لماذا لا نستجيب لله ؟

تأملت في أحوال المسلمين اليوم فوجدت أننا نتسابق في معصية الله ... نتنافس في مخالفة أوامره... نشعر بلذة غريبة ونحن نبارزه بالمعاصي والذنوب...نحرص علي فعل مايكره ... نهرب مما يحب ...تمر علينا آيات القرآن فلا تزيدنا إلا طغيانا وفجورا ... نستمع إلي المواعظ فما تزيدنا إلا نفورا ...نتذكر الموت فنزداد غفلة .. نستحي من الناس ولا نستحي من رب الناس ... نخاف من الناس أكثر من خوفنا من الله عزوجل .....فإذا كنت في شك مما أقول ...فتأمل معي :
· ألم نجعل الدنيا أكبرهمنا ومبلغ علمنا وانشغلنا بزينتها وغرقنا في أمواج شهواتها وملذاتها حتي لم يعد في قلوبنا متسع لله ؟
· ألم تخرج النساء إلي الطرقات كاسيات عاريات متبرجات ..عارية الصدور والسيقان؟
· ألم نشغل ألسنتنا بالكذب والغيبة والنميمة والخوض في أعراض الناس والسخرية والإستهزاء والكلام فيما لا يعني ولا يفيد ؟
· ألم نتصارع ونتباغض ونتقاتل من أجل لذة عاجلة أو متاع فاني ...فتري الإبن يعق والديه .. والزوج يظلم زوجته .. والأخ يغتصب ميراث إخوته ؟
· ألم نتكاسل عن الصلوات ...نهجر القرآن ..نترك الإنفاق في سبيل الله ونؤثر الشح والبخل ؟
· ألم نقطع أرحامنا ...نؤذي جيراننا .. نظلم غيرنا ؟
· ألم نصبح كالدمية في يد الشيطان يحركها كيفما يشاء وقتما يشاء ..ننساج وراء مصائده بإرادتنا واختيارنا ؟
تساؤلات كثيرة دارت في ذهني ...لماذا نحارب الله عزوجل في شريعته ؟..كيف إجترأنا علي مخالفة أوامره واجتناب نواهيه ؟.. لماذا لا نبالي بوقوع غضبه وعقابه؟
فكرت ..تأملت .... بحثت ...فكتبت هذه الأسباب :

1- الجهـــل بمقـــام الله عــز وجـــــل :
من أكبر موانع الإستجابة لله هي الجهل بمعرفة الله عزوجل ..
هل فكرت يوما أن تتعرف علي ربك من خلال التأمل في مظاهر قدرته وآثار إبداعه في كونه ومخلوقاته ؟..؟من خلال التعرف علي أسمائه وصفاته ... من خلال قراءة رسائله وآياته .
ألم تعلم أن الله عزوجل أكبر من كل شيء .. أعظم من كل شيء ..أعلم من كل شيء؟
لايعجزه أحد من خلقه ولايفوته بل هو في قبضته أينما كان ..أحاط بكل شيء علما ...
أحصي كل شيء عددا ...يعلم خائنه الأعين وما تخفي الصدور .. لايعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ..قائم علي تدبير شئون خلقه بالرعاية والحفظ ..المتصرف في خلقه بالأمر والنهي ..جميع مافي السماوات والأرض ملكه وعبيده وتحت قهره وسيطرته
إذن استشعار عظمة الله عزوجل ومعرفة أسمائه وصفاته تولد عند العبد خشية ومهابة له سبحانه ..فعلي قدر المعرفة تكون المعاملة ..فلو عرف الناس قدر ربهم لخافوه ولاستقاموا علي أمره وماتجرئوا لحظة علي عصيانه (وماقدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالي عما يشركون) (الزمر67)
2- الإغتـــــرار بكثــــرة أهـــــل الباطــــــــل :
إن رؤية أكثر أهل الأرض من أهل الباطل وهم ناجحين مرموقين ..تهتف لهم الدنيا وتصفق لهم الجماهير وتصفو لهم الحياه وتصاغ لهم الأمجاد ..يجعل الإنسان يغتر بهم وينخدع بمظهرهم وعندما تنظر إلي ماحولك فتجد أكثر الناس غارقا في الملذات والشهوات ..سائرا في طريق الغواية والضلال ..يظن أن الحق مع الكثرة مع أن الله عزوجل يقول ( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ) (الأنعام116)
أخــــــي الحبيــــــب : اعلم أن الباطل مهما انتفخ وانتفش وبدا عليه الإنتصار والفلاح فهو إلي زوال ...فإياك والإغترار بكثرة أهل الباطل ..أهل المعاصي والشهوات ..أهل الفساد والفتن والمغريات ....لاتنظر إلي كثرة أموالهم ..سلطانهم ..شهرتهم ( لايغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد) آل عمران196
وإذا رأيت أكثر الناس بعيدين عن منهج الله وعن الإلتزام بأوامره فتذكر قوله تعالي:( قل لايستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون ) (المائدة100)

3- اتبـــــــاع الهــــــــــوي :
وهو من أعظم موانع الإستجابة لله عزوجل ..فإتباع الهوي يورث النفس الغفلة عن عيوبها ..ويعمي القلب عن آفاته ...فيستأنس صاحب الهوي بالذنب ..ويستلذ بالخطيئة ...وينفر من الطاعة ...ويضجر من النصيحة ...ويصبح شاغله الشاغل هو إرضاء نفسه بما تهوي من الشهوات والملذات ( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدي من الله إن الله لايهدي القوم الظالمين ) ( القصص50)
والهوي محله القلب فإذا سيطر عليه أخضع الجوارح له فتنطلق إلي إرضاء شهواتها ورغباتها وتسعي إلي إشباع النفس من حظوظها حتي تنحط النفس إلي مرتبة أسوأ من الأنعام ( أرأيت من اتخذ الهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ) ( الفرقان44,43)
يقول النبي عليه الصلاة والسلام( لا يؤمن أحدكم حتي يكون هواه تبعا لما جئت به)

4- الإنشغــــال بالدنيـــــــا وملهياتهـــــا :
عندما يجعل الإنسان الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه ومنتهي آماله وطموحاته ..ويتطلع إلي الحصول علي أكبر قدر من متاعها وزينتها ..فيصبح غاية حياته فيها هي الأموال ..العمارات ..الزوجة ..الأولاد ..فلا يعد في قلبه متسع لله ..عندها يزداد القلب غفلة ويصبح المرء أسيرا لدنياه عبدا لهواه ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياه الدنيا والله عنده حسن المآب ) ( آل عمران14)
لذلك فإن من أراد أن يعيش لهذه الدنيا وحدها فلا يتطلع إلي أعلي من الأرض التي يعيش عليها ..فإن الله يجعل حظه في الدنيا حين يشاء ثم تنتظره في الآخرة جهنم عن استحقاق ..فالذين لا يتطلعون إلي أبعد من هذه الأرض يتلطخون بوحلها ودنسها ورجسها يستمتعون فيها كالأنعام ويستسلمون فيها للشهوات والنزعات ويرتكبون في سبيل تحصيل اللذه الأرضية مايؤدي بهم إلي جهنم ( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ) ( الإسراء18)
لذلك ينبغي علينا ألا نعطي الدنيا أكبر من حجمها ..لا نجعلها تستغرق كل سعينا وأوقاتنا وتفكيرنا ...يجب أن نتعامل معها كما أمرنا النبي عليه الصلاة والسلام: ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )

5- طـــــــول الأمــــــل :
عندما يستسلم الإنسان لجواذب الأرض وشواغلها وينغمس في ملذاتها وملهياتها حتي تصبح الدنيا غاية آماله ومنتهي طموحاته فيأنس بها ويثقل عليه مفارقتها فلا يفكر في الموت ويلهيه الأمل ويظن أن الأيام بين يديه وأن مازال صغيرا .. حتي يظل في انشغاله بهذا الأمل فيتكاسل عن الطاعات ويسوف التوبة فيقسو قلبه وينسي أن هنالك واجبات وأن هنالك محظورات ..فيمضي العمر وتضيع الفرصة ( ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون ) (الحجر3)
لذلك جاءت وصية عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما ) لك لتوقظك من غفلتك :
( إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك )



6- نسيان الموت والأخرة :
من أهم أسباب الأمن الذي يلازمنا هو استشعارنا بأن يوم القيامة بعيد عنا وأن العمر مازال فيه بقية ..فالكل ينظر إلي من هو أكبر منه سنا ويمني نفسه بالإستمرار في الحياه حتي يبلغ مابلغ لذلك فهو يطمع في البقاء المديد في هذه الحياه ..ويهفو إلي الذنوب والمعاصي ..ويقصر في أداء الطاعات ..فلا يري عيوبه ولا يسعي في إصلاح نفسه ....
لذا لو علم الإنسان أن الموت قادم لا محاله ...وأنه يأتي بغتة في أي وقت ...في أي مكان ... بدون سابق إنذار ...وأنه لن يستطيع تأخيره ساعة واحدة ( فإذا جاء أجلهم لا يستئخرون ساعة ولا يستقدمون ) ( الأعراف34)

أخـــــــي الحبيــــــــب : اعلم أن كل الآمال والطموحات الدنيوية التي تسعي وراء تحقيقها والتي تقدم لك المجد الشخصي والفخر في الدنيا ستنتهي بالموت ...وأن الموت بعده قبر موحش مظلم ..ثم بعث وحساب ..ثم جنة أو نار .
إذن لو علم الإنسان ذلك كله لما غفل عن ذكر الموت ساعة ولظل دائما يحسب حساب ذلك اليوم ..فلا يترك نفسه مهملة ولكن يحاسبها علي كل صغيرة وكبيرة
لأنه يعلم أنه من حاسب نفسه في الدنيا خف عنه الحساب يوم القيامة .
إخوانـــــي فــــي الله : كانت هذه بعض موانع الإستجابه لله ...فمتي نفيق من غفلتنا .؟
متى نستيقظ من نومنا ؟ .....متي نعمل للأخرة أكثر من عملنا للدنيا ؟
متي نحطم قيودنا ونحرر قلوبنا من أسر شهواتنا وننتصر علي شيطاننا؟
متي نتخلص من جواذب الأرض وشواغلها.؟
إخوانـــــي فــــي الله : ( استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله مالكم من ملجأ يومئذ ومالكم من نكير) (الشوري47)
أسأل الله عزوجل أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ..وأن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه ..وأن يجعله في ميزان حسناتنا أجمعين
فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلي الله إن الله بصير بالعباد .

وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم.