أساس الأسرة زوجان متحابان



من الواضح أن نوعية العلاقة بين الزوجين تصبغ الأسرة كلها بصباغها، وهذا أمر طبيعي، فالأبوان المتحابان المتفاهمان يجعلان الجو بهيجاً، ويجعلان بناء الأسرة متينا ومنسجما، والحقيقة: أن تفاهم الزوجين وتحاببهما يترك آثارا بعيدة المدى في حياة الأبناء؛ حيث إنهم يتشربون من آبائهم وأمهاتهم المعايير والمفاهيم والتقاليد التي سيعاملون بها أزواجهم وزوجاتهم في المستقبل، فالبنت تعامل زوجها وتتوقع منه بحسب الخبرة التي اكتسبتها من خلال معايشتها لأبويها، وكذلك الابن؛ ولهذا فإن التجربة علمت العامة أن يسألوا عن أهل الأم، أي أخوال البنت وخالاتها؛ لأنهم وجدوا أن البنت تتطبع بطباع والدتها.
نحن نستطيع إذاً أن نقول: إن تفاهم الزوجين هو أكبر هدية يقدمانها لأولادهما، وهذا التفاهم يرتكز إلى المبادئ والمفاهيم الآتية.
أ - أن الذي يتزوج - رجلا كان أم امرأة - بنية الأخذ والاستمتاع وتلبية حاجاته الخاصة، يبدأ بداية مزيفة؛ لأنه لا يعرف المعنى العميق للحياة الزوجية، الذي يتجسد في التضحية والعطاء وليس الأخذ.
ب - تقدير الرجل للمرأة وتقدير المرأة للرجل هو مفتاح التفاهم، لكن التقدير يكون مجوفا ولا معنى له إذا لم يقم على الحرص على فهم اهتمامات الشخص الذي نقدره، والعمل على مراعاتها.
جـ - احترام الشريك ينبغي أن يشتمل على احترام أفكاره ووجهة نظره.
د - الاختلاف بين طبيعتي الرجل والمرأة هو الأساس، وهذا ينعكس على اهتماماتهما ونظرتهما للأمور.
هـ - العلاقة الحقيقية بين الزوجين، هي علاقة روحية وعلاقة صداقة، وإذا ظلت العلاقة بينهما في حدود العلاقة الجسدية فإنها ستكون باهتة ومعتمة وسطحية وذات طابع مصلحي.
و - للزوجة رغبات وللزوج رغبات، وللزوجة حاجات، وللزوج - أيضاً - حاجات، والطريقة الصحيحة للتعامل معها، هي المساعدة على قضاء الحاجات، وتقليل التدخل في الرغبات قدر الإمكان، فالناس يحبون من يساعدهم في قضاء حاجاتهم، ولا يسمحون لأحد بالتدخل في رغباتهم.
ز - حين يقع صدام واختلاف بين الزوجين، فإن عليهما أن يتعلما كيف يقومان بتطويقه وتحجيمه وتقصير مدته، وإلا فقد تكون أيام خصامهما أكثر من أيام صفائهما، وهذا ما لا يرجوه أحد.
التسامح.. استدراك على القصور
يعني التسامح: التنازل عن شيء من حظوظ النفس، وأحيانا التنازل عن شيء من الحقوق، ويعني التسامح - أيضاً - غض الطرف عن بعض الأخطاء التي يقع فيها أحد أفراد الأسرة، صغيراً كان أم كبيراً، والهدف من التسامح جعل العلاقات الأسرية صافية ووثيقة، والإبقاء على تماسك الأسرة وتلاحمها، أما الداعي إلى التسامح فنوع من اليسر والكرم والشهامة التي ينبغي أن يتخلق بها كل مسلم، والداعي إليه ثانياً هو تسوية من نتسامح معه بأنفسنا، فنحن نحب من يعفو عن زلاتنا، ومن يتنازل عن بعض حقوقه من أجلنا، وعلينا أن نفعل ذلك مع غيرنا استرشادا بقوله[: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (متفق عليه).
والداعي إلى التسامح أخيراً قصور فهمنا لأحوال بعضنا ولخلفيات تصرفات الناس حولنا، وقصورنا في تفسير تلك التصرفات؛ إذ إننا مهما اختلطنا ببعضنا؛ فإن هناك أموراً كثيرة يمكن أن نفهمها بطريقة غير صحيحة، هذا طفل في المرحلة الابتدائية طلب من والدته في أحد الأيام السماح له بعدم الذهاب إلى المدرسة بسبب الوهن الذي يشعر به، ورفضت الأم ذلك لظنها أن هذا سبب مفتعل وأن الطفل لم يرد الذهاب إلى المدرسة؛ لأنه لم يكمل كتابة واجباته، وذهب الطفل مكرهاً، وبعد ساعتين اتصلت المدرسة، وطلبت حضور والد الطفل حتى يرجعه إلى المنزل بسبب الإغماء الذي حدث له، وهذه فتاة دخلت إلى غرفة أبويها دون أن تطرق الباب، فانزعج والدها انزعاجاً شديداً، ووبخها على ذلك، وصارت الفتاة تبكي، ثم تبين أن الفتاة ظنت أن أبويها غير موجودين في الغرفة، وهذا الظن مبني على إخبار أخيها الصغير لها بوجود أبويها في حديقة المنزل،
في مواقف مثل هذين الموقفين نسيء التصرف؛ لأننا لم نفهم الأمور على النحو الصحيح، ويكون علينا أن نعتذر حتى نستدرك قصور فهمنا وتحليلنا وسوء تصرفنا، وقد قالوا: إن المعرفة الكاملة صفح كامل، وبما أن معرفتنا ناقصة، فإن صفحنا سيظل ناقصاً، وعلينا أن نتدارك ذلك النقص من خلال العفو وغض الطرف.


اعداد: د. عبدالكريم بكار