*المبحث الثاني: فرق النصارى وفيه مطلبان:-
المطلب الأول: فرق النصارى القديمة:-
النصارى من الديانات التي أخبرنا صلى الله عليه وسلم في إختلافهاوإفتراق هاقال صلى الله عليه وسلم:( إن اليهود افترقت على إحدى وسبعين فرقة أو اثنتين وسبعين فرقة والنصارى على مثل ذلك وتتفرق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة).
[68]إلا أنها من أشدها إفتراق وأختلاف وإفتراء على الله تعالى, ومن أجل مااختلفت فيه توحيد الله تعالى الذي هو أساس الخلق {وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}
[69],فماأن دخل بولس اليهودي دين النصارى, حتى إنتشر الشرك والبدع والخرافات في دينهم, واضطهد أصحاب التوحيد بتأييد من السلطان في كثير من المجاميع كما سبق ذكره.
والناظر لفرق النصارى بعد تلك المجاميع, يجدها إتفقت في الشرك بالله, وتأليه عيسى عليه السلام ,والقول بالتثليث,لكنهم مختلفون في ماهية ذلك, وسنذكر في هذا المطلب أكبر وأشهر فرقهم القديمة وأتباعها وماذهبت إليه من إعتقاد:
1- فرقة الملكانية:
أصحاب ملكا الذي ظهربأرض الروم, واستولى عليها,
[70]وهي أكبر الفرق, ومذهب جميع ملوك النصارى,وعامة أهل كل مملكة للنصارى,عدا الحبشة والنوبة,ومذهب جميع نصارى أفريقيا وصقلية والأندلس وجمهور الشام.
[71]
عقائدها:
- أن الله-تعالى عن كفرهم- عبارة عن ثلاث أسباب(إبن,أب,روح القدس)كلهالم تزل,وأن عيسى عليه السلام إله تام كله وإنسان تام كله ليس لأحدهما دون الآخر,وأن الإنسان منه هو الذي صلب وقتل,وأن الإله منه لم ينله ذلك,وإن مريم هي التي ولدت الإله والإنسان,وأنهما معاً شئ واحد
[72]- تعالى الله عن كفرهم علواً كبيرا.
- كما قالوا أن الكلمة اتحدت بجسده, وتدرعت بناسوته, ويعنون بالكلمة أقنوم العلم ويعنون بروح القدس أقنوم الحياة, ولايسمون العلم قبل تدرعه ابنا بل المسيح مع ماتدرع به ابن, فقال بعضهم:أن الكلمة مازجت المسيح كما يمازج الخمر أو الماء اللبن.
- وصرحت الملكانية أن الجوهر غير الأقانيم وذلك كالموصوف والصفة,وعن هذا صرحوا بإثبات التثليث.
[73]
2- فرقة النسطورية:
أصحاب نسطور الحكيم الذي ظهر في زمن المأمون, وتصرف في الأناجيل بحكم رأيه.
[74]وهم غالباً مايكونون في الموصل والعراق وفارس وخراسان.
[75]
عقائدهم:
- قالوا: إن الله-تعالى عن كفرهم- واحد ذو أقانيم ثلاثة(الوجود,وال علم,والحياة) وهذه الأقانيم ليست زائدة على الذات ولاهي صور, واتحدت الكلمه بجسد عيسى عليه السلام لاعلى طريق الإمتزاج كماقالت الملكانية, ولاعلى طريق الظهور كماقالت اليعقوبية, ولكن كإشراق الشمس في كوة على بلورة
[76]وكظهور النقش في الشمع.
- ومنهم من أطلق القول بإن كل واحد من الأقانيم الثلاثة حي ناطق إله وزعم الباقون أن أسم الإله لايطلق على كل واحد من الأقانيم, وزعموا أن الأبن لم يزل متولدا من الإب وإنما تجسد واتحد بجسد المسيح حين ولد, والحدوث راجع إلى الجسد والناسوت فهو إله تام وإنسان تام, ولم يبطل الإتحاد قدم القديم ولاحدوث المحدث, لكنهما صارا مسيحيا واحد طبيعة واحدة.
- أما قولهم في القتل والصلب فيخالف قول الملكانية واليعقوبية, قالوا: ان القتل وقع على المسيح من جهة ناسوته لامن جهة لاهوته لأن الإله لاتحله الآلام.
[77]
وذكر ابن حزم-رحمه الله- أنه لافرق بين الملكانية والنسطورية في القول بالقتل والصلب إلاأنهم قالوا أن مريم ولدت
الإنسان ولم تلد الإله, وإنما ولده الإله
[78]-تعالى الله عن كفرهم.
وكلاهما من المعلوم بطلان وفساد قولهم, وتناقضه فلا عجب, إختلاف النقل عنهما.
3- فرقة اليعقوبية:
ينسبون إلى يعقوب البذعاني,كان راهب في القسطنطينية.
[79]
عقائدهم:
- قالوا بالأقانيم الثلاثة, إلا أنهم قالوا انقلبت الكلمة لحماً ودما فصار الإله هو المسيح, وهو الظاهر بجسده بل هو هو هو.
[80]
- وقالوا أنه مات وصلب وقتل, وأن العالم بقي ثلاثة أيام بلامدبر, ثم قام ورجع كما كان وأن الله تعالى عاد محدثاً وأن المحدث عاد قديما!!
- كما قالوا-تعالى الله عن كفرهم- أن الله كان في بطن مريم محمولاً.
[81]
المطلب الثاني:- فرق النصارى الحديثة:
كماهو معلوم أن الديانة النصرانية تمتاز بكثرة الفرق والطوائف, بالنسبة لتاريخ سائر الأديان في العالم, إذ قيل: أن أمريكا وحدها توجد فيها أكثر من مائتين وخمسين فرقة مسيحية, ونشر في دراسة من أن أفريقيا توجد فيها أكثرمن ألف وأربعمائة طائفة.
ومن أشهر الفرق الحديثة, والتي انبثقت منها سائر الفرق الأخرى هي:
1-فرقة الكاثوليك:
أصلها من كلمة <katholkos> اليونانية بمعنى العام أو العالمي, أي أن الكاثولوكية هي الديانة المسيحية العالمية.
وينسب إلى هذه الفرقة عامة المسيحين في الغرب؛ لذا تسمى كنيتها الكنيسة الغربية أو اللاتينية.
نبذة موجزة عنها:
- تتبع النظام البابوي, والبابا
[82] هو المشرع بعد عيسى عليه السلام, وجميع بابوات روما خلفاؤه, والبابا في نظر الكاثوليكيين معصوم لايصدر عنه الخطأ, فإرادته إرادة إلاهية يجب اتباعها بدون مناقشة وجدل.
- ويعتبر البابا نفسه التلميذ الأكبر للمسيح في الأرض, وكأن المسيح بعد رفعه جعله في مقامه لتوضيح وتفسير العقيدة والشريعة, وهو في نظر المسيحيين معصوم لايصدر عنه الخطأ.ورئيس هذه الكنيسة في الوقت الحاضر هو رئيس دولة الفاتيكان.
- ومن أهم أعمال البابا: إصدار صكوك الغفران من الذنوب, مامضى منها وماهوآت, دون الحاجة إلى توبة,أو رد المظالم إلى أهلها.
أهم عقائدها وماتتميز به:
1- تؤمن بأن روح القدس نشأ من الله الأب والابن معاً.
2- تعتقد هذه الكنيسة بالمساواة الكاملة بين الإله الأب والإله الإبن.
3- تعتقد هذه الكنيسة بأن للمسيح طبيعتين ومشيئتين-يعني اللاهوتية والناسوتية.
4- يعتقد هؤلاء بوجود جحيم صغير بمكان في قلب الأرض, تحترق فيه الأنفس التى ارتكبت في حياتها خطيئة حتى تنتقي من أوزارها وتصبح أهلاً للدخول في الفردوس السماوي.- وهذه العقيدة ليس مصدرها أناجيلهم بل أحد بابواتهم.
5- إن صلوات كهنة الكنيسة ترفع العذاب عن النفوس المتألمة, ومن هنا نشأت عقيدة الغفران وهي أن ممثلي الكنيسة قادرون على تخليص الأرواح الهالكة في العذاب بالدعاء والصلاة عليها.
6- الإعتراف للقسيس بمافعل من آثام,ليصدر له صك الغفران,والعشاء الرباني,والتعمي .
7- تحرم الكنيسة الكاثوليكية الطلاق تحريماً باتا, ولاتبيح فسخ الزواج لأي سبب مهما عظم شأنه. حتى الخيانة الزوجية لاتعد مبررا للطلاق.
2
- فرقة الأرثوذكسية:
وهي أيضاً كلمة يونانية مركبة من كلمتين إحداهما <orthos>بمعنى الحق, والثانية><doxa بمعنى المذهب أي المذهب الحق. وتسمى كنيستهم الكنيسة الشرقية أو اليونانية, لأن أكثر أتباعهم من الروم الشرقيين ومن بلاد الشرقية. وأتباع هذه الفرقة منتشرون في الشرق وفي بلاد اليونان وتركيا وروسيا.
إنفصلت هذه الكنيسة عن الكنيسة الكاثوليكية في عام 1054م لأمور اختلفتا عليها.
أهم عقائدها:
1- تذهب هذه الكنيسة إلى أن روح القدس منبثق عن الأب وحده.
2- تبيح الكنيسة الأرذوكسية الفصل بين الزوجين في حالة الخيانة الزوجية, مع تحريمها الزواج بين المطلق والمطلقة.
3- فرقة البروستانت:
وهي تعني: المحتجين أو المعارضين.
نبذة موجزة عنها:
تتبع مارتن لوثر الذي ظهر في أوائل القرن السادس عشر الميلادي في ألمانيا, مال لدراسة اللاهوت, وكان ذو نزعة دينية, شديد الورع مبالغاً لسيئاته,أخذه رجال الكنيسة ووضعوه تحت رعايتهم إلى أن عين مدرساً للفلسفة ,وقد دفعته نزعته الدينية لأن يذهب إلى روما للحج, وليتبرك بلقاء رجال الدين, ولكنه صدم حينما وجد مدينة روما المقدسة غارقة في اللهو, ورجالها منغمسين في الرذيلة, زاعمين أن بيدهم مفاتيح الملكوت في السماوات والأرض, وأنهم يملكون قبول التوبة فبغفرون لمن يشاءون, فبدأ يعلن براءته من تصرفات رجل الكنيسة, ويدعوا إلى إنكار عصمة البابا وحقه في إصدار صكوك الغفران.
بدأ العامة والخاصة يتأثرون بدعوته لأنه أوتي من الحجج والبراهين مالم يؤت أحد الأقاوسة في زمانه, فلم يجد البابا بُدًا من إصدار قرار بحرمانه من جميع المناصب الدينية, وكذلك أصدر الإمبراطور قراراً بحرمانه من جميع حقوقه المدنية, فاشتد غضب لوثر وبدأ ينادي بالجهاد ضد استبداد الكنيسة علناً.
ومن هنا سميت هذه الفرقة البروتستانت أي المحتجين على تصرفات البابا.
أهم عقائدها:
1- ليس للكنيسة البروتستانية سلطان على كنيسة أخرى, فكل كنيسة حرة في رئاستها وتصرفاتها وربطها بالكنيسة المركزية هو بمثابة ربط الإدارات بالوزاراة.
2- الكتاب المقدس هو المصدر الوحيد للنصرانية.
3- يجوز لكل مسيحي أن يدرس الكتاب المقدس, ويفهم معانيه بعد الحصول على القواعد الأساسية لمعرفة الكتاب المقدس, فقد ترجم الكتاب المقدس إلى اللغة الألمانية ليقرأه كل ألماني بعد أن كان هذا الأمر محظور.
4- ليس للكنيسة حق الغفران إذ هذا من إختصاص الخالق.
5- أنكر أن المسيح يحل في بدن كل من يأكل العشاء الرباني, كماأنكر استحالة الخبز إلى عظام المسيح, والخمر إلى دم المسيح, واكتفى بكون العشاء الرباني تذكيراً لما قام به المسيح من فداء للخليقة.
6- تنكر هذه الكنيسة جميع ماتقيمه الكنائس الأخرى للسيدة مريم أو المسيح من طقوس واحتفالات وعبادات وأعياد, وترى ذلك الأمور المحدثات.
7- عدم إتخاذ الصور والتماثيل في الكنائس, إذ هي من مظاهر الوثنية.
8- لاتختلف هذه الفرقة عن غيرها في عقيدة التثليث, وألوهية المسيح وبنوته وصلبه وقيامه وتكفيره عن خطيئة البشر الأزلية الت ارتكبها آدم.
وقد انتشرت الفرقة البروتستانية في كثير من البلاد الأوربية التي منها إنجلترا, وألمانيا, والدانمارك,وسوي را, وهولندا والنرويج, وأمريكا, ومن إمكانياتها الهائلة بدأت تغزوا كثيراً من معاقل الكاثوليكية في السودان الجنوبي, والصين, واليابان, ولهم مبشرون في البلاد الإسلامية.
[83]
هذا والله أعلم وأجل
(سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمدالله رب العالمين)
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـ
68- صحيح إبن حبان.
69 سورة :
70- ينظر الملل والنحل ص(1/222).
71- الفصل في الملل والنحل,لإبن حزم ص(1/48).
72- المرجع السابق.
73- ينظر: الملل والنحل ص(1/222).
74- ينظر: المرجع السابق.
75- ينظر:الفصل في الملل والنحل ص(1/48).
76- أي الزجاج.
77- ينظر:الملل والنحل ص(1/225).
78- ينظر: الفصل في الملل والنحل ص(1/48).
79- المرجع السابق.
80- ينظر: الملل والنحل ص(1/256).
81- ينظر: الفصل في الملل والنحل(1/48).
82- تتدرج الألقاب الكهنوتية على النحو التالي: شماس,قسيس,أسقف,م ران,بطريك,بابا والبابا هوصاحب السلطة العليا. ينظر:اليهودية والمسيحية,لمحمد الأعظمي ص(399).
83- ينظر: اليهودية والمسيحية, ص(من 398الى410).