مفهوم عقيدة الولاء والبراء في الاسلام
من خصائص المجتمع المسلم الصحيح الذي أمر الله عزوجل بناءه في الدولة الاسلامية يعتمد على خاصتين اثنتين , لا يستقيم الدين الا عليهما ألا وهما عقيدة الولاء والبراء... فما هما هاتان العقيدتان أو الخاصتان, وسنتناول كل واحدة على حدة كي ندرك أين موقع المجتمع الاسلامي المعاصر منهما.
الولاء يكون لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين ... والبراء هو من كل كافر ومشرك وملحد وكل من يعاند شرع الله وحادّ الله ورسوله, واتبع طريقا مخالفا لطريق المؤمنين من المشركين والكفرة ومن والاهم الى يوم الدين.
وقد تناول القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة هاتان الخاصتان باسهاب, ولأنّ الصحابة رضوان الله عليهم كانوا قد تفاعلوا معها باخلاص تام فقد استحقوا مدح الله عزوجل باسباع رضاه تبارك وتعالى عليهم كما في قوله تعالى في سورة المجادلة 22:
رضيَ اللهُ عنهُم ورضوا عنهُ, أولئكَ حزبُ اللهِ, ألا انّ حزبَ همُ المفلحون
انّ هاتان الصفتان الولاء والبراء هما من أهم روابط المجتمع الاسلامي, وان تحققتا في مجتمع ما جعلته مجتمعا مترابطا متماسكا تسودة المحبة والالفة والنصرة, وتصونه من كل ما يعترض مجتمعاتنا من محاكاة الغرب على كافة المستويات, الغرب الذي ينتهج سياسة فرّق تسد, وقد نجح فيها الى حد ما, ودليل ذلك الخنوع والتراجع الذي تعيشه المجتمعات الاسلامية التي لم تعد تسير على نهج الله تعالى بالشكل المطلوب كما رسمه لهم القرآن الكريم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم, ولقد قالها النبي صلى الله عليه وسلم نصيحة لأمته من بعده قبل ما يزيد عن أربعة عشرة قرنا: لن تضلوا أبدا ما ان تمسكتم بكتاب الله وسنتي عضوا عليها بالنواجذ.... وفي رواية أخرى: عليكم بكتاب الله وسنتي وسنة الخلفاء الراشدون من بعدي عضوا عليها بالنواجذ.
انّ الايمان الحقيقي يتركزفي هاتين الركيزتين اللتين ترتكز عليهما العقيدة الاسلامية فريضة من الله عزوجل , وليس أدلّ من فرضيتها وأهميتها من اعتناء القرآن بتقريرها،, فمرة يذكرها على اعتبار أنها الرابطة الإيمانية التي تجمع المؤمنين فتحثهم على فعل الصالحات، قال تعالى في سورة التوبة 71: والمؤمنونَ والمؤمناتِ بعضُهُمْ أولياءُ بعضٍ يأمرونَ بالمعروفِ وينهوْن عن المنكرِ ويقيمونَ الصلاةَ ويؤتونَ الزكاةَ ويطيعونَ اللهَ ورسولهُ, أولئك سيرحمُهُمُ الله, إنَّ الله َعزيزٌ حكيم ٌ.
ومرة يذكرها محذرا من الانسياق وراء تحالفات تضع المسلم جنبا الى جنب مع الكافر في معاداة إخوانه المسلمين، قال تعالى في سورة آل عمران 28: لا يتخِذِ المؤمنونَ الكافرينَ أولياءَ من دونِ المؤمنينَ, ومن يفعلْ ذلكَ فليسَ مِنَ اللهِ في شيءٍ إلاّ أنْ تتقوا منهُمْ تُقاةً, ويحُذرِّكُم ُاللهُ نفسَهُ, وإلى اللهِ المصيرُ.
ومرة يذكر عقيدة الولاء والبراء على أنها الصبغة التي تصبغ المؤمنين ولا يمكن أن يتصفوا بما يناقضها، قال تعالى في سورة المجادلة 22: لا تجدُ قوماً يؤمنونَ باللهِ واليومِ الآخرِ يُوادّونَ مّنْ حادَّ الله َورسولهُ ولو كانوا آباءَهُمْ أو أبناءَهُمْ أو إخوانهُمْ أو عشيرتهَمْ, أولئك كتبَ في قلوبهمْ الإيمانَ وأيدّهُمْ بروحٍ منه ويُدخلَهُمْ جناتٍ تجري من تحتها الأنهارُ خالدينَ فيها , رضيَ الله عنهُم ورضوا عنهُ, أولئكَ حزبُ اللهِ, ألا إنَّ حزبَ اللهِ همُ المفلحون .
اذا أردت أن تعلم مكانة الاسلام من أهله , فلا تنظر الى زحامهم على أبواب المساجد يوم الجمع والأعياد, وانما انظر الى زحامهم على أبوابها في العتمات والظلم, وهؤلاء وصفهم الله عزجل بقوله في سورة النور 36- 37 بقوله: في بيوتٍ أذِنَ اللهُ أنْ ترُفعَ ويُذكرَ فيها اسمُهُ, يُسبح لهُ فيها بالغُدوِّ والآصالِ* رجالٌ لا تُلهيهِمْ تجارةٌ ولا بيعٌ عنْ ذكْرِ اللهِ واقامِ الصلاةِ وايتاءِ الزكاةِ, يخافونَ يوماً تتقلَّبُ فيهِ القلوبُ والأبصارُ...
. وفي قوله تعالى يشهد لهم بالايمان والهداية كما في قوله في سورة التوبة 18: انما يَعْمُرُ مساجدَ اللهِ مَنْ آمنَ باللهِ واليومِ الآخرِ وأقامَ الصلاة َوآتى الزكاةَ , أولئك عسى أنْ يكونوا مِنَ المُهتدينَ.
وبشرهم المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه بالنور التام على الصراط كما في قوله عليه الصلاة والسلام: وبشّر المشائين الى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة.
واذا أردت ان تعلم مكانة الاسلام من أهله فلا تنظر الى صلاة المرء ولا الى صيامه بل انظر الى كلمة الصدق والوفاء بالعهد وحفظ الأمانة, تماما كما قال الفاروق رضي الله عنه: لا تنظروا الى صلاة المرء ولا الى صيامه ولكن انظروا الى صدقه في الحديث.
انّ أبرز صور ولاء المؤمن لأخيه المؤمن هو ولاء الود والمحبة: وهذا يعني أن يحمل المسلم لأخيه المسلم كل حب وتقدير، فلا يكيد له ولا يعتدي عليه ولا يمكر به. بل يمنعه من كل ما يمنع منه نفسه، ويدفع عنه كل سوء يراد له، ويحب له من الخير ما يحب لنفسه، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الامام مسلم رحمه الله : ( مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
الاسلام دين الحياة الاجتماعية السليمة, ويريد من أتباعه أن يكونوا كالجبل الشامخ لا تهزه ريح ولا تؤثر فيه العواصف والرياح العاتية, ويريد من أتباعه أن يكونوا كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر, اذا وصلنا الى هذه الدرجة من الحياة عندها نستطيع أن نعيش بأمن وامان وطمأنينة وسلام, عندها ترفرف علينا أجنحة الحب والرفاهية والشعور بالسعادة, عندها نشعر اننا لسنا وحدنا في المعاناة , فهناك اخواننا المؤمنين يمسحون عنا ألامنا وأحزاننا ويقيلون عثراتنا , ويعينوننا على هموم الدنيا ومصائبها... اذا وصلنا الى هذه الدرجة من الايمان عندها نسود على كل من يعادينا بفضل الله تعالى وارادته ومنته.
روى الحاكم وقال صحيح الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجته، وأشار بأصبعه , أفضل من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرين.
وروى الامامين البخاري ومسلم رحمهما الله , عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: على كل مسلم صدقة. قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق. قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف.
فالأصل أنّ المسلم يساعد أخاه المسلم, بقدر إمكانياته بيده، بماله، ولا يضيق به مؤثراً السكينة وقد أخلد إلى الراحة.. بينما نجد غيره من إخوته تؤرقهم الهموم، وتقض مضاجعهم المحن.. وبإمكانه أن يمسحها بشيء من الإيثار ولو على حساب راحته.
راغبون وفي كل ذلك يلتمسون الأجر والقرب منه تعالى.
ومن صور الولاء أيضا ولاء النصرة والتأييد: وذلك في حال ما إذا وقع على المسلم ظلم أو حيف، فإن فريضة الولاء تقتضي من المسلم أن يقف إلى جانب أخيه المسلم، يدفع عنه الظلم، ويزيل عنه الطغيان، وروى الامام البخاري رحمه الله عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:انصر أخاك ظالما أو مظلوما. قالوا يا رسول الله: هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما ؟ قال : تأخذ فوق يديه , أي تمنعه من الظلم.
فمن هذا الولاء يرث المجتمع المسلم حماية ذاتية، تحول دون نشوب العداوات بين أفراده، وتدفعهم جميعا للدفاع عن حرماتهم وعوراتهم. وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم
ومن صور الولاء أيضا النصح لهم والشفقة عليهم: وفي الحديث المتفق عليه روى جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم.
هل البراءة من الكافرين ومن والاهم فرض؟
أجل!! وليس هذا فحسب بل هو أمر الهي مُدوّن في القرآن الكريم يُعمل به الى قيام الساعة, لقوله عزوجل قي سورة آل عمران 28: لا يتخِذِ المؤمنونَ الكافرينَ أولياءَ مِنْ دونِ المؤمنينَ, ومَنْ يفعلْ ذلكَ فليسَ مِنَ اللهِ في شيءٍ إلاَّ أن تتقوا منهُمْ تُقاةً, ويحُذِّرَكُمْ اللهُ نفسَهُ, وإلى اللهِ المصيرُ
ومن أخطر صور الموالاة التي يحرمها الإسلام ويقضي على صاحبها بالردة والكفر ما يلي:
1- ولاء الود والمحبة للكافرين: فقد نفى الله عز وجل وجود الإيمان عن كل من وادّ الكافرين ووالاهم، لقوله تعالى في آخر آية من سورة المجادلة 22 الآنفة الذكر.
لا تجدُ قوماً يؤمنونَ باللهِ واليومِ الآخرِ يُوادّونَ مّنْ حادَّ الله َورسولهُ ولو كانوا آباءَهُمْ أو أبناءَهُمْ أو إخوانهُمْ أو عشيرتهَمْ, أولئك كتبَ في قلوبهمْ الإيمانَ وأيدّهُمْ بروحٍ منه ويُدخلَهُمْ جناتٍ تجري من تحتها الأنهارُ خالدينَ فيها , رضيَ الله عنهُم ورضوا عنهُ, أولئكَ حزبُ اللهِ, ألا إنَّ حزبَ اللهِ همُ المفلحون .
وهذه الآية الكريمة نزلت في أبو عبيدة بن الجراح, وأبو بكر الصديق, ومصعب بن عمير , وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وحمزة وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم أجمعين, فقوله تعالى ولو كانوا آباءهم: نزلت في أبو عبيدة عندما قتل أباه في معركة بدر.. وقوله تعالى: أو أبناءهم: نزلت في أبو بكر عندما همّ يومئذ بقتل ابنه عبد الرحمن, لولا أن منعه النبي صلى الله عليه وسلم من قتله, وما كان منعه عليه الصلاة والسلام الا لحكمة الهية بأنه سيسلم وسيكون علما من أعلام المسلمين رضي الله عنه وأرضاه.. واما قوله تعالى: أو اخوانهم: فقد نزلت في أول سفير للاسلام مصعب بن عمير عندما قتل أخاه عبيد يومئذ.. ,اما قوله تعالى: أو عشيرتهم: فقد نزلت في الفاروق عمر عندما قتل قريبا له يومئذ, وفي حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم جميعا وأرضاهم, عندما قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يومئذ والله اعلم.
إلا أن هذه المفاصلة والمفارقة لا تمنع من البر بالكافرين المسالمين والإحسان إليهم - ما لم يكونوا لنا محاربين – لقوله تعالى في سورة الممتحنة 8: لا ينهاكُمُ اللهُ عنِ الذين لمْ يُقاتلوكُمْ في الدينِ ولمْ يخُرجوكُمْ مِنْ ديارِكُم ْأنْ تَبرُّوهُمْ وتُقسِطوا إليهِمْ إنَّ اللهَ يحبُّ المقسطينَ.
2- ولاء النصرة والتأييد للكافرين على المسلمين: ذلك أن الإسلام لا يقبل أن يقف المسلم في خندق واحد مع الكافر ضد إخوانه المسلمين، لقوله عزوجل في سورة النساء 44:
يا أيها الذينَ آمنوا لا تتخذوا الكافرينَ أولياءَ مِنْ دونِ المؤمنينَ أتريدونَ أنْ تجعلوا للهِ عليكُمْ سُلطاناً مُبيناً.
ولقوله عزوجل في سورة المائدة 81: ولو كانوا يُؤمنونَ باللهِ والنبيِّ وما أنُزلَ إليهِ ما اتخذوهُمْ أولياء, ولكنَّ كثيراً منهُمْ فاسقونَ .
ويقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله عن هذه الآية : فذكر جملة شرطية تقتضي أن إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف لو التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط فقال: ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء فدلّ ذلك على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، لا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودلَّ ذلك على أن من اتخذهم أولياء، ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي، وما أنزل إليه.
صور من الولاء المحرّم في الاسلام
1- تنصيب الكافرين أولياء أو حكاما على المسلمين: بأي نوع من التسلط , لقوله تعالى في سورة النساء 141: ولنْ يجعلَ اللهُ للكافرينَ على المؤمنينَ سبيلا ًولأن أبا موسى الأشعري قدم على عمر رضي الله عنهما, ومعه كاتب نصراني فانتهره عمر وقال : لا تأمنوهم وقد خونهم الله، ولا تدنوهم وقد أبعدهم الله، ولا تعزوهم وقد أذلهم الله.
ويقول النووي رحمه الله فيما نقله صاحب الكفاية: لأن الله تعالى قد فسّقهم فمن ائتمنهم فقد خالف الله ورسوله وقد وثق بمن خونه الله تعالى .
2- اتخاذهم أصدقاء وأصفياء: لقوله تعالى في سورة آل عمران 118: يا أيها الذينَ آمنوا لا تتخذوا بِطانةً مِنْ دونكُمْ لا يأْلونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عنِّتُمْ قدْ بدَتْ البغضاءُ مِنْ أفواههم , وما تخُفي صدورُهُمْ أكبرُ, قدْ بيَّنا لكُمُ الآياتِ, إن كنتُمْ تعقلون.
وقال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية: لا تتخذوا أولياء وأصدقاء لأنفسكم من دونكم، يقول: من دون أهل دينكم وملتكم، يعني من غير المؤمنين .. فنهى الله المؤمنين به أن يتخذوا من الكفار به أخلاء وأصفياء، ثم عرفهم ما هم منطوون عليه من الغش والخيانة، وبغيهم إياهم الغوائل، فحذرهم بذلك منهم ومن مخالتهم.
3- البقاء في ديار الكفر دون عذر مع عدم القدرة على إقامة شعائر الإسلام، لقوله تعالى في سورة النساء 97: إن الذينَ توفاهُمُ الملائكةُ ظالمي أنفُسهِمْ قالوا فيمَ كنتمْ, قالوا كُنا مُستضعفينَ في الأرضِ , قالوا ألمْ تكُنْ أرضُ اللهِ واسعةً فتُهاجروا فيها, فأولئكَ مأواهُمْ جهنَّمُ, وساءتْ مصيراً.
4- التشبه بهم في هديهم الظاهر ومشاركتهم أعيادهم، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داوود رحمه الله: من تشبه بقوم فهو منهم .
وهناك أمور لا تقتضي البراء من الكافرين براءً جذرياُ
ربما ظنَّ البعض أن معاداة الكافرين تقتضي أن يقطع المسلم كل صلة بهم، وهذا خطأ، فالكافر غير المحارب إن كان يعيش بيننا أو سافرنا نحن لبلاده لغرض مشروع فالاتصال به ومعاملته يوشك أن يكون ضرورة لا بد منها، ذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم كان قد استعان بصفوان بن أمية رضي الله عنه, في غزوة حنين وصفوان لا زال على الشرك يومها, وكان من أكبر تجار السلاح في مكة, فأمدّ المسلمين بثلاثة قطعة حربية ما بين رمح وترس وقوس.
ولأجل المصلحة العامة فقد أباح الشرع صنوفا من المعاملات مع المشركين منها:
1. إباحة التعامل معهم بالبيع والشراء، واستثنى العلماء بيع آلة الحرب لهم وما يتقووا به علينا، ولا يخفى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته كانوا يبيعون ويشترون من اليهود، بل ومات عليه السلام ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين صاعا من شعير كما روى ذلك الامام أحمد وغيره رحمهم الله.
2. إباحة الزواج من أهل الكتاب وأكل ذبائحهم وبشروط: لقوله تعالى في سورة المائدة 5 اليوم َأُحِلَّ لكُمُ الطيباتُ, وطعامُ الذينَ أُوتوا الكتابَ حِلٌّ لكُمْ وطعامُكُمْ حِلٌّ لهُمْ, والمحصناتِ مِنَ المؤمناتِ والمحصناتِ مِنَ الذينَ أُوتوا الكتابَ من قبلِكُمْ .
3. اللين في معاملتهم ولا سيما عند عرض الدعوة عليهم: لقوله تعالى في سورة النحل 125 ادعُ إلى سبيلِ ربكَ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ وجادلهُمْ بالتي هيَ أحسن .
وبهذا أمر الله نبيه موسى عليه الصلاة و السلام أن يفعل مع الطاغية فرعون، لقوله تعالى في سورة طه 44: فقولا لهُ قولاً ليِّناً .
4. العدل معهم وعدم ظلمهم في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم: ولا يحق لمسلم أن ينتهك عرض الكافر والمشرك المسالم, ولا يستولي على ماله ظلما وعدوانا بغير حق, ولا يحلّ له قتله ظلما, فالكافر والمشرك في كفره حسابه على الله, لقوله تعالى في سورة الممتحنة 8:
لا ينهاكُمُ اللهُ عنِ الذين لمْ يُقاتلوكُمْ في الدينِ ولمْ يخُرجوكُمْ مِنْ ديارِكُم ْأنْ تَبرُّوهُمْ وتُقسِطوا إليهِمْ إنَّ اللهَ يحبُّ المقسطينَ
.وروى الامام البخاري رحمه الله عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما. والمعاهد هو المسالم الذي لا يريد قتال المسلمين.
5. الإهداء لهم وقبول الهدية منهم: اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم بقبوله صلى الله عليه وسلم هدية المقوقس ملك القبط في مصر.
6. عيادة مرضاهم إذا كان في ذلك مصلحة: فقد روى الامام البخاري رحمه الله عن أنس رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أسلم، فنظر الولد إلى أبيه وهو عنده. فقال له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. فأسلم. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار.
7. التصدق عليهم والإحسان إليهم: لقوله تعالى في سورةلقمان 15: وإنْ جاهداكَ على أنْ تُشركَ بي ما ليسَ لكَ به علمٌ فلا تُطعِهما وصاحبْهُما في الدنيا معروفاً.
وروى الامام البخاري رحمه الله عن أسماء بن أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت على أمي وهي مشركة .. فاستفتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصل أمي، قال: نعم صلي أمك.
8. الدعاء لهم بالهداية إلى الإسلام، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وذلك حين دعا النبي صلى الله عليه وسلم لطوائف من المشركين منهم دوس، فقال صلى الله عليه وسلم:اللهماهد دوسا وأت بهم.
من ثمرات احياء عقيدة الولاء والبراء في الأمة
1. ظهور العقيدة الصحيحة وبيانها وعدم التباسها بغيرها وتحقيق المفاصلة بين أهل الكفر وأهل الإسلام: لقوله تعالى في سورة الممتحنة 4: قدْ كانتْ لكُمْ أُسوةٌ حسنةٌ في إبراهيمِ والذينَ معَهُ إذ قالوا لقومهِمْ إنا برآءٌ منكُم وممَّا تعبدونَ مِنْ دونِ اللهِ كفرنا بكُم وبدا بيننا وبينكُمُ العداوةَ والبغضاءَ أبداً حتى تؤمنوا باللهِ وحدَهُ.
2. حماية المسلمين سياسيا بما يوجبه الإسلام من مبدأ الولاء والبراء: بحيث يمنع من الانجرار وراء الأعداء، وما تسلط الكفار على المسلمين وتدخلوا في شؤونهم إلا نتيجة إخلالهم بهذا الأصل العظيم .
3. تحقيق التقوى والبعدعن كل ما يسخط الله سبحانه منا:لقوله تعالى سورة المائدة 80: ترى كثيراً منهُم يتولوْن َالذينَ كفروا , لبئسَ ما قدَّمتْ لهُمْ أنفسُهُمْ أنْ سخِطَ اللهُ عليهمْ وفي العذابِ هُمْ خالدونَ
ولقوله تعالى في سورة هود 113: ولا تركَنوا إلى الذينَ ظَلموا فتمَسَّكُمْ النارُ.
إن عقيدة الولاء والبراء هي عقيدة صيانة الأمة وحمايتها من أعدائها، كما أنها سبب للألفة والإخاء بين أفرادها، وهي ليست عقيدة نظرية تدرس وتحفظ في الذهن مجردة عن العمل؛ بل هي عقيدة عمل ومفاصلة، ودعوة ومحبة في الله، والكره من أجله سبحانه وتعالى, والجهاد في سبيله عزوجل جهادا صادقا يبتغى فيه وجهه الكريم.
نعم انها تقتضي كل هذه الأعمال، وبدونها تصبح عقيدةً نظرية سرعان ما تزول، وتضمحل عند أدنى موقف أو محك .
وفقنا الله واياكم مرضاته سبحانه وتعالى, وجعلنا واياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه برحمتك يا أرحم الراحمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ما أصبت به في هذا البحث فمن الله وحده, وما أخطأت فمن نفسي الخاطئة ومن الشيطان
الرجاء من الأخوة والأخوات من يجد خطأ في نصٍّ قرآنيٍّ أو حديثٍ شريفٍ أن يحيطُنا به علما وأجرُهُ علىالله عزوجل وجلّ.