عن ابن عباس في قوله : *( و إذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك )* قال :

" تشاورت قريش ليلة بمكة , فقال بعضهم : إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي

صلى الله عليه وسلم , و قال بعضهم : اقتلوه , و قال بعضهم : بل أخرجوه , فأطلع

الله عز وجل نبيه على ذلك , فبات علي على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك

الليلة , و خرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار , و بات المشركون

يحرسون عليا , يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم فلما أصبحوا ثاروا إليه , فلما

رأوا عليا رد الله مكرهم , فقالوا : أين صاحبك هذا ? قال : لا أدري , فاقتصوا

أثره , فلما بلغوا الجبل خلط عليهم , فصعدوا في الجبل , فمروا بالغار , فرأوا

على بابه نسج العنكبوت , فقالوا : لو دخل ههنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه ,

فمكث فيه ثلاث ليال " .



قال ابن كثير عقبه :

" و هذا إسناد حسن , و هو من أجود ما روي في قصة العنكبوت على فم الغار " .


قال العلامة الألباني رحمه الله معقبا على كلام ابن كثير السابق كذا قال , و ليس بحسن في نقدي , لأن عثمان الجزري إن كان هو عثمان بن عمرو بن

ساج الجزري فقد قال ابن أبي حاتم في " الجروح و التعديل " ( 3/1/162 ) عن أبيه

:

" لا يحتج به " .

و أورده الذهبي في " الضعفاء " و قال :

" تكلم فيه " .

و إن كان هو عثمان بن ساج الجزري ليس بينهما عمرو , فقد جنح الحافظ في "

التهذيب " إلى أنه غير الأول , و لا يعرف حاله , و لم يفرق بينهما في " التقريب

" , و قال :

" فيه ضعف " .

و ابن عمرو لم يوثقه أحد غير ابن حبان , و من المعروف تساهله في التوثيق ,

و لذلك فهو ضعيف لا يحتج به كما قال أبو حاتم .

و قال الهيثمي في " المجمع " ( 7/27 ) :

" رواه أحمد و الطبراني , و فيه عثمان بن عمرو الجزري , وثقه ابن حبان و ضعفه

غيره , و بقية رجاله رجال الصحيح " .

و لذلك قال المحقق أحمد شاكر في تعليقه على " المسند " :

" في إسناده نظر " .

ثم إن الآية المتقدمة *( و أيده بجنود لم تروها )* فيها ما يؤكد ضعف الحديث ,

لأنها صريحة بأن النصر و التأييد إنما كان بجنود لا ترى , و الحديث يثبت أن

نصره صلى الله عليه وسلم كان بالعنكبوت , و هو مما يرى , فتأمل .

و الأشبه بالآية أن الجنود فيها إنما هم الملائكة , و ليس العنكبوت و لا

الحمامتين , و لذلك قال البغوي في " تفسيره " ( 4/174 ) للآية :

" و هم الملائكة نزلوا يصرفون وجوه الكفار و أبصارهم عن رؤيته " .

و قد جاء في بعض الحديث ما يشهد لهذا المعنى , و هو ما أخرج أبو نعيم عن أسماء

بنت أبي بكر رضي الله عنها :

" أن أبا بكر رضي الله عنه رأى رجلا مواجه الغار , فقال : يا رسول الله إنه

لرائينا , قال : كلا إن الملائكة تستره الآن بأجنحتها , فلم ينشب الرجل أن قعد

يبول مستقبلهما , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر لو كان يراك

ما فعل هذا " .

و أخرجه الطبراني مطولا في قصة الهجرة , و قال الهيثمي ( 6/54 ) :

" رواه الطبراني و فيه يعقوب هذا أنه حسن الحديث , و قال الحافظ فيه :

" صدوق , ربما وهم " .

فإذا لم يكن في الإسناد علة أخرى فهو حسن , و لكني لا أستطيع الجزم بذلك لأن

الهيثمي رحمه الله قد عهدنا منه السكوت في كثير من الأحيان عن العلة في الحديث

مثل الانقطاع و التدليس و نحو ذلك , و لذلك نراه نادرا ما يقول : إسناد صحيح ,

أو : إسناد حسن , و إنما يقول : رجاله ثقات , أو موثقون . أو : فيه فلان و هو

ضعيف , أو : مختلف فيه و نحو ذلك . و لذلك فلا ينبغي للعارف بهذا العلم أن يصحح

أو يحسن بناء على مثل تلك العبارات منه . فإذا يسر الله لنا الوقوف على إسناد

الطبراني أو أبي نعيم استطعنا الحكم على الحديث بما يستحقه من رتبة . والله

الموفق .

ثم وقفت على إسناده في " المعجم الكبير " للطبراني ( 24/106/284 ) فتبين أنه

حسن لولا أن شيخ الطبراني أحمد بن عمرو الخلال المكي لم أقف له على ترجمة ,

و قد أخرج له في " المعجم الأوسط " ( 1/29/1 - 30/1 ) نحو 16 حديثا , مما يدل

على أنه من شيوخه المشهورين , فإن عرف أو توبع فالحديث حسن , يصلح دليلا على

نكارة ذكر العنكبوت و الحمامتين . والله أعلم .

وانظر مشكاة المصابيح حديث رقم 5934