﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ﴾ .
......
تمرُّ بلادُ الحرمينِ – خصوصاً – وبلادُ المسلمينَ - بصفةٍ عامة - بمرحلةً أحسبُ أنها من أخطرِ مراحلِ تاريخِها ..
مرحلةُ الصراعِ الحقيقيّ : بينَ الحقِّ والباطل ، والإيمانِ والنفاق ، والإصلاحِ والإفساد ..
فما بينَ هجومٍ على الثوابت ، وتهميشٍ لدورِ العلماءِ الناصحين ، وتنقيصٍ وازدراء للدعاةِ العاملين ، مروراً بجهودِ نشرِ الرفضٍ والتشيُّع ، ثمّ محاولاتُ التغريبِ والتفسُّخِ من القِيَمِ والأخلاق ، وغيرِ ذلك من أمورٍ لا تخفى .
إلا أنَّ هذا الدين – كانَ ولا زال – مِشعلَ خيرٍ لا يخبو ، وشمعةَ نورٍ لا تنطفئ ، مهما حاولَ من حاولَ أن ينالَ منه " يريدونَ ليُطفئوا نورَ اللهِ بأفواههم ويأبى اللهُ إلا أن يُتمَّ نورهُ ولو كرِهَ الكافرون " .
وكانَ أن تصدّى لهذهِ الطوامِّ والأمورِ العِظام ، علماءٌ محتسبون ، ودعاةٌ صادقونَ مخلِصون ، نحسبهم كذلكَ وحسيبهمُ الله ، قاموا بواجبِ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكرِ حقَّ قيام ، ممتثلينَ ما اِتخذهُ اللهُ على أهلِ العلمِ والميثاق ، أن يُبيِّنوا الحقَّ للناسِ ولا يكتمونه ، دونَ تنازلٍ أو خضوعٍ أو تمييع ، باعثينَ الأملَ وروحَ العملِ في قلوبِ أهلِ الإيمان ، مُحيينَ فريضةَ الجهادِ بالقلمِ واللسان والحجةِ والبرهان .
فكانَ أنِ اشتعلت جذوةُ الاحتسابِ في الأمةِ من جديد ، وعادَ إليها اِعتزازها بقِيَمها ، ودِفاعِ أفرادها عن مبادئها وثوابِتها ، بعدَ أن مرّت بمرحلةٍ قلّ أن تجدَ فيها من يصدعُ بمرِّ الحقِّ عندَ سلطانٍ جائر ، أو حاكمٍ ظالمٍ فاجر .
فأهلُ الاحتسابِ – والحمدُ لله – يقودونَ الآن سجالاً ثقافياً حامياً ، ومعركةً احتسابيةً ضارية ، من أعظمِ معاركِ الإسلامِ في هذا العصرِ ، وأشدِّها بأساً ، تجاهَ من انفسخَ عن أخلاقِ الإسلامِ ومبادئه ، وسِرسامَ من نالَ من أهلِ الإيمانِ وأعلامهم ، والغلَبةُ – بإذنِ اللهِ - للمؤمنينَ ، والعاقبةُ للمتقينَ ، ولا عدوانَ إلا على الظالمين .
بيْدَ أنّ القيامَ بواجبِ الاحتسابِ أمرٌ تشريفيّ ، اِختارَ اللهُ لهُ منِ اِختار ، ووفقّ وأعانَ من وفّق ، وحرَمَ من حرَم ..
فليسَ غريباً أن ترى من يجلدُ ظهورَ إخوانهِ المحتسبين ، وليسَ غريباً أن تسمعَ من يلوكُ أعراضهم ، وليسَ غريباً أن يُوصَموا بالتشدُّد والظلامية ، وليسَ غريباً حتى أن ترى من يتفرّجُ عليهم دونَ مساندةٍ أو شدِّ أزر .
إنهُ لا يُستغربُ كلُّ ذلكَ ممنِ اِنحطَّت أخلاقهم ، وانعدمت مروءاتهم .
لكنّ الغريب أن ترى تخاذُلَ بعضِ طلبةِ العلم ، وكسلِ بعضِ الدعاةِ إلى اللهِ تعالى من خوضِ غمارِ هذا الميدان ، والدفاعِ عن شريعةِ الله تعالى ، والاحتساب على المنكراتِ الحاصلة ، أيَّا كانَ نوعُ هذا الاحتساب " سياسياً – ثقافياً – اجتماعياً – دعوياً – إعلامياً " ، كلٌ بقدرِ ما يستطيع .
أخبروني - باللهِ عليكم – عن مئاتِ قضاةِ المحاكم ، ومئاتِ طلابِ الكليات الشرعية ، والمئات من حملةِ ( الدال ) ، والمئات من طلابِ العلمِ والدعاة ، والآلاف ممن يحملُ بينَ جوانبهِ الخيرَ والصلاح ؟!!
إنني أعتقد أننا في مرحلةٍ هيَ بحاجةٍ إلى تطبيعِ " فقهِ الاحتساب " وتثبيتهِ في قلوبِ طلابِ العلم والدعاة ، قبلَ عامةِ الناس .
أن ترى إنساناً عامياً لا يُبالي بما يجري حولهُ من منكرات ، ولا يستوعبُ هذهِ الهجمةِ الشرِسةِ على الخيرِ والصلاح ، ربما يكونُ ذلكَ عادياً ، مع أنهُ لا يُعذَرُ عندَ ربِّه ، لكن : أن ترى طالبَ علمٍ أو داعية يحفظُ ما شاءَ اللهُ لهُ أن يحفظَ من أدلةِ وجوبِ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكَر ، ويسردُ لكَ ما شاءَ اللهُ أن يسردَ من مواقفِ السلفِ والخلفِ في الاحتسابِ والصدعِ بالحق ، ثم يجلسُ في بيتهِ ، يأكلُ ويشرب ، ويلهو ويلعب ، غاضَّاً طرفهُ عما يجري في المجتمع ، فهذا واللهِ الغبنُ والخذلانُ العظيم ..
يا معاشرَ العلماء .. ويا معاشرَ طلابِ العلم .. ويا أيها الدعاة ..
إنّ الهجمةَ الحاصلة هجمةٌ تستهدفُ الجميع ، تستهدفُ الدين ، والعلماءَ ، وولاةَ الأمرِ ، والعقيدةَ ، والأفكار ، فاتّقوا الله تعالى ، وأدّوا زكاةَ العلمِ الذي تحملونه ، وقوموا بواجبِ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر ، والدفاعِ عن حِمى هذا الدينِ وحِفظِ بيضَته ، فإن فعلتم : نجوْتم – بإذنِ الله – ونجا الجميع ، وإلا : فمسخٌ وخسفٌ وزلزلةٌ وتدمير ، واللهُ المستعانُ ربُّ العالمين .. رحماكَ اللهمّ ..
يقول النبي صلى الله عليهِ وسلم : (( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أمسكوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا )) رواه البخاري .
والذي نفسي بيده : لن يُعذرَ أحدٌ عندَ اللهِ بهذا السكوت .
أبو معاذ ..
24/6/1430 هـ