سويسرا: حظر المآذن يعرض مصالحنا للخطر



أبدت الحكومة السويسرية مخاوفها من تعرض مصالحها في الخارج للخطر حال تم إقرار ما يعرف باسم "المبادرة الشعبية لحظر المآذن" التي أطلقتها أطراف يمينية مُتشددة في سويسرا، وكشفت عن تدابير عديدة اتخذتها لمواجهة مثل هذا الظرف المحتمل.
جاء ذلك في سياق ردها على استفسارات "كاتي ريكلين" النائبة عن "الحزب الديمقراطي المسيحي" في مجلس النواب السويسري والتي تمحورت حول الأخطار والانعكاسات السلبية المُحتملة للمبادرة الداعية إلى حظر بناء المآذن على صورة سويسرا واقتصادها وسياحتها وأمنها، وحول السياسة المُعتمدة من قبل برن والتمثيل الدبلوماسي في الخارج لتوضيح الموقف الحكومي الرافض للمبادرة، ولمواجهة احتمالات تفاقم الـوضع بالنسبة للسفارات وغيرها من مكاتب التمثيل السويسري.
وذكر موقع "سويس إنفو" اليوم الأربعاء 20-5-2009 أن حكومة سويسرا ردت على أسئلة النائبة كاتي يوم 13 مايو الجاري، مجددة رفضها لمبادرة حظر بناء المآذن التي ستخضع لاستفتاء شعبي في نهاية شهر نوفمبر القادم على الأرجح.

المئذنة والمدخل الرئيسي للجامع الكبير في ضاحية بوتي ساكوني في جنيف
وفي أجوبتها المُفصلة، أكدت الحكومة أنها تُدرك التأثير السلبي المُحتمل لمبادرة حظر بناء المآذن على صورة سويسرا، مُذكرة بأنها أشارت في رسالتها المؤرخة في 27 أغسطس 2008 إلى احتمال تشويه هذه المبادرة الشعبية لصورة البلاد، ومُنوهة إلى أن سويسرا "تتمتع في العالم الإسلامي بصورة دولة محايدة تتميز بتقاليد ديمقراطية وإنسانية قوية"، وبالتالي "قد يُنظر إلى فرض حظر على بناء المآذن كزيادة للتعصب والتمييز ضد المسلمين، الأمر الذي يمكن أن يُلحق الضرر بسمعة سويسرا وعلاقاتها الجيدة مع هذه الدول".
عواقب اقتصادية
ورأت الحكومة أن إقرار هذه المبادرة قد يكون له عواقب اقتصادية على المدى المتوسط، بحيث "لا يُستبعد أن تتخذ بلدان مسلمة تدابير انتقامية ضد سويسرا أو ضد شركات سويسرية، أو أن يقاطع المستهلكون المسلمون منتجات سويسرية. ومن الصعب بطبيعة الحال تقييم حجم التأثيرات الدقيقة لتهديد محتمل بالمقاطعة".

في انتظار صلاة الظهر في أحد المراكز الإسلامية بمدينة زيورخ
أما بخصوص الأضرار التي قد تلحق على قطاع السياحة في سويسرا، فقد رأت حكومة سويسرا أنها ستكون "هامشية"؛ حيث "تـُبيـن التجربة أن السياحة تنهض من جديد بسرعة كبيرة، حتى بعد وقوع كوارث هائلة من صنع الإنسان أو الطبيعة".
وأقرت حكومة سويسرا بإمكانية حدوث أعمال عنف "ضد المصالح السويسرية" في الخارج في حال إقرار المبادرة.
ورغم ذلك، أضافت الحكومة: "في الوقت الحاضر، نحن نعتبر هذا الخطر ضئيل جدا"، مؤكدة على ضرورة التحلي الدائم بالحيطة والحذر.
تدابير احترازية
وبعد أن استعرضت حكومة سويسرا التأثيرات السلبية المُحتملة لإقرار مبادرة حظر المآذن، كشفت عن تدابير احترازية عديدة اتخذتها لمواجهة هذا الوضع.

وفي هذا الصدد، ذكرت الحكومة أن إدراكها لحساسية الموقف وخطورته المحتملة دفعها يوم 8 يوليو 2008، إلى الإعلان عن رفضها للمبادرة في وقت مُبكر جدا إذ أنها لم تنتظر، كعادتها، اقتراب موعد التصويت على المبادرة الشعبية للتعبير عن الموقف الذي تتخذه منها.

كما وضعت الحكومة بسرعة مصادر معلومات مختلفة حول السياق الاجتماعي والسياسي والقانوني للمبادرة رهن إشارة المكاتب التمثيلية لسويسرا، حيث يمكن أن تجد فيها عناصر إجابات للأسئلة التي يمكن أن تُطرح عليها في البلدان المضيفة".
وتتمثل أبرز عناصر هذه الإجابات في شرح خصائص "نظام الديمقراطية المُباشرة في سويسرا" الذي يتيح لأفراد عاديين إطلاق مُبادرات شعبية بعد تجميع التوقيعات الضرورية دون أن يعكس مضمون المبادرة بالضرورة موقف الحكومة أو البرلمان. وأكدت الحكومة أيضا في أجوبتها أنها "على اتصال منتظم ووثيق بمكاتب التمثيل السويسري في الخارج التي تُبلغها بسرعة بتطورات الوضع على الميدان وتقلبات الرأي العام في البلدان المضيفة.

وتحسبا لتفاقم الوضع في بعض البـُلدان بسبب النقاش السياسي الذي سيصاحب حملة مبادرة حظر بناء المآذن قبيل تصويت الناخبين السويسريين عليها، مهدت الحكومة السويسرية الطريق للتحرك وأكدت أنها مُستعدة لنشر "معلومات مُناسبة" حول الموضوع عبر السفارات وغيرها من منظمات التمثيل السويسري في الخارج.
كما أكدت أن "مكاتب التمثيل مُنـِحت مؤخرا الإمكانيات المالية الضرورية لكي تتمكن بسرعة من اتخاذ إجراءات محلية محدودة النطاق.
ومن الإجراءات الأخرى التي تعتبرها برن "حاسمة" أيضا، "التدابير الإعلامية والتوضيحية على المستوى الداخلي، وخاصة ما يتعلق بالحساسيات ذات الطابع الديني". ولكي تكون الوقاية من الأخطار فعالة، ينبغي، حسب حكومة سويسرا، "متابعة دائمة لما يحدث في وسائل الإعلام في العالم الإسلامي والدول الأوروبية ذات الجاليات المسلمة الكبيرة".
والمخابرات تشارك
وذكـّرت الحكومة السويسرية أن هذه المُتابعة المرتبطة بالمبادرة الشعبية ضد بناء المآذن قد وُضعت منذ صيف عام 2008 من قبل وزارة الخارجية.
كما أشارت إلى أن أجهزة المخابرات السويسرية (DAP) وإدارة المخابرات الاستراتيجية (SND) تراقبان ردود الفعل في "الأوساط الإسلامية المُتطرفة"، بحيث تقوم بعمليات تقييم حول التهديدات المحتملة بالنسبة لسويسرا، ومواطنيها ومصالحها داخل حدود البلاد وخارجها.
وتعود قصة الحملة ضد المآذن في سويسرا إلى مطلع مايو 2007، عندما أطلقت مجموعة برلمانية من حزبي الشعب اليميني المتشدد والاتحاد الديمقراطي الفيدرالي اليميني المتطرف مبادرة تسعى لإضافة بند في دستور البلاد يحظر المآذن.
وصورت الحملة التي شملت مؤتمرات ومحاضرات أن المسلمين ينظرون إلى الأرض التي يشيدون عليها مئذنة على أنها "أرض محررة وفقًا لمفاهيم الفتح الإسلامي" على وصفهم، كما تحذر من "اليوم الذي سترتفع فيه المآذن في أوروبا؛ لأن هذا يعني بداية النهاية للحضارة المسيحية في أوروبا".
وفي وقت لاحق تقرر إجراء استفتاء شعبي في سويسرا، بشأن هذه المبادرة بعدما تمكن اليمين المتطرف من جمع 115 ألف توقيع.
ويتيح الدستور في سويسرا لأي مجموعة من المواطنين إطلاق مبادرات شعبية لإدخال تعديلات عليه أو إلغاء قانون سبق للبرلمان إقراره، أو تقديم مقترحات جديدة، من خلال جمع 100 ألف توقيع خلال 18 شهرا، وتسليمها للحكومة لعرضها للاستفتاء العام.
وإذا وافق الشعب السويسري على الاستفتاء فإن الأمر يتطلب أن يمرر البرلمان السويسري قانونا يقضي بإضافة مادة إلى الدستور تحظر بناء المآذن. ويوجد في سويسرا مسجدان فقط مزودان بمآذن في مدينتي زيوريخ وجنيف.
مسلمو سويسرا
ويعيش أكثر من 310 ألاف مسلم في سويسرا التي يبلغ عدد سكانها 7.5 مليون نسمة، وفقا لمكتب الإحصاءات الفيدرالية.
ومثلها مثل بقية الدول في أوربا وأمريكا يعاني المسلمين في هذا البلد من الاضطهاد والتحيز العنصري.

وكان تقرير أصدره المكتب الاتحادي السويسري في سبتمبر 2006 قد وثق صورًا من المشكلات التي تواجه الأقلية المسلمة بسويسرا، من بينها "الجدل الدائر في الرأي العام حول بناء أو تعديل مقار المراكز الإسلامية، ورفض بناء مآذن رمزية الشكل لها، وصعوبة الحصول على تأشيرات دخول للأئمة للاحتفال بالمناسبات الدينية الخاصة".
كما أشار التقرير إلى أمثلة أخرى للمشكلات التي تواجه مسلمي سويسرا تمثلت في "رفض السلطات منح الجنسية بحجة عدم الاندماج في المجتمع، ومشاركة الفتيات بالتحديد في دروس التربية الرياضية الإجبارية والمشاركة في المخيمات المدرسية التي تكون مختلطة وإجبارية في بعض المناطق التعليمية".
ورصد التقرير نتائج دراسة أعدتها جامعة زيورخ بألمانيا عام 2004 حول صورة المسلمين في الإعلام السويسري، وخلصت إلى أن الإعلام "يضع المسلمين في صورة دعاة عنف ومحبي نزاعات ومعادين للمرأة، ويشكلون خطرًا على قيم الحياة الأوروبية".
وكان حزب الشعب اليميني بسويسرا قد عزز هيمنته على المجلس الوطني (مجلس النواب) بزيادة عدد مقاعده إلى 62 من إجمالي 200 مقعد، وذلك في الانتخابات العامة التي أجريت في أكتوبر 2007؛ ما يمكنه بشكل أكبر من فرض أجندته السياسية، سواء كان خارجيًّا أم داخليًّا.