(149) اتفقوا على أن الزكاة أحد أركان الإسلام، وفرض من فروضه.
قال الله تبارك وتعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة}، وقال عز وجل: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة}.
(150) واتفقوا على وجوب الزكاة في الإبل والبقر والغنم، بشرط أن تكون سائمة، وفي الذهب والفضة وعروض التجارة، بشرط كمال النصاب في كل واحد منها، وكمال الحول، وكون المالك حرا مسلما.
(151) واختلفوا في اشتراط البلوغ والعقل:
فقال أبو حنيفة: يشترط ذلك، ولا تجب الزكاة على مال الصبي والمجنون.
[وقال الباقون: لا يشترط ذلك، والزكاة واجبة على مال الصبي والمجنون].
(152) اتفقوا على أن نصاب الإبل خمس وفيها شاة، وفي العشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياة، وفي العشرين أربع شياه [إلى خمس وعشرين، فإذا بلغت] خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض إلى خمس وثلاثين، فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستا وأربعين ففيها حقة إلى ستين، وفي إحدى وستين جذعة إلى خمس وسبعين، وفي ست وسبعين بنتا لبون إلى تسعين، وفي إحدى وتسعين حقتان إلى عشرين ومائة.
(153) واختلفوا في الزيادة كما عرف في موضعه.
(154) واتفقوا على أن البخت والعراب، والذكور والإناث في ذلك سواء. والله اعلم.
(155) اتفقوا على أن نصاب البقر ثلاثون وفيها تبيع أو تبيعة، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة.
(156) ثم اختلفوا:
فقال مالك والشافعي وأحمد: لا شيء فيها إلى تسع وخمسين، فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان إلى تسع وستين، وفي سبعين تبيع ومسنة، فإذا بلغت ثمانين ففيها مسنتان، وفي تسعين ثلاث أتبعة، وفي مئة تبيعان ومسنة، وعلى هذا يتغير الفرض [في كل عشر من تبيع] إلى مسنة.
وعن أبي حنيفة ثلاث روايات:
في رواية: يجب بحسابه يعني في جميع الواحدة الزائدة [ربع ما يجب عنده، يعني: في الواحدة الزائدة] ربع عشر مسنة.
وفي رواية: عفو إلى خمسين، ففيها مسنة وربع.
وفي رواية: عفو إلى ستين، [ثم إلى ستين ففيها مسنتان كما تقدم.
(157) واتفقوا على أن البقر والجواميس والذكور والإناث في ذلك سواء].
(158) اتفقوا على أن نصاب الغنم أربعون وفيها شاة إلى مئة وعشرين، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة [ففيها ثلاث شياة إلى ثلاثمائة، فإذا بلغت أربعمائة ففيها أربع شياه]، ثم في كل مئة شاة، والضأن والمعز سواء.
(159) اتفقوا على أن الخيل إذا كانت للتجارة ففي قيمتها الزكاة، وإن كانت للركوب فلا شيء فيها.
(160) واختلفوا في الخيل إذا لم تكن للتجارة، ولا للركوب:
فقال أبو حنيفة: إذا كانت سائمة ذكورا أو إناثا، فصاحبها بالخيار، إن شاء أعطى [على كل فرس دينارا، وإن شاء أعطى عن كل مائتي درهم] خمسة دراهم من حيث القيمة.
وفي الذكور والإناث الخلص روايتان. وقيل: لا وجوب في الذكران بانفرادها.
وقال الباقون: لا زكاة في الخيل بحال إذا لم تكن للتجارة.
(161) [واتفقوا على أن لا زكاة في البغال والحمير إذا لم تكن للتجارة].
(فصل في زكاة الذهب والفضة)
(162) اتفقوا على أن نصاب الذهب عشرون مثقالا، وفيها نصف مثقال، وفي أربعين مثقالا مثقال، وفي مائة مثقال مثقالا ونصف مثقال، وفي مائتين خمسة مثاقيل، وفي ألف مثقال خمس وعشرون مثقالا، [وفي الزوائد على هذا الترتيب.
ونصاب الفضة مائتا درهم، وفيها خمسة دراهم، وفي ألف درهم خمسة وعشرين درهما]، على هذا الحساب، وفي الزائد عليها.
(163) واختلفوا في زيادة النصاب في الذهب والفضة:
فقال أبو حنيفة: لا تجب فيما زاد على مائتي درهم حتى تبلغ أربعين درهما، ففيها درهم، ولا على الذهب حتى يبلغ أربعة دنانير، وفيها قيراطان.
وقال الباقون: تجب في الزيادة بالحساب، وإن قلَّت الزيادة.
(164) واختلفوا في زكاة الحلي المباح إذا كان مما يلبس أو يعار:
فقال أبو حنيفة: تجب الزكاة فيه.
[وقال الشافعي [في قول]؛ ومالك وأحمد: لا تجب فيه الزكاة].
(165) واتفقوا على انه تجب الزكاة في أواني الذهب والفضة، لأنه لا يجوز استعمالها.
(166) واختلفوا في ضم الذهب والفضة إذا لم يكن كل واحد منهما نصابا، [وبالضم يبلغ نصابا]:
[فقال أبو حنيفة ومالك واحمد في رواية: يضم].
[وقال الشافعي وأحمد في رواية أخرى: لا يضم].
(167) ثم اختلف من قال بالضم:
فقال أبو حنيفة وأحمد: يضم بالقيمة.
وقال مالك والشافعي: يضم بالأجزاء.
(168) واتفقوا على أنه يجوز لأرباب الأموال الباطنة إخراج زكاتها بنفسه إلى المستحقين، وله دفعها إلى الإمام ليفرقها إلى من يستحقها.
(169) واختلفوا في الأموال الظاهرة كالمواشي والزروع:
فقال أبو حنيفة: لا يجوز لأرباب الأموال إخراج زكاتها، بل حق الأخذ للإمام. وهو قول مالك والشافعي في الجديد.
وقال الشافعي في القديم وأحمد: يجوز له ذلك.
(170) واختلفوا هل تسقط الزكاة بالموت؟:
فقال أبو حنيفة: تسقط ولا يجوز إخراجها إلا بالوصية، وتعتبر من الثلث.
وقال الشافعي وأحمد: لا تسقط الزكاة بالموت.
وقال مالك: إن فرط في إخراجها حتى مر عليها حول أو أحوال انتقلت إلى ذمته، وكان عاصيا لله تعالى بذلك، وكان ما تركه مال الوارث، وصارت الزكاة التي في ذمته دينا لقوم غير معينين، ولم تقض من مال الورثة. فإن أوصى بها كانت من الثلث، وقدمت على الوصايا كلها.
وإن لم يفرط فيها حتى مات أخرجت من رأس المال.
(171) واختلفوا فيما إذا استفاد مالا في أثناء الحول، هل يضمه إلى ما عنده أو يستأنف الحول للمستفاد؟:
فقال أبو حنيفة ومالك: يضمه إلى ماله إذا كان من جنسه، ويزكيه بحول أصله، [إلا في أثمان الإبل المزكاة] [فإنه يستأنف لها الحول.
وقال الشافعي وأحمد: يستأنف له الحول، ولا يضم إلا في الربح والنتاج.
(172) واختلفوا في الدين الذي عليه، هل يمنع وجوب الزكاة في مثله]؟:
فقال أبو حنيفة: إذا كان له مطالب من جهة العباد، يمنع وجوب الزكاة في مثله من الأموال الباطنة، [فإن زاد مقداره عليها تعدى إلى الأموال الظاهرة، فيمنع في الأموال الظاهرة].
[وقال مالك: لا يمنع في الأموال الظاهرة]، [ويمنع في الأموال الباطنة].
وعن الشافعي قولان في الجميع. أظهرهما: أنه لا يمنع.
وقال أحمد: الدين يمنع وجوب الزكاة في الأموال الباطنة، رواية واحدة.
وعنه في الأموال الظاهرة روايتان.
(فصل في زكاة الزروع والثمار)
(173) اختلفوا في اشتراط النصاب:
فقال أبو حنيفة: لا يعتبر فيه النصاب، بل يجب العشر في قليله وكثيره، في الباقي وغير الباقي، إلا الحطب والحشيش والقصب الفارسي، سواء سقي سيحا أو سقته السماء، حتى تجب الزكاة في الخضروات كلها.
وقال الباقون: يشترط فيه النصاب، وهو خمسة أوسق، والوسق: ستون صاعا، والصاع عندهم: خمسة أرطال وثلث.
(174) والجنس الذي يجب فيه العشر: هو الذي يدخر ويقتات به كالحنطة والشعير والأرز وغيره.
وقال أحمد: يجب العشر في [كل ما [يكال و]يدخر من الزرع والثمار، حتى يجب العشر عنده في] السمسم وبذر الكتان والكمون والكراويا والخردل واللوز والفستق.
وعند مالك والشافعي: لا يجب.
ولا تجب الزكاة في الخضروات عند الثلاثة، لأنها لا تدخر.
(175) واتفقوا على أن مقدار ما يجب: نصف العشر فيما يسقى بالنواضح والكلف.
(176) واختلفوا في الزيتون:
فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي في قوله القديم، وأحمد في رواية: فيه العشر.
وفي قول آخر للشافعي وهو الجديد، وفي رواية أخرى لأحمد: لا يجب عشر فيه.
(177) واختلفوا هل يجتمع العشر مع الخراج في ارض واحدة؟:
فقال أبو حنيفة: لا يجتمع، بل يجب العشر في الأرض العشرية، والخراج في الأرض الخراجية.
وقال الباقون: [أرض الخراج] فيها العشر والخراج.
(178) واختلفوا في العسل:
فقال أبو حنيفة: فيه العشر في الأرض العشرية دون الخراجية.
وقال أحمد: فيه العشر مطلقا بشرط النصاب، وهو عشرة أفراق كل فرق ستون رطلا.
وقال مالك والشافعي في قوله الجديد: لا يجب فيه شيء.
(فصل في زكاة المعدن والركاز)
(179) اتفقوا على أنه لا يعتبر الحول في زكاة المعدن، [إلا في أحد قولي الشافعي.
(180) واختلفوا في زكاة المعدن]، تتعلق بأي شيء؟:
فقال أبو حنيفة: تتعلق بكل ما ينطبع.
وقال مالك والشافعي: لا تتعلق إلا بالذهب والفضة.
وقال أحمد: تتعلق بكل خارج من الأرض، بما ينطبع [كالذهب والفضة والحديد]، وبما لا ينطبع كالفيروزج والقار والمغرة والنورة.
(181) واختلفوا في نصاب المعدن، وقدر الواجب فيه:
فقال أبو حنيفة: لا يعتبر فيه النصاب، بل يجب في قليله وكثيره الخمس.
[وقال مالك والشافعي وأحمد: يعتبر فيه النصاب].
لكن عند مالك فيه ربع العشر في رواية، وفي أخرى: إن أصابها مجتمعة بلا تعب ومعالجة، وجب فيها الخمس. وإن أصابها متفرقة بتعب ومؤنه، ففيها ربع العشر. [وهو أحد قولي الشافعي، وفي قول: ربع العشر]، وفي قول آخر: الخمس.
(182) واختلفوا في مصرفه:
فقال أبو حنيفة: مصرفه الفيء إن وجده في أرض الخراج والعشر، وإن وجده في داره فهو له، ولا شيء عليه، وإن وجده في صحراء دار الحرب فلا خمس فيه.
وقال الباقون: مصرفه مصرف الزكاة.
(183) واتفقوا على أن وجوب الزكاة في الركاز في جميع الأشياء، وهو دفين الجاهلية.
إلا الشافعي في أحد قوليه، فإنه قال: لا يجب الخمس إلا في الذهب والفضة خاصة، وهو مذهب مالك.
وقال أبو حنيفة: إن وجد في صحراء دار الحرب فلا خمس فيه، وهو لواجده.
(184) واتفقوا على أنه لا يعتبر فيه الحول.
(185) واختلفوا في مصرف الركاز:
[فقال أبو حنيفة: مصرفه كمصرف المعدن].
وقال الشافعي: مصرفه كمصرف الزكاة.
وقال مالك: هو والجزية، وما أخذ من تجار أهل الذمة، وما صولح عليه من الكفار، ووظائف الأرضين، كل ذلك يصرفه الإمام في مصارفه على قدر ما يراه من المصلحة.
وعن أحمد روايتان: في رواية: يصرفه مصرف الفيء، وفي أخرى: مصرفه مصرف الزكاة.
(186) واختلفوا فيمن وجد في داره ركازا، وكان ملكها من غيره:
فقال أبو حنيفة: يخمسه، والباقي لصاحب الخطة، ولوارثه من بعده، [فإن لم يعرف له وارث فلبيت المال.
واختلف أصحاب مالك: فمنهم من قال: لواجده] بعد تخميسه.
ومنهم [من قال: لصاحب الأرض الأول.
ومنهم] من قال: ينظر في الأرض التي وجد فيها، فإن فتحت عنوة كانت للجيش الذي فتحها، وإن كانت فتحت صلحا فلمن صالح المسلمين.
وقال الشافعي: لواجده إذا ادعاه، وإن لم [يدعه فهو لمالكه الأول الذي انتقلت الدار عنه إن ادعاه، وإن لم] يدعه مدع فهو لقطة.
وعن أحمد روايتان: في رواية: هو له بعد تخميسه، وفي أخرى: كمذهب الشافعي.
(187) واتفقوا على أنه لا تجب الزكاة في كل ما يخرج من البحر من لؤلؤ ومرجان وزبرجد وعنبر ومسك وسمك وغيره، ولو بلغت قيمته نصابا [إلا في إحدى الروايتين عن أحمد إذا بلغت قيمته نصابا] ففيه الزكاة، ووافقه في ذلك أبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة في اللؤلؤ وإن ثقب [دفع الزكاة].
(188) اتفقوا على دفع الزكاة إلى الأصناف المذكورة في القرآن، [غير المؤلفة قلوبهم، وهم: الفقراء، والمساكين، والعاملين عليها، وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل.
(189) واختلفوا في] المؤلفة قلوبهم:
فقال أبو حنيفة وهو المشهور عن مالك، وفي رواية عن أحمد: إنهم لم يبق لهم سهم، لأن الله تبارك وتعالى أغنى عنهم وأعز الإسلام.
وفي رواية عن مالك: إن احتاج إليهم أهل بلد أو ثغر فالإمام يؤلفهم ويعطي لهم سهما. وهو رواية عن أحمد.
وقال الشافعي: هما ضربان: كفار ومسلمون، والكفار ضربان: ضرب يرجى خيره، وضرب يكفى شره، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم. وبعده على قولين:
أحدهما: أنهم يعطون، لكن من غير الزكاة، وهو سهم المصالح.
والثاني: لا يعطون من الزكاة ولا من غيرها.
والمسلمون على أربعة اضرب: قوم: مسلمون شرفاء، يعطون ليرغب نظراؤهم في الإسلام.
وقوم: نيتهم ضعيفة في الإسلام، [يعطون لتقوى نيتهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم. وبعده على قولين:
أحدهما: يعطون من الزكاة].
والثاني: من خمس الخمس.
وقوم: مسلمون يليهم قوم من الكفار، فإن أعطوهم قاتلوهم.
وقوم: بينهم قوم من أهل الصدقات، للشافعي فيهم أربعة أقوال: يعطون من سهم المصالح، أو من سهم المؤلفة قلوبهم من الزكاة، [أو من سهم الغزاة من الزكاة] ، أو سهم [الغزاة وسهم] المؤلفة قلوبهم [من هذه الأصناف]؟.
(190) [واختلفوا في الاقتصار على صنف من هذه الأصناف]:
فقال [أبو حنيفة ومالك وأحمد]: يجوز.
وقال الشافعي: لا يجوز، بل تجب القسمة على ثلاثة من كل صنف، إلا أن يعدم منهم أحد، فيوفى حظه على الباقين في قول. وفي قول آخر: ينتقل إلى ذلك الصنف من اقرب البلاد إليه.
(191) واختلفوا في الفقير والمسكين:
فقال أبو حنيفة ومالك: الفقير من له أدنى شيء، والمسكين من لا شيء له.
[وقال الشافعي وأحمد، وهو رواية عن أبي حنيفة: الفقير من لا شيء له، والمسكين من له أدنى شيء].
(192) واختلفوا فيما يأخذه العامل، هل هو زكاة أو هو عن عمله؟:
فقال أبو حنيفة وأحمد: هو من عمله، وليس من الزكاة.
وقال الشافعي: هو من الزكاة.
وفائدة الخلاف: أن عند أحمد: يجوز أن يكون عامل الصدقة من ذوي القربى، أو يكون عبدا.
وقال الباقون: لا يجوز.
(193) واختلفوا في قوله تعالى: {وفي الرقاب}:
فقال أبو حنيفة والشافعي: يدفع إلى المكاتبين [إعانة لهم في فك رقابهم.
وقال مالك: لا يدفع إلى المكاتبين]، لأن الرقاب العبيد، فيشترى به العبيد [ويعتقون.
وعن أحمد روايتان].
(194) واختلفوا في المراد بقوله تعالى: {وفي سبيل الله}:
فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: هو محمول على الغزاة دون الحجاج.
وعن أحمد روايتان: في رواية: وأنه الحج في سبيل الله أيضا، وفي رواية: كقول الجماعة.
(195) واختلفوا في الغزاة الذين أريدوا من قوله تعالى: {وفي سبيل الله}:
فقال أبو حنيفة: هم الفقراء منهم، والمنقطعون منهم، دون الأغنياء.
وقال الباقون: يأخذ الغني منهم كما يأخذ الفقير.
(196) واختلفوا في سهم الغارمين، وهو المدينون، هل يدفع إلى الأغنياء منهم؟:
فقال أبو حنيفة وأحمد: لا يدفع إليهم إلا مع الفقر.
وعن الشافعي اختلاف: وهو أن الغريم عنده على ضربين: ضرب غرم لإصلاح ذات البين، وهو على ضربين:
أحدهما: ضرب غرم في تحمل دية، فيعطى مع الفقر والغنى.
وضرب: غرم لقطع ثائرة، وتسكين فتنة، فيعطى مع الغنى، على ظاهر مذهبه.
وضرب: غرم [في مصلحة نفسه] في غير معصية، فهل يعطى مع الغنى؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يعطى، نص عليه في الأم.
والثاني: يعطى، ذكره في القديم.
(197) واختلفوا في صفة ابن السبيل:
فقال أبو حنيفة: هو المجتاز دون المنشئ
وقال الشافعي: هو المجتاز والمنشئ، والذي يريد السفر، يجوز له الأخذ.
وعن أحمد روايتان كالمذهبين.
(198) واختلفوا في نقل الزكاة من بلد إلى بلد:
فقال أبو حنيفة: يكره إلا أن ينقلها إلى قرابة له محتاجين، أو قوم هم أمس حاجة من أهل بلده.
وقال مالك: لا يجوز إلا أن يقع بأهل بلد حاجة، فينقلها الإمام إليهم على سبيل النظر والاجتهاد.
وقال الشافعي: يكره نقلها، وفي الإجزاء قولان.
وقال أحمد في المشهور عنه: لا يجوز نقلها إلى بلد آخر تقصر فيه الصلاة إلى قرابتهم أو غيرهم، مادام يجد في بلده من يجوز دفعها إليهم.
(199) [واتفقوا على أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى الغني.
واختلفوا في صفته]:
فقال أبو حنيفة: هو الذي يملك نصابا لأي مال كان: إما مائتا درهم، أو خمس من الإبل السائمة، أو أربعين شاة.
وقال مالك: يجوز الدفع إلى من يملك أربعين [درهما]. وقال أصحابه: يجوز الدفع إلى من يملك خمسين درهما.
وقال الشافعي: الاعتبار بالكفاية، فيأخذ مع عدمها، وإن ملك خمسين درهما أو أكثر، وإن كانت له كفاية لا يجوز له الأخذ، ولو لم يكن يملك هذا المقدار.
واختلف عن أحمد: فروى أكثر أصحابه عنه: أنه متى ما ملك خمسين درهما أو قيمتها ذهبا، لم يجز له الأخذ من الصدقة، وإن لم يكفه.
وروي عنه: إن كانت له كفايته على الدوام بتجارة، أو صناعة، أو أجرة عقار وغيره، لا يحل له [الأخذ من] الصدقة. وإن ملك خمسين درهما أو قيمتها، وهي لا تقوم بكفايته جاز له.
(200) واختلفوا فيمن يقدر على الكسب لصحته، هل يجوز له الأخذ من الصدقة؟:
فقال أبو حنيفة ومالك: يجوز وإن كان قويا سويا مكتسبا [أو غير مكتسب].
وقال الشافعي وأحمد: لا يجوز له ذلك.
(201) واتفقوا على أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى الوالدين، أو المولودين، علوا أو سفلوا، إلا مالك فإنه قال في الجد والجدة فمن وراءهما: يجوز دفعها إليهم لسقوط نفقتهم.
(202) واختلفوا في جواز دفع الزكاة إلى من يرثه من أقاربه، كالأخ والعم وأولادهما:
فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: يجوز.
وعن أحمد روايتان: أظهرهما: لا يجوز. والأخرى كالجماعة.
(203) واختلفوا في جواز دفع الزوجة زكاتها إلى زوجها:
فقال أبو حنيفة: لا يجوز.
وقال مالك: إن كان يستعين بما أخذه منها على نفتها لا يجوز، وإن كان يصرفه [لغير نفقتها لأولاد فقراء عنده من غيرها أو نحوها] جاز.
وقال الشافعي: يجوز.
وعن أحمد روايتان كالمذهبين، أظهرهما: المنع.
(204) واتفقوا على أن الصدقة المفروضة لا تحل لبني هاشم، وهم خمس بطون: آل عباس، وآل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل الحارث بن عبد المطلب.
(205) [واختلفوا في بني المطلب:
فقال أبو حنيفة: لا يحرم عليهم.
وقال مالك والشافعي: تحرم عليهم.
وعن أحمد روايتان، أظهرهما: أنها حرام عليهم].
(206) واختلفوا في جواز دفعها إلى موالي بني هاشم:
فقال أبو حنيفة وأحمد: لا تجوز.
ولأصحاب الشافعي وجهان.
والصحيح عند مالك: لا يجوز.
(207) واتفقوا على أنه لا يجوز للزوج أن يدفع زكاته إلى زوجته، ولا إلى مكاتبه، ولا إلى عبده.
(208) واختلفوا في جواز دفع الزكاة إلى عبد الغير:
فقال أبو حنيفة: إذا كان مالكه فقيرا جاز، وإن كان غنيا لا يجوز.
وقال مالك والشافعي وأحمد: لا يجوز مطلقا.
(209) واتفقوا على أنه لا يجوز إخراج زكاته إلى بناء مسجد، ولا تكفين ميت.
(210) واختلفوا في دفع القيمة في الزكاة:
فقال أبو حنيفة: يجوز.
وقال الشافعي: لا يجوز.
(211) مصارف بيت المال:
قال أبو حنيفة: ما يجبى إلى بيت المال أربعة أنواع:
أحدهما: الزكاة، والعشر، ومصرفها: ما ذكرنا من الأصناف الثمانية.
والثاني: خمس الغنائم والمعادن والركاز، ومصرفها: إلى اليتامى، والمساكين، وابن السبيل، [على ما] قاله الله تعالى: {واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأنه لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير}.
فسهم الله ورسوله واحد، وذكر الله تعالى للتبرك، أو لإظهار فضيلة هذا المال، وسهم الرسول سقط بموته صلى الله عليه وسلم.
وسهم ذوي القربى ساقط عندنا.
والثالث: الخراج، والجزية، وما يؤخذ من تجار أهل الذمة، والحرب، وما صولح عليه من بني [نجران، أو بني تغلب] من المضاعفة، يصرف: إلى عطايا المقاتلة، والغزاة، وسد الثغور، وبناء القناطر، والجسور، وبناء الحصون، ومراصد الطرق، حتى يقع الأمن عند قطع الطريق، وبناء الرباطات، والمساجد، وتحصين ما يخاف عليه الهدم، وجري الأنهار، و[إلى] أرزاق الولاة وأعوانهم، وأرزاق القضاة والمفتين، والمحتسبين والمعلمين، وكل من تقلد شيئا من أمور المسلمين، [والى ما فيه صلاح المسلمين].
لأن الخراج قائم مقام القسمة، لأنه لا يوضع إلا على الأرض التي فتحت عنوة وقهرا وصارت غنيمة للمسلمين، يمنُّ الإمام فيها على أهلها بالخراج.
ولجميع المسلمين حظ في الغنيمة، وأنها مصروفة على نوائب المسلمين وحوائجهم، وكذا الخراج الذي هو قائم مقامه.
الرابع: اللقطات، [والتركات التي لا وارث لها، ومصرفها: نفقة اللقيط]، والمرضى وأدويتهم إذا كانوا فقراء، وتكفين الموتى الذين لا مال لهم، وعقل جناية اللقيط، لأنه لجميع المسلمين، فيصرف إلى نوائبهم.
فعلى الإمام أن يجعل بيت المال أربعة أنواع، لكل نوع بيت، لأن لكل مال حكما يختص به لا يشاركه مال [آخر فيه، فإن لم يكن في بعضها شيء فللإمام أن يستقرض عليه مما فيه مال]، فإن استقرض من مال الصدقات على بيت مال الخراج [إذا أخذ الخراج]، [يقض المستقرض من الخراج]، لأن المستقرضات مصروفة إلى المحتاجين خاصة، فإن صرفها من المقاتلة والى نوائب المسلمين ولا حظ لهم فيها، صار ذلك قرضا عليهم، إلا أن تكون المقاتلة فقراء، فلا يصير ذلك قرضا [عليهم]، لأن لهم حظا فيها.
وإن استقرض من بيت مال الخراج من الصدقات وصرفه للفقراء، لا يصير قرضا عليهم، لأن الخراج له حكم الفيء والغنيمة، وللفقراء حظ فيه، وإنما لا يعطى لهم لاستغنائهم بالصدقات، فإذا احتاجوا إليه صرف إليهم.
فعلى الإمام أن يتقي الله في صرفه الأموال إلى مصارفها إليهم، وإيصال الحقوق إلى أربابها، ولا يحبسها عنهم، فهو كالناظر للوقف، أو وصي الأيتام، ولا يميل في ذلك إلى هوى، ولا يحل لهم إلا ما يكفيهم ويكفي أعوانهم وأهلهم [بالمعروف].
(212) اتفقوا على وجوب صدقة الفطر على الأحرار من المسلمين عن أنفسهم، وأولادهم الصغار، ومماليكهم المسلمين بغير التجارة.
(213) واختلفوا في صفة من تجب عليه:
فقال أبو حنيفة: لا تجب إلا على من ملك نصابا من أي النصب كان، فاضلا عن حوائجه الضرورية، وإن لم يكن ناميا.
وقال الباقون: تجب على من يكون عنده فضل عن قوت يوم العيد وليلته، لنفسه ولمن تلزمه مؤنتهم، مقدار صدقة الفطر.
(214) واختلفوا في وقت وجوبها:
فقال أبو حنيفة: تجب بطلوع الفجر من يوم عيد الفطر.
وقال أحمد: بغروب الشمس من آخر [يوم في] رمضان.
وعن مالك والشافعي، كالمذهبين، الجديد من قول الشافعي كمذهب أحمد.
(215) واتفقوا على أنها لا تسقط بتأخير الأداء عن وقتها.
(216) واتفقوا على أنه يجوز إخراجها من خمسة أصناف: البر، والشعير، والتمر، والزبيب، والإقط، [وهو المشهور من مذهب الشافعي.
وفي قول له: إنه لا يجوز الإقط].
(217) واختلفوا في قدر الواجب:
فقال أبو حنيفة: من البر صاع، ومن باقي الأصناف صاع. وفي رواية عنه: أن الزبيب كالبر.
وعند الباقين: الصاع من كل صنف من الأصناف الخمسة.
(218) واختلفوا في قدر الصاع:
فقال أبو حنيفة: ثمانية أرطال [بالعراقي.
وقال الباقون: خمسة أرطال وثلث بالعراقي]. وهو قول الصاحبين.
(219) واختلفوا في وجوبها على الموسر عن أبويه المعسرين وإن علوا:
فقال أبو حنيفة: لا تجب عليه.
وقال مالك: لا يجب عليه إلا الإخراج عن أجداده خاصة.
(220) واختلفوا [في أنه] هل يجب على الأب إخراج زكاة الفطر عن أولاده الكبار إذا كانوا في عياله؟:
فقال أبو حنيفة: لا تجب.
وقال الباقون: تجب.
(221) واتفقوا على جواز تعجيل إخراج صدقة الفطر قبل يوم العيد بيوم أو يومين.
(222) واختلفوا فيما زاد على ذلك:
فقال أبو حنيفة: يجوز تقديمها على شهر رمضان.
[وقال الشافعي: يجوز تقديمها من أول الشهر].
(223) واختلفوا في الأفضل:
فقال مالك وأحمد: التمر أفضل من الزبيب.
وقال الشافعي: البر أفضل، [ثم الزبيب]. وهو رواية عن أبي حنيفة.
وفي رواية: الدراهم أولى، لسرعة قضاء الحوائج بها.
(1) في حاشية (ج): واختلفوا في النية: فقال الشافعي: تجب. واختلفوا في فقير العرايا والعاقلة، هل يعطى من الزكاة أم لا؟: فقال الشافعي: لا يعطى.