الحمد لله رب العالمين والصلاة على النبي الأمين صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً فهذا تخريجٌ متواضع لحديث أخرجه الإمام أبو داود في سننه (ب: في طَعَامِ الْمُتَبَارِيَي ْنِ، ح:3754)
قال رحمه الله: حدثنا هَارُونُ بن زَيْدِ بن أبي الزَّرْقَاءِ، ثنا أبي، ثنا جَرِيرُ بن حَازِمٍ، عن الزُّبَيْرِ بن خريت، قال: سمعت عِكْرِمَةَ يقول: كان ابن عَبَّاسٍ يقول: ((إِنَّ النبي نهى عن طَعَامِ الْمُتَبَارِيَي ْنِ أَنْ يُؤْكَلَ)).
قال أبو دَاوُد: أَكْثَرُ من رَوَاهُ عن جَرِيرٍ لا يَذْكُرُ فيه ابن عَبَّاسٍ. وَهَارُونُ النَّحْوِيُّ ذَكَرَ فيه ابن عَبَّاسٍ أَيْضًا. وَحَمَّادُ بن زَيْدٍ لم يذكر ابن عَبَّاسٍ.
تخريجه:
أخرجه البيهقي في ((الكبرى)) 7/274 من طريق أبي داود به.
وتابع زيد بن أبي الزرقاء جماعة، منهم:
1. هارون النحوي.
2. عبد الله بن المبارك.
3. عباد بن عباد المهلبي.
4. عبد الله بن عبد الله الأموي.
فمتابعة هارون: أخرجها الطبراني في الكبير11/269/(11942وَ11943) - ومن طريقه الضياء في ((المختارة)) 11/384/(401). والحاكم في ((مستدركه)) 4/129 وقال: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه))، وتبعه على تصحيحه الذهبي في ((التلخيص)) 4/129. وهارون: هو ابن موسى الأعور النحوي، ثقة، كما قاله ابن حجر في ((التقريب)) 661/(7246). وإسناد الحديث صحيح إلى المتابع.
ومتابعة ابن المبارك: أخرجها ابن عدي في الكامل2/509وَ551، والبيهقي في ((الشعب)) 5/129/(6067) كلاهما من طريق بقية بن الوليد، عنه. والإسناد كذلك إليه صحيح.
ومتابعة عباد المهلبي: فقد أخرجها أبو الفتح الأزدي في كتابه((من وافق اسمه اسم أبيه)) ص21. وعباد: هو ابن عباد بن المهلب، وهو ثقة، ربما وهم، قاله ابن حجر في التقريب345/(3132)، والإسناد إليه صحيح.
ومتابعة عبد الله الأموي: أخرجها من طريقه أبو نعيم في ((أخبار أصبهان)). والأموي: متكلم فيه. انظر الضعفاء للعقيلي2/669/(832)، والثقات8/336، والتقريب367/(3419).
إلا أنه خالفهم عدد من الرواة فرووه عن جرير بن حازم، عن الزبير، عن عكرمة مرسلاً، وأشار أبو داود لرواية الإرسال بأنها رواية الأكثر عن جرير. ومنهم:
1. حماد بن زيد: وتقدمت أشارة أبي داود إليها، لكن لم أعثر عليها.
2. علي بن الجعد: أخرجها في مسنده 2/1112/(3257) .
وهذا الاختلاف -في الوجهين وصلاً وإرسالاً- رواته ثقات، وكأن الحمل فيه على جرير بن حازم -والعلم عند الله- مع جلالته وإمامته، ومما يجعل القول بهذا متوجه: سياق ابن عدي لهذا الحديث في الكامل.....في ترجمة جرير بن حازم، وبقية بن الوليد، مما هو مُشْعرٌ بأن ورود الخطأ أنما هو من أحدهما، والاختلاف إنما هو على جرير فحمله عليه أولى من حمله على بقية. إلا أنه مع ذلك قد جاءت متابعات تعضد رواية الوصل بذكر ابن عباس فيه:
الأولى: متابعة أبو الزبير( ) للزبير بن الخريت، أخرجها أبو الشيخ الأصبهاني في ((الجزء فيه أحاديث أبي الزبير عن غير جابر)) 59/(50)، من طريق إسماعيل بن عياش، عن زمعة بن صالح، عنه. وإسماعيل: متكلم في روايته عن غير الشاميين ( ). وزمعة: ضعيف الحديث( ).
الثانية: متابعة أيوب السختياني للزبير بن الخريت( )، أخرجها ابن عدي في ((الكامل)) 5/1874، والخطيب في ((تاريخ بغداد)) 3/240/(1323) من طريق عاصم بن هلال، عنه ولفظه: نهى النبي عن طعام المتباريين. وعاصم بن هلال البارقي، إمام مسجد أيوب، فيه لين( ).
الثالثة: متابعة مجاهد بن جبر لعكرمة، أخرجها البخاري في ((التاريخ الكبير)) 4/7، والعقيلي في ((الضعفاء)) 2/488 من طريق سليمان بن الحجاج الطائفي، عن ليث، عنه. ولفظه عند البخاري: نهى النبي عن المباهاة وطعام المتباريين. وقال عقبه: لا يتابع عليه. وقال العقيلي في ترجمة سليمان بن الحجاج: الغالب على حديثه الوهم.
دراسة إسناد الحديث:
1. هَارُونُ بن زَيْدِ بن أبي الزَّرْقَاءِ:
هو هارون بن زيد أبي الزرقاء، أبو موسى الموصلي، نزيل الرَّمْلة، روى عن: أبيه، وضمرة بن ربيعة وغيرهما. وعنه: أبو داود، والنسائي وغيرهما.
قال أبو حاتم: صدوق. وقال النسائي: لا بأس به. ووثقه: مسلمة بن قاسم، والذهبي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر: صدوق.
ولم يذكر فيه جرح، وليس هو في كتب الضعفاء، وسبق توثيق بعض الأئمة له، فلا تنزل مرتبة من هذه حالته عن الصدوق –والعلم عند الله.
• هارون بن زيد: صدوق.
مات بعد سنة 250هـ، روى له أبو داود، والنسائي.
مراجع ترجمته: الثقات 9/240، تهذيب الكمال 7/375/(7106)، الكاشف 2/329، تهذيب التهذيب 11/6، التقريب 660/(7226).
2. زَيْدِ بن أبي الزَّرْقَاءِ:
هو زيد بن أبي الزرقاء - واسم أبي الزرقاء: يزيد التغلبي - الموصلي، أبو محمد نزيل الرملة، روى عن: جرير بن حازم، والأوزاعي وغيرهما. وعنه: ابنه هارون، وبشر الحافي.
• ثقة.
مات سنة 194هـ، أخرج له أبو داود، والنسائي.
مراجع ترجمته: الثقات 8/250، تاريخ أسماء الثقات 91/(390)، تهذيب الكمال 3/78/(2093)، الكاشف 1/417، التهذيب 3/413، التقريب 267/(2138).
3. جَرِيرُ بن حَازِمٍ:
هو جرير بن حازم بن زيد بن عبد الله بن شجاع الأزدي، ثم العتكي، وقيل: الجهضمي، أبو النضر البصري، والد وهب. روى عن: الزبير بن الخرِّيت، وقتادة بن دعامة وغيرهما، وعنه: زيد بن أبي الزرقاء، وابنه وهب بن جرير وغيرهما.
قال: أبو عبيدة معمر بن المثنى: كان من عِلْيَة المحدثين حفظاً وعلماً وذكاءً. وقال شعبة: مارأيت بالبصرة أحفظ من رجلين هشام الدستوائي، وجرير بن حازم. وثقه: ابن سعد، وابن معين، ويحيى القطان، وأحمد بن صالح، والعجلي، والبزار، والساجي، والداقطني، وابن القطان الفاسي. وقال أبو حاتم: صدوق صالح. وقال النسائي: ليس به بأس. وقال الساجي مرة: صدوق، حدّث بأحاديث وهم فيها وهي مقلوبة. وذكره في الثقات: ابن شاهين، وابن خلفون، وابن حبان. وزاد: وكان يخطئ؛ لأن أكثر ما كان يحدث من حفظه.
وقال ابن مهدي: اختلط، وكان له أولاد أصحاب حديث، فلما أحسّوا ذلك منه حجبوه، فلم يسمع أحد منه في حال اختلاطه شيئاً. وقال أيضاً: يضعف في حديثه عن قتادة. وقال يحيى القطان: يهم في الشيء، وذكر له حديثاً أوقفه ثم وهم فرفعه. وسأل عبد الله بن أحمد، ابن معين عنه فقال: ليس به بأس، فقلت: إنه يحدث عن قتادة عن أنس أحاديث مناكير. فقال: ليس بشيء، هو عن قتادة ضعيف. وقال أحمد: كثير الغلط. وقال مرةً: حدّث بالوهم بمصر، ولم يكن يحفظ. وقال ثالثةً: كان حديثه عن قتادة غير حديث الناس، كان يوقف أشياء، ويسند أشياء.ثم أثنى عليه. وقال ابن عدي: مستقيم الحديث، صالح فيه، إلاّ روايته عن قتادة، فإنه يروي عن قتادة أشياء لا يرويها غيره. وقال الأزدي: صدوق، خرج عنه بمصر أحاديث مقلوبة، ولم يكن بالحافظ، حمل رشدين وغيره عنه مناكير. ووصفه الحمّاني بالتدليس.
وقال الذهبي: ثقة. وقال ابن حجر: ثقة لكن في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدّث من حفظه.
وبالجملة فكلام أكثر الأئمة فيه على التوثيق، ويمكن حصر الأمور التي بسببها تُكلّم فيه، وهي:
1. ما وقع له من أوهام، خاصة تحديثه في مصر، إذ حدّث بروايات مقلوبة.
2. تضعيف ابن معين له في حديثه عن قتادة، ونسبة الوهم له فيها من أحمد.
3. اختلاطه في آخر عمره.
4. وصفه بالتدليس.
أما وقوعه في الوهم، فهذا لا يسلم منه كبير أحد، ولم يكثر كما قال يحيى القطان: ((يهم في الشيء))، وهو قليل في جنب مروياته، وسعة حفظه، وهذا وهم مغتفر لا ينزله عن رتبة الثقة، كما قال الذهبي: ((اغتفرت أوهامه في سعة ما روى)).
وأما الحكم بالضعف والوهم من ابن مهدي، وابن معين، وأحمد في حديثه عن قتادة، فهذا الحكم نسبي، وهو إشارة إلى أن جريراً ليس من حفاظ أصحاب قتادة المختصين به.
وأما اختلاطه في آخر عمره كما حكاه بعض الأئمة كابن سعد، وأبو حاتم، فهذا لا يؤثر؛ لِمَا نقله ابن مهدي في حجب أولاده له لمّا اختلط.
وأما وصفه بالتدليس فهذا نادر منه بدليل ذكر ابن حجر له في المرتبة الأولى من المدلسين، وهم من لم يوصف بالتدليس إلا نادراً.
الخلاصة في جرير بن حازم أنه:
• ثقة، وفي حديثه عن قتادة ضعف.
مات سنة 170هـ، أخرج له الجماعة.
مراجع ترجمته: معرفة الثقات 1/267، الثقات 6/144، تاريخ أسماء الثقات 56/(172)، شرح العلل 2/509وَ624، تهذيب الكمال 1/443، السير 7/98-103، إكمال تهذيب التهذيب 3/180/(955)، الكاشف 1/291، التهذيب 2/69، التقريب 171/(911)، هدي الساري 394، تعريف أهل التقديس 78/(7)، الثقات الذين ضعفوا في بعض شيوخهم (ص200).
4. الزُّبَيْرِ بن الخرِّيْت:
هو الزبير بن الخرِّيْت - بكسر المعجمة وتشديد الراء المكسورة بعدها تحتانية ساكنة ثم فوقانية – البصري. روى عن: عكرمة مولى ابن عباس، ومحمد بن سيرين وغيرهما. وعنه: جرير بن حازم، وحماد بن زيد وغيرهما.
• ثقة.
أخرج له الجماعة سوى النسائي.
مراجع ترجمته: الجرح والتعديل3/581، تهذيب الكمال3/13/(1946)، الكاشف1/401، إكمال تهذيب الكمال5/42، التقريب256/(1993).
5. عِكْرِمَةَ:
هو أبو عبد الله، مولى ابن عباس، وأصله بربري. روى عن: ابن عباس، وأبي هريرة وغيرهما. وعنه: الزبير بن الخريت، وأيوب السختياني وغيرهما.
قال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي: ((أجمع عامة أهل العلم على الاحتجاج بحديث عكرمة، واتفق على ذلك رؤساء أهل العلم بالحديث من أهل عصرنا، منهم: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، ويحيى بن معين)). وقال أيوب السختياني: ((لو لم يكن عندي ثقة لم أكتب عنه)). وثّقه: ابن معين، والعجلي، وأبو حاتم، والنسائي. وقال ابن معين: ((إذا رأيت إنساناً يقع في عكرمة فاتهمه على الإسلام)). وقال ابن راهويه: ((عكرمة عندنا إمام أهل السنة)). وقال البخاري: ((ليس أحد من أصحابنا إلا احتج بعكرمة)). وقال ابن عدي في ترجمته: ((ولم أخرج ها هنا من حديثه شيئاً؛ لأن الثقات إذا رووا عنه، فهو مستقيم الحديث، إلا أن يروي عنه ضعيفٌ، فيكون قد أتى من قبل الضعيف لا من قبله، ولم يمتنع الأئمة من الرواية عنه، وأصحاب الصحاح أدخلوا أحاديثه، إذا روى عنه ثقة في صحاحهم، وهو أشهر من أن أحتاج أن أُخَرّج له شيئاً من حديثه، وهو لا بأس به. وقال ابن مندة: ))أما حال عكرمة في نفسه، فقد عدله أمة من التابعين، منهم زيادة على سبعين رجلاً من خيار التابعين وفعائهم، وهذه منزلة لا تكاد توجد منهم لكبير أحد من التابعين، على أن من جرحه من الأئمة لم يمسك عن الرواية عنه، ولم يستغن عن حديثه، وكان حديثه متلقى بالقبول قرناً بعد قرن إلى زمن الأئمة الذين أخرجوا الصحيح، على أن مسلماً كان أسوأهم رأياً فيه((. وقد صنّف بعض الأئمة في الذب عن عكرمة: كابن جرير الطبري، ومحمد بن نصر المروزي، وابن منده، وابن حبان، وابن عبد البر، كما ذكره ابن حجر في هدي الساري في كلام طويل متين عن عكرمة.
وفي المقابل فقد تكلم فيه بعض الأئمة، وحاصل ما قيل فيه أمور:
1. رميه بالكذب.
2. نسبته لرأي الخوارج.
3. قبوله لجوائز الأمراء.
أما رميه بالكذب فيما نسب إلى ابن عمر، وسعيد بن المسيب، وعلي بن عبد الله بن عباس، وغيرهم.
فجوابه: أن هذا لم يثبت رواية عن أكثرهم، ثم إن ثبت هذا التكذيب فهو تكذيب نسبي في مسألة بعينها، أنكرت على عكرمة، وهذا الكذب إنما هو بمعنى الخطأ كما هو في لغة الحجازيين.
ومما يؤكد عدم ثبوته قول ابن عباس: ((ما حدثكم عكرمة عني من شيء فصدقوه؛ فإنه لم يكذب علي)) كما نقل معناه الدوري في تاريخه2/413/(1217).
أما نسبته إلى رأي الخوارج:
فجوابه: أنه لم يثبت هذا، بل برأه منه أئمة: كأحمد، والعقيلي، وغيرهم، ثم إن سلمنا بهذا فإنه لم يكن داعية إليه فبذلك لا تؤثر في روايته، ((ولو كان كل من ادعي عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما أدعي به، وسقطت عدالته، وبطلت شهادته بذلك، للزم ترك أكثر محدثي الأمصار؛ لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه)) كما قاله ابن جرير.
أما قبوله جوائز الأمراء:
فجوابه: أن هذا لا يمنع من قبول روايته، فالجمهور على جواز قبول الجوائز، خلافاً لمن شدّد من أهل الحديث. ثم لو كان مانعاً من قبول روايته لردت رواية غيره ممن كان أشهر من عكرمة في قبول جوائز الأمراء، كالزهري الذي لم يترك أحد الرواية عنه بسبب ذلك.
الخلاصة في عكرمة أنه:
• ثقة ثبت، عالم بالتفسير.
مات سنة 170هـ، وأخرج له الجماعة.
مراجع ترجمته: معرفة الثقات2/145، الثقات5/229، الكامل5/1905، تهذيب الكمال5/209، الكاشف2/33، التهذيب7/263، التقريب463/(4673)، هدي الساري(ص425).
الحكم على الحديث بهذا الإسناد:
• حسن؛ لوجود صدوق في إسناده.
وقد جوّد إسناد هذا الحديث ابن مفلح في الآداب الشرعية:1/222.
والحديث له شواهد يرتقي بها حديث ابن عباس إلى أن يكون صحيحاً لغيره، وهي:
الأول: حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((المتباريان لا يجابان ولا يؤكل طعامهما)). أخرجه ابن السماك في جزء من ((حديثه)) (ق64/1) كما في السلسلة الصحيحة 2/202/(626)، وأحمد بن علي المعروف بابن لال في ((مكارم الأخلاق)) كما في حاشية الفردوس ((زهر الفردوس)) لابن حجر4/201، والبيهقي في ((الشعب)) 5/129. وأورده الديلمي في ((فردوس الأخبار)) 4/482/(6896). جميعهم من طريق سعيد بن عثمان الأهوازي، عن معاذ بن أسد، عن علي بن الحسن الضرير، عن أبي حمزة السكري، عن أبي صالح، عن أبي هريرة به. ووقع عند ابن السماك: ))المترائيان...ال ديث((. ورجال الحديث ثقات، من رجال البخاري، غير الأهوازي، وثّقه الخطيب في التاريخ9/97/(4684)، وقال الدارقطني: صدوق( ).
والحديث قال عنه الألباني: صحيح الإسناد.
الثاني: حديث ابن عباس : ((نهى رسول الله عن معاقرة الأعراب( ))). والحديث أخرجه أبو داود (ك الأضاحي،ب ما جاء في معاقرة الأعراب،ح2820)، ومن طريقه البيهقي في ((الكبرى)) 9/313. وأبو نُعيم في ((تاريخ أصبهان)) 2/210/(1483) عن هارون بن عبد الله، عن حماد بن مسعدة، عن عوف، عن أبي ريحانة، عن ابن عباس به. وبزيادة في آخره عند أبي نعيم. قال أبو داود: ))اسم أبي ريحانة عبد الله بن مطر. وغندر أوقفه على ابن عباس((. و والحديث رجاله ثقات رجال مسلم، إلا أبا ريحانة، فإنه: صدوق، تغير بآخره، قاله ابن حجر في التقريب382/(3623). فيكون الحديث بهذا الإسناد ضعيفاً لأمرين:
1. الاختلاط في أبي ريحانة، والراوي عنه لا يعلم تاريخ سماعه، هل أخذ منه قبل الاختلاط أو بعده، فلا يحتج بهذه الحديث.
2. ما أشار إليه أبو داود من الاختلاف على عوف بقوله: ((غندر أوقفه على ابن عباس))، مما يقوي ضعفه.
ورواية غندر (وهو محمد بن جعفر): أخرجها إبراهيم الحربي في ((غريب الحديث)) 3/992 عن أبي بكر بن الأسود، عنه. بلفظ: ((كان ابن عباس يقول: لا تأكلوا مِنْ تَعَاقُرِ الأعراب)). وقد تابع غندر معاذ العنبري، وأصحاب وكيع كالآتي:
أ*- فمتابعة معاذ العنبري، أخرجها ابن قتيبة تعليقاً في غريب الحديث2/358 فقال: يرويه معاذ، عن عوف، أبي ريحانة، عن ابن عباس قال: ))لاتأكلوا من تعاقر الأعراب، فإني لا آمن أن يكون مما أُهِل به لغير الله((.
ب*- ومتابعة أصحاب وكيع، أخرجها أبو بكر بن أبي شيبة في ((تفسيره)) (كما في اقتضاء الصراط المستقيم2/66) عن وكيع، عن أصحابه، عن عوف الأعرابي، عن أبي ريحانة قال: سئل ابن عباس، عن معاقرة الأعراب بينها، فقال: ((إني أخاف أن تكون مما أهل لغير الله به)).
وحاصل هذا الاختلاف أن الصحيح وقفه على ابن عباس، ولعل الحمل فيه على حماد بن مسعدة، فإنه لم يرو مرفوعاً إلا من طريقه. قال ابن أبي حاتم كما في العلل1539/(2271): وسُئِلَ أبي عن حديث رواه حماد بن مسعدة، عن ابن عون -أو عوف- عن أبي ريحانة، عن ابن عباس، عن النبي ؛ أنه نهى عن تعاقر الأعراب؟ قال أبي: هذا –مرفوع( )- باطلٌ؛ إنما هو: عن ابن عباس، قولَهُ.
الثالث أثر الجارود: قال: أتى رجل من بني رياح( ) -يقال له ابن وثيل- الفرزدقَ بماءٍ بظهر الكوفة، على أن يعقر هذا مائة من الإبل، وهذا مائةً من الإبل إذا وردت الماء، فلما وردت قاما إليها بالسيوف يكتسعان عراقيبها، فخرج الناس على الحمرات والبغال يريدون اللحم، وعلي بالكوفة، فخرج على بغلة رسول الله البيضاء وهو ينادي: ((أيها الناس لا تأكلوا من لحومها فإنها أهل بها لغير الله)) . أخرجه مسدد في مسنده (كما في المطالب العالية10/621/ح2356)، ودُحَيْم –أبو إسحاق إبراهيم بن عبدالرحمن- في ((تفسيره)) –كما في اقتضاء الصراط المستقيم2/66- من طريق سعيد بن منصور. وأبو إسحاق إبراهيم الحربي في ))غريب الحديث3/998 مختصراً، عن عمران بن ميسرة. وابن أبي حاتم في ((تفسيره)) –كما في تفسير ابن كثير3/17- من طريق أحمد بن يونس. أربعتهم(مسدد، وسعيد، وعمران، وابن يونس) عن ربعي بن عبد الله بن الجارود، قال: سمعت الجارود قال: ...الأثر. وهذا لفظ مسدد.
وربعي، والجارود: صدوقان( ) وعليه فهذا الأثر حسن؛ لحالهما، ولما تقدم من شواهد. قال ابن كثير: ((هذا أثر غريب، ويشهد له بالصحة ما رواه أبو داود..)) وساق حديث الباب.
غريب الحديث:
قوله: ((المُتبَارِيَيْ ن)): قال ابن الأثير في النهاية 1/313: هما المُتعَارِضَان بِفِعْلِهما ليُعْجِز أحدهما الآخر بصَنِيعه . وإنما كَرِهه لما فيه من المباهاة والرِّياء.
ومنه شعر حسان:
يُبَارِينَ الأعِنَّة مُصْعِداتٍ ... على أكْتَافها الأَسَلُ الظِّمَاءُ
المُباراة: المجاراةُ والمُسَابَقَة أي: يُعارِضُها في الجذب لقُوّة نفُوسها أو قُوّة رؤوسها وعَلْكِ حدائدِها. ويَجُوز أن يريد مشابَهتها لها في اللَّين وسرعة الانْقِياد.