سياقه السيارة في بلدي أمر عادي طبيعي لمرآة مثلي ...
وطرقاتنا أصبحت أكثر نعومة ولطفا ...وصار رجال الدرك والشرطة أكثر حماسا لعملهم في نقاط المراقبة ..فقد تمر به جميلة تقود سيارة فارهة تنسى وضع حزامها وشكرا لذاكرتها فستمنحه – هو – حق الترويح عن نفسه ولو للحظات ستحك شعرها وتحمحم وتقول له بفرنسية مقعرة
- انا آسفة خرجت متأخرة عن العمل .وابني عند المربية ..
- لا يبدو عليك انك أم تبدين جميلة ويافعة ..
- ليت زوجي يدرك ذلك
تضحك ينسى الأمر وتنصرف ...إنها سيدة متحضرة وامرأة من زمن العولمة
أن تسوقي سيارة في الجزائر فهذا أمر عادي في الحواضر الكبرى وهران . عنابة تلمسان العاصمة أو مدينة الجسور قسنطينة ,,,,
ولكن غير العادي ان تشقي بسيارتك غبار الطرقات القذرة ..وتنزعي من الطريق حقا واحدا وهو غض البصر ..فالمقود حين تنتزع منه ذكورته في الأرياف أو الصحاري يصبح عدوا لصاحبته ..
هو لا يريدها في هذه المدينة المحافظة الحارة أن تثير انتباه أحد ..أو أن يشار إليها ببنان ..لقد عاش في هذه المدينة عقدا ونيف يعرف زفرات المدينة ووشاية حبات الرمل ولون الليل المطرز بالنميمة والفضول ..وهم قوم غرب رأس مالهم سمعتهم ..وهو رجل تجله المدينة وتكبره ..
- إننا عابرون أخيتي وهذه المدينة لن تكون إلا جزءا من ذاكرتنا ...
يخاف عليها من صمتها ويخشى طموحها ..ويعرف انها في الأخير تحتكم إلى باريها فيريحه ضميرها الموصول ..
- قلت لك انتظريني ولا تأتي معها ...
- هل هي امراة سيئة ..أم ذنبها أنها تسوق سيارة
- ليست سيئة وليس العيب أن تسوق سيارة ..ولكنها شابة تعيش لوحدها في مدينة كهذه وتملك سيارة وألسنة الناس لا ترحم ..
- لكني ..وهي أستاذة بالجامعة ..و,,
- لا تعاودي الكرة ...قلت انتظريني ...يا خي شوية صبر
- ولكني أفكر في اقتناء سيارة ..إلى متى وأنت كسواق الهانم على رأي المصريين
- هل تذمرت ؟؟هل اشتكيت ؟؟؟
تدور في رأسها الملغوم أفكار شتى بعضها يهدد صلة رحمها وبعضها يهدد طموحها وبعض أفكارها لا تحدد هويتها ..
جاءه سفر مفاجئ إلى مسقط رأسه ...وكان لا بد أن يسافر ,,هي ستبقى لوحدها حقا سيأتي أصغر إخوتها للمبيت معها ..يقطع كل يوم 200 كم ليرافق الليدي ريثما يعود حامي الديار ..
- كل ما يلزمك لأربعة أيام في الثلاجة ...حتى الخبز ..لا تفتحي الباب على أحد..وتعالي من العمل بتاكسي وهاهو رقم تاكسي اكتبيه عندك ..
وترك قرب الهاتف حزمة أرقام هذا للجار ..وهذا لفلان ..وهذا رقم الشرطة ..
بقيت جملة واحدة في ذهنها من جملة ماسمعت : تعالي بتاكسي ...
ذهبت صباحا للعمل بتاكسي طبعا ..لكنها لاتريد الرجوع بتاكسي ..فسحة حرية او عناد هي لا تدري ..
ركبت معها السيارة ..طلبت من صديقتها أن تغلق مشغل الموسيقى ولاطفتها – أعرف أني نزلت بقوم فيجب ان احلب في إنائهم ..لكن أحس أن مناظير المدينة كلها موجهة نحونا لمجرد أننا سيدتين نستقل سيارة بمفردنا .فما بالك والموسيقى ترتفع وتكسر الزجاج لتتحدى الآذان في الأخير صارت الموسيقى في سيارتك أنثى كالمقود ...
- لا عزيزتي .-.وبعثرت ضحكة عالية في صالة سيارتها الفخمة – لأنني لو وضعت العفاسي بدل كلود بارزوتي لما نبست ببنت شفة ...
وضحكنا معا ..ومشينا ومشت تلك السيارة الحبلى أنوثة ..والطريق حفر
في مدينة جل مركباتها توارق وتيوتات ..
سارتا معا والطريق حفر ..وقبلهما رجل بسيارة حبلى خشونة وحديدا وفضولا يجعل عيونه تفر من رأسه وتسكن في الزجاج الجانبي ..تراجع الرجل هربا من حفر ...ليقبل بحديده مقدمة السيارة ويرديها ثقوبا وحفر ...
صرختا ..ونزلتا ومشتا وكان انف السيارة قد نزف ...
قلت لك تعالي في تاكسي ... ولكنه ماقال لها المدينة كلها حفر وتوزع الحفر
وما قال لها حين تسوقين ياامرأة سيارة احذري ان تنسي حمل حزمة ارقام تنفعك وقت الحفر ...
هي إذن الحادثة فكرتها التي لم تكن لها هوية ..
ماذا تقول له : كنت على موعد مع الحفر فلا تغضب أخي من لهيب حرية اصطليت بها في مدينة ردتني إلى حضنك .
.لن اسوق فأنا جبانة وأخاف أن تغازل مركبة مركبتي فهي أنثى رغم المحرك والطريق والحفر.. ورغم العولمة وكلود برزوتي والفرنسية المقعرة في بلدي ..