قال الشوكاني في إرشاد الفحول :
البحث الثامن : في حجية إجماع أهل المدينة إجماع أهل المدينة على انفرادهم ليس بحجة عند الجمهور ; لأنهم بعض الأمة .
وقال مالك إذا أجمعوا لم يعتد بخلاف غيرهم .
قال الشافعي في كتاب اختلاف الحديث : قال بعض أصحابنا : إنه حجة ، وما سمعت أحدا ذكر قوله إلا عابه ، وإن ذلك عندي معيب .
وقال الجرجاني : إنما أراد مالك الفقهاء السبعة وحدهم ، والمشهور عنه الأول .
ويشكل على ما روي عن مالك من حجية إجماع أهل المدينة أنه نقل في الموطأ في باب العيب في الرقيق ، إجماع أهل المدينة ، على أن البيع بشرط البراءة لا يجوز ، ولا يبرئ من العيب أصلا علمه أو جهله ، ثم خالفهم فلو كان يرى أن إجماعهم حجة لم تسع مخالفته .
وقال الباجي : إنما أراد ذلك بحجية إجماع أهل المدينة ، فيما كان طريقه النقل المستفيض ، كالصاع ، والمد ، والأذان ، والإقامة ، وعدم وجوب الزكاة في الخضروات ، مما تقتضي العادة بأن يكون في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنه لو تغير عما كان عليه لعلم ، فأما مسائل الاجتهاد فهم وغيرهم سواء ، وحكاه القاضي في التقريب عن شيخه الأبهري ، وقيل : يرجح نقلهم عن نقل غيرهم .
وقد أشار الشافعي إلى هذا في القديم ، ورجح رواية أهل المدينة على غيرهم ، وحكى يونس بن عبد الأعلى قال : قال الشافعي : إذا وجدت متقدمي أهل المدينة على شيء ، فلا يدخل في قلبك شك أنه الحق ، وكلما جاءك شيء غير ذلك فلا تلتفت إليه ، ولا تعبأ به .
وقال القاضي عبد الوهاب : إجماع أهل المدينة على ضربين ، نقلي واستدلالي ، فالأول على ثلاثة أضرب ، منه نقل شرع مبتدأ من جهة النبي صلى الله عليه وسلم ، من قول ، أو فعل ، أو إقرار .
فالأول : كنقلهم الصاع والمد والأذان والإقامة والأوقات والأجناس ونحوهن .
والثاني : نقلهم المتصل كعهدة الرقيق ، وغير ذلك .
والثالث : كتركهم أخذ الزكاة من الخضروات ، مع أنها كانت تزرع بالمدينة ، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم والخلفاء بعده لا يأخذونها منها ، قال : وهذا النوع من إجماعهم حجة يلزم عندنا المصير إليه ، وترك الأخبار والمقاييس به ، لا اختلاف بين أصحابنا فيه .
قال : والثاني وهو إجماعهم من طريق الاستدلال فاختلف أصحابنا فيه على ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه ليس بإجماع ولا بمرجح ، وهو قول أبي بكر وأبي يعقوب الرازي والقاضي أبي بكر وابن فورك والطيالسي وأبي الفرج والأبهري ، وأنكر كونه مذهبا لمالك .
ثانيها : أنه مرجح ، وبه قال بعض أصحاب الشافعي .
ثالثها : أنه حجة وإن لم يحرم خلافه ، وإليه ذهب قاضي القضاة أبو الحسين بن عمر . قال أبو العباس القرطبي : أما الضرب الأول فينبغي أن لا يختلف فيه ; لأنه من باب النقل المتواتر ، ولا فرق بين القول والفعل والإقرار ، كل ذلك نقل محصل للعلم القطعي ، فإنهم عدد كثير وجم غفير تحيل العادة عليهم التواطؤ على خلاف الصدق ، ولا شك أن ما كان هذا سبيله أولى من أخبار الآحاد والأقيسة والظواهر .
ثم قال : والنوع الاستدلالي إن عارضه خبر فالخبر أولى عند جمهور أصحابنا ، وقد صار جماعة من أصحابنا إلى أنه أولى من الخبر ، بناء منهم على أنه إجماع ، وليس بصحيح ; لأن المشهود له بالعصمة إجماع كل الأمة لا بعضها .اهــ
فما رأي الإخوة في حجية إجماع أهل المدينة ؟