.. زادكم الله من فضله ووفقكم لمرضاته على مواضيعكم المميزة وجعلها الله في ميزان حسناتكم ..
ذكر الشيخ بن عثيمين رحمه الله في
المنتقى من فرائد الفوائد
( فوائد من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية من (( كتاب الإيمان)))
فائدة : نفي القبول هل هو نفي للصحة أو لا ؟
اختلف في ذلك لاختلاف الأدلة، والصواب أن يقال: إن الدليل النافي للقبول على أربعة أقسام:
الأول: أن يكون لانتفاء أمر وجودي؛ مثل: (( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) ، ومثل: (( لا صيام لمن لم يبيت النية من الليل)) ، ونحو ذلك؛ فالنفي للقبول هنا نفي للصحة قطعاً؛ لأنه علق قبوله على أمر مطلوب ، ولم يحصل فتعين بطلان المنفي.
الثاني: أن يكون لمعنى يقتضي مناقضة المنفي؛ مثل قوله صلى الله عليه وسلم : (( لا يقبل الله صدقة من غلولٍ)) ؛ فإن في الغلول معنى ينافي معنى الصدقة؛ إذ المقصود من الصدقة الإحسان، وصرفها من الغلول إساءة كبرى. وهذا أيضاً كالأول، وقد يقال: إنه منه؛ فإن الصدقة تبرع، ولا يصح إلا من مالك، والغال ليس بمالك؛ فنفي قبول الصدقة لانتفاء الملك، وهو أمر وجودي.
القسم الثالث: أن يكون لغير ذلك؛ مثل قوله صلى الله عليه وسلم : (( من شرب الخمر ، لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً))؛ فنفي القبول هنا يراد به - والله أعلم- أن في هذا شراً كبيراً يقابل ثواب الصلاة هذه المدة، ولا يقتضي البطلان، ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم (( من أتي عرافاً فسأله، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة))؛ رواه مسلم .
القسم الرابع: أن يكون الأمر مترددا بين تلك الأقسام ، فإن كان أكثر شبهاً بأحدها، ألحق به، ولذلك تجد العلماء مختلفين في هذا القسم.
فمن ذلك: ما ورد في العبد الآبق، والمرأة الساخط عليها زوجها، وإمام القوم المكروه بينهم: أن صلاتهم لا تجاوز آذانهم :
فمن قال: إن في هؤلاء معني يناقض المنفي، قال: لا تصح ، وهو المذهب في الآبق، لكنهم خصوه بالنفل ، لأن الفرض سيوقعه عند سيده، ولا حق له في ذمته، وأما إحرامه ، فخرّج ابن عقيل بطلانه أيضاً، لكن قال الشيخ تقي الدين: إن بطلان صلاته أقوى، لأنه غاصب للزمان والمكان، بل قال الشيخ: إن بطلان فرضه قوي- أيضاً- كما جاء الحديث مرفوعاً بنفي قبول صلاته. اهـ.
وأما الناشز: فلم يحكموا فيها حكم العبد الآبق، ولعل الفرق بينهما: أن زمن العبد مملوك لسيده من جميع الوجوه بخلاف الزوجة، فإن الزوج لا يملك منها إلا زمنا يتمكن به من الاستمتاع ضرورة ملكه للاستمتاع وما يلحق به؛ ولذلك صحت إجارته العبد بخلاف الزوجة.
وأما من أم قوماً يكرهونه: فلأن من مقصود الجماعة حصول الائتلاف، والإمامة من ضرورة الجماعة، فإذا بطل مقصود الجماعة، بطل ما كان من ضرورتها؛ لبطلانها ببطلان مقصودها، فإذا بطلت إمامته بطلت صلاته، ولذلك نقل في (( النكت)) عن بعض الأصحاب : فساد صلاته إذا تعمد ، ثم قال بعد ذلك: وكأن الأخبار لضعفها لا تنهض للتحريم، وإن كانت تقتضيه ؛ فيستدل بها على الكراهة ، كما يستدل بخبر ضعيف ظاهره يقتضي أمراً على ندبيّة ذلك الأمر، ولا يقال: لعل هناك صارفاً عن مقتضى الدليل ولم يُذكر ، لأنه خلاف الظاهر. اهـ.