بحث قصير دال قرأت بعضا من معانيه قبلا لكنني فقدت أصله؛ لذا آثرت نقله من فور قراءتي إياه في كتاب "النهاية في غريب الحديث والأثر"، ج2، ص199 -200

( رَجَزَ ) ( س ) فِي حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ حِينَ قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ شَاعِرٌ فَقَالَ : لَقَدْ عَرَفْتُ الشِّعْرَ ; رَجَزَهُ وَهَزَجَهُ وَقَرِيضَهُ فَمَا هُوَ بِهِ .
الرَّجَزُ : بَحْرٌ مِنْ بُحُورِ الشِّعْرِ مَعْرُوفٌ وَنَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِهِ ، يَكُونُ كُلُّ مِصْرَاعٍ مِنْهُ مُفْرَدًا ، وَتُسَمَّى قَصَائِدُهُ أَرَاجِيزَ ، وَاحِدُهَا أُرْجُوزَةٌ ، فَهُوَ كَهَيْئَةِ السَّجْعِ إِلَّا أَنَّهُ فِي وَزْنِ الشِّعْرِ .
وَيُسَمَّى قَائِلُهُ رَاجِزًا ، كَمَا يُسَمَّى قَائِلُ بُحُورِ الشِّعْرِ شَاعِرًا .
قَالَ الْحَرْبِيُّ : وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّهُ جَرَى عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ضُرُوبِ الرَّجَزِ إِلَّا ضَرْبَانِ : الْمَنْهُوكُ ، وَالْمَشْطُورُ . وَلَمْ يَعُدُّهُمَا الْخَلِيلُ شِعْرًا ، فَالْمَنْهُوكُ كَقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْبَرَاءِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ يَقُولُ : أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ
وَالْمَشْطُورُ كَقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ جُنْدُبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمِيَتْ إِصْبَعُهُ فَقَالَ : هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ
وَرُوِيَ أَنَّ الْعَجَّاجَ أَنْشَدَ أَبَا هُرَيْرَةَ : سَاقًا بِخَنْدَاةً وَكَعْبًا أَدْرَمَا .
فَقَالَ : كَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُعْجِبُهُ نَحْوُ هَذَا مِنَ الشِّعْرِ .
قَالَ الْحَرْبِيُّ : فَأَمَّا الْقَصِيدَةُ فَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّهُ أَنْشَدَ بَيْتًا تَامًّا عَلَى وَزْنِهِ ، إِنَّمَا كَانَ يُنْشِدُ الصَّدْرَ أَوِ الْعَجُزَ ، فَإِنْ أَنْشَدَهُ تَامًّا لَمْ يُقِمْهُ عَلَى مَا بُنِيَ عَلَيْهِ ، أَنْشَدَ صَدْرَ بَيْتِ لَبِيدٍ : أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ وَسَكَتَ عَنْ عَجُزِهِ وَهُوَ : وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ
وَأَنْشَدَ عَجُزَ بَيْتِ طَرَفَةَ : وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ وَصَدْرُهُ : سَتُبْدِي لَكَ الْأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلًا
وَأَنْشَدَ ذَاتَ يَوْمٍ : أَتَجْعَلُ نَهْبِي وَنَهْبَ الْعُبَيـْ ـدِ بَيْنَ الْأَقْرَعِ وَعُيَيْنَةَ
فَقَالُوا : إِنَّمَا هُوَ : بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ
فَأَعَادَهَا : بَيْنَ الْأَقْرَعِ وَعُيَيْنَةَ ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ .
ثُمَّ قَرَأَ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ .
وَالرَّجَزُ لَيْسَ بِشِعْرٍ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ . وَقَوْلُهُ : أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ لَمْ يَقُلْهُ افْتِخَارًا بِهِ ; لِأَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الِانْتِسَابَ إِلَى الْآبَاءِ الْكُفَّارِ ، أَلَا تَرَاهُ لَمَّا قَالَ لَهُ الْأَعْرَابِيُّ : يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ : قَدْ أَجَبْتُكَ ، وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِالْإِجَابَةِ كَرَاهَةً مِنْهُ لِمَا دَعَاهُ بِهِ ، حَيْثُ لَمْ يَنْسُبْهُ إِلَى مَا شَرَّفَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ ، وَلَكِنَّهُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ : أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى رُؤْيَا رَآهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ كَانَتْ مَشْهُورَةً عِنْدَهُمْ ، رَأَى تَصْدِيقَهَا ، فَذَكَّرَهُمْ إِيَّاهَا بِهَذَا الْقَوْلِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .