السلام عليكم أخي المظفر، وجميع المتابعين.
كيف أخي تريد أن ننتقل إلى أدلة المانعين وأنا مازلت أخبأ لك مفاجأة، لعلك تعود إلى قولي...
عُد فلن تخسر شيئاً.
فقد عاد أبو يوسف إلى قول مالك في مسائل، وقال له: لو يعلم أبو حنيفة بقولك هذا لعاد مثلي.
وأَعدك إن بقى فيك نَفَس بعد هذه المفاجأة فسنواصل.
وإن عدتم عدنا.
فربما نكون على الأقل استعرضنا ما قدمه العلماء كاعتراض على الحديث، وقدمنا مجموعة من أوجه الاستدلال بها.
المرحلة الثانية في البحث.
وهي مرحلة النظر في ما جاء في باقي الروايات الأخرى للحديث.
فأقول مستفتحا هذه المرحلة:
حديث سُليك يا أخي المظفر متعلّق بحادثة خاصة به لا تعدى إلى غيره.
يظهر للباحث في طرق للحديث أنّه خاص بواقعة معينة بيّنتها الروايات الأخرى، وأوضحت سبب أمر النبيّ لسُليك بالصلاة، فقد جاء في حديث أبي سعيد الخذري ررر الذّي استدل به أصحاب المذهب الأوّل قول أبي سعيد الخذري: " أنّ رجلاً جاء يوم الجمعة في هيئة بذّة...". ففي هذه الرواية زيادة وصف حال الرجل، فقال: في هيئة بذّة.
فيجوز أن يكون أَمَرَه بالصلاة لبيان حاله للصحابة، فيتصدّقوا عليه. وهو ما أشار إليه ابن العربي الإشبيلي حيث قال:
كان فقيراً ودخل يطلب شيئاً فأمره النبي بالصلاة ليتفطن النّاس له فيتصدّقوا عليه. (عارضة الأحوذي، (2/ 298).
وما يُقَوِّي هذا التجويز أنّ الروايات الأخرى عند أحمد في مسنده (17/291)والشّافعي في الأمّ، (1/339).، وغيرهم فيها قصة التصدّق.
ففي رواية أحمد مثلاً أنّه قال: " إنّ هذا الرجل دخل المسجد في هيئة بذّة فأمرته أن يصلّي ركعتين، وأنا أرجو أن يفطن له رجل فيتصدَّق عليه". قال شعيب الأرناؤوط (محقق المسند) تعليقا على هذا الحديث: "إسناده قوي، رجاله ثقات رجال الشّيخين".
وذكر الطحاوي الرواية وفيها: "فألقى النّاس ثيابهم".
ثمّ قال بعدها:
فذلك دليل على أنّ ما كان أمر بـه رسـول اللـه سُلَيكاً، والرجل الذّي أمره بالصدقة عليه، كان في حال الحكم فيها في ذلك، بخلاف الحكم فيما بعد". شرح معاني الآثار، (1/366).
فكان تنبيه الصحابة لأمر هذا الرجل هو السبب الذّي لأجله أُمِر الرجل بالصلاة.
وممّا يزيد قوّةً على قوّة لما ذهبنا إليه:
أنّ هناك رواية أخرى تذكر أنّ سليكاً عاد في الجمعة الثانية، وأمره النبيّ أن يصلّي، وعاد في الجمعة الثالثة وأمره بالصلاة أيضًا. ذكرها الطحاوي في: شرح معاني الآثار (1/366)، والنسائي في سننه (2/282)، وابن خزيمة في صحيحه، (3/52)، وعلّق محمد مصطفى الأعظمي (محقق صحيح بن خزيمة) أنّ: إسناده حسن.
وقال بدر الدين العيني عنه في عمدة القاري، (6/336).: "إسناده صحيح".
تنبيه:
بعد هذه الرواية التّي ذكرت أنّ هذا الرجل الذّي ُأمر بالصلاة ثلاث جُمُعات متوالية، يتساءل سائل (والسؤال موجه بالدرجة الأولى لأخي "المظفر"):
أَيَتعلّق الأمر بواقعة معينّة يريد نبيّنا تنبيه الصحابة إليها (وهي حال الرجل)؟، أم أنّ الإبلاغ بسنية صلاة الركعتين والإمام يخطب يحتاج لكلّ هذا التكرار. والجواب الصحيح بدون تردد (والذّي أتمنى أن لا يحيد أخي أبو المظفر الشافعي عنه) هو الأوّل، إذ لا يُعقَل أن ينتظر هذا الرجل لثالث جمعة على التوالي أمر النبيّ حتّى ينّفل في الخطبة. أضع نقطة عند هذه الكلمة، وأترك المجال لإخواني الحق في التعليق.
عسى أن يوفقنا الله لما يحبه ويرضاه.
تقبلوا تحياتي.