا يعلن التاريخ تحقق وعود الوحي الذي أُنزل عليه نري تلك الزعامات المفكرة للإمبراطوريات المهيمنة تتعثر وتتلعثم وتفشل في تنبوءاتها الإستراتيجية وعلومها المستقبلية .. وتتراجع منهزمة تحت وطأة التاريخ واستدراج الحق لها وسؤاله الخالد لجنودها «سَلْهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ»(سور القلم:40-41) ويحضرني في هذا السياق كلمة كلود ليفي شتراوس وهو يتكلم عن سارتر بقوله «أن الذكاء العالي يتلعثم عندما يريد التكهن بالتاريخ «(الدوائر الباردة،حوار مع شتراوس،دار كنعان-دمشق،ط1،ص117)
    لقد تنزلت تلك الأحكام الربانية على زعامات الضلال، وصحابة رسول الله يُعذبون ويُقتلون، ولم يكن الرسول يملك لنفسه ولا لأنصاره نصرا ولا تمكينا وكان موقع نزول سورة القلم التي أعلنت الوعود هو «مكة»، هذه هي «الحالة الأصلية»التي عمي عنها «نولدكه»وهو يطالبنا في كتابه (تاريخ القرآن) ان نكشفها في بحثنا «على البحث المنفرد إذن، أن يكشف عن الحالة الأصلية التي نشأت فيها الآيات والسور»(ص28) فقد أغفل هو وتلاميذه مانزل في السور المكية من وعود وأحكام قضائية خطيرة الشأن بل واستثناءاتها!. فالشيء المدهش حقا هو ان الله أشار في السورة «سورة القلم»ان من قادة مكة من سيؤمن مستقبلا بقوله «إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين َ»(الآية :7). وقد أسلم خالد بن الوليد وعمر ابن العاص وسهيل ابن عمر وابو سفيان وعكرمة ابن ابي جهل!
    ولذلك فنحن ندعو تلامذة الاستشراق..والبن يويين والتفكيكيين واللسانيين وعمالقة الثيولوجيا ان ينتقلوا معنا الى موقع الحدث «الحالة الأصلية!»وليحدق ا بأعينهم وليفركوها في جو مكة الحارق،ولينفضوا عنهم الكسل العقلي،وليسمعوا السورة –بل السور المكية كلها- في زمن ومكان نزولها وهي تصدر أحكاما ثابتة تقرر المستقبل.
    ليذهبوا معنا ايضا الى المدينة.. وليطلعوا معنا على «واقعة»ذكرها الوحي بعد استقرار الإسلام فيها، قد يكون زمن نزول آيات هذه الواقعة المضروبة «مثلا»، هو الشهور الأولى من الهجرة. والتي أمر الله بوضعها في سورة القلم.. لتكتمل السورة قبل الحدث الأكبر!..هذه الواقعة هي واقعة أصحاب البستان أو الجنة الذين اتفقوا على منع ثمارها عن المساكين ليستأثروا بالخير كله شحا به وشعورا بأحقيتهم دون غيرهم بالخير كله.
    يبدأ المثل بقوله تعالى «إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَ ا مُصْبِحِينَ»(ال ية:17) فأقسموا ان يمنعوا الفقراء عن بعض ثمارها وذلك قبل ان يراهم الفقراء في الصباح الباكر، وقد ظنوا انهم بذلك قد تمكنوا من خطتهم، وتصف الآية شعورهم بقوله تعالى «وغدوا على حرد قادرين»(الآية:25) يقول ابن كثير: أي: على قصد وقدرة في أنفسهم.
    «فانطلقوا وهم يتخافتون، ان لايدخلنها اليوم عليكم مسكين».
    وفجأة.. فتحوا أعينهم على جنتهم فوجدوها محترقة كالأرض السوداء! ماذا حدث؟! «فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون، فأصبحت كالصريم»(19-20) فاصبحت كالليل محترقة..
    ..بعد معركة بدر نزلت آيات من سورة الأنفال تصور كيفية استدراج قريش لموعد هزيمتها وقد تحقق الوعد وانطبق المثل!
    والآيات (5-12،42-44) من سورة الأنفال وصفت «كيفية»عملية الاستدراج الإلهية و «كيفية»تهيئة السنن المادية والروحية للصحابة الأطهار.. فلم تمضي السنة الأولى من استقبال أهل المدينة للمسلمين والرسول الكريم الا وقد تسارعت الأحداث، وتسارع وقع الاستدراج ..بدفع المسلمين الى قافلة قرشية ..ثم عدم إقدارهم عليها!..ثم إسماع قريش ماحدث..ثم خروجها في اندفاع مدهش لملاقاة النبي ومن معه مع علمهم بهروب الركب او القافلة!.. ثم... ثم تحقق «فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون»
    http://www.assabeel.net/index.php?op...ists&Itemid=85

  8. #48
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    759

    افتراضي رد: سلسلة:انهيار شرفات الاستشراق على طريق السور المكية

    كمحاولة لحفظ النص الورقي لمقال اليوم الذي وضعه هنا امس كوثيقة اضعه هنا-والمقال ص23
    عدد الأحد 25 نيسان 2010 (2.27 MB)

    تحميل

  9. #49
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    759

    افتراضي رد: سلسلة:انهيار شرفات الاستشراق على طريق السور المكية

    على هامش انهيار شرفات الاستشراق
    جريدة السبيل الاردنية
    طارق منينة
    ما اود التنبيه اليه قبل الانطلاق مع بقية فتوحات سورة القلم الفاضحة للنواصي الكاذبة المانعة للخير هو لفت الأنظار الى ان موضوع الوعود الربانية في السورة القرآنية الواحدة ليست قضايا منفصلة لا رابط بينها ولا مجموعة حقائق منعزلة لا لُحمة بينها، وانما هي كلٌ متناسق مترابط يُردّ جزؤه الى كله، الى حقيقة كلية بارزة وثابتة، ألا وهي حقيقة الألوهية التي تأخذ على النفس أقطارها في المنهج القرآني، فتشغل الكيان البشري بآثار رحمة الله ومحبته وقيوميته وجلاله وأُنسه وقربه وإحاطته بالكون كما قال في المقومات. وعلى ذلك فلكي نعرف علاقة نصوص ومفردات الوعد الرباني في سورة معينة ببقية النصوص فعلينا ان نتأمل الوعد في سياقه من السورة اي نتأمل الوعد معروضا بين سنن الله وآياته في عالم الخلق العلوي والسفلي. ومن ثم علينا ان نضع "الوعد القرآني"، كما وضعه الوحي، وراء حركة الكون والتاريخ وحركة الجماعات البشرية والأمم البشرية والقوى والطاقات جميعا.
    ولنأخذ مثلا على ذلك من سورة الروم، وقد نزلت في مكة ففيها ورد اكثر من وعد بالنصر المستقبلي في اكثر من موضع، وورد التأكيد على الوعد في بداية السورة ووسطها وأخرها وكل ذلك معروض بين وقائع تاريخية وكونية ففي بداية السورة وعد الله بأنه سينصرالروم على الفرس في بضع سنين وأن ذلك سيتوافق مع هزيمة جمع كافر ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله!
    والمدهش ان الوعد بذلك وُضع في واجهة السورة، مفتتحة به!، ليراه القارئ كلما شرع في تلاوتها ليلتفت مع النص التالي في تأكيده للوعد، بصيغة جازمة، صيغة تُرجع الوعد الى الله، كما تؤكد انه لن يتخلف!..ولمعرفة وقع وقوة الخبر على المؤمنين والكافرين يومئذ فإن على القارئ أثناء القراءة أن يُرجع البصر الى الواقع الذي واجهه النص القرآني ثم عليه أن يرجع البصر مرة أخرى ويتأمل في المقارنة التي أبرزتها الآية التي تلت إعلان الوعد وتأكيده.. يتأمل في مُقارنة علم الرب ووعده مع علوم الغافلين وأحادية نظر الذين لا يعلمون فيقول: "يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ"، فهذا هو مبلغهم من العلم.. وهذا يعني ان الذين يرمون القرآن بالأساطير رغم ما يرون من علومه الكثيرة الدقيقة وآياته في العوالم كلها إنما هم الذين يعلمون ظاهرا واحدا من ظواهر الحياة الدنيا ، وفضلا عن انهم يشوهونه ولا يبلغونه فان مداهم العلمي قاصر وضيق ومحدود لدرجة تضيق معها الأنفاس بحسب وصف عالم التاريخ عماد الدين خليل.
    تدعو السورة ايضا الى التفكر في "الناموس الحق" الذي يحرك الكون الى هدفه وانه هو الذي يدفع الموعود الى مبلغه، يقول جل جلاله "أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ"، تنقلنا السورة بعد ذلك نقلة تاريخية .. التفكر في وقائع الله في الذين خلو من قبل وعلاقة ذلك بنفوذ قدر الله الشامل في نظام الكون. ومن المعلوم ان تاريخ الانسان على الارض لايخرج عن ان يكون قطاعا في نظام الكون كما قال "أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ"، ثم ترجعنا السورة الى أنفسنا الى قضية الخلق والنشأة الإنسانية وانه سبحانه قادر على الإعادة كما هو قادر على البدء ومن هو كذلك فهو قادر على تحقيق النصر لهذه الأمة المستضعفة في مكة والتي تستمع الآن للآيات النازلة "اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" "يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ"، ثم بصورة مبهرة وفائقة الجمال والجلال تعرض السورة بعد ذلك تجلي هذا التدبير والعناية واللطف في آياته الظاهرة والباطنة، "ومِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ"
    ثم يعرض نتائج أعمال أصحاب النظرة الأحادية المفسدة للعمران البشري "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"
    ثم يذكر آثار الرحمة مرة أخرى "اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"، ثم قال "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ" ثم ربط هذا مرة أخرى بخلق الإنسان ومراحل نموه "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ"
    ثم قال بعد أن ساق الأمثال وكأنها كلها سيقت كدليل على النصر القادم! "وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ" ثم أكد في آخر السورة على ما افتتح به بدايتها. "فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّك َ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ "

    ولتحميل العدد من هنا والمقال ص 23
    عدد الثلاثاء 18 أيار 2010 (2.54 MB)


    http://www.assabeel.net/index.php?op...pdf-&Itemid=99

  10. #50
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    759

    افتراضي رد: سلسلة:انهيار شرفات الاستشراق على طريق السور المكية

    رابط المقالات السابقة
    http://www.assabeelonline.net/ar/def...16kkjO8KQ9dyoD

    لانها الروابط التي وضعتها تحت كل مقال لاتفتح اذا هذا هو الرابط القديم

  11. #51
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    759

    افتراضي رد: سلسلة:انهيار شرفات الاستشراق على طريق السور المكية

    انهيار شرفات الاستشراق ..أولا: أوصاف تسعة للأخلاق العلمانية المتطرفة.




    تسعة أوصاف للأخلاق العلمانية المتطرفة

    مقال اليوم(الثلاثاء)
    الإثنين, 31 أيار 2010 22:00
    طارق منينة


    "وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16) إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ..." لقد عرضت سورة القلم صفات جامعة، وبألفاظ دقيقة بالغة الدلالة، تصف شخصيات عاتية طاغية، تتصف بالكذب والعنف، وشدة الطعن ومداومته، والمَهَانة والمُداهنة والمُداراة.. شخصيات يمكن للقارئ أن يجدها بارزة لامعة في كل عصر ومصر، ديدنها اللمز المتكرر، والطعن المتهكم المباشر والمتستر، والنميمة المتجولة الحانقة في النوادي والمنتديات المحلية والعالمية.. تطعن في النبي والنبوة والأنبياء، تهمز القرآن في كل ناد وواد، وتتهكم على النبوة في كل بلد ومحلة، ولا يخفى عليكم أن أكثر هذه الطواغيت -كما سنرى- تتسم بغلظة طبع، وقسوة قلب، ومهانة في القول والعمل، وجفاء، تحلف بالباطل عند الحاجة، وتداري بالتلبيس والنفاق عند اللجاجة، وتتجرأ على النبوة، وتنال منها في الأمن والأمان.
    وقد أشارت أسباب النزول إلى من نزلت فيهم الآيات، بشخوصهم وصفاتهم، ونحن نرى اليوم نظائرهم وأشباههم، في عمق مستواهم النفسي والعقلي والعملي والحركي، وهي التي عرض القرآن صورها النفسية والعقلية واللفظية، فهي متطابقة متشابهة في صغر الاهتمامات، ومهانة الكلمات، وتحريف الدلالات، وعنف السلوكيات، ومكر المداهنات.
    وأنا هنا، فيما سيأتي عرض تفصيلاته، تعمدتُ عرض ما عرضته كتب السيرة والتفسير من "أسماء" من نزلت فيهم السورة؛ لأن ذلك سبيل للمقارنة والمطابقة، فعندنا اليوم طواغيت فكرية معاصرة (وعربية!) فاقت نظائرها الماضية في العنف والكذب والتجاوز اللفظي والمادي والعملي ضد رسول الله، بالتهكم عليه، والسخرية منه، ولمزه، بل والطعن فيه بكلمات غاية في البذاءة. وسنثبت هذا من أعمالهم وأفعالهم ونميمتهم، وبالكافي من أقوالهم.
    سنقدم الدليل، أيضا، وهو أهم ما في بحثنا، على عمق دلالة ألفاظ القرآن -وسورة القلم على وجه الخصوص- لأنها تتكلم عن صفاتهم وكأنها "حرفة وصنعة" لهم، و"منهج"، وهو ما سنثبته من كلام "صادق جلال العظم" العلماني، وهو ما يعني استيعاب الألفاظ القرآنية واتساع كلماتها، وكمال إشاراتها، لوصف الطغيان البشري بفعله الشاذ المتكرر في التاريخ كله، وهذا في نفسه إعجاز "العلم الإلهي" المتعلق بالعلم التام بالنفوس وخلجاتها وصفاتها وفعلها، "أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ"(سورة الملك -وهي مكية!- الآية:14). فكل "كلمة" أو "آية" كما قال الباقلاني في "إعجاز القرآن" لها في الدلالة "آية"، وهذا يعني أن الوصف القرآني شاهد على كل عصر، وكاشف لطواغيت كل عصر ومصر. فألفاظه تؤكد حقيقة العلم الرباني الكلي المطلق المحيط بالشخصيات التاريخية المتشابهة الفعل، المتطابقة القول، المتصفة بالصفات التسعة من السورة، وغير ذلك من الصفات في بقية السور القرآنية. وهذا بدوره يؤدي إلى التأكيد على أن هذه الألفاظ القرآنية معجزة في الصياغة والدلالة، معجزة في وصف "العلامة" و"الهاجس" و"الفعل". كما أنها قول تام، مهيمن وقاهر، كامل الدلالة والموسوعية (وهو تعبير نقوله أيضا إلزاما للعلمانيين الألسنيين وأشباههم!)، أو الكلية والعمق والسبق -لو صح التعبير- فهي من جهة تكشف، كما في السورة، أعماق النفس البشرية الجاحدة وتسبر أغوارها، وتخرج لنا دوافعها وخلجاتها ومعادنها وصورها، وتسطر ذلك كله وبدقة مدهشة في كلمات قليلة وكثيرة، في إيجاز غير مخل، وإطناب غير ممل.. تعرض السُنن الجامعة، والعلامات البارزة التي تجمع النظير إلى النظير، وتطابق بين الشبيه وشبيهه، كما أنها تعرض العلاقات المتبادلة والمتراكبة بين العلامات والصفات (بين الجاحد الزنيم والـ"مناع للخير" مثلا، أو الهمز والهماز وشخصية "العتل" الطعان) بين الأخلاق والفكرة، والعلامة والحركة.
    كما أنها من جهة أخرى تعلن القدرة على أصحاب "النميمة الكبرى"، وكشفها، وفضح أعمالها "فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ" وقد حسبوا أن لن يخرج الله أضغانهم، أو يعرض علامات فتنتهم البادية على سيماهم، ولحن أقوالهم "أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ، وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُ مْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّ هُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ"(س ورة محمد:29-30)
    وقبل أن أخوض في "المسألة الخطيرة" بكل معنى الكلمة، علي أن أؤكد على التالي: أنه ينبغي علينا اتباع أوامر الله في مواجهة هذه المهانة الفكرية المداومة على الطعن في ديننا.. علينا اتباع أوامر الله، وأكررها؛ (لأن ما سيأتي من عرض كلامهم عظيم!) الصبر على هذه البذاءة الوثنية والعلمانية والكتابية، "َاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ" وعدم طاعتهم "فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ " فالله أعلم بهم "إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين َ" وقد وصفت لك السورة هواجسهم، وغلظة طباعهم، وقسوة قلوبهم، ومهانة أفعالهم، وكذب مسعاهم، فلا تطعهم؛ لكونهم على هذه الوجوه القبيحة المانعة للخير، والشحيحة به على الخلق، فديدنهم وحرفتهم وصنعتهم وخُلقهم هو على ما أوردته السورة، فتنبه ولا يفتنك منهم عتل غليظ، أو مفكر كذاب، طعان عياب!. فالله يمتحنهم ويبلو أخبارهم "إنا بلوناهم..." ولا تنس أن الرسول أمام هؤلاء جميعا، وأمام صفاتهم التسعة البشعة بل أكثر، كما أخبرت السورة على خلق عظيم "وإنك لعلى خلق عظيم" وقد بشر الحق أهل الإيمان ووعدهم أنهم إن أطاعوا كلمات الله ليبصرنهم بهزيمة الكفر والجحود والكذب والتعدي الأكبر. وقد حقق لهم ما وعدهم، وعلينا أن نستبشر مثلهم ببشرى سورة القلم إذا التزمنا وفهمنا عن الحق كلامه مهما بلغت درجات الفتنة في صورها العاتية الغليظة والمهينة.
    إن على الذين ينظرون في خريطة علم العلامات والدلالات -من العلمانيين وغيرهم- وعلاقات الحروف والكلمات، والألفاظ والجمل والإشارات، والوقائع والأحداث، والنفوس والشخوص، أن ينتبهوا لدقة دلالة الألفاظ القرآنية، والكلمات الربانية، ومدى اتساع دلالاتها-مع إيجاز ألفاظها في بعض السور كسورة القلم على سبيل المثال- وهيمنتها العلمية والمعرفية، حتى إننا بدراستنا لها نجدها تستغرق مساحة الوقائع والخرائط المادية الممتدة على مدار التاريخ، ووصولها لأعماق مستوياتها المادية واللفظية المختلفة والمتعددة والظاهرة والباطنة، الأولى والأخيرة. وبألفاظ جامعة وملفتة.
    http://www.assabeel.net/index.php?op...says&Itemid=84


    ومن الجريدة بصيفة ال ب دي اف
    ص23
    عدد الثلاثاء 1 حزيران 2010 (2.49 MB)

  12. #52
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    759

    افتراضي رد: سلسلة:انهيار شرفات الاستشراق على طريق السور المكية

    نهاية شرفات الاستشراق على طريق السور المكية....

    لا طاعة لهم

    بقلم طارق منينة



    نزلت الآيات (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (15)) من سورة القلم في جماعة من المشركين،
    قال ابن عباس ومقاتل إنها نزلت في: الوليد بن المغيرة، وقال ابن عباس أيضا: هو أبو الجهل بن هشام وقال عطاء: الأخنس بن شريق، وهو قول الشعبي والسدي وابن اسحاق وقال مجاهد: الأسود بن عبد يغوث.
    والصحابة إذا قالوا إنها نزلت في فلان فهم لم يقصدوا أنها خاصة به في الأغلب، فحكم الآية لا يختص بأولئك "الأعيان" الذين نزلت فيهم الآيات دون غيرهم كما قال العلماء.
    ويمكنك أن تلاحظ أن الآيات عامَّةً في كلِّ مَن كان على طريقتهم. ولا يغيب عن بصرك وبصيرتك أن كلمة "وَلا تُطِعْ كُلَّ" تعني العموم، أي كل من ظهرت فيه هذه الصفات. وقد ورد قبلها لفظ "فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ " أي "كل" المكذبين.
    وقد أحصى القرآن من أقوالهم وأفعالهم ومبالغتهم في المشي بالباطل، ما يمكن أن ينفع علماء النفس في دراسة أنماط السلوك الشاذ، وخلفية ذلك وتأثيره ودوافعه من العقائد والمواقع والمهن والمناصب والمجتمعات والأهواء والشهوات والمؤثرات المختلفة. وقد سرد القرآن أحداث التاريخ القديم وربطه بوقائع معاصرة لبعثة النبي محمد رسول الله، ويمكن رؤية المعالم الخالدة لضبط الحقيقة وتوليد العبرة منها من خلال دراسة سنن الله الكونية المعروضة عرضا تاما في القرآن (انظر نظرات في القرآن للغزالي ص98)
    قال ابن عاشور: وأما هؤلاء فلعل أربعتهم اشتركوا في معظم هذه الأوصاف... والصفة الكبيرة منها هي التكذيب بالقرآن الذي ختم بها قوله (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) لكن الذي قال في القرآن (إنه أساطير الأولين) هو الوليد بن المغيرة، فهو الذي اختلق هذا البهتان في قصة معلومة، فلما تلقف الآخرون منه هذا البهتان وأعجبوا به أخذوا يقولونه، فكان جميعهم ممن يقوله، ولذلك أسند الله إليهم هذا القول في آية (وقالوا أساطير الأولين). وقال في تعليقه على سورة "وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ" "جاءت آية السورة عامة فعمّ حكمها المسمين ومن كان على شاكلتهم من المشركين ولم تذكر أسماؤهم".
    وقال محمد بن إسحاق: ما زلنا نسمع أن سورة الهمزة نزلت في أمية بن خلف الجمحي، وقال مقاتل: نزلت في الوليد بن المغيرة، كان يغتاب النبي صلى الله عليه وسلم من ورائه، ويطعن عليه في وجهه. وقال مجاهد: هي عامة في حق كل من هذه صفته.
    وقوله تعالى "وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ" وصيغة المبالغة في "حَلافٍ" وما سيأتي من "همَّاز-مشَّاء-منَّاع" راجعة إلى قوة الصفة كما قال ابن عاشور. والْمَهِينُ: قيل: من الْمَهَانَةِ؛ وهي الحقارةُ والضَعفُ في الرَّأي والتمييزِ.
    "هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيم"، همّاز: عيّاب طعّان. وقال ابن تيمية "فالهمز أقوى من اللمز-سواء كان همز صوت أو همز حركة- ومنه "الهمزة" وهي نبرة من الحلق.. والفعال: مبالغة في الفاعل، فالهماز المبالغ في العيب نوعا وقدرا" (التفسير الكبير، ج6، ص87) والهمز هو الكسر، والمراد الكسر من أعراض الناس والغض منهم، والطعن فيهم، كما قال الرازي في تفسيره. ومعلوم أن الآيات تصف أخلاق ووسائل المناوئين المحاولين إهانة النبوة والغض منها والطعن في النبي بالكذب والتهكم والإيذاء والسخرية.
    "مَشَّاءٍ بِنَمِيم" قال ابن عباس: يمشي بالكذب.
    ولا يغيب عن القارئ الكريم أن ترتيب هذه الأوصاف من ألفاظ القرآن على النحو الذي أوردته السورة هو ترتيب مقصود، وهو هنا لبيان تصوير العداوة المتنامية التي تزداد حركتها النفسية والمادية عنفا وغلظة وبشاعة. والآيات تعرض تحول الشخصية المكذبة المعادية، مع الزمن، إلى شخصية قاسية يشتد عنفها وكذبها شدة، كما أن مساحة حركتها الداخلية (النفسية) والخارجية (العملية) تتسع مع الزمن. يشرح لنا العلامة فاضل السامرائي هذا المعنى، بقوله "فإن الهمّاز هو العيّاب، وذلك لا يفتقر إلى مشي بخلاف النميمة، فإنها نقل للحديث من مكان إلى مكان عن شخص إلى شخص. فبدأ بالهماز وهو الذي يعيب الناس وهذا لا يفتقر إلى مشي ولا حركة، ثم انتقل إلى مرتبة أبعد في الإيذاء وهو المشي بالنميمة، ثم انتقل إلى مرتبة أبعد في الإيذاء وهو أنه يمنع الخير عن الآخرين. وهذه مرتبة أبعد في الإيذاء مما تقدمها. ثم انتقل إلى مرتبة أخرى أبعد مما قبلها، وهو الاعتداء، فإن منع الخير قد لا يصحبه اعتداء، أما العدوان فهو مرتبة أشد في الإيذاء. ثم ختمها بقوله أثيم وهو وصف جامع لأنواع الشرور، فهي مرتبة أخرى أشد إيذاءً. جاء في بدائع الفوائد: وأما تقدم همّاز على مشّاء بنميم فبالرتبة؛ لأن المشي مرتب على القعود في المكان. والهماز هو العيّاب، وذلك لا يفتقر إلى حركة وانتقال من موضعه بخلاف النميم. وأما تقدم (مناع للخير) على (معتد) فبالرتبة أيضاً لأن المناع يمنع من نفسه والمعتدي يعتدي على غيره ونفسه قبل غيره. (أسرار البيان في التعبير القرآني ص20)
    وكلمة "عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيم" هي بمعنى "ثم" أي ثم هو مع كل ما مرّ من المثالب، غليظ قاس جاف، حتى صارت الشدة في الخصومة الباطلة علامة عليه. وهو مأخوذ من قولك: عتله إذا أخذه بعنف وغلظة، قال الفراء: وقوله: (عُتُلٍّ...). فى هذا الموضع هو الشديد الخصومة بالباطل، وهو الشديد في كفره كما أورده ابن الجوزي في "زاد المسير" عن عكرمة. وهو كقوله تعالى: "وهو ألد الخصام" وجمعه "قوما لدًّا" يقول ابن كثير: وهو المنافق في حال خصومته يكذب ويزور عن الحق، ولا يستقيم معه، بل يفتري ويفجر (انظر تفسيره لسورة البقرة عند الآية: 204-205)
    والزنيم كما يقول الفراء هو الملصق بالقوم، وليس منهم وهو: المُدعى. ويقول ابن عباس فيما رواه عنه سعيد ابن جبير: يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها. وهو ما يعني "علامة" يُعرف بها، وهي عار لصيق به. والزنمة كما قال الرازي هي من كل شيء الزيادة. وهي هنا زيادة مستقبحة وبارزة أكثر من غيرها، إنها شدة الخصومة بالباطل.

    وهذا هو عدد الصحيفة-يمكن تحميله- والمقال ص23
    عدد الأحد 13 حزيران 2010 (3.18 MB

    http://www.assabeel.net/index.php?op...says&Itemid=84

  13. #53
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    759

    افتراضي رد: سلسلة:انهيار شرفات الاستشراق على طريق السور المكية

    دخل نصر حامد ابو زيد مستشفى الشيخ زايد بمحافظة 5 اكتوبر بعد اصابته بفيروس غامض تسبب في اصابته في اضطراب في الوعي، في (الناصية!) الداخلية!
    لم ترحب زوجته بسفره لهولندا للعلاج
    نشر الخبر ايضا اليوم في جريدة الشروق المصرية ص 3 من الجريدة الورقية
    الاربعاء 30 يونيو 2010

    بصيغة PDF
    تنزيل العدد

  14. #54
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    759

    افتراضي رد: سلسلة:انهيار شرفات الاستشراق على طريق السور المكية

    انهيار شرفات الاستشراق.. عنف ضد النبي

    الأحد, 11 تموز 2010
    طارق منينة


    طارق منينة - كان قادة قريش يتصدرون مشهد عنف السلطة العربية في كافة أنحاء الجزيرة العربية وذلك في مواجهة الإسلام، والإساءة إلى النبي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا يتخذون رسول الله صلى الله عليه وسلم هدفاً للإساءة والسخرية، وقد أخبرتنا عائشة رضي الله عنها في الحديث عن: (... تظاهُر قريش على رسول الله وأصحابه) والرواية في سيرة ابن هشام، فلم تكن العداوة عداوة فرد واحد لا يؤبه له، وإنما كان تظاهر القادة الكبار على مواجهة النبي وما جاء به، وهو "التظاهر الجمعي"، المدعوم فيما بعد بتظاهر يهود وكثير من سادة القبائل في الجزيرة العربية، وقد عبّر ابن القيم عن هذا التشمير "الفوقي"، للقيادات العليا، المدعوم بالأكاذيب والأباطيل بقوله: "شمروا له ولأصحابه عن ساق العداوة". ونحن نرى اليوم، من جهتنا، من يتظاهر من قيادات العلمانية العربية، خصوصا الفكرية منها، على الإسلام ورسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وإجماع فريق منهم على عداوته، كما قال ابن إسحاق عن خِلاف قريش وعداوتها لرسول الله. نرى هذا الفريق من كبار العلمانيين "قد غلب على عقولهم الكيد" كما قال الرافعي في مقدمة إعجاز القرآن، وسنعرض، إن شاء القَيُّوم، من صور هذه العداوة والمشي في الأندية الدولية بالنميمة والخصومة بالباطل التي أشارت إليها آيات سورة القلم، ما سوف يتعجب له القارئ الكريم.
    كانت قريش تؤذي النبي بكل طريق تيسر، حتى ولو كان بإلقاء بقايا أو بطن حيوان عليه وهو قائم يصلي، فاتخذوه صلى الله عليه وسلم هدفا لهم، وكانوا منه ومن أصحابه ومن آيات القرآن "يستسخرون" ويسخرون، فكذبوه وآذوه، ورموه بالشعر والسحر والكهانة والجنون والافتراء وغير ذلك، مع علمهم أنه لم يكتب شعرا، ولا يعرف عنه مرض مس أو صرع أو جنون أو ادعاء صلة بالجن في قول شعر أو غيره، أو التحدث بكلام الكهان أو سجعهم، بل كان أعقلهم وأصدقهم، يأتمنونه على أموالهم، ويسعون إليه للحكم بينهم، ولا علاقة له بسحرة ولا كهنة أو قساوسة، لكنهم لما واجههم بالحق وبما يكرهون، رموه بالباطل وبما يناقض ما كانوا يصفونه به لمدة 40 سنة قبل البعثة. وأضافوا إلى الصفات الكاذبة، الغمز واللمز والهجاء البذيء، قال ابن إسحاق: "ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما بلغني، بالوليد بن المغيرة وأمية بن خلف وبأبي جهل بن هشام، فغمزوه وهمزوه واستهزؤوا به" (انظر سيرة بن هشام، نهاية الجزء الأول)، وكانوا يتعقبونه، ويردون عليه، ينالون منه، وهو قائم يدعو حتى ينتصف النهار، فينصرف الناس عنه، يروي لنا الحارث بن الحارث صورة من صور المواجهة الطويلة مع النبي: "قال: قلت لأبي: ما هذه الجماعة؟ قال: هؤلاء القوم الذين اجتمعوا على صابئ لهم. قال: فنزلنا فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى توحيد الله عز وجل والإيمان، وهم يردون عليه ويؤذونه حتى انتصف النهار وانصدع الناس عنه..."، ويسرد لنا منبت الأزدي واقعة سبهم له وهو قائم لساعات طويلة يدعو إلى الله، قال: "رأيت رسول الله في الجاهلية وهو يقول: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا. فمنهم من تفل في وجهه، ومنهم من حثا عليه التراب، ومنهم من سبه حتى انتصف النهار. فأقبلت جارية بعُسٍّ من ماء فغسل وجهه ويديه، وقال: يا بنية، لا تخشي على أبيك غيلة ولا ذلة.." والروايتان عند الطبراني، وفي موقف آخر شبيه ومؤثر يرويه عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما: "... فأتت امرأة من بناته تمسح عن وجهه التراب وتبكي، فجعل يقول: أي بنية! لا تبكي فإن الله مانعٌ أباك" والرواية عند البيهقي. وقد منعه الله ونصره كما قال.
    ولإيمانه بالله، وثقته بالوحي، وثباته على الحق ثباتا لا يتزعزع، فإنه كان متحملا لأشنع أنواع السخرية والتهكم، ومن قادة كبار كان يرجو هدايتهم، لكنهم تمادوا في لمزهم ومنهجهم الساخر كما يحكي عبد الله بن عمرو بن العاص عن موقف طوافه بالبيت واتخاذه سخرية: "فغمزوه ببعض القول، فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها، فعرفت ذلك في وجهه، ثم مر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها". فكانوا يجتمعون له كما في رواية ابن عباس عند ابن إسحاق ويداومون على معارضته بكل وسيلة، وقد أورد ابن إسحاق عرضا تهكميا قاموا به، وصُوْرَتُهُ أنهم عرضوا عليه متناقضات، فإما الملك عليهم، والمال العظيم، أو ليأتوا له بطبيب المس والجنون!، وهو دليل على العناد والتولي.. ومخاطبتهم له صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة تدل على أنهم كانوا يخاطبون عاقلا يعرفون عقله، إلا أنهم يؤذونه بالكلام، فذكر المس والطبيب إنما هو لزلزلته وإرجاعه عن أمره صلى الله عليه وسلم. قال ابن عباس: "اجتمع عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو سفيان بن حرب، والنضر بن الحارث..، وأبو البختري بن هشام، والأسود بن المطلب بن أسد، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام -لعنه الله- وعبد الله بن أبي أمية، والعاص بن وائل، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهميان، وأمية بن خلف، أو من اجتمع منهم. قال: اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظَهْرِ الكعبة" وعرضوا عليه عرضهم الساخر، فكلمهم بعقل يعرفونه عنه، وبإرادة ترفض العرض الدنيوي، ومَن عهدوه وعرفوه صادقا أمينا عاقلا رزينا لا يمكن أن تكون هذه غايته في الوجود، وهو الذي جاءهم بعز الدنيا والآخرة، عز التحرر الذي يُخرج الشعوب من الظلمات إلى النور، ويُخرج الحضارة المقبلة من رحم السنن الكونية التي حرض على تناولها كم زاخر من آيات القرآن العظيم. قال ابن عباس: فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بي ما تقولون، ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم. ولكن الله بعثني إليكم رسولا، وأنزل علي كتابا، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا، فبلغتكم رسالات ربي، ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليَّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم" أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
    وفي موقف قبل هذا الموقف كانوا قد أرسلوا إليه أحد سادتهم، وهو عتبة بن ربيعة، فقال له عتبة مثل ما قالوا له بعد ذلك مما قدمناه، لكن النبي بعد أن قال له: "أقد فرغت يا أبا الوليد؟" قال: نعم، قال: "فاستمع مني"، لم يكلمه إلا بتلاوة (37 آية) من سورة فصلت، وسجد بعدها، وقال لعتبة: "قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك"!
    وقد أنزل الله في هذه السورة مفاتيح حضارة إيمانية علمية قيمية وأخلاقية.
    http://www.assabeel.net/studies-and-...لنبي.html

    والمقال في الجريدة الورقية -بي دي اف ص23
    عدد الأحد 11 تموز 2010 (3.05 MB)

  15. #55
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    759

    افتراضي رد: سلسلة:انهيار شرفات الاستشراق على طريق السور المكية

    كنت قد نشرت مقال
    حشو الجابري اليوناني
    وهاهو معاد بادخالات مهمة جدا
    --------------------

    انهيار شرفات الاستشراق... حشو الجابرياليوناني
    طارق منينة
    من المعلوم أن القرآن العظيم لا يمت بصلة لهذا "المعهود اليوناني" الخاطئ الذي تسلل به الجابري الى الحقيقة القرآنية البالغة ولا يمت بصلة الى افرازات الفكر الفلكي الخاطئ والمرتبط بتصور "آلهة كوكبية" وعقل سماوي عاشر (إله صغير في سلسلة آلهة اليونان!) واهب الصورة، بزعمهم، ومدبر لما تحت فلك القمر.
    وقد ارتبط تصور فلاسفة اليونان للعالم بـ"فلكيات خاطئة" مثل تصور"الارض مركزا للكون"؛ كما يحكي أرسطو بنفسه "فمعظم الفلاسفة يؤكدون أنها تقع في مركز العالم... عكس هذا الرأي يذهب الفيثاغوريون فعند هؤلاء أن النار التي تشغل المركز (ارسطو من كتابه "رسالة السماء" ترجمة جان تريكون مكتبة فران الفلسفية باريس 1949، ص 101-102). ويقول ول ديورانت في كتابه (قصة الفلسفة) عن فلكيات ارسطو "ان علم الفلك الذي وضعه ارسطو ليس سوى سلسلة من الحكايات المضحكة "(قصة الفلسفة ص75، مكتبة المعارف، بيروت، 1988، ط6) كذلك لا يمت القرآن العظيم بصلة "للافلاطونية المحدثة" التي دعت الى التعددية الوثنية دفاعا عن "ألوهية الكواكب" والذي يقول فيلسوفها أفلوطين (وهو غير افلاطون): "فإن لم تكن الأجرام السماوية آلهة، فأي الموجودات أجدر منها بصفة الألوهية"!! (انظر "العقل المستقيل في الإسلام" لطرابيشي ص64).
    مع ذلك نجد الجابري يحاول ، في تفسيره العلماني، أن يختلق صلة بين نتائج هذا الاستدلال الخاطئ للفكر اليوناني في مجالات الفلك والطب والفلسفة وبين القرآن العظيم، وقد قدمت من كلامه مجموعة أمثلة ضربها للقرآن ظلما وعدوانا ، ونزيد هنا تدليسا آخر قام بتلفيقه مما يمكن أن يدخل في باب "الإقتباسات" و"المقارنات" الساذحة ، المزعومة التي يتهمون بها القرآن، والتي فضح علماء الأمة عملياتها التلفيقية وكشفوا جهل أهلها ، ففي تعليقه على قول الله تعالى من سورة الأعراف "هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها" يقول الجابري: "والمعنى: هو الذي خلقكم –خلق كلا منكم- من نفس واحدة، هو الرجل، أي من مني الرجل، وجعل من تلك النفس، أي من ذلك المني زوجها باختلاطه مع ماء المرأة. وهذا ما يقتضيه العلم القديم الموروث عن أرسطو والذي انتشر بين الأطباء القدامى، فقد كانوا يرون أن النفس (وهي الصورة) تتكون من مني الرجل(!)، أما المرأة فهي مجرد مادة للتغذية (!)، فالمرمر (أو الرخام) مادة وهي لا شكل لها (!)، وعندما تلبسها صورة معينة رجل أو امرأة تصبح تمثالا للرجل أو المرأة، وكذلك ماء المرأة فهو كالمرمر في هذا المثال(!)، فعندما تلامسه صورة الرجل يكون المولود ذكرا وعندما تلامسه صورة (!) المرأة يكون أنثى، ويبقى من يعكس الصورة؟ في الأفلاطونية المحدثة قالوا يعطيها واهب الصورة (وهو العقل السماوي العاشر مدبر ما تحت فلك القمر، ويناسب جبريل في الاصطلاح الديني)" (فهم القرآن الكريم، الجابري، القسم الأول، ص240). هنا في هذا النص حاول الجابري إعادة إنتاج الموروث اليوناني الخاطئ المُحمل بتصورات خاطئة عن دور المرأة في الحياة وفي الإنجاب، حاول الجابري اعادة هذا الموروث في نص قرآني كما حاول أن يشق لهذه الأمثال المضروبة بغيًا ، طريقاً الى القرآن ، ومنها مفهوم "الصورة" عند ارسطو ، والمتعلقة بتصورات وثنية في العقائد اليونانية، وبتصورات خاطئة عند ارسطو ، خصوصا في مسألة الجنين البشري وسبب تخلقه. وتعلق ذلك عند ارسطو بموقفه ومجتمعه من المرأة.
    ففي النص اعلاه انتقل الجابري بالخيال اليوناني عن "الصورة" –بغية زرعه في القرآن- الى "ماء الرجل"" "وأن النفس (وهي الصورة)-كما في التصور الأرسطي - هي مني الرجل أو "في" مني الرجل! ونعيد نصه مرة أخرى، قال:" نفس واحدة، هو الرجل، أي من مني الرجل، وجعل من تلك النفس، أي من ذلك المني زوجها"!! ، وان ذلك هو قصد القرآن بزعمه. وأن القرآن تابع للتصورات العلمية الخاطئة!(وقد حاول الجابري نحت هذه الجملة بتعسف شديد ليكون أٌقرب إلى الفاظ القرآن ومعانيها ، ولم ينجح في ذلك لما سيأتي من كلام الدكتور إمام عبد الفتاح الفقيه في بيان موقف ارسطو ونظرياته. وزيادة على ذلك يقول الجابري ان النفس هي الصورة وانها تتكون من مني الرجل أو هي كامنة فيه!! ، بدليل قوله" النفس (وهي الصورة) تتكون من مني الرجل"! وكأن النفس او الصورة او الروح (الأرسطي!) يوجد في المني وينتقل إلى المرأة عبر هذا المني ، وما المرأة الا "قابل" أو "محل" يقبل الروح والصورة ويتعامل معه بمادة تغذية وهي في النظرية الأرسطية دماء الطمس وهو ماأخفاه الجابري عنا! لكنه اخبرنا ان " المرأة فهي مجرد مادة للتغذية (!)، فالمرمر (أو الرخام) مادة وهي لا شكل لها (!)"! فاخبرنا الجابري عن المادة ولم يخبرنا ماهي!!! ؟ وعلى كل فما قاله هو مفهوم ارسطو كما هو معروف عنه وليس مفهوم القرآن العظيم ،فعند ارسطو أن الصورة للرجل يقابلها من المرأة دم الطمس أو الحيض ومنه يتغذي المولود ! وهذا باطل قطعا لأن ماء المرأة في العلم الإسلامي والطب الإسلامي لو صح التعبير ، هو "بنية" غاية في التصميم والإبداع والتركيب والتعقيد ، تتدفق في مجرى مبدع ، وتصير في المشهد الجديد ، مع ماء الرجل، امشاجا بالغة الحيوية والإبداع، والتعقيد والتركيب ، اللطيف، بالغ الدقة، ويكون منه الجنين بعد مراحل تخلق جنينية متعددة واطوار مختلفة تتم إلى مرحلة نفح الروح وهو الخلق الآخر الذي قال عنه الله عز وجل :" ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين"
    فالجنين البشري كما أشار القرآن يكون في البدء ، وقبل نموه الطبيعي وقبل حلول الروح أو النفس ، أمشاجا من نطفة الرجل والمرأة معا وليس الرجل فقط ولا دخل لدماء الطمس الأرسطي فيه فهذه خرافة ارسطية. وزعمه بأن موقف القرآن هو الموقف الأرسطي العلمي القديم عن الجنين، لا يُسَلم له ، ذلك أن القرآن أشار إلى أمشاج مشتركة من مائين، نطفة مشتركة من ماء الرجل وماء المرأة ، او من نطفة الرجل ونطفة المرأة لتكون نطفة واحدة أن تتكون منها خلية واحدة ، تدخل مراحل جنينية ذكرها القرآن في قوله تعالى من سورة" المؤمنون":" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) وهذا الإنشاء الجديد قال الله تعالى عنه في سورة السجدة :" وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ" فالقرآن يؤكد دور عناصر اشتراك واقتضاء ، وتركيب والتقاء ، ومشاركة وتكوين، متدفقة من المرأة لتكوين التركيب الداخلي الجديد ، المقدر إلهيا ، ليكون نظفة جديدة في الامشاج التي قال تعالى عنها :" من نطفة خلقه فقدره"(سورة عبس :19).
    اما ماء الرجل عند ارسطو فهو وسيلة لإنتقال" الصورة" او لتعبر به الروح إلى دماء الطمس ،وهذا الروح هو أعلى وأسمى وأرقى قيمة من هيولي المرأة التي هي المادة، ومادة المرأة هنا هي دماء الطمس، كما ان المرأة عند ارسطو هي دونية، وكذلك ماتقدمه في عملية الإنجاب! والذي شكل هذا الموقف الارسطي تجاه المرأة هو تصور قومه وبيئته لها ولدورها في الحياة. فالرجل هو الصورة والروح والمبدأ العقلي وهو الذي يهب الحياة في المرأة والمرأة قابل عاجز ، وهي" المادة الخام" وهي الهيولي ينطبع عليه الأرقى أو يصيبه عطب المرأة! والسؤال الآن أين هي معرفة ارسطو بالحيوان المنوي والبويضة ؟ يجيب الدكتور امام عبد الفتاح ان ارسطو لم يعرف اي شيء عن الحيوان المنوي او البويضة (انظر انظر ارسطو والمرأة ، للدكتور إمام عبد الفتاح، مكتبة مدبولي، الطبعة الأولي،1996م ، ص 65-66، 97) وبما ان هذا كله غائب عن نظرة ارسطو وفكره المجرد عن الجنين فانه لايجد الا دماء الطمس ليغرس الروح فيه!! .. روح ارسطو الكامن الذي سيتغذى على هذا الطمس فاذا كان معدا اعدادا جيدا ،فإن الحركة التي يطبعها الذكر عليه ستجعل صورة الجنين شبيهة بولده كما يشرح الدكتور امام عبد الفتاح نظرية ارسطو في كتابه "ارسطو والمرأة" (انظر ارسطو والمرأة ص55) ! او يحل فيه الرجل الكامن في حيوان منوي الذي سيتخيله اطباء العصور الوسطى المسيحية تطويرا لنظرية ارسطو عن الصورة او الروح المتنقلة عبر ماء الرحل والذي سيعكسها في التصور اليوناني مااطلقوا عليه العقل العاشر والذي منحوه القدرة على تدبير ماتحت القمر!.
    نترك الدكتور إمام عبد الفتاح يقدم لنا جملة شارحة مهمة، ففي كتابه(ارسطو والمرأة) يقول :" ونصل الآن إلى مساهمة الذكر والأنثى في عملية الإنجاب لنجد أن أرسطو يذهب إلى أن الدور الحاسم هو دور الذكر الذي يقدم لنا " الصورة" و "العلة" في حين ان الأنثي لاتقدم سوى المادة أو الهيولي على نحو ماتتمثل في دماء الطمس ، وهكذا يتبين لنا بوضوح أن المساهمة التي تقدمها الأنثى في عملية التوالد هي المادة المستخدمة في هذه العملية ، أما الذكر فهو يزودنا ب"الصورة" وبمبدأ الحركة ... ولقد ظلت الفكرة الأرسطية التي تجدد دور الأنثى في عملية التوالد بتقديم " دماء الطمس"... والغريب أنها موجودة في سفر الحكمة .:" وفي مدة عشرة أشهر صُنعت من الدم بزرع الرجل واللذة التي تصاحب النوم"(الاصحاح السابع:2) ويمكن أن نراها مصورة في كتب التوليد للقرن السادس عشر"(ارسطو والمرأة ، لامام عبد الفتاح، مكتبة مدبولي، الطبعة الأولي،1996م ، ص51)
    فالحيوية وبث الحياة والصورة والماهية من الرجل ، أما الأنثي –كما يقول الدكتور امام عبد الفتاح- فهي لاتقدم عند ارسطو سوى المادة التي هي دماء الطمس،(التي هي أشبه بالمادة الميتة كما يقول الدكتور إمام عبد الفتاح ص 54) ويكون دور الأنثي سلبي ، لاتقدم سوي المادة (انظر ارسطو والمرأة ص 60) وذلك يتبع تصوره بأن المرأة ليست مخلوقا كامل النضج!، لاتستطيع تقديم شيء له قيمة!، فهي مخلوق عاجز عجزا خاصا(القديس توما الاكويني تأثر بموقف ارسطو إذ قال أن" المرأة مخلوق عارض"! (انظر ارسطو والمرأة ص62،60) ، وارسطو ينظر اليها على انها تشوه خُلقي أو انها موجود مشوه ، لأنها بدون عضو ذكري للتوالد! ، فالإنحراف الأول في الطبيعة هو الذي أنجب المرأة! ، والطبيعة-عند ارسطو!- لاتصنع النساء الا عندما تعجز عن صنع الرجال ، وهذه الإنحرافات تتكرر في الإنجاب ايضا !، فإذا جاء المولود ذكرا فإن الغلبة تكون للصورة أي صورة الرجل الأرقى! ، وإلا فإذا انحرفت الطبيعة كان المولود أنثى واذا كان شبيه بالأم فانه علامة قصور في الخلق!، وعلامة انجاب "الذكر" هي علامة تفوق الرجل كما هو الحال عند هرقل(لقد جاء الإسلام وهدم هذه النظرة،انظر سورة النحل(الآية: 58) وسورة الزخرف،الآية:17 ) فمن علامة تفوق هرقل في الاسطورة اليونانية انه انجب(72) ولد وبنت واحدة!(انظر ارسطو والمرأة ص60-61، 66،68) ومن نتائج دونية المرأة عند ارسطو انه قال ان لها عدد اسنان اقل من الرجل! ، وذلك مادفع برتراند رسل على التعقيب على هذه السذاجة الأرسطية بالقول ان ارسطو لم يكن ممكنا ان يرتكب ابدا مثل هذا الخطأ لو أنه طلب من زوجته أن تفتح فمها لحظة واحدة!(انظر ارسطو والمرأة للدكتور إمام عبد الفتاح ص 68)
    فأين تجدون–ياأهل التلفيق-في المشهد القرآني العظيم، والوصف الرباني اللطيف الدقيق مفهوم النفس، أو الصورة، الارسطي الذي يحمله ماء الرجل بحسب الجابري أو المولود الكامن(روحا أو نفسا أو صورة أو ماتصورته فيما بعد العصور الوسطى المسيحية) والذي لايحتاج من المرأة الا مجرد تغذية من دماء طمس ؟ (في القرن السابع عشر 1699م رسم "داليمباتيوس" الإنسان كاملا داخل رأس حيوان منوي!)
    هذا كله في كفة وحديث النبي صلى الله عليه وسلم في كفة أخرى، ففي رده صلى الله عليه وسلم على سؤال يهودي عن خلق الإنسان :"لأسألنه عن شيء لايعلمه الا نبي، ثم قال يامحمد مم يُخلق الإنسان؟ قال : يايهودي من كلٍ يُخلق ، من نطفة الرجل ، ومن نطفة المراة ) والحديث في مسند الإمام أحمد برقم (4206) فهذا الحديث يعلمه المسلمون من زمن البعثة يكتبونه وينسخونه في الكتب وينتقل من جيل الى جيل!، وهو موجود في مسند الامام احمد ، وقد مات الإمام أحمد عام 241 هجرية- 855 ميلادية، وواضح من قول الرسول انه يخالف المعارف الخاطئة لارسطو مخالفة تامة ، وقد ورد الحديث في صحيح مسلم ايضا ردا على اليهودي: يايهودي من كل يُخلق ، من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة !! وقد روي الطبراني بسنده عن مجاهد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماخلق الله الولد الا من نظفة الرجل والمرأة جميعا.
    وقد ذكر الرسول كما في صحيح مسلم في كتاب النكاح، أنه مامن كل الماء يكون الولد! وقد أثبت العلم تحت المجهر ان الذي يدخل البييضة انما هو حيوان منوي واحد على الرغم من وجود اعداد لاتحصي من الحيوانات المنوية في الدفقة الواحدة
    كما رأينا تحت هذه المجاهر ان لماء المرأة دور رئيسي في عملية التخلق الداخلي بأطوراه المتجددة والتي صورها القرآن في صورة "أمشاج" ، في اختلاط تام، بصبغيات متساوية لماء الرجل وماء المرأة(23 صبغيا) او حاملا وراثيا- لكل منهما ، تتشكل منها خلية جديدة من 46 صبغيا، وهو ما يعني ان ذلك ليس له في هذه المرحلة صلة بتكون "نفس" كما أنه ليس لها صلة، من قريب أو من بعيد بخطأ معرفي يوناني عن صورة ونفس ومرمر وشكل ودم حيض وطمس ومخلوق كامل في ماء أولي!، ، كما أنه لاوجود ، في المشهد القرآني ، للعقل العاشر الذي اخترعته مخيلة اليونان. ولاأعرف مادخل اسطورة العقل العاشر اليونانية مع خلق الإنسان في القرآن ؟ ويلاحظ أن الجابري حاول أن يوحي أن من يعكس الصورة في الإسلام هو ماذهبت اليه الاسطورة اليونانية أو تأويل الجابري لها! وذلك بقوله:" ويبقى من يعكس الصورة؟ في الأفلاطونية المحدثة قالوا يعطيها واهب الصورة (وهو العقل السماوي العاشر مدبر ما تحت فلك القمر، ويناسب جبريل في الاصطلاح الديني)!، فهل هناك عقيدة في الإسلام تقول أن جبريل عليه السلام هو مدبر ماتحت القمر وأنه واهب الصورة أو انه عقل اليونان العاشر المؤله؟! وهل يمكن أن يكون هذا تحليلا علميا موضوعيا رصينا ، مقارنا ، من مفكر يسمع له في عالم الفكر والفلسفة؟! أم انه تلفيق ظاهر البطلان ، ساذج الحيلة!
    والا فليقل لنا من يدافع عن الجابري او من يستخدم كلامه( ومنهم القمص زكريا بطرس الذي أعلن أنه سيستعين بالعلمانيين في نقد الإسلام في القريب العاجل!) ، كيف يكون ماعرضه القرآن عن الجنين البشري هو مايقتضيه العلم القديم لأرسطو عن المني والصورة والمرمر والشكل ؟ والجابري هو نفسه من قال عن نص القرآن "هو الذي خلقكم من نفس واحدة" ،قال :" وهذا ما يقتضيه العلم القديم الموروث عن أرسطو والذي انتشر بين الأطباء القدامى" !؟ والله جل جلاله يقول:" إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج فجعلناه سميعا بصيرا"(سورة الإنسان:2) والأمشاج تتكون من مجموعة عمليات مختلفة جرى إجرائها بالتقدير الرباني في كل من الرجل والمرأة-كلا على حدة!- قبل أن تتجمع في أمشاج مختلطة من كليهما:" فلينظر الإنسان مم خلق ، خُلق من ماء دافق"( سورة الطارق:5-6) وهذه النطفة هي نطفة الأمشاج" من نطفة أمشاج"(سورة الإنسان:2) قدرها الله تقديرا "من نطفة خلقه فقدره"(:" سورة عبس:13) لتستقر وتتشكل وتتكون في ماوصف الله ، في قرار مكين:" ثم جعلناه نطفة في قرار مكين"(سورة المؤمنون:19) وأهل العلم المادي اليوم –مؤمنون وكافرون على السواء!-يعرفون التصميم المعقد لهذه الأمشاج كما يعلمون أن بييضة المرأة هي بذات الأهمية كما لماء الرجل في تكون وتشكل النطفة، وهذا من علم الله فيهم ، وشهادته في العلماء وغيرهم "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد"( سورة فصلت:52)
    يقول الدكتور زغلول النجار في هذا السياق:" هذه الحقائق العلمية التي تقع من علم الأجنة في الصميم، والتي لم تعرف مبادئها الأولية إلا في نهايات القرن الثامن عشر الميلادي, واستغرقت أكثر من قرنين من الزمن حتى تستقر في وجدان علماء الأجنة, تحدث عنها خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهذه الدقة العلمية, والإحاطة الشمولية منذ مطلع القرن السابع الميلادي, أي: قبل أن يصل إليها العلم المكتسب بأكثر من عشرة قرون كاملة.
    فحتى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي كان الناس يعتقدون أن الإنسان يخلق جسمه كاملاً بأبعاد متناهية في الصغر من دم الحيض, وبعد اكتشاف بويضة الأنثى قالوا بأن الإنسان يخلق كاملاً فيها كما يخلق فرخ الدجاجة في بيضتها, ولكن بعد اكتشاف الحيوان المنوي نادوا بأن الجنين يخلق كاملاً في رأس ذلك الحيوان على الرغم من ضآلته, ولم ينته الجدل بين أنصار كل من هذه التصورات الخاطئة إلا في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي حين اكتشفت أهمية كل من الحيوان المنوي والبويضة في عملية تكون البويضة الملقحة التي ينشأ عنها الجنين, ولم يتم الاتفاق على ذلك إلا في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي.
    وفي القرن العشرين ثبت لعلماء الأجنة أنه من بين ملايين النطف الذكرية ـ الحيوانات المنوية ـ التي تنزل في الدقيقة الواحدة لا يصل منها إلى قناة الرحم إلا خلاصة لا يتعدى عددها الخمسمائة, يتمكن واحد منها فقط من اختراق البويضة ـ النطفة الأنثوية ـ فيتم تلقيحها وتكوين النطفة الأمشاج التي وصفها الحق ـ تبارك وتعالى ـ في محكم كتابه, والبويضة هي أيضاً جزء من ماء المرأة, وهنا تتضح لمحة من لمحات الإعجاز العلمي في قول المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "ما من كل الماء يكون الولد".
    ولذلك نقول ، ان الناظر في نص الجابري السابق-بعين فاحصة يقظة- يرى انه كان يحاول القيام بعملية قسرية متعثرة يتلعثم فيها ويتعثر وتخرج كلماته في ارتباك وتناقض وكأنه كان يريد أن يلقي بحمل ثقيل مركب ثم يهرب إلى الخلف حيث الساتر العلماني مع المتسترين خلفه! وكأنه ، بالكر والفر ، تمكن من صنع ارتباك ما ، بينما نراه يخالف وقائع العلوم وتاريخ الحقيقة البالغة ، ومعلوم ان علماء الإسلام نقدوا نظريات يونانية-ومنها أفكار كثيرة لأرسطو- في الطب والفلك وفي الجغرافيا وعلوم الأرض وغير ذلك.
    فالوقائع التاريخية العلمية وهي مسطورة إلى اليوم- تشهد انهم كانوا ينقدون آراء ارسطو في الطب والفلك ونظرته عن الجنين، ومم تكون ،فقد كانوا يرون قصور بل وسذاجة مادته العلمية الخاطئة في مجملها، ولايعنى ذلك التقليل من شأن جهده في عالم المادة فإسلامنا علمنا العدل في التقييم وعدم جحود الجهد الإنساني في أي أمة كانت. لكن هذا شأن ومايحاول الجابري أن يمرره هو شأن آخر حاول به وصم الإسلام بأنه تأثر بموروثات الأمم في المجالات العلمية والدينية على السواء، كمحاولة حديثة جدا لنقد القرآن الحكيم.
    ومامحاولته الا مجموعة أغاليط منها إنطاق الدليل بغير منطوقه كما فعل مع العقل العربي وكشفه هناك "جورج (!) طرابيشي" وله في كشفه مآرب أخرى وأغراض علمانية أخرى (انظر العقل المستقيل ص185).
    يقول جورج طرابيشي عن أخطاء الجابري وتلاعباته انها :"الأغاليط والمغالطات الآخذ بعضها برقاب بعض كالسلسلة... تحل المصادرة مكان البرهان، والفرض الذهني محل الواقع العيني،... تقلب أدلة الإثبات الى أدلة نفي وبالعكس، وتجري محاكماتها لا بالاستناد الى الوقائع والنصوص، بل قفزا فوق الحقائق والنصوص، وتلفيقا لها وتزييفا عند الاقتضاء" (العقل المستقيل ص136). وفي كشفنا هنا نراه يحاول أن يوهم قارئه ان ما ذكره القرآن عن الإنسان والسموات والقلم وغير ذلك مما ياتي بيانه انما مصدره موروثات خاطئة لتراث ما قبل الإسلام ويتوسل الى ذلك بالتلفيق والتحريف لإلباس الحقيقة القرآنية -بعد الادعاء بتاريخيتها!– لباس الخرافة الأرسطية والهلينية وغيرها من خرافات الانحراف اليهودي والمسيحي والوثني كما فعل تيزيني والقمني وجعيط. والعجيب انه من جهة اخرى يجعل من هذا العقل اليوناني اللاعلمي في اغلب استنتاجاته "عقلا برهانيا" ليقيمه -مسنودا بنماذج مغربية- في المواجهة مع ما اطلق عليه "العقل البياني" و"العقل العرفاني" العربي!. وقد حصر البرهان في مذهب ارسطو، ووضع سلطة ارسطو فوق سلطة العقل كما قال طرابيشي (في العقل المستقيل ص95 و388). وما بين توقيرية القراءة الجابرية لارسطو وبين رفع تلاميذه له وتعظيمه فوق الأنبياء، تتكشف لنا "المضاهاة النفسية" التي تظهر بادية على قراءة الجابري العنصرية الداعمة "للمركزية الاوروبية" باعتبارها تمثل المحتكر الوحيد للفكر العقلاني الممتد الى ارسطو كما كشف ذلك علمانيون في نقدهم للجابري (انظر كمثال محمود إسماعيل في "قراءة نقدية" ص13).
    أضافة أُخرى وأخيرة
    قال ديورانت في كتابه قصة الحضارة (ج28 ص251) عن العالم الغربي هارفي :" إن هارفي هو الذي هيأ لهذا العصر ذروة المجد العلمي بشرحه للدورة الدموية، وهو "أجل حدث في تاريخ الطب منذ عهد جالينوس". ولد في فولكستون (1578)، ودرس في كمبردج ثم في بادوا على فابريزيو دكو ابندانت، فلما عاد أقام في لندن ومارس الكب فيها، وأصبح الطبيب الخاص لجيمس الأول ثم شارل الأول، وعكف صابراً مثابراً، سنين طوالاً، على إجراء التجارب والتشريح، على الحيوانات والجثث، ودرس، تدفق الدم ومجراه في الجروح. ووصل إلى نظريته الأساسية في 1615. ولكنه نشرها، متأخراً، في فرانكفورت 1628، على أنها "تجارب متواضعة في تشريح الجثث ودماء الحيوان". وهي أول وأعظم أثر في الطب في إنجلترا. ) ثم قال (ص252):".. واعتقد هارفي "بأن كل الحيوانات حتى هذه التي تنتج صغارها أحياء، بما في ذلك الإنسان نفسه-تتطور وتخرج من بيضة، وصاغ عبارة "كل حيوان يخرج من بيضة". ومات بعد ذلك بست سنين بسبب شلل أصابه، واهباً معظم ثروته التي تبلغ عشرين ألف جنيه لكلية الأطباء الملكية، وعشرة جنيهات لتوماس هوبز "رمزاً للمحبة".!
    فهذا آخر جهد هارفي القرن السابع عشر فليقارنوا بينه وبين مافي القرآن وماكشفه العلم الحديث وليخبرونا عن النتيجة.
    "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد"( سورة فصلت:52)

  16. #56
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    759

    افتراضي رد: سلسلة:انهيار شرفات الاستشراق على طريق السور المكية

    هذا المقال سبق عرضه
    لكن اظن ان فيه من فتوحات هذا الشهر المبارك مايكون زيادة مهمة عليه
    ارجو ان اكون قد وفقت فان كان من نقد فصدري له واسع ولله الحمد
    اسأل الله ان يحظى باعجابكم وان يهتدي به من تأثر بالعلمانيين من الكتاب والشباب المفتون بضلالاتهم

    -
    انهيار شرفات الاستشراق على طريق السور المكية..الإضمار الجابري وآيات الله.
    طارق منينة
    تعليقا على قوله تعالى " وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا" (سورة نوح:17)، قال الجابري: "كان القدماء يتمسكون بنظرية خلق الإنسانمن طين على غرار نشوء الدود فيها. قالوا: يتخمر الطين بفعل اختلاط الماء والتراب فيتكون الدود فيصير كائناً حياً في أدنى درجات التكوين ثم يتطور الى ما هو أرقى الى الحيوان، ثم الى الإنسان" (القسم الثاني ص 190). وهنا أيضا لا نعدم للجابري استدعاءً محتالاً لموروثات الحضارات الوثنية البائدة، وكأنه يشير إلى أن الآية عكست أساطير القدماء عن خلق الإنسان، وقد تقدم عرض بقية أحجيته واتهاماته في ذلك، وهو يعتمد فيما أضمره هنا على فطانة القارئ، وهي حالة علمانية مستترة يوضحها خليل عبدالكريم في عرضه لمشروع محمد أحمد خلف الله الذي أرجع مصدر القَصَص القرآني إلى اعتقادات المخاطبين زمن التنزيل فيقول: "أثبت أنه باحث جريء فكرياً، طرح ما استطاع طرحه في شجاعة نادرة، وما لم يستطع فقد تركه لفطانة القارئ وذكائه ولقانته ولماحيته" (الفن القصصي في القرآن الكريم مع شرح وتعليق خليل عبد الكريم ص475، سينا للنشر، 1999، ط4)، وقال" أشرنا إلى ما أضمره المؤلف وما دسّه لا في السطور فحسب، بلما بينها وترك فهمه وإدراكه لفطانة القارئ" (ص498(.
    والجابري يقوم بذلك الدس لأنه من مستلزمات مرحلة الـ"بين بين" الجابرية، اي بين "التلميح والتصريح" ومن المعلوم أن محاولة التسلل بفكرة "تاريخية النصوص" العلمانية الى آيات القرآن، لطمس الحقائق والتشويش عليها أمر معروف عن "الصنائع" المستترة!
    نحن نفهم ان العلمانيين الذين ينكرون قصة الخلق الإلهي يرفضون تبعاً لذلك مقطع (خلق الإنسان من طين) والذي استعارته أساطير الأمم من الدعوات الربانية في الحضارات والمدن القديمة وخلطته فلاسفتها وكهنتها بتصوراتها، ومنها ماذكره الجابري ومثله قول "سبتينو موسكاني" عن الأسطورة البابلية:"..."مردك " يأخذ التراب ويمزجه بدم الإله "كنجو"..، ويصنع منه الانسان" (الحضارات السامية القديمة،دار الرقى بيروت 1986، ص85). ومع ذلك فالعلمانية ، هي، وليس الإسلام، سليلة الوثنية فهي تنتج أساطير عن الخلق الأول وأصل الكون وأصل الإنسان..إلخ ،وأساطير فرويد ـ كمثال ـ عن البشرية الأولى وعن النبي موسى لا تخفى على القارئ.(يمكنك الإطلاع عليها من خلال كتاب فرويد(النبي موسى والتوحيد) ترجمة جورج طرابيشي.
    لكن لا علينا فثمة علماء غربيون آخرون أسلموا وأعلنوا أن حقائق الوحي القرآني تُناقض خرافات الأمم وأساطيرها. كما أن آيات القرآن عن خلق الإنسان من طين لا تنافي الاكتشافات العلمية فهناك تشابه واضح بين التركيب الكيميائي لكل من جسم الإنسان وتربة الأرض الزراعية" (تفسير الآيات الكونية للدكتور زغلول النجار،مكتبة الشروق الدولية "2157-158/" ط -1، 2007) وانظرالتفصيل في (2/445-446) فحتى ماصح مما قيل في الأساطير لايرفضه العلم ولايعارضه. وهو دليل قديم على وجود مصدر قبلي أو معاصر، وأصيل ، سرى أو انتقل، في ، وإلى، متن الأساطير وعناصرها، وهو مصدر خارج عن فعل الخيال البشري وانتاج عالم المادة، واذا علمنا أن الثقافات القديمة تأثرت بدرجة أو بأخرى بدعوات الأنبياء علمنا أن الحق الذي في الاساطير المختلفة له أصل سماوي ، وإن اختلط بخرافات الأمم تحت مؤثرات شتى، مادية وخيالية، وخرج بصورة ساذجة أو خاطئة.
    وقدأثبت التحليل العلمي صدق هذه الحقيقة القرآنية المجردة والمرتبطة، في موضوعها، بحقائق قرآنية أخرى، لهاأهمية كبرى في العلم القرآني الشامل عن قضية خلق الإنسان، منها ما ذكرته السورة نفسها وأغفله الجابري وهي الآية "وقد خلقكم أطوارا" (نوح:14) وقد فُصّلت هذه الأطوار بدقة مدهشة في سورة المؤمنون) وفيها تفصيل الأطوار،الآية:14) سبحان الله! ، الآية في سورة نوح رقم 14، كما تقدم وفيها لفظ مجمل" "وقد خلقكم أطوارا" وفي المؤمنون رقم 14 أيضا، إنها آية، والخلق من تراب آية، و"الخلق" في (أطوار ومراحل) آية :"ومن آياته أن خلقكم من تراب) "الروم:20") .(ملاحظة: إن المستشرق المغرض يقول عن آية "وقد خلقكم أطوارا" وأمثالها من الآيات القصيرة، انها من نفثات وسجع الكهان! ، هذا فضلا عن أنه يغفل تفاصيل مراحل هذا الخبر العلمي الجامع التي ورد تفصيلها في سورة المؤمنون!، فإنغلق عليهم باب المعرفة!، وقد كشف الوحي القرآني هذه التلاعبات الاستشراقية الصبيانية بقوله عز وجل:" انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلايستطيعون سبيلا"(سورة الفرقان:9) نعم، سدوا على انفسهم الأبواب جميعا بالتعصب والإنغلاق المعرفي. فلايستطيعون سبيلا.
    وكذلك يقولون عن التعبير القرآني عن "الإنبات" والوارد في سورة نوح، ويزيد الجابري على اتهامهم للقرآن ، موضوع"التاريخية" والأساطير لزوم الحداثة!
    واما قول الله عز وجل" وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا" (سورة نوح:17) فهو يعبر عن عمليات الخلق والتكوين والإنشاء والنمو والتجدد والرعاية الدائمة، ومعلوم أن نمو النطفة والعلقة وتطور مراحلهما في القرار المكين يشبه الإنبات من جهة النمو والتغير والتخلق والعناية والتطور والتدرج والمشهد ، الأمر الذي نراه في عالم الإنبات وتعرضه الشاشات! فالعناية بالجنين في كل أطواره حتى نفخ الروح ومابعد ذلك فيه شبه بالإنبات الذي تراه الأعين في أنواع النبات ولو نظرت إلى هذه العملية المدهشة لنمو الجنين لحظة بلحظة لمادار بخيالك غير هذا اللفظ الدقيق "أنبتكم" او تذوق معناه وصورته من غير القدرة عن الاعراب عنه لفظا او الاعراب عنه بألفاظ قريبة.فاذا وقع نظرك على اللفظ القرآني وانت تنظر مباشرة للحدث الكبير وصوره فستجد التعبير عن مافي نفسك مسبوكا في القرآن بعناية ودقة وكمال.
    والصورة المعروضة في القرآن في دقة عجيبة وتحديد حاسم وجرس نابض تُعرض في صياغة تعبيرية صادقة يندهش لها الإنسان العادي كما يندهش لها العالم في مختبره وخلف شاشاته الحديثة .. يندهش لها العالم وهو يتأمل ، بكيانه كله، نمو الجنين خطوة بخطوة، لحظة بلحظة، ثانية بثانية، تحت مجاهره واجهزته وشاشاته المتطورة فاذا اراد ان يعبر عما يرد في شعوره المتنبه لعملية الإنماء والتنامي ، واذا اراد ان يعبر عن مايرد في وجدانه ويظهر اثره في نفسه ويحس بجرسه في قلبه وتندفع خواطره المتسارعة الى عقله مع استثارة حسية بالغة وايحاء عقلي لطيف عن كامل العملية من البداية حتى النهاية من زرع النطفة –والعلم يستخدم اليوم كلمة زرع!-وانبات العلقة وتنامي الجنين بمراحله او اذا اراد التعبير عما يقع في شعوره من الإيماء اليقظ ، والايحاء الجميل فانه لايبعد كثيرا وهو صاحب العقل ، وصاحب لغة الحقيقة والعبارة، عن لفظ القرآن لأنه يشهد أمامه ،فعلا، عملية إنبات حقيقية تتم في تنامي وتطور، وفي قرار مكين، تتصل به كامل اجهزة التغذية والحياة!
    وعملية نحت المصطلحات في العلم عملية شائكة ليست سهلة كما يتصور من أول وهلة، فقد يدور المعني في النفس ولاينطلق اللسان بتعبير جامع معبر عن الحقيقة بكل صورها، وقد يكون للحقيقة الواحدة أكثر من تعبير ، فقد يكون التعبير عن شيء هو تعبير عن الإحاطة الخارجية به او تعبيرا عن صوره معينة من صوره، وقد يكون تعبير عن الإحاطة الداخلية به ، وقد يكون عن مجموعة من التفاصيل أو العمليات كما أطلق الله تعالى لفظ النطفة على نطفة الرجل ونطفة المرأة معا مع أن هذه غير تلك الا انه لما جمعهما عملية واحدة اختلطا فيها، في أمشاج مختلطة، صارت النطفة واحدة.. وقد حاول المسلمون عبر العصور التعبير عن لفظ "الآية" الواردة في القرآن، فالقرآن هو "الآية" وهو لفظ جامع، حاولوا التعبير عنها بصور شتى ، أوحى بأكثرها القرآن نفسه، والبعض الآخر كان يقترب احيانا من الحقيقة ويبعد احيانا(كالصرفة عند المعتزلة) ، وقد عُبر عنها بالتحدي، المحفوف، عند البعض، بلفظ" العجز" الذي اقترن فيما بعد بلفظي الإعجاز والمعجزة، كذلك لفظ " المعارضة" وقد سموا "طلب المعارضة"(تحديا) أن القرآن تحدى الناس أن يأتوا بمثله أو بمثل عشر سور ثم بمثل سورة. وقد قام البعض بالمحاولة، أي الإتيان بمثل سورة من القرآن لكنهم أتوا بسخافات العقول ثم ظهر لفظ "المعجزة" وهي الآية الكاشفة عن عجز جميع الخلائق، المبطلة لجميع قدراتهم على مثلها كما قال الاستاذ محمود شاكر ثم تبلور معنى جامع ايضا وهو إعجاز القرآن، فلو نظرنا إلى نظم القرآن وتأليفه لعلمنا انه قطع أطماع البلغاء من إدراكه أو الإتيان بمثله (انظر مدخل إعجاز القرآن للعلامة محمود شاكر ص 23 وماقبلها، و66)، فلفظ الآية لفظ وافي، جامع لهذه المصطلحات جميعا –الا الخارج عن حقيقة الآية في القرآن- ففيها التحدي مع إعلامهم انه لم يصرف عنهم القدرة فعندهم اللغة ، هذا فيما يخص بلاغة القرآن وكمال صياغته!
    والعالم في مختبره قد يحاول التعبير عن صورة متراكبة متداخلة بألفاظ شتى قد يقرب بعضها من الحقيقة الكلية، المكتشفة أو المتصورة أو المشاهدة. وقد يقصر لكن غالبا مايكون الشعور الداخلي جامع وموجود في النفس لكن لايستطيع التعبير عنه بلفظ جامع او التعبير عن صورة من صوره بلفظ رائق. أما القرآن فالفاظه رائقة دقيقة مبينة وجامعة وكل كلمة موضوعة في موقعها ومحفوفة بما يفوق قدرة البشر مثل الوعد بالنصر ، مثلا، والمصاغ بصياغة ،ايضا، دقيقة ومحددة ، وفي جملة وآية منظومة بأحسن نظم وأكمله وهكذا في كل القرآن فمن يقدر على هذا كله حتى لو كان معه الخلائق كلها ، من يقدر عليه من البشر ويعبر عنه بصور شتى وصياغات متعددة وكلها حق ومنها الوعد بالنصر والخطف والهزيمة وايقاع ذلك في وقته المحدد وزمنه المرتب فسبحان من أنزل القرآن وتحدى البشر به ، وفيه من العلوم التي ينبهر لاكتشافها علماء كل عصر ، كل بحسب ماظهر له من كنوزه ودرره وعلمه وعلومه.
    ويأتي العلمانيون فيرمون ألفاظ القرآن بأنها امتداد للأساطير والخيال البدائي الساذج !! ويمضون على سنة الاستشراق فيزعمون كما زعم بعضهم انه سجع كهان وتنغيم وننفثات ! ، ولو ان أحدهم جلس أمام المجهر الحداثي العصري ، وأمام عينه الآيات القرآنية المعنية بخلق الجنين ومراحله، الآيات القصيرة والآيات الطويلة ، المجملة والمفصلة كما في آيات الخلق في أطوار، وراقب اللحظات كلها ، والمراحل، التي يمر فيها الجنين في تكونه لإندهش لدقة وروعة وجمال التعبير والصياغة القرآنية ، وعلم ان ليس الكهان وحدهم لايقدرون عليه بل عقلاء الأمم وفلاسفتها، هذا ان لم يندهش لنفس العملية المشاهدة تحت المجهر او خلف الشاشات الحديثة، التي يزعمون انها وجدت خبط عشواء او صدفة بلهاء أو تطور ذاتي !، ولكنهم وياللحسرة، يجلسون في معابد آلهة العلمانية الغربية –واغلب رجالاتها اما مات منتحرا (من ملاحدة العرب نذكر واحدا وهو اسماعيل أدهم صاحب الكتاب المشهور "لماذا أنا ملحد" وقد رد عليه الاستاذ محمد فريد وجدي بكتاب" لماذا أنا مسلم) أو حاول الإنتحار مرات(نيتشه وغيره كثير!!)، او أرسله أهله إلى المصحات العقلية للاستشفاء والتعافي من شبه الجنون وخبل الشخصية واضطرابها- فيتلون اساطيرهم الضالة عن الكون والحياة والإنسان ويخبتون ويخشعون لمواقفهم الجريئة من الوحي والمقدس الحق والعناية الربانية.
    ان الآيات المختلفة المذكورة في القرآن عن خلق الإنسان لتختلف إختلافا بينا عن ماورد في اساطير الأمم وخرافات الأديان المنحرفة والوضعية. ويمكنك الكشف عن ذلك بنفسك فالأطوار المذكورة بتفصيل دقيق ومدهش في سورة" المؤمنون" وخلق "العلقة" وذكر "القرار المكين" الذي يتم فيه حفظ النطفة بعناية فائقة ،ومنطقة "الصلب والترائب" ومايجرى الله فيها من عمليات بالغة الأهمية في خلق الجنين وذكر "الأمشاج" والماء "الدافق" ، كل ذلك ، وغيره ، لم يرد بهذه الصورة الكاملة السابغة الشاملة التي لاخطأ فيها الا في القرآن الكريم وهو مايدل على أنه جاء مغايرا تماما لمافي الأساطير من حشو خرافي وأخطاء لفقها الخيال البشري. بل جاء مصححا لكل مافي الخيال او الاستنتاج الخاطي من مزاعم ساذجة (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)(سورة الملك:14)
    ان الإنبات قي القرآن يعني العناية والحفظ والرعاية والتجدد والتكوين ، وقد قال الله عن مريم ورعايته لها "وأنبتها نباتا حسنا".
    ونحن نقرأ هذا ولايذهب خيالنا بعيدا في عالم الأساطير الجابرية والعلمانية التي فتنت العلمانية أيما فتنة واربكت مذاهبها الفلسفية وجعلتها تنكر الوحي وتُرجعه كما اُرجعت انحرافات النصوص الكنسية إلى أصول وثنية واسطورية.
    ان لفظ "الإنبات" ليس له صلة باسطورة أو خيال وثني ، وانما بربوبية وعناية ربانية واوضاع دقيقة المراحل، متنامية ، ويمكن مشاهدتها خلف احدث الاجهزة العصرية وهي مثل قوله تعالى عن موسى النبي :" و"لتصنع على عيني" فهي صناعة عناية وتنمية ، وحفظ وتربية ، وتكوينوانشاء وتجدد. والقرآن يراعي في الصياغة البالغة الكمال مخاطبة الشعور والقلب والعقل والوجدان معا ، يخاطب شعور الجمال والخيال في الإنسان لكن بصورة لاباطل فيها ابدا ولا بما يسمونه المجاز الرمزي الفارغ من الحقيقة التي يعرضها النص نفسه ويبطلونها بمجازات العلمانية الطائشة التي تخبط خبط عشواء.
    يقول في "مقومات التصور الإسلامي" بعد أن ذكر آيات التفكر في الكون ومنها آيات سورة الرعد :"وفي الأرض قطع متجاورات، وجنات من أعناب وزرع، ونخيل ،صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ، ونفضل بعضها على بعض في الأكل. إن في ذلك لآيات لقوم يعلمون":" وأمثال هذه التوجيهات كثير، لإيقاظ أجهزة الإستقبال والتلقي في الكيان الإنساني كله ، لتدبر آثار القدرة في الأنفس والآفاق ؛ لتقوم شهادة الإدراك الواعي إلى جانب شهادة الفطرة ولتقاوم النفس البشرية المؤثرات المضللة التي تنحرف إليها البيئات البشرية مرة بعد مرة على مدار التاريخ الإنساني ، ومع وضوح الدلائل ، وقوة البرهان ، ووثاقة الفطرة فان الله سبحانه ، رحمة بعباده ، لم يشأ أن يكلهم إلى فطرهم وحدها ، ولا إلى وعيهم وحدهم ، ولا إلى خطاب الدلائل الكونية لفطرهم ووعيهم ، ولم يشأ أن يجعل حسابهم مرتكنا إلى هذه الوثائق بذاتها ، فأرسل إليهم رسلا يذكرهم ، ويوقظون فطرتهم ، وينبهون وعيهم إلى تلك الشهادات والدلائل المبثوثة في شتى مجالي الكون والنفس"(مقومات التصور الإسلامي ، دار الشروق، الطبعة السادسة ، 2006م، ص 276)
    ان الجابري لم يكتفي بالتلميح او التصريح في محاولته الأخيرة في نقد القرآن ، وإنما حاول ايضا تقديم "النقد اللاهوتي" ، كما هو لفظه، ولكن كما قال هو "من خلالالقدماء"! وفي مرحلته الحالية(صدر هذا المقال قبل موته) يقوم به من خلال "انتقاء قول ورد في التفسير" لجعلهيدور في فلك خطته. ومسرى فريته وكمثال فإنه علق على قوله عز وجل: " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَاالذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" (سورة الحجر: 9) والذي هو ، كما هو معلوم، وعد بحفظ القرآن ، بقوله ان معنى الآية هو:""حفظ الرسول من الجنون الذي يتهمونه به" (فهم القرآن الكريم ،القسم الثاني ص33). ويقول محاولا جعل مايمكن أن نطلق عليه اجماعا للأمة "هذا ويتمسك بعض الناس برد "الحافظون" الى القرآن كدليل على أنه لم ولن يتغير" ( (القسم الثاني ص34) ذلك أن الوعد بعدم تغير القرآن يفسد خطة الجابري في هدم المرجعية الإلهية للقرآن، ,وحقيقة انها لاتخضع للتاريخية التي يحاول العلمانيون إخضاع القرآن لها!والعلماني يتمنى أن تُزال مثل هذه الوعود الإلهية كلها من القرآن فهي –وكافة معتقدات الاسلام وثوابت القرآن - عثرة أمام مشاريعهمالمادية. يقول الجابري داعماً لفكرته المسبقة عن الحفظ الوارد في الآية ، أن مقصده هو حفظ الرسول ، وليس حفظ القرآن، وأضاف :"وممن قال بهذا الفرّاء وابن الانباري (ذكره الرازي)" مع أن الرازي نفسه رفض هذا القول وقال بأن القول الأول الذي عليه أغلب أهلالتفسير هو الراجح ، قال الرازي: "إلا أن القول الأول أرجح القولين وأحسنهما مشابهة لظاهرالتنزيل والله أعلم (تفسير الرازي، ج19، ص 164، دار الفكر، ط1) بل إن الجابري أخفى قول الرازي عن تحقق الوعد بحفظ القرآن ولم يذكره!(العلمانيو ن يتكلمون دائما عن الحجب والحذف والاقصاء والتعمية ..إلخ) مع ان الرازي بعد ان رجح القول بحفظ القرآن قال:" "ثم إنه تعالى حقق قوله في هذه الآية" (انظرتفسير الرازي ج 19 ص 164( فالجابري ببساطة حجب حقيقة النص كما حجب الحقيقة التاريخية الملحوظة الى يومنا هذا، الا وهي حفظ النص القرآني من الضياع والتحريف.
    ليس هذا فقط ولكنه وبعد أن جعل الآية "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَوَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" تعني : حفظ الرسول من الجنون (يثبته هنا لينفي به الحفظ الأشمل!)، ذهب الجابري لآية الوعد الرباني التي تشير ليس الى حفظ الرسول فقط وانما رده الى مكة منتصرا ،وهو قوله تعالى" إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَإِلَى مَعَادٍ" (سورة القصص:85 (وهي مكية!)) فاختار الجابري لتفريغ الآية –في ذهنه!- من محتواها- ، القول، ان مقصود ال" معاد" في الآية ليس بالعود إلى مكة منتصرا وإنما بالإعادة الى الآخرة!، وكأن الرسول وحده هو الذي سيعود للآخرة دون البشر!،أو كأن هناك من الناس من يشك بأنه سيعود إلى الله كما عاد من قبله صلى الله عليه وسلم. قال "أما نحن فنرى (!) أن المعنى الذي يفرضه السياق هو "المعاد" بمعنى يوم الحساب والجزاء، الشيء الذي يعني أن النبي (صلى الله عليه وسلم( سيجازى يوم القيامة كبقية البشر" (القسم الأول ص 338-339)، ومعلوم أن الوعد برده الى مكة ورد فى مكة في مرحلة الاستضعاف وهو ما يعني حفظ الله له في مكة الى الخروجثم تمكينه ونصره في المعارك القادمة ثم إرجاعه الى مكة فاتحا تحقيقا للوعدالقيومي. وهو ماتحقق فعلا كما تحقق الحفظ للقرآن الذي حاول الجابري التعطية عليه بذكر مالم يرد في الآية ، وهنا نفى حفظ الرسول بالقول انه يعني رده الى الآخرة!!!
    كنت قد قدمت تحت عنوان" نفثات الجابري الفارغة" محاولة الجابري السخيفة الخطيرة إعطاء حقيقة قوله الله عز وجل "علم بالقلم" معنى انه قلم الأسطورة اليونانية ونسب ذلك لابن عباس رضي الله عنهما والمفسرين كما قال بأن مقصد قول الله تعالم "علم بالقلم" هو علم القرآن بالقلم وهو مايعني قصر التعليم بالقلم على القرآن وليس على ماجاء فيه من الدعوة الى دراسة أسباب الكون وسنن الأرض والسماء وقوانين التاريخ البشري التي عرض الله هيمنتها عليه، كما ليس على علوم المادة وسنن الكون التي يخوض فيها اليوم غير المسلمين بمناهج المسلمين انفسهم! وفي قصر الجابري التفسير على ان علم بالقلم على تعليم القرآن بالحفظ والتلاوة، وطبعا على التصور العلماني لمفهوم نصوص القرآن!، محاولة أخرى على حجب الحقيقة التاريخية المتعلقة بإنشاء حضارة من إضاءات القرآن المبثوثة في كل سوره الكريمة. وهنا نقول ان العلمانيين يستميتون في نفي حقائق الوحي والتاريخ معا، ذلك انهم –كما فعل الجابري أخيرا في استعجاله قبل موته للقيام بنقد لاهوتي للقرآن- ارادوا ويريدون تفريغ معطيات الوحي بل وحقائق التاريخ عن حفظ القرآن والرسول وإشاء حضارة تنطلق من أول دعوة قرآنية تلقاها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أول مرة ، ثم تتالت بياناتها واضاءاتها بصورة لافتة ومدهشة، بل ويقولون للمسلمين انه ليس عندكم الأدوات المنهجية والعلمية والقيمية والعقلية لخوض البحث الكوني ولذلك فليكن ايمانكم خبتا وسرا او جهرا في المساجد واتركوا الدنيا لمن هو أجدر بها او تعلموا منهم واتركوا دينكم!( وقد رأينا نصر حامد ابو زيد يقول ان علماء الأمة يستعيرون مفاهيم الغرب عن العلم والقيم العلمية والحرية والعدالة لينسبوها للإسلام، يمكن الإطلاع على ذلك من كتابه " النص، السلطة ، الحقيقة))
    وهكذا فالعلمانيون يغطون على حقائق الاسلام جميعا ويقومون يتحريفها وقد ضربت هنا مثلا بالجابري وكيف انه حاول قلب معطيات آيات الحفظ للقرآن وآية إرجاع الرسول منتصرا بعد إخراجه من مكة ، وكذلك قصر التعليم بالقلم على القرآن بعد العمل على فتحه على قراءات علمانية مع زيادة اتهام للصحابة، بل للرسول ، كما أورت في المقال المشار اليه، بأنهم نقلوا عن مصادر هرمسية مع العلم ان الجابري يصف الفلسفة الدينية الهرمسية بالإنحطاط العقلي وانها سبب انحطاط العقل العربي والإسلامي!!(وقد ألف لذلك مشروعه عن العقل العربي!)
    وهكذا نرى ان اختيارات او انتقاءات الجابري ليست عفوية كما قد يظن لأول وهلة فهي في الغالب تصب في خدمة مخططه وعملية نقده ، وكما ترى فانه نفى الحفظ عن القرآن لان القول بحفظه سيسبب له مشكلة منهجية وقعت فيها مناهج الحداثة العلمانية وهي محاولة تأكيد القول بأن "الوحي" الرباني لايختلف عن النصوص الأدبية التاريخية البشرية ولايتميز عنها الا بخضوعه لتاريخ الوضع والمناخ العالمي يوم نزوله، وكذلك بصياغة عربية ممتازة !، ومن هنا زعمهم بتاريخية القرآن وخروجه من واقعه ومشهورة مقولة نصر ابو زيد عن الواقع اولا والواقع ثانيا والواقع اخيرا! فلذلك نفى الجابرى ان يكون قصد الآية هو "حفظ القرآن" لان القول بحفظ القرآن العظيم ينتهي الى القول بأنه فوق التاريخ ، لايخضع له.. آياته وتشريعاته ووعوده وغيبه، وان رسوله مرسل من الله، ليس صناعة ظروف تاريخية او تحولات دولية وتهيئة داخلية!(ومعلوم أن الجابري حاول خلخلة ذلك كله في كتابه" مدخل إلى القرآن) ولذلك اختار الجابري ماهو أهون عليه من القول بحفظ القرآن- وهو تفسير الآية بالقول بأنها تعني "حفظ الرسول من الجنون" وهذا الحفظ لايعني له الشيء الكثير أو بالأحرى لم يتمعن الجابري في لوازمه التي تؤدي الى القول بعدم تاريخية القرآن الذي أُنزل عليه!! ، فاذا كان الرب نفسه قد حفظه صلى الله عليه وسلم من الجنون وحفظه في سائر شؤونه وحقق له وعوده فهذا يعني نفي التاريخية التي يحاول الجابري رمي القرآن بها! وعلى كل لقد قام الجابري بمحاولة تبين حجم عقله الذي يتفاخر به العلمانيون! ويبدو كما ترى انها فاشلة ولاتؤدي للغرض!! ، ومعلوم أن العلمانيين ينفون تهمة قريش للنبي بالجنون ليضعوا مايظنوا انه أوقع في الحجة و اقرب للعقل المادي! مثل أن الرسول خطط لعودة حزب هاشمي( فرضية سيد القمني الخيالية) أو خطط لإقامة امبراطورية قرشية( فرضية خليل عبد الكريم الواسعة اليائسة!) أو الزعم بفاعلية تاريخية فريدة استخدم لها محمد كل ماهو متاح في البيئة والفكر ، حتى الهندوسي منه والأرسطى(فرضية طيب تيزيني) أو انه كان اعقل قومه ولذلك سافر إلى الشام مرات كثيرة في هجرات متتالية للتعلم والدراسة في كنيسة القس إفرائيم أي على مذهب من مذاهب المسيحية السورية!( فرضية هشام جعيط المنسلخة من فرية القس السويدي تور أندري!) وكل هؤلاء اقطاب كبار للعلمانية العربية وليسوا شباب صغير السن ومغامر!
    لقد كان الجابري يسابق الزمن فسبقه الزمن ويسابق الوقت فأرداه قتيلا من قال بقيومية كاملة وهو الله تعالى "الشمس والقمر بحسبان"(الرحمن الآية 5) فكل شيء عنده سبحانه بمقدار وحسبان حتى اخذ هؤلاء عافانا الله واياكم من ذلك الخزي، وذلك بعد ان ترك له اختياره الأخير وليرسم لعبته المحطمة وملهاته الخائبة المدبرة في اربعة اجزاء اخيرة ختم بها حياته ليحق قول الله تعالى فيه :" إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ ، وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ ، وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ ، إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ ، يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ، قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ، الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ"(سورة الذاريات:5-11)

  17. #57
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    759

    افتراضي رد: سلسلة:انهيار شرفات الاستشراق على طريق السور المكية

    اعادة مقال ظلمات الجابري المادية مع زيادات واصلاحات

    سلسلة انهيار شرفات الاستشراق (16) /ظلمات الجابري المادية!.
    طارق منينة
    ويعلق الجابري على الآية الخامسة من سورة ابراهيم "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ" بقوله :"أما "الظلمات" فهي الوضعية التي كان عليها بنوإسرائيل تحت استبداد فرعون وطغيانه. وأما "النور" فهوإخراجهم من تلك الوضعية والذهاب بهم الى فلسطين... يتعلق الأمر إذن بالانتقال من وضعية مادية (فقر، قهر، استبداد) الى وضعية أخرى مادية(!)، وهي التحرر من طغيان فرعون والرجوع(!) الى "الوطن الموعود" (فهم القرآن الحكيم.. للجابري، القسم الثاني ص246). وقد قدمتُ كلامه تحت عنوان "محاولات بائسة" في تحريفه لحقيقة اسم "الإسلام" الذي رده إلى مصطلح زعم انه من نحت زعيم عربي، اراد ان يأتي بجديد ليخضع له الاتباع بالتسليم والطاعة! وهنا لا يختلف تحليل الجابري عن تحليل طيب تيزيني في مشروعه الضخم (مشروع رؤية جديدة للفكر العربي)، اذ نسب للرسول فاعلية تاريخية مادية. كذلك الجابري يتناول الحقائق الغيبية والاسماء الشرعية بتفسيرات مادية تُرجع أصول الايمان الى ضرورات مرحلة وتحولات مجتمع وتغيرات في معارف زمنية لا تبعد عنها كثيرا، كذلك هنا نجد الجابري يؤول معنى النور ليناسب التفسير العلماني الحديث، فقد جعل "النور" الذي جاء به موسى عليه السلام، ومن بعده نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، هوحالة خروج من وضعية مادية إلى وضعية أخرى.
    فقال عن الآية الأولى من "سورة ابراهيم" وهي قوله تعالى:"الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) ان "معناها يجب أن يفهم على ضوء شبيهتها "وثانيتها" (القسم الثاني ص246) يقصد ما قدمناه آنفا، أي تعليقه على الآية الخامسة من نفس السورة "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ"، ومعناها في بطن العقل الجابري وتفسيره (المادي المعاصر لنا!)، يعني الانتقال من وضعية مادية الى اخرى (مستوى عيش مادي!!) وهي في حالة قوم موسى عليه السلام، الخروج من وضعية مادية (فقر –استعباد- اغتراب.. إلخ) الى الأرض الموعودة :"من أجل إخراجهم من وضعيتهم القاسية على مستوى العيش...الخ، الى وضعية أفضل" (القسم الثاني ص247). وفي حالة صحابة رسول الله: السعي، تحت سلطة زعيم، للثورة على زعماء قريش كأي حركة متمردة تدور في فلك السلطة وتسعى لها بمعارف وادوات جديدة وتتمرد بفاعلياتها على أوضاع سائدة ! هذا هومعنى النور والظلمة والإخراج من الظلمات إلى النور عند الجابري، والوضعية المادية الأفضل تحتاج من الزعيم المناوئ الى قتال وتجييش وصك مصطلحات "اسلام، نور، ظلمات..إلخ! (النظرة الاستشراقية تعاود نفسها في سطور جابرية!) فالجابري، في الحقيقة، لا يُحيل إلى الآية الخامسة من سورة إبراهيم لتفسير الآية الأولى منها، كمحاولة لتفسير القرآن بالقرآن كما حاول الإدعاء، وإنما يحيل إلى معنى خارج الآيات والتفاسير، معنى معاصر، تتصوره المخيلة العلمانية للتاريخ النبوي ثم تبني عليه تفسيراتها للتاريخ ومن ثم الآيات القرآنية بإعتبارها -في التصور العلماني- نصوص أفرزتها الأوضاع المادية، فهويقول : "أقول إن التوجه إلى العرب، في إطار "لتخرج الناس من الظلمات إلى النور" هومن أجل إخراجهم من وضعيتهم القاسية على مستوى العيش...الخ، إلى وضعية أفضل، وبالتالي فإن الأمر يتعلق بحشد "العرب" من خارج مكة للقضاء على استبداد الملأ من قريش بالسلطة المزدوجة التي تشبه السلطة التي كانت تمارس في مصر على الناس" (القسم الثاني ص247). فرجعت الظلمات ورجع النور في التفسير الجابري إلى معاني مادية مرتبطة بتحولاتها الفكرية والثقافية، التي يحد الجابري حدها بزمنها العربي وجغرافيتها ومحيطها المعرفي والمادي والقبلي المعاصر لها! فالنص القرآني والآيات القرآنية عند الجابري انما هونهاية تفاعلات وخلاصات لأوضاع متراكبة متداخلة من (المادة والاسطورة) ومعلوم أن المادة تسبق الاسطورة عند الجابري واشباهه وأنها الأصل (ويدخلون الدين في الاسطورة)، ومن خلال هذه النظرة يتم ارجاع حقيقة الوحي والغيب والقرآن الى صور مادية بالغة الكثافة، فإن أشرقت فانما تشرق على خيالات واساطير تداعب الانسان على الدوام! ومعلوم ان تخرصات هذه المذاهب المادية -التي يتبناها الجابري وامثاله- لم تقدم اجابات عن غاية وجود الإنسان اوطبيعته وحقيقته بل اعياها تقديم تفسير متماسك عن عقله اووسائل ادراكه اووعيه كما لم تستطع الى الآن تقديم صورة صحيحة واضحة عن كيفية ظهور الحياة اومصدر الوعي البشري وصورة الفطرة الإنسانية (انظر في هذا الشأن عرض وتقييم مراد هوفمان في كتابه "خواء الذات والأدمغة المستعمرة" للمذاهب المادية الحديثة في الغرب) وكل ما قالوه في هذا الشأن إنما يدخل في مجال التخمين والفلسفة وأكثره لا يصمد أمام ما يظهر من نظريات جديدة يحطم بعضها بعضا، بينما نرى في كتاب الله عز وجل صورة الانسان ثابتة جلية واضحة ونرى الوحي مفارق للمادة والانسان وعوامل الاجتماع البشري وتحولاته، فهوامر فوقي علوي منزل من السماء لهداية البشر، وهوفي حالة القرآن معجز لا تستطيع البشرية مهما بلغت من معرفتها وتطور لغاتها ان تأتي بمثله وهوكان بعضهم لبعض ظهيرا، فكما أن فكرة الانسان اصيلة وروح الانسان فريد فكذلك الوحي فهوأعظم من عمل الروح، بل هوهادي الارواح كافة.
    ان الآية الأولى من سورة ابراهيم تخبر عن الدعوة الربانية من إخراج الناس، كل الناس، من ظلماتهم القلبية والعقلية، وظلمات ثقافتهم وأديانهم وأوضاعهم الشركية والمادية وقد أشار القرآن ان الشرك لظلم عظيم، وفي الحديث أن الظلم ظلمات يوم القيامة، وكذلك ظلم الناس في أموالهم وأرواحهم وانسانيتهم ونهب ثرواتهم ومنعهم من التفكير والنظر في آيات الله بصور من الإنغلاق المعرفي اوالديني اوالاسطوري، الحاجب للحقيقة، كما انها دعوة لاخراج الناس من الإنحرافات الفكرية والكتابية والوثنية التي تُفرض على الناس فرضا، استعلاء واستغلالا وتحقيرا واستخفافا، لقد دعت الآية الأولى من سورة ابراهيم إلى إخراجهم من هذا كله إلى عبادة الله وحده وعدله وأوامره ودينه وشريعته ورحمته ونوره. وهوبلاغ عام شامل إلى الناس جميعا وليس كما زعم الجابري بقوله: " هذا بلاغ لأهل القبائل، ولينذروا به" (القسم الثاني من فهم القرآن للجابري ص 244).
    لقد جاءت الآيات لشأن أعظم وهودور الإسلام في العالم كله وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام كما فهم الصحابي الجليل ربعي بن عامر وسائر من سمعوا التنزيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الصحابة الكرام حملة الرسالة والحضارة إلى العالم كله كما حدث فعلا ولوكانت رسالة الرسول للقبائل العربية في الجزيرة العربية لما رأينا في القرآن حقيقة الدعوة الربانية العالمية ولما رأينا تحريض رسول الله للامة على الخروج لأبعد من جزيرتهم، بل لما رأينا حركة الفتوحات تتقدم للأمام في اتجاه آفاق الأرض لإسقاط الإمبراطوريات وتحرير البلاد والعباد ونزع السلطات الجائرة واسقاط الشرائع الجائرة واحياء النفوس بشريعة عالمية تناسب حضارة لم يُسبق اليها -صنعت برجال الإسلام!- فيها من العلوم والمفاهيم والمعارف والقيم، والمبادئ والسنن ما يتجاوز حدود الارض لا حدود مكة اوالجزيرة العربية اوحتى العالم الارضي كله، ذلك انها رسالة تمتد جذورها الى السماء التي يتنزل منها القطر والغيب وترسل اشعتها وانوارها الى الارض بدون تدخل قبيلة اوفعل امبراطورية اوسحر حضارة اواوامر قادة، انها رسالة الله عز وجل الى البشر وهوالذي أنزل الاسماء وشرع الأحكام ووضع الحقائق على لسان رسول الله.!
    اما ما أعرض عنه الجابري من الحقائق، وطالب بعزله، ورماه بالمضامين الإيديولوجية مع ما في هذه اللفظ عند امثاله من ايحاءات مادية فهوما ورد في تفسير ابن كثير: " لتخرج الناس مما هم فيه من الضلال والغي إلى الهدى والرشد" وتفسير الطبري: " يقول: تهديهم به من ظلمات الضلالة والكفر، إلى نور الإيمان وضيائه، وتُبصر به أهل الجهل والعمى سُبل الرشاد والهدى"، ومعلوم ان الجابري قام في مشروعه -عن القرآن- بنقد علماء التفسير والسخرية منهم في الوقت الذي يعترف بأنه كلما تقدم في البحث اكتشف مدى عمق مجال جهله واتساعه (انظر كتابه" مدخل إلى القرآن ص 23) فقد رمى الجابري علماء التفسير بالفقر الهائل على مستوى "أدوات الإفهام" (انظر كتابه "فهم القرآن الكريم، القسم الأول ص 10-14) وهوالذي قال كمدخل للإعراض عن تفاسير العلماء قولة حق اراد بها باطل وهي أن القرآن يفسر بعضه بعضا، ومع ذلك فقد خالف هذه القاعدة الخبيرة والثمينة والتي لم يخترعها هووإنما حاول وضعها كلافتة بين يدي مشروعه لجلب الثقة به وليخدع عوام المثقفين! كما انه حشرها بين مُسلمات نظرياته المجلوبة من الغرب مثل نظرية: ان النص يجب ان نخضعه ليكون معاصرا لنا، فننظر اليه بأدوات التحليل المعاصرة "معطيات العصر!" التي تضع حقائق القرآن لنسبية معهود العرب ومعارفهم الخاطئة!!!
    راح الجابري يهاجم العلماء وما قدموه من مفاهيم وتفسيرات وزعم ان الرجوع لأصالة النص هوالأصل، وهي حيلة جابرية لعزل التفاسير الإسلامية من طريق عمليات الحذف والبتر التي يقوم بها بتفكير وتقدير وترتيب دقيق للغاية، وذلك في نفس الوقت الذي يستعين بالمناهج الغربية المادية التي ترفض الوحي وتعزل الغيب، يقول الجابري :" المقصود بـ" الأصالة" هنا، على صعيد الفهم، هوهذا النص مجردا عن أنواع الفهم له، التي دونت في كتب التفسير باختلاف أنواعها واتجاهاتها. إن الأمر هنا يتعلق أساسا بعزل المضامين الإيديولوجية(!) لتلك الأنواع من الفهم أما المحتوى المعرفي في كتب التفسير فلأنها في الجملة، يكرر بعضها بعضا، فإنه يمكن الإستغناء عنها، والإقتصار على المؤلفات المؤسسة: مثل التفاسير التي ألفها علماء اللغة" (فهم القرآن الحكيم، القسم الأول ص 10).
    ان السر هنا هوأن الجابري حاول أن يُدخل نصوص القرآن في دائرة الصراع المادي -الذي تتخيله المادية الجدلية والماركسية والعلمانية- وما يتولد عنه من نتائج مادية اوثقافات معرفية خاصة ببيئاتها المحيطة ومخيالها المحدد اوخيالها المحدود!، والتي إستُخدم لها –بزعم الجابري- وسائل تجييش معنوية تستعين بالثقافة المحيطة وتخدمها لحركتها الجديدة حتى يتم لها احراز النصر من غير عائق ديني أونفسي مع أن الإسلام رفض ركام المعارف الخاطئة التي رانت على القلوب وتلبست العقول وكلها كانت نتاج الثقافات المنحرفة المسيطرة، بل وبينت اشارات الوحي في مكة، في تنبيه مُعجز على أخطاء علمية ومعرفية وكهنوتية ومدنية ظلت منتشرة في الثقافات المحلية والعالمية، الدينية والوضعية التي لم تتأثر بالاسلام تأثيرا كبيرا، ذلك أن الظلمات هي مفاهيم وأوضاع وأعمال وأفعال ممتدة في التاريخ والجغرافيا والنفوس الجاهلة على السواء.
    وقد أمكن للجابري افتتاح تفسيرات علمانية جديدة وحديثة بصورة تكاد تكون أولى ومتكاملة في هذا المجال فقد كتب تفسيرا كاملا مؤكدا به ان ساعة النقد اللاهوتي قد حانت، وسمى تفسيره "فهم القرآن الكريم، التفسير الواضح حسب ترتيب النزول" وهوالأقسام الثلاثة التي نشير اليها هنا، مع كتابه "مدخل للقرآن" الذي يعتبر مقدمة للمشروع هذا، وإن كان أركون ونصر ابوزيد قد قاما قبله بشرح آيات معينة تناولاها بالادوات المعرفية الغربية والنظريات اللغوية والتاريخية والاجتماعية والنفسية وغيرها، وقد أكثر منها أركون فيما ندر التعليق من نصر ابوزيد على الآيات فقد علق هذا الأخير على آيات قليلة كما في تعليقه على سورة العلق، وخصوصا الآية (3) منها "وربك الأكرم" بينما قام اركون في كتبه بالتعليق على نصوص من سورتي الكهف والتوبة وآيات من سور أخرى.
    وكما غيب اركون ونصر حقيقة الوحي في تناولهما لآيات القرآن فقد غيّب الجابري حقيقة الوحي ومصدره الأصلي والأًصيل وارجعه الى جدلية ظروف مادية ووضعيات اجتماعية واقتصادية، رامياً من وراء ذلك الى انكار حقيقة دعوة الإسلام والأسماء الشرعية (الإسلام، النور..إلخ)، فأخرج من مسمى "النور" أصله ومنبعه ومصدره ومشكاته الربانية واسعة الهداية والدلالة والتنوير والتمدين، وذلك في عملية بتر للحقيقة استخدم فيها الماركسية كأداة تأويلية ظناً منه انها ستقوم بالدور التعجيزي للإسلام، في حين نرى أدوات الجابري تتكسر وتتصدع أمام دوي التنزيل بل يدكّها الله دكّاً برفع الحقيقة فوق رؤوس تلاميذ يهود واسرائيل، أشباه كهنة التحريف والتزوير بل هم تلاميذ اليهود والنصارى (الحداثيون) على الحقيقة لا المجاز!..
    كان الجابري قد صرّح من قبل بأن الماركسية هي "اداة للعمل، مرشد للعمل يجب ان نسترشد بالنظرية العامة، بالمنهج" (التراث والحداثة، مركز دراسات الوحدة العربية، 1991، ط1، ص250)، ومن المعلوم ان كتابات الجابري الأولى تشهد على بُعد ماركسي واضح، كما ان "الثابت -يضيف محمود اسماعيل (العلماني)- تواجد أصداء التحليل الماركسي في كتاباته الأخيرة" (فكرة التاريخ بين الاسلام والماركسية، 1988، مكتبة مدبولي، ط1، ص95) فهنيئا لناقد العقل العربي بقصور الأداة وفساد التأويل والتلمذة على عقول ملاحدة برواسب استشراقية. ( ملحوطة: في نقاش مع نصر حامد ابوزيد في ليدن، وكنا جلوسا في حفل لأصدقاء لي كان نصر ابوزيد يشرف على رسالاتهم الجامعية، احتفالا بحصولهم على درجة الماجستير، وهم اصلا من القسم الانجليزي من جامعة الازهر، قلت له ان الجابري متأثر بماركس والماركسية فأبدى امتعاضه وبدت عليه علامات الإستياء وكان جواره صديق له علماني فقال (بيقول ان الجابري ماركسي)، فقلت: متأثرا بالماركسية، فقال ولا متأثر خالص!)
    والآن، وبعد أن عرضنا عمليات التلفيق والتفسير العلمانية للجابري، ننتقل إلى السؤال المهم الذي ينبغي طرحه في هذا السياق، وهو: أليست هذه (العلمانية) تمارس -على يد عبيدها- استراتيجية الحجب والاستبعاد والمخاتلة والخداع والتحوير الذي تتكلم عنه قراءات المذاهب الحديثة "المقلوبة"؟ ألم يكشف القرآن هذه الإستراتيجيات، وبأدق الأوصاف والتعبيرات كأوصاف الإخفاء والكتمان والتحريف واللبس والخوض والخداع والإبرام والتبديل والمكر واللغووالليّ؟ وليُّ المعنى كما قال ابن القيم في (الرسالة التبوكية) هو"تحريفه وتأويل اللفظ على خلاف مراد المتكلم به، وَتَحْمَالُه ما لم يُرِدْه، أويُسقط منه بعض ما أراد به، أونحوذلك من ليّ المعاني". وهوما كشفه طرابيشي في نصوص الجابري المبتسرة لأقول علماء وفلاسفة، ونكشف نحن ونفضح ليّه وابتساره لحقائق القرآن وآيات الفرقان.
    يجب أن لا يغيب عن بالنا أن للنبوة في التفسير الماركسي والعلماني ارتباطات -مزيفة- بأوضاع و"وضعيات" مادية وتهيئة كهنوتية وسياسية وافرازات معرفية اسطورية زعموا انها صنعت الأنبياء وشكّلتهم وأخرجتهم.
    دعوني أقدم مثالا هاما جدا يفتح القارئ على هدف واستراتيجية وتلاعب العلماني في الوقت الحالي، فكل ما قاله الجابري مما تقدم عرضه يلخصه خليل عبد الكريم في نص جامع كاشف لخيبة الرجاء العلماني في تطويق العقل المسلم وبزبالات عقول ضحلة فقدت الدليل والصواب معا، ففرعون مع كهنته عند العلماني خليل عبد الكريم صنع موسى وهيّأه للنبوة! -توفي خليل عبد الكريم عن عمر يناهز 73 عاما، وهوالمحامي الذي ترافع عن نصر أبوزيد في المحكمة المصرية في قضية "مفهوم النص"، والذي أشاد جابر عصفور بمرافعته في كتابه الصادر عن الهيئة العامة للثقافة (بأموال الشعب!!) بعنوان "ضد التعصب"!-(هنا سنزيح الستار عن أكاذيب جابر عصفور في دفاعه عن اخوانه) أما المسيح –يقول خليل عبد الكريم-:"فاتصل بالكهنة المصريين واغترف من علومهم الكثير ومنها الطب (إبراء الأكمه والأبرص) والسحر (إحياء الموتى)... وهكذا ثبت بالحجة القاطعة أن موسى وعيسى دخلا بوابة التصنيع" وأطوار التنشئة و"سائر خطوات الصقل والصنفرة والإعداد والتأهيل والتحضير والتدريب والتمرين والتلميع..إلخ") (فترة التكوين، الأعمال الكاملة لخليل عبد الكريم، دار مصر المحروسة، ط2، القاهرة، 2004، ص 250 و254-255). وكذلك فالرسول هو"كسابقه حذوك القذة بالقذة سار في تجربة وقطع أشواطها" (ص255)، وبسبب أن النص يوضح فكرة العلماني خليل عبد الكريم من الأنبياء ومصادر الوحي المزعومة، وبسبب ان النصارى-زكريا بطرس، ناهد متولي..إلخ- يأخذون اتهامه للرسول ويحجبون عن اتباعهم اتهامه للمسيح عليه السلام ولموسي عليه السلام، نورده كاملا (أولا هدية لمرصد مقاومة التنصر وضرب لعصفورين في وقت واحد العصفور المدافع عن التعصب(جابر عصفور) وذلك حتى يطلع القارئ الكريم على نص واضح، وضوح الشمس في رابعة النهار، يظهر فيه موقف العلمانيين العرب-خصوصا بقايا الماركسية المطورة- من الأنبياء، والوحي ومصدره، يقول خليل عبد الكريم: "وبالنسبة لـ(سيد ولد قصي) فقد سبقه في الطريق سلفه الكرام من البطاركة الأماجد فقد أثبتنا بالأدلة الموثقة أن موسى تمت تربيته في (برعو) أوالبيت الكبير أوالقصر العالي وأن فرعون ذاته أشرف بنفسه على أطوار التنشئة ومراحل التعليم وأشواط التربية فأحضر له الكهان(!) والعلماء والحكماء الذين ليس لهم ضريب في العالم المتحضر آنذاك ولا نبدومبالغين إذا قلنا وفي هذا الزمان أيضا. أما عيسى ابن مريم فالذي تطوع بصنفرته(!) وقلوظته(!) وتلميعه (اسمع يا ذكريا بطرس ماذا يقول من تستعملون كلامه ضد رسول الإسلام، فنفس الكلام موجه ضد المسيح ومن العلماني الذي أنتم معجبون به وتزينون مواقعكم بكتبه!) هم: زكريا وابنه يحيى أويوحنا (هوالذي تولى تعميده ومن ثم سمي المعمدان) وأمه الصديقة التي قضت شطرا من حياتها في بيت المقدس وزوج أمه يوسف النجار الذي حمل قدرا لابأس به من العلوم الدينية... وجاء المسيح إلى مصر هربا من بطش الطاغية الروماني مكث فيها حتى بلغ الثالثة عشرة فاتصل بالكهنة(!) المصريين واغترف من علومهم(!) الكثير ومنها الطب (إبراء الأكمه والأبرص) والسحر(إحياء الموتى)(!) وسواء صح هذا المقطع المصلى من التصنيع لابن مريم أم لا فإنه يكفي الشطر الأول(!). وهكذا ثبت بالحجة القاطعة(!!) أن موسى وعيسى دخلا بوابة التصنيع واجتازا مراحلها(!!) وما نال من قدريهما أوحط من مكانتهما بل انهما رغم مضي قرون عديدة على ظهورهما فإنهما يزدادان تألقا(!) وتعاليمهما وحكمتهما تترسخان يوما بعد يوم.. وخلاصة القول إن كشف الحجاب(!!) عن مرور( المنصور) ب(التجربة) وقطعه لأشواطها واحدا وراء الآخر ليس فيه أدنى مساس(!) بمقامه المحمود ومنزلته السامية وقدره الرفيع"(فترة التكوين ص 254) ويقول تعليقا على قول الله عز وجل عن موسى" ولتصنع على عيني":" فالفعل مبني للمجهول أي أن الصانع غير معلوم بيد أن الصناعة تتم تحت رعاية ربه..وفي القصر الملكي ينشأ موسى ويترعرع وينهل من منابع حكمة كهان مصر القديمة ويتضلع من علومهم وهذه هي الصناعة وهذا هوالسر (!) في بناء فعلها للمجهول لأنه ربما يغدومن غير المناسب(!) الكشف عن هنادزة وأساتذة ومعلمي موسى(!). المهم أن هذا التصنيع هوالذي أهل(!) موسى لكي ينشئ(!) الديانة الموسوية التي تدين(!) بالكثير الذي لا يحصره أويعده أويحصيه إلا الله إلى مصر القديمة صاحبة أعظم حضارة عرفها التاريخ حتى الآن... المهم الذي نقصده أن العلوم التي تلقاها موسى على أيدي كهان قدماء المصريين ومعلميه في قصر فرعون أوالبيت الكبير(برعو) كلها وسائر خطوات الصقل والصنفرة والإعداد والتأهيل والتحضير والتدريب والتمرين والتلميع(!)..إلخ والتي عبر عنها الذكر الحكيم بالصناعة (ولتصنع على عيني) تمت تحت رعاية ربه(!). وهي ذات الخطوات التي حققتها الهندوز (يقصد خديجة) في التجربة مع (المخبت) بإشراف اليعسوب (يقصد ورقة بن نوفل) ايضا..إن الذي حدث لموسى..على يد الكهنة والمعلمين والأساتذة والحكماء.. تكرر مع(الحبيب) على يد الطاهرة والقس"(فترة التكوين ص 250) فالتجربة المزعومة بزعم هذا المفتري تمت على عين وعناية تنظيم رهباني( كما افترى في كتابه فترة التكوين) يبدأ من خديجة وورقة وينتهي الى الغلام عداس ورهبان الجزيرة العربية ومدة التهيئة (15) عاما!!.
    هكذا يفعل العلمانيون مع الرسول والرسالة، بل ويفعلون كما رأينا-بعضا من ذلك هنا- مع الأنبياء: المسيح، موسى، ابراهيم، يعقوب، يوسف..إلخ.( ولسيد القمني باع سخيف في هذا المجال ويمكن الإطلاع على ذلك من كتابه"النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة أوالرجوع إلى كتابي أقطاب العلمانية الجزء الثاني طبعة دار الدعوة، الإسكندرية، فقد عرضت هناك أساطير القمني والعشماوي (وله في هذا المجال كتابه "الأصول المصرية...") وأحمد عثمان وفرويد..إلخ، بالتفصيل والنقد.
    لم يقدم خليل عبد الكريم دليلا واحدا أورواية تاريخية واحدة، على مزاعمه بخضوع النبي، صلى الله عليه وسلم، لمن ذكر من قساوسة ينتهوا الى ورقة ابن نوفل ومعهم خديجة ولمدة 15 سنة من الليل حتى الفجر، وذلك كما لم يقدم هشام جعيط، ايضا، دليلا واحدا على زعمه بهجرة النبي الى الشام للتعلم من المسيحيةـ وإقامته فيها مدد تطول وتقصر!! وتطول بزعم جعيط أكثر مما تقصر !!، انها فقط افتراءات ملفوفة في لفائف من الهجوالساخر والهجاء البائس والظن الفارغ الذي تعلموه من كتاب الغرب. وهي التهم الفارغة الساذجة والمفضوحة بدون تسليط أي نوع من النقد عليها والتي يتلقفها المنصرون العرب وهم جهلى بمصادر العلم والروايات التاريخية. وما ينقلونه فانما ينقلونه من مصادر وسيطة، وحتى ولوعرضوا رواية ما بصورة مباشرة بعد عزل مصدرهم(الوسيط)، فانه سرعان ما يتبين لنا انهم لم يقرؤوا ما قبل وما بعد ما اقتطعه الوسيط بحرفية ودهاء.. وهنا تتكشف فضائح النصارى تباعا.
    الآن وبعد ان فرغنا من اختراق "الاختراق"، وكشف عملية التستر الكبرى للجابري وصلة منهجه بالمناهج الغربية الاستشراقية والفلسفية، وعرضنا اهم ما حاول به إحداث مساس بالإسلام وبشيء من التلميح وبقدر لم نعهده منه من التصريح، وكذلك بعد ان كشفنا ارتباط فعله بأفعال اخوانه واهدافهم. يمكننا النظر بتؤدة الى فتوحات سورة القلم وتصويرها الخطير الشأن للنفس (الدهرية القديمة/العلمانية الشبيهة والنظيرة)، وغير ذلك من أمور تدل على علم الله اللطيف الخبير وأن القرآن كلام الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •