3ـ تخصيص العبادة بمكان دون دليل من سنة أو أثر .

فمن فعل عبادة في مكان ما لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يفعله فيه وكان يداوم على خلافه فإقامتها في ذلك المكان بدعة

ـ قال الحافظ ابن رجب في الفتح له :
وقد روي عن ابن عباس ، أنه سئل عن اعتكاف المرأة في مسجد بيتها ؟ فقال : بدعة ، وأبغض الأعمال إلى الله البدع ، لا اعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الصلاة ا.هـ
وقال ابن مفلح في الفروع
" لِمَا رَوَاهُ حَرْبٌ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ جَعَلَتْ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِ نَفْسِهَا فِي بَيْتِهَا ، فَقَالَ : بِدْعَةٌ ، وَأَبْغَضُ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ الْبِدَعُ ، فَلَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدٍ
فتأمل هذا المثال ولتعلم أن مدار الأمر ومناط الحكم هو الإحداث فانظر كيف حكم على تعميم المكان خلافا للسنة التي خصت المساجد بأنه بدعة فكما أن التخصيص بدعة وهو الأكثر فكذلك التعميم والقاسم هو الإحداث

ـ وقال ابن عابدين الحنفي عن تخصيص القبر بالتعزية
" أخرج ابن شاهين عن إبراهيم [ النخعي ] " التعزية عند القبر بدعة " ا.هـ

ـ وقال أبو شامة عن تخصيص مسجد عن غيره استحبابا
" قال محمد بن مسلمة ولا يؤتى شيء من المساجد يعتتقد فيه الفضل بعد المساجد الثلاثة إلا مسجد قباء .
قال : وكره أن يعد له يوما بعينه فيؤتى فيه خوفا من البدعة وأن يطول بالناس زمان فيجعل ذلك عيدا يعتمد أو فريضه تؤخذ ولا بأس أن يؤتى كل حين ما لم تجيء فيه بدعة ا.هـ
هذا وفي مكان خاص بالعبادة فما بالك بغيره كمن يستحب الصلاة في مكان مجلس شيخه أو في غرفته ونحو ذلك

ـ وفي كتاب (الدين الخالص) بحث العلامة محمود خطاب السبكي رحمه الله وعفا عنه مسألة قراءة القرآن عند القبور فقال في بداية بحثه لها:
(يكره تحريمًا عند النعمان [ أبي حنيفة ] ومالك قراءة القرآن عند القبر؛ لأنه لم يصح فيها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس من عمل السلف، بل كان عملهم التصدُّق والدعاء لا القراءة) ا.هـ

قال شيخ الإسلام عن تخصيص القبور بقراءة القرآن وفي صدد ذكر الروايات فيها
" ... والثانية : أن ذلك مكروه حتى اختلف هؤلاء هل تقرأ الفاتحة في صلاة الجنازة إذا صلى عليها في المقبرة وفيه عن أحمد روايتان وهذه الرواية هي التي رواها أكثر أصحابه عنه وعليها قدماء أصحابه الذين صحبوه كعبد الوهاب الوراق وأبي بكر المروزي ونحوهما وهي مذهب جمهور السلف كأبي حنيفة ومالك وهشيم بن بشير وغيرهم ولا يحفظ عن الشافعي نفسه في هذه المسألة كلام لأن ذلك كان عنده بدعة وقال مالك ما علمت أحدا يفعل ذلك
فعلم أن الصحابة والتابعين ما كانوا يفعلونه ا.هـ
وذكرت كلامه كاملا كما سبق
فهذا تخصيص القبور بالقراءة ، ومن جوزه لم يجوزه إلا بناء على ظنه صحة ما روي في القراءة من الأثار وهذا لايعارض استدلالنا إذ لا يجوزه عالم مع ترجيحه أنه محدث لم يفعله السلف

ـ وقال الدردير في الشرح الكبير عن العيد وأدائه في غير المكان المسنون
" ( و) ندب (إيقاعها) أي صلاة العيد (به) أي بالمصلى أي الصحراء وصلاتها بالمسجد من غير ضرورة داعية بدعة لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه (إلا بمكة) فبالمسجد لما فيه من مشاهدة البيت" ا.هـ
أليست عبادة مأمورا بها أديت في مكان عبادة ؟ ومع هذا أنكرها للإحداث المخالف للسنة

ـ وعن إيقاع الإحرام في غير مكانه قال أبو شامة :
" ومثاله ما رواه مالك بن أنس في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهذيل أنه رأى رجلا مجردا بالعراق فسأل عنه الناس فقيل أنه أمر بهديه أن يقلد فلذلك تجرد قال ربيعة فلقيت عبد الله بن الزبير فذكرت ذلك له فقال بدعة ورب الكعبة
قلت [ الكلام لأبي شامة ] فوصف ذلك عبد الله بأنه بدعة لما كان موهما أنه من الدين لأنه قد ثبت أن التجرد مشروع في الإحرام بنسك الحج والعمرة فإذا فعل في غير ذلك أوهم من لا يعلم من العوام أنه مشروع في هذه الحالة الأخرى لأنه قد ثبت شرعته في صورة فربما يقتدى به فيتفاقم الأمر في أنتشار ذلك ويعسر الفطام عنه كما قد وقع في غيره من البدع على ما يأتي في كتاب الجامع لأبي بكر الخلال
حدثنا موسى بن محمد الزبيري ثنا الزبير ثنا محمد بن الضحاك وغيره أن رجلا جاء الى مالك بن أنس فقال من أين احرم فقال من الميقات الذي وقت رسول الله وأحرم منه فقال الرجل فإن أحرمت من أبعد منه فقال مالك لا أرى ذلك فقال ما تكره من ذلك قال أكره عليك الفتنة قال وأي فتنة في ازدياد الخير فقال مالك فإن الله تعالى يقول فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم سورة النور أية 63 وأي فتنة أ كبر من من أنك خصصت بفضل لم يختص به رسول الله " ا.هـ




4ـ تخصيص العبادة بوقت دون دليل

فتخصيص ذكر من الأذكار أو أي عبادة بوقت معين ولو وقت فاضل دون دليل خاص هو بدعة إلا إذا فعل دون اعتقاد التخصيص ودون مداومة .

ـ مثاله القنوت يوم الجمعة
قال ابن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث عن ليث عن طاوس قال القنوت يوم الجمعة بدعة.
وفيه ليث فيه كلام
(2) حدثنا عبد الاعلى عن برد عن مكحول أنه كان يكره القنوت يوم الجمعة.
وهذا أثر صحيح
(3) حدثنا أبو بكر قال حدثنا شريك عن عبيد الله بن يزيد عن إبراهيم قال القنوت في الجمعة بدعة.
وشريك معروف فيه كلام

ـ ومن أمثلته ما قال أبو شامة ففي الباعث :
" وروى المالكي في كتاب رياضة النفوس أن يحيى بن عمر الفقيه الأندلسي كان يعبر في القيروان على موضع ناس حاكه فإذا كانت أيام العشرين يرفعون أصواتهم بالتكبير والتهليل فنهاهم فلم ينتهوا وكان شديدا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال فدعا الله عليهم ثم انقرضوا وخربت ديارهم برهة من الزمان " ا.هـ

ـ وقال أبو شامة أيضا في أمثلة أخرى :
" فالحاصل أن الملكف ليس له منصب التخصيص بل ذلك الى الشارع وهذه كانت صفة عبادة رسول الله قال الحافظ البيهقي في السنن الكبير باب من كره ان يتخذ الرجل صوم شهر يكمله من بين الشهور أو صوم يوم من الأيام وساق فيه من الصحيحين حديث أبي سلمة عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وحديث علقمة قال قلت لعائشة رضى الله عنها هل كان رسول الله صلع يخص من الأيام شيئا قالت لا كان عمله ديمة
قال الأمام الشافعي وأكره ان يتخذ الرجل صوم شهر يكمله كما يكمل رمضان وكذلك يوم من بين الأيام قال وإنما كرهته ليتأسى رجل جاهل فيظن ان ذلك واجب أو فعل حسن
وذكر الشيخ أبو الخطاب في كتاب أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب عن المؤتمن بن أحمد الساجي الحافظ قال كان الإمام عبد الله الأنصاري شيخ خراسان لا يصوم رجب وينهي عن ذلك ويقول ما صح في فضل رجب ولا في صيامة عن رسول الله شيء وقد رويت كراهة صومه عن جماعة من الصحابة منهم أبو بكر وعمر رضى الله عنهما وكان عمر يضرب بالدرة صوامه ا.هـ
وقد نقل الطرطوشي كراهة الإمام مالك الاجتماع لختم القرآن في ليلة من ليالي رمضان . وكراهيته الدعاء عقب الفراغ من قراءة القرآن بصورة جماعية
عن كتاب الحوادث والبدع للطرطوشي
وقال أبو شامة
وقد أنكر الإمام الطرطوشي على أهل القيروان اجتماعهم ليلة الختم في صلاة التراويح في شهر رمضان ونصب المنابر وبين أنه بدعة ومنكر وان مالكا رحمة الله تعالى كرهه

وأكثر ما سبق عن أبي شامة إنما اعتمده من كتاب الطرطوشي فيعتبر كله مذهبا لكليهما

ـ ومن الأمثلة ما رواه ابن أبي شيبة قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة قال : سألت الحكم وحمادا عن التكبير أيام العشر فقالا : محدث.
والأثر صحيح غاية
مع أن التكبير في العشر ثبت من فعل ابن عمر وأبي هريرة ولكن لما لم يبلغهما رأيا أن تخصيص التكبير بدعة لكن إن فعل مع غيره من الأذكار دون تخصيص له عنها فهو ليس ببدعة حتى عند الحكم وحماد

ومنها تخصيص وقت صلاة العيد بذكر كالأذان دون دليل
قال ابن أبي شيبة حدثنا الثقفي عن أيوب عن محمد بن [ سيرين ]قال: " الأذان في العيد محدث "
حدثنا وكيع عن هشام عن قتادة عن ابن المسيب قال :
" أول من أحدث الاذان في العيدين معاوية "
والأثران صحيحان
حدثنا وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عامر والحكم قالا الاذان يوم الاضحى والفطر بدعة.
وإسناده ضعيف
قال ابن رجب :
" واتفق العلماء على أن الأذان والإقامة للعيدين بدعة ومحدث .
وممن قالَ : إنه بدعة : عبد الرحمن بن أبزى والشعبي والحكم .
وقال ابن سيرين : وهو محدث ". ا.هـ
[ مع أنه فعله معاوية وروي عن ابن الزبير ]
وفي الموطأ عن مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ يَقُولُ لَمْ يَكُنْ فِى عِيدِ الْفِطْرِ وَلاَ فِى الأَضْحَى نِدَاءٌ وَلاَ إِقَامَةٌ مُنْذُ زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْيَوْمِ. قَالَ مَالِكٌ وَتِلْكَ السُّنَّةُ الَّتِى لاَ اخْتِلاَفَ فِيهَا عِنْدَنَا.

أليس الأذان ذكرا لله ؟ أليس قد أمر به النبي عند حضور الصلاة ؟ أليست هذه صلاة؟ فلماذا كانت بدعة ؟
إذا لا يكفي في مشروعية العمل أن تأتي به النصوص العامة بل لابد من مراعاة عمل النبي وصحابته ولا بد من دليل على التخصيص

ـ ومن الأمثلة تخصيص يوم بالاكتحال تسننا
قال ابن عابدين :
"قال الحاكم أيضا: الاكتحال يوم عاشوراء لم يرد عن النبي فيه أثر، وهو بدعة "ا.هـ

ـ ومنها الاشتغال والتفرغ لعبادة مشروعة في وقت كان النبي ص يحافظ على تركها

فمن طريق بن أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعْدِ بن إِسْحَاقَ بن كَعْبٍ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ كَعْبِ بن عُجْرَةَ يَوْمَ الْعِيدِ إِلَى الْمُصَلَّى،"فَ َلَسَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الإِمَامُ، وَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى انْصَرَفَ الإِمَامُ، وَالنَّاسُ ذَاهِبوُنَ كَأَنَّهُمْ عُنُقٌ نَحْوَ الْمَسْجِدِ، فَقُلْتُ: أَلا تَرَى؟، فَقَالَ:"هَذِهِ بِدْعَةٌ وَتَرْكُ السُّنَّةِ".
ومن طريق أَنَس بن عِيَاضٍ، عَنْ سَعْدِ بن إِسْحَاقَ بن كَعْبِ بن عُجْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بن كَعْبِ بن عُجْرَةَ، قَالَ:"شَهِدْتُ مَعَ كَعْبٍ إِحْدَى الْعِيدَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّاسُ ذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَرَأَيْتُهُ يَعْمِدُ إِلَى الْبَيْتِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَهْ، أَلا تَعْمِدُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِنِّي أَرَى النَّاسَ يَعْمِدُونَ إِلَيْهِ؟، فَقَالَ:"إِنَّ كَثِيرًا مِمَّا تَرَى جَفَاءٌ، وَقِلَّةُ عِلْمٍ، إِنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ [ يعني ركعتي العيد ]سُبْحَةُ هَذَا الْيَوْمِ حَتَّى تَكُونَ الصَّلاةُ تَدْعُوكَ".

فلما لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم بعد صلاة العيد الاشتغال بالمسجد للصلاة و الانهماك بالتنفل بل كان يحافظ على ترك ذلك في هذا الوقت كان فعل ذلك قصدا أو مداومة بدعة محدثة كما قد حكم في الأثر

5ـ تخصيص العبادة بعدد مجاوز أو مخالف للسنة يعد بدعة
وكذا بعدد غير وارد في السنة إن داوم عليه تقصدا

ومنه الزيادة على العدد الذي حافظ عليه النبي ص
ـ قال أبو شامة ناقلا الخبر مسندا
عن سعيد بن السيب أنه رأى رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيها الركوع والسجود فنهاه فقال يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة قال لا ولكن يعذبك على خلاف السنة
وهو أثر ثابت

ـ وجاء في الشرح الكبير للدردير :
" (و) ندب (عدم زيادة) على الصاع، بل تكره الزيادة عليه لانه تحديد من الشارع، فالزيادة عليه بدعة مكروهة كالزيادة في التسبيح على ثلاث وثلاثين وهذا إن تحققت الزيادة وأما مع الشك فلا.


ـ وكذا تخصيص شيء من القرآن بأعداد ولو غير محددة وبتكرار محدث
قال أبو شامة :
" قال وسئل سفيان الثوري رحمه الله تعالى عمن يقرأ قل هو الله أحد لا يقرأ غيرها يكررها ؟
فكرهه وقال : إنما أنزل القرآن ليقرأ ولا يخص شيء دون شيء وإنما أنتم متبعون ولم يبلغنا عنهم مثل هذا ا.هـ
قال ابن وضاح في البدع والنهي عنها :
نا محمد بن عمرو ، عن مصعب قال : سئل سفيان عن رجل يكثر قراءة قل هو الله أحد ، لا يقرأ غيرها كما يقرأها ، فكرهه ، وقال : « إنما أنتم متبعون ، فاتبعوا الأولين ، ولم يبلغنا عنهم نحو هذا ، وإنما نزل القرآن ليقرأ ولا يخص شيء دون شيء »
وقال محمد بن وضاح : حدثني سحنون ، وحارث ، عن ابن القاسم ، عن مالك أنه سئل عن قراءة قل هو الله أحد مرارا في ركعة ، فكره ذلك ، وقال : « هذا من محدثات (1) الأمور التي أحدثوها ا.هـ
وهذه آثار صحيحة

ـ وكذا الزيادة على الوارد
قال ابن أبي شيبة حدثنا هشيم قال أخبرنا شيخ من قريش عن نافع قال سمعته يحدث عن ابن عمر أنه قال الأذان يوم الجمعة الذي يكون عند خروج الامام والذي قبل ذلك محدث.
حدثنا شبابة قال حدثنا هشيم بن الغاز عن نافع عن ابن عمر قال الاذان الاول يوم الجمعة بدعة.
حدثنا وكيع قال حدثنا ابن الغاز قال سألت نافعا مولى ابن عمر الاذان الأول يوم الجمعة بدعة فقال ابن عمر بدعة.
قال حدثنا هشيم بن بشير عن منصور عن الحسن أنه قال النداء الاول يوم الجمعة الذي يكون عند خروج الامام والذي قبل ذلك محدث.
وعند الطبراني في الشاميين
حدثنا طالب بن قرة الأذني ، ثنا محمد بن عيسى الطباع ، ثنا مصعب بن سلام ، عن هشام بن الغاز ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال :
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر أذن بلال ، فإذا فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من خطبته أقام الصلاة ، والأذان الأول بدعة
والآثار صحيحة عن عمر
وقال ابن رجب في الفتح :
" وقد أنكر عطاء الأذان الأول ، وقال : إنما زاده الحجاج ، قال : وإنما كان عثمان يدعو الناس دعاء "
خرّجه عبد الرزاق وهو ثابت عنه .
وقال عمرو بن دينار : إنما زاد عثمان الأذان بالمدينة ، وأما مكة فأول من زاده الحجاج ، قال : ورأيت ابن الزبير لا يؤذن له حتى يجلس على المنبر ، ولا يؤذن له إلا أذان واحد يوم الجمعة .
خرّجه عبد الرزاق –أيضاً...
وروى وكيع في ((كتابه )) عن هشام بن الغاز ، قال : سألت نافعاً عن الأذان يوم الجمعة ؟ فقالَ : قالَ ابن عمر : بدعةٌ ، وكل بدعة ظلالة ، وإن رآه الناس حسناً .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : لم يكن في زمان النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلا أذانان : أذان حين يجلس على المنبر ، وأذان حين تقام الصَّلاة [ يعني الإقامة ] قال : وهذا الأخير [ يعني المحدث ]شيء أحدثه الناس بعد .
خرّجه ابن أبي حاتمٍ .
وقال سفيان الثوري : لا يؤذن للجمعة حتى تزول الشمس ، وإذا أذن المؤذن قام الإمام على المنبر فخطب ، وإذا نزل أقام الصلاة ، قال : والأذان الذي كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر أذان وأقامة ، وهذا الأذان الذي زادوه محدثٌ .
وقال الشافعي -فيما حكاه ابن عبد البر - :
أحب إلي أن يكون الأذان يوم الجمعة حين يجلس الإمام على المنبر بين يديه ، فإذا قعد أخذ المؤذن في الأذان ، فإذا فرغ قام فخطب ، قال : وكان عطاءٍ ينكر أن يكون عثمان أحدث الأذان الثاني ، وقال : إنما أحدثه معاوية .
قال الشافعي : وأيهما كان ، فالأذان الذي كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ،وهو الذي ينهى الناس عنده عن البيع ا.هـ

فإذا كان الله قد أمر بذكره ذكرا كثيرا فلماذ هذا الاعتراض على الأذان وهو من أعظم الذكر وأبلغه ولماذا كان عثمان قد أمر به في المدينة ولم يأمر به في مكة ولا في غيرها ؟
وليس الاشكال أن نختلف في مثال كأذان عثمان أو في بعض الأمثلة فهذا الأمر فيه واسع إن اتفقنا على الأصل الذي كان عليه السلف ولكن الاشكال كل الاشكال هو مخالفة السلف في أصلهم .
الاشكال كل الاشكال هو الانفلات البدعي الذي يصادم صفاء الإسلام .
هؤلاء الذين يروجون للبدع والمحدثات والله إنما يسعون لتكدير الاسلام وتشويهه شعروا بهذا أم لم يشعروا والله المستعان

ـ بل مجرد إحداث عبادات أو عادات في مواطن وتخصيصها بها لم ترد بها السنة والآثار يعد بدعة
جاء في المدونة
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ : أَكْرَهُ أَنْ يُتْبَعَ الْمَيِّتُ بِمِجْمَرَةٍ أَوْ تُقَلَّمَ أَظْفَارُهُ أَوْ تُحْلَقَ عَانَتُهُ ، وَلَكِنْ يُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ ، قَالَ : وَأَرَى ذَلِكَ بِدْعَةً مِمَّنْ فَعَلَهُ .
وقال الدردير عن حلق الميت
" أي ما ذكر من الحلق والقلم (بدعة) قبيحة لم تعهد في زمن السلف "

ـ وعن تخصيص أي شيء بعمل فيما سكت عنه الشارع مداومة عليه أو اعتقاد لأفضليته
قال في التاج والإكليل
( وَالْمُعَيِّنُ مُبْتَدِعٌ ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ : قَوْلُ مَنْ قَالَ يُبْدَأُ بِالْيَمِينِ بِدْعَةٌ .
وفي المدونة نفسها
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قُلْتُ لِمَالِكٍ : مِنْ أَيِّ جَوَانِبِ السَّرِيرِ أَحْمِلُ الْمَيِّتَ ، وَبِأَيِّ ذَلِكَ أَبْدَأُ ؟ فَقَالَ : لَيْسَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مُؤَقَّتٌ ، احْمِلْ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ إنْ شِئْتَ مِنْ قُدَّامٍ وَإِنْ شِئْتَ مِنْ وَرَاءٍ ، وَإِنْ شِئْتَ احْمِلْ بَعْضَ الْجَوَانِبِ وَدَعْ بَعْضَهَا ، وَإِنْ شِئْتَ فَاحْمِلْ وَإِنْ شِئْتَ فَدَعْ ، وَرَأَيْتُهُ يَرَى أَنَّ الَّذِي يَذْكُرُ النَّاسُ فِيهِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْيَمِينِ بِدْعَةٌ .

ـ وعن تخصيص صيغة في الدعاء بموطن دون دليل
جاء في المدونة
قَالَ : فَقُلْتُ لِمَالِكٍ : فَهَذَا الَّذِي يَقُولُ النَّاسُ [ يعني في الأضحية ] اللَّهُمَّ مِنْكَ وَإِلَيْكَ ؟ فَأَنْكَرَهُ ، وَقَالَ : هَذَا بِدْعَةٌ .
فبناء على أنه لم يثبت عنده روايةً حكم ببدعيته

ـ وكذا ما تركه النبي ص في عبادة من عباداته وثبت بالاستقراء أنه لم يفعله فيها مطلقا يكون فعله في تلك العبادة بدعة ولو كان هذا الفعل عبادة أيضا
كما في قراءة القرآن أثناء الطواف
قال ابن أبي شيبة : نا عباد عن يحيى البكاء قال : سمع : ابن عمر رجلا يقرأ وهو يطوف بالبيت فنهاه.
وقال نا جرير عن ليث عن مجاهد قال : كان يكره القراءة في المشي في الطواف ، ولكن يذكر الله ويحمده ويكبره.
وقال نا فضيل بن عياض عن هشام عن الحسن وعطاء قال :
القراءة في الطواف محدث.
وقال نا ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يكره القرآن في الطواف.
وعند عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن عطاء (1) قال : كانوا يطوفون ويتحدثون ، قال : وسئل عطاء عن القراءة في الطواف ، فقال : هو محدث (2).
وقال عن معمر عن ابن أبي نجيح سئل عن القراءة في الطواف ، فقال : أحدثه الناس.
وقال عن الاسلمي بن أبي بكرة (4) عن يحيى البكاء أنه سمع ابن عمر يكره القراءة في الطواف ، يقول (5) : محدث
وقال الأزرقي في أخبار مكة
حدثنا أبو الوليد قال : حدثني جدي ، عن فضيل بن عياض ، قال : حدثنا منصور ، عن إبراهيم ، قال : « القراءة في الطواف بدعة (1) »
وجل هذه الآثار صحيح
وجوزه عطاء في رواية أخرى وسبق عنه أيضا المنع

ـ وعن تخصيص العبادة بنوايا محدثة
قال الصنعاني في سبل السلام :
وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ بِنِيَّةِ كَذَا ، وَبِنِيَّةِ كَذَا ، كَمَا يُفْعَلُ الآنَ ، فَلَمْ يَرِدْ بِهَا دَلِيلٌ ، بَلْ هِيَ بِدْعَةٌ ا.هـ

ـ وعن تخصيص شيء من القرآن معين بصلاة معينة ولو كان مما ورد تخصيصه أحيانا
قال أبو شامة :
" وقرأت في كتاب شرح الجامع للزعفراني الحنفي فصلا حسنا أعجبني إثباته ههنا قال وكان يكره ان يتخذ شيئا من القرآن حتما يوقت لشيء من الصلاة وكره أن تتخذ السجدة وهل أتى على الإنسان لصلاة الفجر يقرآن كل جمعة ...
ثم قال : وإنما كره الملازمة في قراءة السورة فأما أحيانا فمستحب لأن الحديث قد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأهما في صلاة الفجر ولكن فعل ذلك لا يدل على اللزوم " ا.هـ

وعن تخصيص الآيات المشتملة على السجدات أو ذات الأدعية في التراويح
قال أبو شامة
"وابتدع بعضهم أيضا جمع آيات السجدات يقرأ بها في ليلة ختم القرآن وصلاة التراويح ويسبح بالمأمومين في جميعها ..
وابتدع آخرون سرد جميع ما في القرآن من آيات الدعاء في آخر ركعة من التراويح بعد قراءة سورة الناس فيطول الركعة الثانية على الأولى نحو من تطويله بقراءة الأنعام مع اختراعه لهذه البدعة وكذلك الذين يجمعون آيات يخصونها بالقراءة ويسمونها آيات الحرس ولا أصل لشيء من ذلك فليعلم أن جميع ذلك بدعة وليس شيء منها من الشريعة بل هو مما يوهم أنه من الشرع وليس منه وبالله التوفيق " ا.هـ


ـ وشدّدَ السلف حتى في أدنى المحدثات كانتشار الوعظ بالقصص مفردا عن غيره بعد أن كان نادرا تابعا لصور أخرى من الوعظ
قال ابن وضاح
نا أسد قال : نا أبو هلال قال : نا معاوية بن قرة قال : « كنا إذا رأينا الرجل يقص قلنا : هذا صاحب بدعة »
وحدثني عن موسى ، عن ابن مهدي ، عن سفيان ، عن همام بن الحارث التيمي ، قال : « لما قص إبراهيم التيمي أخرجه أبوه من داره وقال : ما هذا الذي أحدثت ؟ »
وحدثني عن موسى ، عن ابن مهدي ، عن أبي سليمان ، عن يزيد الرشك ، عن خالد الأشج ابن أخي صفوان بن محرز قال : « كنا في مسجد المدينة ، وقاص لنا يقص علينا ، فجعل يختصر سجود القرآن فيسجد ونسجد معه ، إذ جاء شيخ فقام علينا فقال : » لئن كنتم على شيء ، إنكم لأفضل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألنا عنه فقلنا : من هذا الشيخ ؟ فقالوا : هذا عبد الله بن عمر «
حدثني ابن وضاح ، عن أبي أيوب الدمشقي سليمان بن شرحبيل قال : نا ضمرة بن ربيعة ، قال سمعت سفيان الثوري ، وسأله عمر بن العلاء اليماني فقال : « يا أبا عبد الله أستقبل القاص ؟ فقال : » ولوا البدع ظهوركم «
وقال ابن وضاح : عن عبد الله بن محمد قال : نا شبابة قال : نا شعبة قال : نا عقبة بن جرير قال سمعت ابن عمر وجاء رجل قاص فجلس في مجلسه ، فقال له ابن عمر : « قم من مجلسنا ، فأبى (1) أن يقوم ، فأرسل ابن عمر إلى صاحب الشرطة : أقم القاص ، قال : فبعث إليه فأقامه »
حدثني محمد بن وضاح ، عن عبد الله بن محمد قال : ثنا شريك ، عن إبراهيم ، عن مجاهد قال : « دخل قاص فجلس قريبا من ابن عمر ، فقال له : » قم ، فأبى (1) أن يقوم ، فأرسل إليه شرطيا فأقامه « . وسمعت ابن وضاح يقول في القصاص : » لا ينبغي لهم أن يبيتوا في المساجد ، ولا يتركوا أن يبيتوا فيها « ا.هـ

مع أن القََصَص المنضبط بالروايات المظنون ثبوتها ، البعيدة عن استرخاص كل خيال ، قد جوزه بعض أتباع التابعين لنفعه للعامة ولثبوت أصله ، ومنهم الإمام أحمد فلم تخل الأحاديث المرفوعة من قصص بل والقرآن فمتى ما كان منضبطا جاز وليس هذا من الإستدلال بالعام بل بالنصوص الخاصة ولكن الذي أنكره السلف هو التوسع وإفراده كطريقة للوعظ بما جعله هيئة محدثة .
فمن جرّد وعظه إلا من القصص المستمد من الواقع كان فِعْله أشبه بما أنكره السلف
وعلى كل فإنكار هؤلاء السلف من صحابة وتابعين دال على مفهوم البدعة عندهم
ـ وعن القيام بالعمل في غير ما شرع له
قال في البحر الرائق من كتب الحنفية :
" الِاسْتِنْجَاءَ لَا يُسَنُّ إلَّا مِنْ حَدَثٍ خَارِجٍ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ غَيْرِ الرِّيحِ ؛ لِأَنَّ بِخُرُوجِ الرِّيحِ لَا يَكُونُ عَلَى السَّبِيلِ شَيْءٌ فَلَا يُسَنُّ مِنْهُ بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ " ا.هـ

ـ وعن تذكير المؤذن للناس بالصلاة على سبيل المداومة في غير ما ورد به التذكير
روى البيهقي وغيره عن مجاهد قال كنت مع ابن عمر فثوب رجل في الظهر أو العصر فقال اخرج بنا فان هذه بدعة.
قال الشاطبي في الاعتصام :
" وحكى ابن وضاح قال : ثوب المؤذن بالمدينة في زمان مالك ، فأرسل إليه مالك فجاءه ، فقال له مالك : ما هذا الذي تفعل ؟ فقال : أردت أن يعرف الناس طلوع الفجر فيقومون . فقال له مالك : لا تفعل ، لا تحدث في بلدنا شيئا لم يكن فيه ، قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا البلد عشر سنين وأبو بكر وعمر وعثمان فلم يفعلوا هذا ، فلا تحدث في بلدنا ما لم يكن فيه .
فكف المؤذن عن ذلك وأقام زماناً ، ثم إنه تنحنح في المنارة عند طلوع الفجر ، فأرسل إليه مالك فقال له : ما الذي تفعل ؟ قال : أردت أن يعرف الناس طلوع الفجر . فقال له : ألم أنهك أن لا تحدث عندنا ما لم يكن ؟ فقال : إنما نهيتني عن التثويب . فقال له : لا تفعل .
فكف زماناً . ثم جعل يضرب الأبواب ، فأرسل إليه مالك فقال : ما هذا الذي تفعل : أردت أن يعرف الناس طلوع الفجر . فقال له مالك : لا تفعل ، لا تحدث في بلدنا ما لم يكن فيه .
قال ابن وضاح : وكان مالك يكره التثويب ـ قال ـ وإنما أحدث هذا بالعراق . قيل لابن وضاح : فهل كان يعمل به بمكة أو المدينة أو مصر أو غيرها من الأمصار ؟ فقال : ما سمعته إلا عند بعض الكوفيين والإباضيين .
فتأمل كيف منع مالك من إحداث أمر يخفى شأنه عند الناظر فيه ببادىء الرأي وجعله أمراً محدثاً ، وقد قال في التثويب : إنه ضلال ، وهو بين ، لأن :
" كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" ولم يسامح للمؤذن في التنحنح ولا في ضرب الأبواب ، لأن ذلك جدير بأن يتخذ سنة ا.هـ

مع أن تذكير الناس بالطاعة ومعاونتهم عليها من أشهر ما جاءت به النصوص العامة فلماذا بدعه ابن عمر


وهذه أخي الكريم جملة من التطبيقات للسلف الصالح أظنها كافية لمريد الحق وغيرها كثير تركتها خشية الإطالة وإن كنت قد أطلت فأعتذر على ذلك
وأعتذر أيضا على هذا الترتيب الذي لم يكن دقيقا فعسى في فرصة لاحقة أفعل ذلك لعسره الآن بالنسبة لظرفي والله الموفق للهدى والصواب .

وفي الختام أنبه إلى ما نبه إليه العلماء من أن فتح باب الإحداث بالتسويغ لكل أحد أن يخصص من عنده أوقاتا أو أمكنة أو كيفيات بالعبادات المشروعة في أصلها يؤدي مستقبلا إلى تبديل الشريعة ومحوها وهذا يهدد أعظم مقصد من مقاصد الشرع ألا وهو حفظ الدين .

وهذا مما أغفله الأستاذ وما أكثر ما أغفله ، مع ما في هذا من إبراز لحقيقة خطر هذا الأمر



ـ وأيضا لابد من التنبيه إلى أن الحالة النفسية كما تقود المرأة المتبرجة للتشكيك في أخواتها المتحجبات لما تعكسه المتحجبات من ظاهرة حية محسوسة تؤرق تلك المقصرة وتجدد في نفسها ـ باستمرار ـ الشعورَ بالتقصير .
وكما تقود تلك الحالة النفسية المتهاونَ والمقصّرَ للتشكيك فيمن ظاهرهم الإستقامة وهو كثير وملحوظ لنفس السبب وذاته .
فكذلك نفس السبب يحضر ليبين تلك الحالة التي تخيم على مروجي البدع والمتلطخين بها فتدفعهم لمحاربة النزهاء من البدع والأبرياء من كبيرها وصغيرها ، والمعتصمين بالسنة والسنة فقط
فهذا هو سبب النفرة والتنفير الذي جعله الأستاذ مهمة يحملها على عاتقه ، وممن ؟
ممن لا يقبل بديلا عن السنة ، ولا يحيد عنها قيد أنملة ، ويعضّ عليها بالنواجذ كما أوصاه نبيه الحبيب
فسبحان الله بدل أن يُكَرّم هؤلاء على ما هم عليه من حرص يُنفّر منهم ويُهانوا ويُسَبوا ويُشتموا من قبل الأستاذ ، والأعجب أنه باسم الدين !! وباسم محاربة الخلاف !! وباسم التقريب !!
هذا وهو يريد التقريب ورفْع الخلاف ولا أدري ماذا سيفعل إذا أراد أن يحاربهم ويمحوهم ؟!



ـ وأخيرا أنبه إلى أن هؤلاء ينادون بتسويغ مخالفة ما كان عليه النبي ص وصحابته بينما لا يقبلون بهذا فيما سنوه هم للناس !!
وهذا أمر بيّن لا يخفى تجدهم ينكرون على الناس تركهم هذه المحدثات إنكارا شديدا مبالغا فيه وأمثلته كثيرة في القديم والحديث ومنه ما نقله الشاطبي رحمه الله وهذا في السبعمائة هجري أو قبلها حيث قال :

" فحكى القاضي أبو الخطاب بن خليل حكاية عن أبي عبد الله بن مجاهد العابد :
أن رجلا من عظماء الدولة وأهل الوجاهة فيها ـ وكان موصوفا بشدة السطو وبسط اليد ـ نزل في جوار ابن مجاهد وصلى في مسجده الذي كان يؤم فيه وكان [ ابن مجاهد ] لا يدعو في أخريات الصلوات تصميما في ذلك على المذهب ( يعني مذهب مالك ) لأنه مكروه في مذهبه وكان ابن مجاهد محافظا عليه
فكره ذلك الرجل منه ترك الدعاء وأمره أن يدعو فأبى وبقي على عادته في تركه في أعقاب الصلوات فلما كان في بعض الليالي صلى ذلك الرجل العتمة في المسجد فلما انقضت وخرج ذلك الرجل إلى داره قال لمن حضره من أهل المسجد : قد قلنا لهذا الرجل يدعو إثر الصلوات فأبى فإذا كان في غدوة غد أضرب رقبته بهذا السيف وأشار في يده فخافوا على ابن مجاهد من قوله لما علموا منه فرجعت الجماعة بجملتها إلى دار ابن مجاهد فخرج إليهم وقال : ما شأنكم ؟ فقال لهم : والله لقد خفنا من هذا الرجل وقد اشتد الآن غضبه عليك في تركك الدعاء فقال لهم : لا أخرج عن عادتي ... " ا.هـ
فانظر إلى هذا العداء من أجل الدعاء الجماعي بعد الصلوات وهو محدث مخترع لم يفعله لا رسول الله ولا صحابته بل أنكره جملة من الأئمة كما سبق
ومما هو واقع الآن أن الذكر الجماعي والدعاء بعد كل صلاة وبعض الأوراد التي يمارسها الناس في المساجد مع أنها محدثة فإن من كان له نوع سلطة من هؤلاء في مسجده لا يقبل ترك هذه الأمور حتى أن كثيرا منهم يفرض من منطلق مكانته في المسجد منع التقدم للإمامة إلا من يحافظ على هذه المحدثات !!
حتى أن وزارة الأوقاف بقيادة علماء الصوفية في بعض البلاد العربية قننت في شروط الإمامة الدعاء بعد كل صلاة !
فهؤلاء لا يرضون بمخالفة سنتهم التي سنوها من عند أنفسهم أو من عند شيوخهم !
ثم هم لايقبلون من يقف نفس الموقف ممن يترك سنة النبي فالعجب من الإجحاف والبغي وإلى الله وحده المشتكى من هذه القسمة الجائرة .

وأنا لا أنسى ما كان يفعله أحد المشايخ الذين درست عليهم القرآن فإنه بلغ به الأمر وكنت وقتها أبلغ من العمر ستة عشر سنة أنه طردني وكل من يقرأ عنده ممن لا يوافقه على حضور جلسات المديح أيام المولد وكنت أنا ومن معي من الشباب من أبرز تلاميذه ولم يبال مع قلة مراكز التحفيظ يومها
فهؤلاء أيها الإخوة يستنكرون شدتنا على من يخالف السنة ويتهموننا في ديننا لأجل ذلك بينما يرحبون بمن يدافع عن البدع ولو بتلك الصورة العدائية !!
ومما يشبه هذا ما جاء من الأستاذ في إنكاره على من لا يرى صيام يوم المولد النبوي فبالله عليكم هل هذا حال من يحارب الخلاف ؟
أم هي الشعارات !!
أيها الإخوة الكرام لماذا لا نكتفي بما كان عليه النبي ص من سنن وعبادات فالسنة كافية ووافية
سبحان الله يقول تعالى :
( وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا )
سبحان الله
ماذا عليهم لو أنهم دعوا الناس إلى لزوم سنة النبي الكريم التي عاش عليها ومات عليها ؟!!
ماذا عليهم لو أنهم نصحوا من أراد أن يصلي أو يصوم أو يحج أو يدعوا ربه أو يذكره أن يجتهد في فعل ما كان يفعله النبي ص وصحابته ؟
إن أجندة السنة النبوية مليئة بالعبادات ، مليئة بالأذكار ، مليئة بالعمل ، مليئة بالخير ، مليئة بالبركة
صاحبها تفطرت قدماه من كثرة العبادة
يصلي إذ ينامون ، ويصوم إذ يفطرون ويذكر إذ يفترون ويثبت إذ يفرون ويتقدم في القتال إذ يتأخرون
فلماذا تحرصون على أجندة أخرى دخيلة ؟؟
حتى إن الله عندما خلق الناس متفاوتين في القدرات وفي الظروف والأحوال فتح لهم مجال العبادة بما قد يوسع على صاحب الظرف ويناسب ويلائم صاحب القدرة والطاقة وذلك عن طريق الأجندة العامة للسنة التي لم يكن النبي يقيدها بزمن ولا مكان ولا هيئة وكيفية ولا عدد
فسبح ما شئت واذكر ما شئت وصل ما شئت واقرأ القرآن ما شئت
فقد كان النبي ص يذكر الله على كل أحواله

فقط احذر أمرين :
أ ـ لا يكون ذلك على وجه منهي عنه كأن تصلي قبل غروب الشمس أو قبل طلوعها أو كأن تقرأ القرآن وأنت راكع أو وأنت ساجد أو تصوم في يوم عيد أو في أيام التشريق

ب ـ ولا تقرب في عبادتك جانب التشريع فعندما تنشط نفسك للتعبد فلا تستحسن وتُشرّع :
1ـ لاكيفيات 2ـ ولا أعدادا 3ـ ولا أزمنة 4ـ ولا أمكنة
لم يرد استحسانها في السنة .

ما أهنأ أن يعيش المسلم على السنة لا يخطو خطوة في عبادته إلا بها في صلاة أو صيام أو ذكر أو دعاء بعيدا عن كل رأي محدث
قال محمد بن مخلد العطار: سمعت إبراهيم الحربي يقول :
" لا أعلم عصابة خيرا من أصحاب الحديث ، إنما يغدو أحدهم ومعه محبرة ، فيقول : كيف فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وكيف صلى ، إياكم أن تجلسوا إلى أهل البدع ، فإن الرجل إذا أقبل ببدعة ليس يفلح ".

يقول العلامة ابن رجب :
" فالعلم النافع من هذه العلوم كلها ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها والتقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث. وفيما ورد عنهم من الكلام في مسائل الحلال والحرام. والزهد. والرقائق. والمعارف. وغير ذلك والاجتهاد على تمييز صحيحه من سقيمه أولا. ثم الاجتهاد على الوقوف في معانيه وتفهمه ثانياً. وفي ذلك كفاية لمن عقل. وشغل لمن بالعلم النافع عني واشتغل "

هذا وأسأل الله أن يجمع أهل الإسلام على الكتاب والسنة ، وعلى ما كان عليه المسلمون في الزمن الأول ، يوم أن كانوا أقرب للمنبع ، ويوم أن كانوا أبعد عن الانحراف ، وأنجح في نصر الاسلام ، وأقوى من أي وقت مر على المسلمين ، وأصدق في التزام تعاليم الإسلام
آمين يا رب العالمين



وكتبه الفقير إلى ربه محمد بن خليفة الرباح