كثيراً ما يلحَظُ المتأملُ عكوفَ ولهَفَ الباحثينَ وطلبةَ الحديثِ في إدراكِ مقعدِ الراوي عندَ الحافظ-رحمه الله- صحَّةً وضَعفا...
وهذه ظاهرةٌ صحيةٌ - ولا شكَّ - وتشفُّ عن اعتدادِ الباحثينَ وطلبةِ الحديثِ بنصوص النقاد واحتفائهم بآرائهم واجتهاداتهم...
وليس الإشكالُ في ذات العلاقة وإنما في إشكالٍ يظهرُ عندَ بعضِ المشتغلينَ بالسنَّة في فهم العلاقة...
فثمة فهم ٌيجنَحُ إلى تسليمِ أزمَّة نقد الرجال للحافظ –رحمه الله- كونه صاحبَ استقراء وفهمٍ ثاقبٍ لنصوصِ النقاد المتقدِّمينَ في الرَّاوي-وهذا لا مريةَ فيه- ويَرى هذا الرأي أيضاً أن رأيه في ( التقريب) بمنزلة الفَيصلِ في الحُكم وحَذَامِ عند أهلها...
والملاحظُ للمشهدِ الحديثي المعاصرِ وحالِ طلبةِ السنَّة يرى الرأي السالفَ ماثلاً أمامَهُ وإن كان أربابُ المشهدِ لا يصرِّحون بقطعية نصِّ الحافظِ وإنمَّا لسانُ حالهِم يصرخُ بهذا حتى كأنك لتسمعُ له دويَّا أو طنيناً على أقلِّ تَقدير...
وهنا مكمنُ الخلَلِ في فهم العلاقةِ بين الباحث ونص الحافظِ –رحمه الله-...
فليستِ العلاقةُ مبنيةً على فردِّيةِ رأي الحافظِ..
فلِمَا( التقريب ) وحسبْ ؟؟؟
ولما لا نأخذُ باجتهادِ الإمام الذهبي-رحمه الله- في (الكاشف)؟؟؟
مع أن الإمامَ الذهبيَّ-رحمه الله- من أهلِ الإستقراء ِالتَّامِ في نَقْدِ الرِّجال كما وصَفَه بذلك الإمامُ الحافظُ-رحمه الله-..
وهذا الإشكالُ هو الذي نهى عنه أئمةُ الدينِ وأساطينه بَلْهَ نهى عنه الحافظُ نفسُهُ-رحمه الله-...
والفهمُ الصحيحُ يتأتَّى في استعراضِ نصوصِ النقَّادِ المتقدمينَ في الراوي ومحاولةِ استخلاصِ رأيٍ عبرَ استخدامِ تقنياتٍ معروفةٍ للمُشْتغلِ في أحوالِ الرِّجال ويخلُصُ الباحثُ بعدَ إعمالِ تلكَ التَّقنياتِ بما يظهر له ويترجَّح سواء ً وافق ما في (التقريب) أو خالفَ ...
والإعمالُ السابقُ مرتبةٌ عاليةٌ لا تجيءُ بسهولةٍ للباحثِ إلا بعدَ إدراكِ أعماقِ أصولِ النقدِ وأبعادَ إطلاقَِ المصطلحِ النَّقديِّ ومراتبَ الرواةِ وقوالبَ البيانِ والمرانِ والدُّربةِ مع ما سَبَقَ...
كحال الشيخِ المحدِّث عبد الله السعد-حفظه الله- فتراهُ خيرَ مثالٍ على ما سبقَ ، مع ما حباه اللهُ من قدرةٍ على تتبِّع روايةِ الرَّ اوي ممَّا له أكبرُ الأثرِ في تحريرِ رأيٍ في الراوي مبنيٍ على روايتهِ أكثرَ من كونِ الأمرِ لا يعدو ترجيحَ قولٍ على قول...
فالحاصلُ أن رأي الإمام ِالحافظِ-رحمه الله- كرأي غيرِه من النقَّاد..
وأمَّا أن نرتهَنَ لرأي الحافظِ-رحمه الله- دونَ غيره فذلكَ مما حذَّرَ منه الأئمة كما أسلفتُ...
ولله الأمر من قبل ومن بعد...