قال الشيخ صالح ال الشيخ - والمؤمنون يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم ، ويزورونه ويكلمهم ويكلمونه قال الله تعالى : (( وجوه يومئذ ناضرة ـ إلى ربها ناظرة )) [ القيامة 22 ـ 23 ] وقال تعالى : (( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون)) [ المطففين 15 ] فلما حجب أولئك في حال السخط دلّ على أن المؤمنين يرونه في حال الرضى ، وإلا لم يكن بينهما فرق .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :( إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ، لا تضامون في رؤيته ) حديث صحيح متفق عليه .
وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي ، فإن الله تعالى لا شبيه له ولا نظير .
أيضا :من عقائد أهل السنة والجماعة ـ التي تميزوا بها عن عقائد المبتدعة ـ : أنهم يعتقدون أن الله ـ جلّ وعلا ـ يُرى يوم القيامة ، وأنه لا يمكن لأحد أن يراه في الدنيا ، كما قال ـ جلّ وعلا ـ لموسى حين سأله الرؤية ، قال : (( لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني )) ، فالرؤية في الدنيا ممتنعة ، وأما في الآخرة فهي ممكنة ، بل ستقع كما أخبر الله ـ جلّ وعلا ـ بقوله : (( وجوه يومئذ ناضرة ـ إلى ربها ناظرة ))
ويرى المؤمنون ربهم ـ جلّ وعلا ـ في عرصات القيامة وكذلك في الجنة ، فيتمتعون بذلك النظر إلى وجه الله الكريم ، فلم يُعطوا نعيما أعظم من رؤية الرب ـ جلّ وعلا ـ فهو أعظم النعيم وأجزل النعيم ، ولهذا سمّاه الله ـ جلّ وعلا ـ زيادة في قوله : (( للذين احسنوا الحسنى وزيادة )) وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" الزيادة هي النظر إلى وجه الله تعالى " رواه مسلم وغيره .وخالف في ذلك المبتدعة ، فقال طائفة منهم : إن الرؤية غيرممكنة أصلا ، والنظر غير واقع أصلا لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وهذا كلام الجهمية والمعتزلة ومن شابههم ، ويؤولون قوله تعالى : (( وجوه يومئذ ناضرة ـ إلى ربها ناظرة ))بأن (( ناظرة )) هنا بمعنى : منتظرة ، فيقولون : هي كقوله تعالى : (( فهل ينظرون إلا سنة الأولين )) يعني : ينتظرون . فالنظر في هذه الآية بمعنى : الانتظار (( وجوه يومئذ ناضرة ـ إلى ربها ناظرة )) يعني : منتظرة لرحمة الله ، ومنتظرة لأمر الله ـ جلّ وعلا ـ .
ويحتج بهذا ـ أيضا ـ طوائف الخوارج الموجودة اليوم من الإباضية وغيرهم ، وكذلك أهل الاعتزال .
والجواب عن هذا الاحتجاج:أنه لغة غير مستقيم ، فضلا عن أنه ثبت النظر ورؤية المؤمنين لربهم ـ جلّ وعلا ـ في غير ما دليل ، لكنه من حيث اللغة غلط ، وذلك لأن الله ـ جلّ وعلا ـ قال : (( إلى ربها ناظرة ))ولفظ النظر صحيح أنه يأتي بمعنى الانتظار ، ولكنه إذا أتى بمعنى الانتظار فإنه لا يُعدّى بـ " إلى " لأنه يكون لازما ، كما قال ـ جلّ وعلا ـ : (( فهل ينظرون إلا )) فلما قال : (( فهل ينظرون إلا سنة الأولين )) ولم يعدها بحرف " إلى " علمنا أن النظر هنا بمعنى الانتظار (( ينظرون )) بمعنى : ينتظرون . أما إذا عُديّ النظر بـ " إلى " فهو نظر العين لا غير ، ولا تحتمل اللغة غير هذا ، كما قال ـ جلّ وعلا ـ : (( وجوه يومئذ ناضرة ـ إلى ربها ناظرة )) .
الدليل الثاني : أنه ـ جلّ وعلا ـ قال : (( وجوه يومئذ ناضرة ـ إلى ربها ناظرة )) فمن هي الناظرة إلى ربها ؟ هي الوجوه ، فهذا دليل على أن النظر هو نظر العين ، لأنه ـ جلّ وعلا ـ جعل الناظر إليه ـ جلّ وعلا ـ هي الوجوه ، يعني : محل الإبصار ، وهذا ينفي معنى الإنتظار .
وخالف ـ أيضا ـ في مسألة رؤية الله ـ جل ّوعلا ـالأشاعرة والماتريدية ومن نحا نحوهم ، فأثبتوا رؤية المؤمنين لربهم ـ جلّ وعلا ـ يوم القيامة ، وردّوا على المعتزلة في أنهم ينفون الرؤية ، فالأشاعرة والماتريدية يثبتون الرؤية من أن الله ـ جلّ وعلا ـ يُرى يوم القيامة ، لكنهم يقولون : نظر لا إلى جهة . ولهذا قد تجد من الأشاعرة من يثبت الرؤية ، بل هم يثبتونها ، لكن تنتبه إلى أنهم يختلفون في إثباتها عن أهل السنة والجماعة ، فأهل السنة والجماعة يجعلون الرؤية بالعينين إلى جهة العلو حيث الله ـ جلّ وعلا ـ أما أولئك فيجعلونها رؤية بقوى ـ غير الأبصار ـ يُحدثها الله ـ جلّ وعلا ـ في الأجسام يوم القيامة لا إلى جهة ـ وهذا غيرمُتصور.
ولهذا أهل الاعتزال ردّوا على الأشاعرة وقالوا : أنتم خالفتم المعقول . في كلام ومناقشات ليس الشرح المختصر محلا لذكرها ، وكان المعتزلة في تأصيل المسألة عقليا أحذق من الأشاعرة ، لكن الأشاعرة ضعفوا ، فأثبتوا ما دّل عليه الدليل ، لكنهم خالفوا المعقول وخالفوا كلّ ما اشتمل عليه الدليل ، وأما أهل الاعتزال فنظروا بالنظر العقلي فنفوا ، وكان الصواب أن يثبت الجميع : فتثبت الرؤية ، والرؤية إلى جهة ، بحاسة الإبصار .
يقول أولئك : إن الله ـ جلّ وعلا ـ يقول لموسى : إنك (( لن تراني )) في قوله : (( رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل )) يقولون : إن (( لن )) هنا تنفي نفيا مؤبدا ، وهذا النفي المؤبد الذي دلت عليه (( لن )) يشمل الحياة الدنيا والآخرة ، فلا يمكن الرؤية لا في الدنيا ولا في الآخرة ، بدليل قول الله تعالى : (( لن تراني )) ولم يخصص الحياة الدنيا من الآخرة .
والجواب : أن هذا غلط في باب النحو ، وغلط على العربية ، ولهذا قال ابن مالك ـ رحمه الله تعالى ـ في " الكافية الشافية " وهي غير " الألفية " متن أكبر من " الألفية " ـ يقول :
ومن رأى النفي بـ " لن " مؤبدا ـ ـ ـ ـ فقوله اردد وسواه فاعضدا
أي : من رأى النفي بـ " لن " ـ وهم المعتزلة ـ فقوله اردد ، لأنه لا يُعرف عن العرب ذلك ، وسواه فاعضد ، لأن " لن " لا تدل على النفي المؤبد ، ودليل ذلك من القرآن : أن الله ـ جلّ وعلا ـ أخبر عن مريم أنها قالت : (( فلن أكلم اليوم إنسيا )) فلو كانت ((لن)) تدل على النفي المؤبد لم يكن التقييد بقولها : (( اليوم )) له معنى ، فقوله ـ جلّ وعلا ـ : (( فلن أكلم اليوم إنسيا )) ظاهر في الدليل من أن (( لن )) لا تقتضي التأبيد ، كما قال ابن مالك ـ رحمه الله ـ .[شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد]