تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 18 من 18

الموضوع: حكم من قتل نفسه حماية للمسلمين

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    1,469

    افتراضي حكم من قتل نفسه حماية للمسلمين

    من المعلوم أن من قتل نفسه متعمداً فعل كبيرة من كبائر الذنوب

    يقول الله تعالى :(ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما)
    وقد كان رجل من الصحابة أبلى في الجهاد بلاء حسناً، وكان له مواقف جيدة في قتال
    الكفار، ولما انتهت المعركة وكان به جرح لم يصبر على الألم، فقتل نفسه فسئل عنه
    النبي صلى الله عليه وسلم، - فقال هو في النار - وأخبر صلى الله عليه وسلم - أنه
    من قتل نفسه بحديدة فإنه يعذب يوم القيامة في النار بهذه الحديدة التي قتل بها نفسه. ....


    لكن لو أبتلي مسلم بالأسر ،وعلم أن الكفار سوف يعذبونه ،أو يفقدوه وعيه ،ثم
    يحصلون على أسرار، أو معلومات يكون بسببها إبادة للمسلمين أوقتل جمع غفير منهم
    فهل له أن يقتل نفسه لنجاة إخوانه
    .
    قال العلامة الأمين : العقيدة كالأساس والعمل كالسقف فالسقف اذا وجد أساسا ثبت عليه وإن لم يجد أساسا انهار

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    510

    افتراضي رد: حكم من قتل نفسه حماية للمسلمين

    هذه المسألة عويصة وشائكة، وتجاذبها أصلان أولهما: تحريم قتل النفس، وثانيهما: دفع كبرى المفسدتين بارتكاب أدناهما، وللعلماء فيها خلافٌ شديدٌ، فمنهم من يحرمه مطلقاً، ومنهم من يرى ذلك من باب التلجئة والضرورة، ولعل فتح بابه ساهم في ركوب الشباب المحاذير، فهم قد يوردون أنفسهم في المهالك ثم يتذرعون بجواز إتلاف النفس خشية الوصول لأسرار تضر الأمة وتؤذيها، كما أنَّ المبالغة في غلق بابها تحتاجُ إلى تروٍّ وتأنٍّ ومزيد بحث.

    وللشيخ العلامة محمد بن إبراهيم عليه رحمة الله فتوى شهيرة في مجاهدي الجزائر، رخص لهم فيها للأسير إذا خشي على نفسه البوح بأسرار تضر الدولة أن يقتل نفسه، دفعاً للمفسدة الكبرى بارتكاب الصغرى.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,515

    افتراضي رد: حكم من قتل نفسه حماية للمسلمين

    هل كان في الجزائر جهاد وضد من ؟

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    510

    افتراضي رد: حكم من قتل نفسه حماية للمسلمين

    نعم كان فيها جهادٌ عظيم، ضد الفرنسيين، ولا زال بعض علماء الجزائر ومجاهديها أحياء حتى الآن، وممن شارك في ذلك الجهاد المبارك الشيخ: عباسي مدني، وقد أوقف في تلك الفترة وسجن، ومن المفارقات أنه بعد طرد الاحتلال أُعيد إيقافه في ذات السجن الذي أوقفه فيه الفرنسيّون، لكن هذه المرة من قبل الجزائريين والحكومة الوطنيّة المزعومة!.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,515

    افتراضي رد: حكم من قتل نفسه حماية للمسلمين

    جزاكُم اللّه خيرًا على الإجابة.

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,515

    افتراضي رد: حكم من قتل نفسه حماية للمسلمين

    الشيخ الحبيب / أبا حماد :
    هل قرأتم كتاب ( مدارك النظر فى السياسة بين التطبيقات الشرعية و الانفعلات الحماسية ) للشيخ عبد المالك الرمضاني الجزائري ؟

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,515

    افتراضي رد: حكم من قتل نفسه حماية للمسلمين

    وما رأيكم - يا شيخ أبا حماد - في كتاب فتاوى العلماء الأكابر فيما أهدر من الدماء في الجزائر لعبد المالك الجزائري ؟

    بارك اللّهُ فيكم.

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    510

    افتراضي رد: حكم من قتل نفسه حماية للمسلمين

    كانت أحداث الجزائر الأخيرة فتنة حقيقة، شارك فيها أطراف عدة، ما بين الجيش الجزائري، والمخابرات، والشباب الذي غلا في دينه وتشدد في أحكامه، كل أولئك نسجوا نسيجاً واحداً، شكّل لاحقاً تلك الأحداث الدامية.

    أما الكتابان المشار إليهما فقد قرأت الأول منهما، وفيه حق وباطل، وغث وسمينٌ، وتزيّد وتخرّص، وكلام بالرجم بالغيب، وتهويل، وغير ذلك، ومؤلفه معروف بالخوض في أهل العلم والوقيعة فيهم، ومن كان هذا شأنه فغيره أولى وأوثق منه، والحمد لله أن أمثال هؤلاء لم ينفردوا بمعرفة أو يستقلوا بعلم، بل في غيرهم من علماء الأمة وهداتها ودعاتها خيرٌ عظيم.

    والله تعالى أعلم.

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    59

    افتراضي رد: حكم من قتل نفسه حماية للمسلمين

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    لكن لو أبتلي مسلم بالأسر ،وعلم أن الكفار سوف يعذبونه ،أو يفقدوه وعيه ،ثم
    يحصلون على أسرار، أو معلومات يكون بسببها إبادة للمسلمين أوقتل جمع غفير منهم
    فهل له أن يقتل نفسه لنجاة إخوانه
    1- لا يجوز بحال من الأحوال قتل نفسه بسبب ما ذكر في السؤال -الجزء الذي اقتبسته-

    و عليه أن يصبر

    فهذا الشخص محرّم عليه قتل نفسه و يجب عليه أن يصبر

    و لا يوجد في نصوص الكتاب و السّنة ما يدلّ على جواز قتله لنفسه بمثل ما ذكر في السؤال -الجزء الذي اقتبسته-

    2- هذا مع التنبيه بأنّ هذا الكلام :
    رخص لهم فيها للأسير إذا خشي على نفسه البوح بأسرار تضر الدولة أن يقتل نفسه، دفعاً للمفسدة الكبرى بارتكاب الصغرى.
    غير محرر و ليس بدقيق.

    3- تنبيه مهم : بالنسبة لعباس المدني و عبد المالك الرمضاني و كتاب مدارك النظر فليس محله هنا إلا أنّه ينبغي التنبيه بأنّ الشيخ عبد المالك الرمضاني و كتابيه المذكروين كان لهم الكثير من الآثار الإيجابية في الجزائر و بعض تصرفات الشيخ عباس المدني كان لها الكثير من الآثار السلبية في الجزائر. اقتضى ذكر هذا التنبيه بعض المشاركات السابقة لكي لا يبخس حقّ الشيخ عبد المالك الرمضاني أو يغتر ببعض الإنحرافات في المنهج الذي سلكه الشيخ عباس المدني حفظ الله الجميع.

    و في الجملة كتاب مدارك النظر كتاب اطّلع عليه الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني و الشيخ العلامة عبد المحسن العباد و قد أعجبا بهذا الكتاب. فكتاب هكذا حاله حريّ لأهل الجزائر اقتناؤه و الإستفادة منه و من كاتبه.


    و الله أعلم و صلى الله على نبيّنا محمّد و سلّم تسليما كثيرا و تبارك الله عزّوجلّ

    و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    1,469

    افتراضي رد: حكم من قتل نفسه حماية للمسلمين

    بارك الله فيك أخي الباحث ، ونفع بك
    ألا ترى - رعاك الله- أن في جوابك تسرع ..
    حرصك على حياة ذلك المسلم قد تكون في مقابل موت الكثير من إخوانه المسلمين
    ولعل بقية الأخوة يفيدوننا بما لديهم
    وفق الله الجميع
    قال العلامة الأمين : العقيدة كالأساس والعمل كالسقف فالسقف اذا وجد أساسا ثبت عليه وإن لم يجد أساسا انهار

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    59

    افتراضي رد: حكم من قتل نفسه حماية للمسلمين

    السلام عليكم و رحمة الله وبركاته

    لا أرى بأنّ في جوابي شيءا من التسرع بل أراه عين الصواب

    و لا يجوز لإنسان الوقوع في شيء محرّم بسبب إحتمال أو لأجل تهاونه في الصبر

    و قاعدة أخف الضررين تطبّق عند إزدحام الأضرار و لا يمكن الإنفكاك عن ضرر إلا بالوقوع في الآخر و أيضا في ما ورد فيه الدليل من الكتاب و السّنة

    و أما في حالتنا فليس مضطرا الإنسان لقتل نفسه فيمكنه أن يصبر بل يجب عليه أن يصبر

    أما إن فقد وعيه فما يدريه بأنّه بفقدانه لوعيه أنّه سيبيح بأسرار خطيرة فكيف يقدم على شيء محرّم قطعا بسبب إحتمال

    ثم أصلا فاقد الوعي لا يعتمد على خبره

    و أصلا لا أحد يعرف هل عند فقدانه لوعيه سيتكلم بتلك الأسرار أم يتكلم بأمور أخرى

    فكيف يقتل الإنسان نفسه لأمور محتملة ؟!

    هذا على فرض أنّه يوجد نصوص من الكتاب و السّنة أباحت قتل النفس لحالات معيّنة

    و لكن هل توجد هذه النصوص ؟

    و لهذا كان الراجح قطعا أنّه لا يجوز لشخص قتل نفسه بمثل ما ذكر في السؤال - الجزء الذي اقتبسته-

    هذا الذي يقتضيه النظر الصحيح و تدل عليه نصوص الكتاب و السّنة

    و الله أعلم

    و صلى الله على نبيّنا محمّد و سلّم تسليما كثيرا و تبارك الله عزّ و جلّ

    و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

  12. #12

    افتراضي رد: حكم من قتل نفسه حماية للمسلمين

    الواجب دراسة القضية وما تحتويه من الخصوصية ولا يكون الامر مطلق خاصة وان القضية يتجاذبها اصلان عظيمان في الشرع وكل بلد قد تكون ظروفه تختلف عن البلد الاخر والله اعلم

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    1,469

    افتراضي رد: حكم من قتل نفسه حماية للمسلمين

    المختار
    في حكم الانتحار خوف
    إفشاء الأسرار
    كتبه / عبد العزيز بن صالح الجربوع



    بسم الله الرحمن الرحيم
    مقدمة
    الحمدلله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، بعثه الله هادياً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ففتح الله به أعيناً كانت عمياً ، وآذانا كانت صماً ، وقلوباً كانت غلفاً ، فصلوات الله عليه إلى يوم أن نلقاه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .
    أما بعد :
    لقد درج كثير من الكتاب والمؤلفين في مثل هذه البحوث والرسائل العلمية والتأليف عموماً على أن آخر ما يكتب من البحث المقدمة ، رغم أنها أول ما يقرأ منه ، ويتوجه النزر اليسير من القراء إلى الفهارس ليأخذ فكرة عامة عن الكتاب ، والغالبية العظمى منهم يتوجهون إلى المقدمة ليكونوا فكرة عن المؤلِف والمؤَلَف ، تظل تطاردهم من أو البحث إلى آخره بين أسطره وثناياه ، مشكلة قناعة لدى القاري عن الكاتب تكون قالباً لاستيعاب ما في الكتاب .
    لذا هي من الصعوبة بمكان صعوبة لا تقل عن صعوبة البحث والتأليف واختيار الموضوع وعنوانه وجمع مادته ، ولم مراجعه ، لأن الكاتب يحتار في كيفية التقديم لموضوعه ومن أي باب يدخل وإلى أي زاوية يتجه ، وليست الحيرة نابعة من عجزه عن التعبير واختار الحسن من القول ، ولكن بسبب تعدد وتنوع مشارب القراء والمطالعين .
    ولكن ثقة بالله وتوكلاً واعتماداً عليه ، أطرح بين أيدي المؤمنين والمؤمنات ، تأملاً مختصراً في مسألة تمس الحاجة ، وتلح الضرورة إلى طرحها بين المسلمين ومنا قشتها مناقشة علمية هادئة ، بعيدةً عن التعصب الأعمى للرأي وأقوال الرجال أو العاطفة الشوهاء للمألوف ، ومناقشتها ابتغاء ما عند الله ، وحرصاً على النهوض بأمتنا الإسلامية من سفح الجبل الهابط إلى ذروته السامقة ، وكف تلك الأيدي العابثة بمصير الأمة من يهود و نصارى ، و أذنابهم ممن يدعي الإسلام من العرب أو العجم ، وتتمثل هذه الأذناب في تلك الأنظمة الغادرة الخائنة العميلة ، التي تمارس أقسى أنواع العذاب الحسي والمعنوي على شعوبها ، التي لا جرم ولا جريرة لها سوى قولها ربي الله .
    ومما يعلمه ذوو الدين والحِجَا ، أن كفَّ هذه الأيدي الآثمة المجرمة لا يكون إلا بالجهاد في سبيل الله سواءً الحسي بشقيه الدفع والطلب ، أو المعنوي ، وهذا الجهاد يتنوع بتنوع وسائل المفسدين وسبل العابثين بنا وبديننا ، وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من حتمية المواجهة والاصطدام ، لقوله تعالى : ** يقاتلون في سبيل الله فيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ } والنتيجة آسر ومأسور في كلا الصفين ، وقاتل ومقتول ، وجارح ومجروح ، وباتر ومبتور ..... والذي يهمني هنا هو المأسور من المسلمين ، حامل سرهم الذي سيقع عليه النكال والعذاب فلا يستطيع الصمودَ إلا أن يبوح ويفشي سرّ المسلمين للأعداء ، وعندها تقع الطامة الكبرى والمصيبة العظمى ، حيث تستباح بيضة الإسلام وأهله بأي نوع من أنواع الاستباحات المعهودة صورها في الذهن عندما تذكر .
    وهنا تأتي مسألة دقيقة وحساسة ، حساسية نابعة من واقع المسلمين الأليم ، وعظم حرمة الدم المسلم ، ودقة متولدة من وجوب مراعاة الشرع ، والحذر من القول على الله بغير علم ، لذا قلت في بداية هذا البحث : ( فهذا تأمل في مسألة تمس الحاجة إليها ) ولم أجزم بالقول الفصل الذي لا تجوز مخالفته بعد ظهور أدلته ، وبيان دلالتها وتحقيق مناطها بل لا يعدو الأمر أن يكون محاولةً لمطالعة أقوال أهل العلم في ذلك ، وتأملها تأملاً لا يخلو من نتيجة أطمئنها لنفسي وأختارها ، غير ملزم بها غيري ، وما يحصل فيها من صواب فمن الله وحده وما يكون من خطأ فمن نفسي والشيطان والله ورسوله منه بريئان والله المستعان وعليه التكلان .
    والمسألة ما يلي :
    [ هل يجوز للمسلم قتل نفسه إن وقع في الأسر وخشي أن يفشي سر المسلمين لضعفه وعدم صموده أمام التعذيب ، علماً أن إفشاء سر المسلمين للعدو فيه هلاك المسلمين ]
    والحقيقة أن هذه المسألة من المسائل المستجدة على الساحة ولربما أدرجت ضمن فقه النوازل ، حيث لم أجد في الجواز ولا التحريم شيئاً من كلام أهل العلم السابقين ولكن هناك عدد من المسائل العلمية التي طرقها أهل العلم ، تشبه إلى حد كبير مسألتنا هذه ، وبالتالي قد نجد من أقوال أهل العلم السابقين ما يشير إلى مسألتنا من طرف خفي وهذا يجرنا إلى :

    مسألة : حكم من قال بقول لم يسبقه إليه أحد من المتقدمين
    وهذا لا يمنع من أن يبحث الإنسان المسألة باذلاً فيها جهده ، ومستفرغاً وسعه حتى وإن لم يسبقه في الحكم الذي توصل إليه إمام يعتد به ، إن كان الحكم الذي توصل إليه مبنياً على الدليل ، وحسن التأصيل ، وفي المقابل لا شك أن الانفراد في حكم المسألة له وحشة ، ولكن الحق ووجوب إظهاره يزيل هذه الوحشة وهنا يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه ( إعلام الموقعين ) تحت مسألة : [ متى يكون تحليف المدعي ] : لا يوحشنك من قد أقر على نفسه هو وجميع أهل العلم أنه ليس من أولي العلم ، فإذا ظفرت برجل واحد من أولي العلم ، طالب للدليل ، محكم له ، متبع للحق حيث كان وأين كان ، ومع من كان ، زالت الوحشة وحصلت الألفة ولو خالفك ، فإنه يخالفك ويعذرك والجاهل الظالم يخالفك بلا حجة ويكفرك ، أو يبدعك بلا حجة ، وذنبك رغبتك عن طريقته الوخيمة ، وسيرته الذميمة فلا تغتر بكثرة هذا الضرب فإن الآلاف المؤلفة منهم لا يعدلون بشخص واحد من أهل العلم ، والواحد من أهل العلم يعدل بملء الأرض منهم أ.هـ
    وفي هذا الموضع أقول : ليس لنا أن نطالب علماء السلف بتصور جميع المسائل التي قد تحدث أوتجد ، سواء في عصرهم أو بعد عصرهم ، لكي يضعوا لها أحكاماً شرعية مستنبطة من الكتاب والسنة ، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عندما انفرد في مسألة إسقاط شرط الطهارة في الطواف عن الحائض التي معها رفقة قد تحبسهم كما في الفتاوى ج26ص241،240،239حيث قال ما نصه : ( وهذا الذي ذكرته هو مقتضى الأصول المنصوصة العامة المتناولة لهذه الصورة لفظا ومعنى ومقتضى الاعتبار والقياس على الأصول التي تشابهها والمعارض لها إنما لم يجد للعلماء المتبوعين كلاما في هذه الحادثة المعينة كما لم يجد لهم كلاما فيما إذا لم يمكنه الطواف إلا عريانا وذلك لان الصور التي لم تقع في أزمنتهم لا يجب أن تخطر بقلوبهم ليجب أن يتكلموا فيها ووقوع هذا وهذا في أزمنتهم ، إما معدوم ، وإما نادر جدا ، وكلامهم في هذا الباب مطلق عام ، وذلك يفيد العموم لو لم تختص الصورة المعينة بمعان توجب الفرق والاختصاص ، وهذه الصورة قد لا يستحضرها المتكلم باللفظ العام من الأئمة لعدم وجودها في زمنهم والمقلدون لهم ذكروا ما وجدوه من كلامهم ) إلى أن يقول رحمه الله: (هذا هو الذي توجه عندي في هذه المسألة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ولولا ضرورة الناس واحتياجهم إليها علما ، وعملا لما تجشمت الكلام حيث لم أجد فيها كلاما لغيري ، فإن الاجتهاد عند الضرورة مما أمرنا الله به ، فإن يكن ما قلته صوابا فهو حكم الله ورسوله والحمد لله ، وإن يكن ما قلته خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان من الخطأ ، وان كان المخطىء معفواً عنه والله سبحانه وتعالى أعلم والحمد لله وحده وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما ) أ.هـ من هنا يتبين لنا أن الحق لا يكون بكثرة السالكين له ** وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } وإنما الحق ألا تقول بقول ليس عليه دليل صحيح صريح ، وليس من شرط أن تسبق إليه ، ولكن إن وجد من سبق إلى ما ذهبت إليه كان الأحرى الاستشهاد به ، ليطمئن الفؤاد لا غير وللهرب من وحشة الشذوذ ، فحسب المتمخض عنه لذع ألسنة الناقدين بغير حق كما مر معنا من قول ابن القيم رحمه الله ، وليعلم أن المتبع للدليل في مسألة ما وإن لم يسبق إليها من المتقدمين لا يعد ممن خالف الجماعة ، لأن الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك كما سيأتي الآن .
    الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك
    وتحت هذا العنوان أقول : رحم الله ابن مسعود ورضي عنه عندما قال : ( إن جمهور الجماعة هم الذين فارقوا الجماعة ، الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك وفي لفظ آخر : إن جمهور الناس فارقوا الجماعة وإن الجماعة ما وافق طاعة الله تعالى )
    وقال نعيم بن حماد : ( إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد وان كنت وحدك فإنك أنت الجماعة حينئذ ) . ذكر هذين الأثرين البيهقى وغيره .

    وقال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين :
    واعلم أن الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو العالم صاحب الحق , وإن كان وحده وإن خالفه أهل الأرض .
    وقال بعض أئمة الحديث وقد ذكر له السواد الأعظم فقال : أتدري ما السواد الأعظم هو محمد بن أسلم الطوسي وأصحابه . فمسخ المختلفون الذين جعلوا السواد الأعظم ؟ والحجة والجماعة هم الجمهور ، وجعلوهم عيارا على السنة ، وجعلوا السنة بدعة والمعروف منكرا ، لقلة أهله وتفردهم في الأعصار والأمصار ، وقالوا من شذ شذ الله به في النار ، وما عرف المختلفون أن الشاذ ما خالف الحق وإن كان الناس كلهم عليه إلا واحدا منهم فهم الشاذون ، وقد شذ الناس كلهم زمن أحمد بن حنبل إلا نفرا يسيرا فكانوا هم الجماعة وكانت القضاة حينئذ والمفتون والخليفة وأتباعه كلهم هم الشاذون وكان الإمام أحمد وحده هو الجماعة ، ولما لم يتحمل هذا عقول الناس قالوا للخليفة يا أمير المؤمنين أتكون أنت وقضاتك وولاتك والفقهاء والمفتون كلهم على الباطل وأحمد وحده هو على الحق فلم يتسع علمه لذلك فأخذه بالسياط والعقوبة بعد الحبس الطويل فلا إله إلا الله ، ما أشبه الليلة بالبارحة وهي السبيل المهيع لأهل السنة والجماعة حتى يلقوا ربهم مضى عليها سلفهم وينتظرها خلفهم من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي . إعلام الموقعين لابن القيم ، ومن أراد المزيد فليرجع إليه ج3ص398 .
    مسألة : من المخاطب بتدبر الدليل من الكتاب والسنة وتفهمه والعمل به
    ومما ينبغي أن يعلم أن لقائلٍ أن يقول من أنت أيها الباحث لكي تكتب في هذه المسألة وتجتهد في استقراء النصوص الشرعية ، وتحقق المناط منها وتنـزله على هذه المسألة وغير ذلك من الاعتراضات العوراء ، والانتقادات العمياء ، فأقول وبالله التوفيق ، وإن كان حقاً من أنا لكي أكتب في هذه المسألة ، إلا أن ابن القيم رحمه الله تعالى قال في (إعلام الموقعين ) :
    الفائدة الثانية والعشرين إذا عرف العامي حكم حادثة بدليلها فهل له أن يفتي به ويسوغ لغيره تقليده فيه ، ففيه ثلاثة أوجه للشافعية وغيرهم .
    أحدها : الجواز لأنه قد حصل له العلم بحكم تلك الحادثة عن دليلها كما حصل للعالم ، وإن تميز العالم عنه بقوة يتمكن بها من تقرير الدليل ودفع المعارض له ، فهذا قدر زائد على معرفة الحق بدليله .
    ثانيها : لا يجوزله ذلك مطلقا لعدم أهليته للاستدلال ، وعدم علمه بشرطه وما يعارضه ، ولعله يظن دليلا ما ليس بدليل .
    ثالثها : إن كان الدليل كتابا أوسنة جاز له الإفتاء ، وإن كان غيرهما لم يجز ، لأن القرآن والسنة خطاب لجميع المكلفين ، فيجب على المكلف أن يعمل بما وصل إليه من كتاب ربه تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويجوز له أن يرشد غيره إليه ويدله عليه أ.هـ من باب :[ الخصال التي يجب أن يتصف بها المفتي ] . إعلام الموقعين ج4ص199
    فإذا كان هذا في حق العامي فهو من باب أولى فيمن كان أعلم من العامي ولو بدرجة ، وأرى من المناسب هنا أن أنقل كلاماً نفيساً للشيخ الشنقيطي رحمه الله ذكره في أضواء البيان عند قوله تعالى ** أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها } قال رحمه الله تعالى : فإعراض كثير من الأقطار عن النظر في كتاب الله وتفهمه والعمل به وبالسنة الثابتة المبينة له ؛ من أعظم المناكر وأشنعها ، وإن ظن فاعلوه أنهم على هدى .
    ولا يخفى على عاقل أن القول بمنع العمل بكتاب الله وسنة رسوله اكتفاءً عنهما بالمذاهب المدونة . وانتفاء الحاجة إلى تعلمها لوجود ما يكفي عنهما من مذاهب الأئمة من أعظم الباطل . وهو مخالف لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الصحابة ومخالف لأقوال الأئمة الأربعة . فمرتكبه مخالف لله ولرسوله ولأصحاب رسوله  جميعاً وللأئمة رحمهم الله كما سترى إيضاحه إن شاء الله تعالى ثم قال رحمه الله :
    المسألة الأولى :
    اعلم أن قول بعض متأخري الأصوليين : إن تدبرَ هذا القرآن العظيم وتفهمه والعمل به . لا يجوز إلا للمجتهدين خاصة . وإن كل من لم يبلغ درجة الاجتهاد المطلق بشروطه المقررة عندهم ، التي لم يستند اشتراط كثير منها إلى دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس جلي ، ولا أثر عن الصحابة . قول لا مستند له من دليل شرعي أصلاً .
    بل الحق الذي لا شك فيه ، أن كل من له القدرة من المسلمين . على التعلم والتفهم وإدراك معاني الكتاب والسنة ، يجب عليه تعلمهما ، والعمل بما علم منهما .أما العمل مع الجهل بما يعمل به منهما ، فممنوع إجماعا ، وأما ما علمه منهما علماً صحيحاً ناشئاً عن تعلم صحيح . فله أن يعمل به ولو آيةً واحدة أو حديثاً واحداً. ومعلومٌ أن هذا الذم والإنكار على من لا يتدبر كتاب الله عام للجميع ..... إلى أن قال : وإذاً فدخول الكفار والمنافقين ، في الآيات المذكورة قطعي ، ولو كان لا يصح الانتفاع بهدى القرآن إلا لخصوص المجتهدين لما أنكر الله على الكفار عدم تدبرهم كتاب الله وعدم عملهم به .... إلى أن يقول رحمه الله ، تنبيه مهم : يجب على كل مسلم ، يخاف العرض على ربه يوم القيامة أن يتأمل فيه ، ليرى لنفسه المخرج من هذه الورطة العظمى ، والطامة الكبرى التي عمت جل بلاد المسلمين من المعمورة ، وهي ادعاء الاستغناء عن كتاب الله تعالى وسنة رسوله  استغناءً تاماً في جميع الأحكام من عبادات ، ومعاملات ، وحدود ، وغير ذلك ، بالمذاهب الأربعة المدونة وبناء هذا على مقدمتين
    إحداهما : أن العمل بالكتاب والسنة لا يجوز إلا للمجتهدين .
    والثانية : أن المجتهدين معدومون عدماً كلياً ، لا وجود لأحد منهم ، في الدنيا وأنه بناء على هاتين المقدمتين ، يمتنع العمل بكتاب الله تعالى وسنة رسوله  منعاً باتاً على جميع أهل الأرض ، ويستغنى عنهما بالمذاهب المدونة . وزاد كثير منهم على هذا منع تقليد غير المذاهب الأربعة ، وأن ذلك يلزم استمراره إلى آخر الزمان .
    فتأمل يا أخي رحمك الله : كيف يسوغ لمسلم ، أن يقول بمنع الاهتداء بكتاب الله وسنة رسوله وعدم وجوب تعلمهما والعمل بهما استغناءً عنهما بكلام رجال ، غير معصومين ولا خلاف في أنهم يخطئون .
    إلى أن قال : وبهذا تعلم أيها المسلم المنصف ، أنه يجب عليك الجد والاجتهاد في تعلم كتاب الله تعالى وسنة رسوله  وبالوسائل النافعة المنتجة ، والعمل بكل ما علمك الله منهما علماً صحيحاً . ولتعلم أن تعلم كتاب الله تعالى وسنة رسوله  في هذا الزمان أيسر بكثير من القرون الأولى ، لسهولة معرفة جميع ما يتعلق بذلك ، من ناسخ ومنسوخ وعام وخاص ، ومطلق ومقيد ، ومجمل ومبين ، وأحوال الرجال ، من رواة الحديث والتمييز بين الصحيح والضعيف ، لأن الجميع ضُبِطَ وأتقن ودوّن ، فالجميع سهل التناول فكل آية من كتاب الله قد علم ما جاء فيها من النبي  ثم من الصحابة والتابعين وكبار المفسرين ، وجميع الأحاديث الواردة عنه  حفظت ودونت ، وعلمت أحوال متونها وأسانيدها وما يتطرق عليها من العلل والضعف . فجميع الشروط التي اشترطوها في الاجتهاد يسهل تحصيلها جداً على كل من رزقه الله فهماً وعلماً .
    إلى أن قال رحمه الله تعالى راداً على الشروط التي وضعها الأصوليون للاجتهاد ما نصه: ولا يخفى أن مستندهم في اشتراطهم لهذه الشروط ليس نصاً من كتاب ولا سنة تصرح بأن هذه الشروط كلها لا يصح دونها عمل بكتاب ولا سنة ولا إجماع ، دالاً على ذلك .... إلى أن قال : وإيضاح ذلك هو أن كتاب الله تعالى وسنة رسولهوإجماع المسلمين دال على أن العمل بكتاب الله وسنة رسوله لا يشترط له إلا شرط واحد ، وهو العلم بحكم ما يعمل به منهما ، ولا يشترط في العمل بالوحي شرط زائد على العلم بحكمه ألبتة . ثم واصل حديثه رحمه الله تعالى إلى أن وصل إلى قول المقلدين ، ومن حذا حذوهم : [ إن العمل بالكتاب والسنة وتقديمهما على آراء الرجال من التكليف بما لا يطاق ] لأنا لا قدرة لنا على معرفة الكتاب والسنة حتى نعمل بهما .
    فأتى إلى هذا الكلام الباطل من قواعده فهدمه حتى خر سقفه على رؤوسهم بكلام نفيس فليراجع هناك ، ولولا خشية الإطالة لذكرت جميع ما قال ، ولكن يُرجَع إلى الجزء السابع من الأضواء ص 428إلى ص 584 ما يقارب من 136 صفحة .
    وليعلم هنا أن المقصود بكلام الشيخ هو من رزقه الله الفهم والتدبر ورزقه مطلق العلم وليس العلم المطلق ، وليس المقصود به الجاهل الذي هو أجهل من حمار أهله كما أنه لا يقصد به العالم الفحل الجهبذ البحر الذي لا ساحل له حيث إن هذا الصنف مُسَلَّمٌ له بما قاله الشيخ رحمه الله .
    وبعد هذا الإسهاب الذي لا بد منه أبين الآن المسائل المشابهة لمسألتنا عند أهل العلم المتقدمين .
    المسائل المشابهة لمسألة الانتحار عند خوف إفشاء الأسرار عند أهل العلم المتقدمين
    المسألة الأولى : مسألة إلقاء شخص في البحر لخفة ثقل السفينة المشرفة على الغرق لأجل نجاة ركابها ، وهنا لم يجز ذلك أحد من أهل العلم إلا ما نقل عن الدسوقي المالكي عن اللخمي من جواز ذلك بالقرعة ، ولمن أراد التفصيل والمزيد فليراجع حاشية ابن عابدين وفتح القدير ونهاية المحتاج والمغني مع الشرح الكبير وكذا القرطبي في جامعه عند قوله تعالى ** فساهم فكان من المدحضين } سورة الصافات حيث أشار إلى قول من قال بجواز ذلك ورد هذا القول .
    المسألة الثانية : مسألة تترس الأعداء بالمسلمين ، وحكم قتالهم إذا أدى ذلك إلى قتل المسلمين المُتَتَرسِ بهم ، حيث اتفق أهل العلم على جواز قتل المسلمين المُتَتَرَس بهم شريطة أن يتقي قدر المستطاع تصويب المسلم ، وشرط آخر هو التأكد من حصول الضرر ونزوله بالمسلمين لو تُرِكَ الأعداء المَُتَتَرِسون ، واختلفوا فيما إذا كان الضرر متوقعاً ومؤدياً إلى تعطيل الجهاد ، وهي مسألة مشهورة بين أهل العلم شهرةً تغني عن الإسهاب في ذكرها وليراجع ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى :ج 28ص538 حيث ذكر اتفاق الأئمة الأربعة على جواز ذلك ، وفي موطن آخر ذكر أن ذلك هو رأي الجمهور .
    المسألة الثالثة : مسألة قتل المسلمين المجهولين داخل صف الكفار ولم يتزيل المسلمون من بين الكافرين لقوله تعالى ** ولولا رجال مؤمنون ونساءٌ مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرةٌ بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً } وهي كسابقتها إلا أن المؤمنين لم يُعْلَموا هنا ولم يُعْرَفوا لا بأوصافهم ولا بأسمائهم وإنما على العموم حيث يُعْلَم أن من بين الكافرين مؤمنين ، ولقد سئل الإمام مالك رحمه الله كما ذكر القرطبي في جامعه قال : قال أبو زيد قلت لابن القاسم أرأيت لو أن قوماً من المشركين في حصن من حصونهم حصرهم أهل الإسلام وفيهم قوم من المسلمين أسارى في أيديهم ، أيحرق هذا الحصن أم لا ؟ قال : سمعت مالكاً وسئل عن قوم من المشركين في مراكبهم : أنرمي في مراكبهم بالنار ومعهم الأسارى في مراكبهم ؟ قال : فقال مالك لا أرى ذلك ، لقوله تعالى ** لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً } أ. هـ ولكن خالف أبو حنيفة وأصحابه وكذا الثوري رحمه الله والقاضي من الحنابلة فجوزوا ذلك ، وأما الشافعية والحنابلة رحمهم الله فقد وافقوا مالكا والعجيب أن القرطبي ينتصر لهذا الرأي ويحرم الرمي في مثل هذه الحالة ولكنه ينقض نفسه ويجيز مسألة التترس وقتال المشركين وإن تترسوا بالمسلمين والمسألة واحدة والمحصلة واحدة وهي أذية المسلمين المتوقعة بل المتحققة ولكنه شرط أن تكون المصلحة :
    1ـ ضرورية 2ـ كلية 3ـ قطعية
    وقال : ومعنى ضرورية : أنها لا يحصل الوصول إلى الكفار إلا بقتل الترس .
    ومعنى أنها كلية : أنها قاطعة لكل الأمة ، حتى يحصل من قتل الترس مصلحة لكل المسلمين ، فإن لم يفعل قتل الكفار الترس واستولوا على كل الأمة .
    ومعنى كونها قطعية : أن تلك المصلحة حاصلة من قتل الترس قطعاً .
    والحق هنا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ج28ص537،538 539 حيث قال : فالله تعالى أهلك الجيش الذي أراد أن ينتهك حرماته وفيهم المكره وغير المكره ، مع قدرته تعالى على التمييز بينهم مع أنه يبعثهم على نياتهم فكيف يجب على المؤمنين المجاهدين أن يميزوا بين المكره وغيره وهم لا يعلمون ذلك ، بل لو ادعى مدع أنه خرج مكرها لم ينفعه ذلك بمجرد دعواه كما روى أن العباس بن عبد المطلب قال للنبي لما أسره المسلمون يوم بدر يا رسول الله إني كنت مكرها فقال : ( أما ظاهرك فكان علينا وأما سريرتك فإلى الله ) بل لو كان فيهم قوم صالحون من خيار الناس ولم يمكن قتالهم إلا بقتل هؤلاء لقتلوا أيضا ، فإن الأئمة متفقون على أن الكفار لو تترسوا بمسلمين وخيف على المسلمين إذا لم يقاتلوا فإنه يجوز أن نرميهم ونقصد الكفار ، ولو لم نخف على المسلمين جاز رمى أولئك المسلمين أيضا في أحد قولي العلماء ، ومن قتل لأجل الجهاد الذي أمر الله به ورسوله هو في الباطن مظلوم كان شهيدا وبعث على نيته ، ولم يكن قتله أعظم فسادا من قتل من يقتل من المؤمنين المجاهدين ، وإذا كان الجهاد واجبا وإن قتل من المسلمين ما شاء الله فقتل من يقتل في صفهم من المسلمين لحاجة الجهاد ليس أعظم من هذا بل قد أمر النبي المكره في قتال الفتنة بكسر سيفه وليس له أن يقاتل وإن قتل كما في صحيح مسلم عن أبى بكرة قال: قال : رسول الله  : [ إنها ستكون فتن ثم تكون فتن ثم تكون فتن القاعد فيها خير من الماشي و الماشي فيها خير من الساعي فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه قال فقال رجل يا رسول الله : أرأيت من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض قال يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر ثم لينج إن استطاع النجاة ، اللهم هل بلّغت اللهم هل بلغت ، اللهم هل بلغت فقال رجل يا رسول الله أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين أو إحدى الفئتين فيضربني رجل بسيفه أو بسهمه فيقتلني قال يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار ] ففي هذا الحديث أنه نهى عن القتال في الفتنة ، بل أمر بما يتعذر معه القتال من الاعتزال أو إفساد السلاح الذي يقاتل به وقد دخل في ذلك المكره وغيره ثم بين أن المكره إذا قتل ظلما كان القاتل قد باء بإثمه وإثم المقتول أ.هـ
    المسألة الرابعة : مسألة اقتحام المسلم صف المشركين بمفرده لينكل بالعدو قدر المستطاع ، وإن غلب عل ظنه أنهم يقتلونه لا محالة ، وهذه المسألة كاد أن يكون الأمر في جوازها إجماعاً ، فمن يطالع جميع كتب الفقه للسابقين بلا استثناء وكتب أحكام القرآن يرى الاتفاق العجيب في ذلك ، لذا قال الغزالي رحمه الله تعالى في كتاب الإحياء : لا خلاف في أن المسلم الواحد له أن يهجم على صف الكفار فيقاتل وإن علم أنه سيقتل 0 وقال النووي جواز الانغماس في الكفار والتعرض للشهادة جائز لا كراهة فيه عند جمهور العلماء 0 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ج 4 ص 351 : جوز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين وقد بسطنا القول في هذه المسألة في موضع آخر أ.هـ ولكن وقع الخلاف في بعض الجزئيات اليسيرة جداً مع الاتفاق في الأصل .
    المسألة الخامسـة : مسألة إسقاط الجنين الذي نفخ فيه الروح لمصلحة أمه .وهذه المسألة من المسائل التي لم تعط حقها من العلماء السابقين -رحمهم الله- إلا ما صرح به ابن عابدين في حاشيته فقال : لو كان الجنين حياً ويخشى على حياة أمه من بقائه فإنه لا يجوز تقطيعه ، لأن موت الأم به موهوم ، فلا يجوز قتل آدمي لأمر موهوم .كما في حاشية ابن عابدين/602 وجاء في الفتاوى الخانية ج3 ص410 ما نصه : إذا اعترض الولد في بطن الحامل ، ولم يجدوا سبيلاً لاستخراج الولد إلا بقطع الولد إرباً إرباً ؛ ولو لم يفعلوا ذلك يخاف هلاك الأم قالوا : إن كان الولد ميتاً في البطن لا بأس به . وإن كان حياً لم يجز أن يقطع إرباً إرباً لأنه قتل لنفس محترمة لصيانة نفس أخرى من غير تعد منه وذلك باطل ، وجاء مثل ذلك في الفتاوى الهندية ج5 ص360 كما نقل ذلك صاحب كتاب المفصل في أحكام المرأة لعبدالكريم زيدان ج3 ص 124،125ـ ولم أجد في بحثي القاصر أحداً من الفقهاء المتقدمين أجاز ذلك ، ومن المتأخرين فقد اطلعت على رأي لشيخ الأزهر سابقاً محمود شلتوت في فتاويه ص289،290ما نصه : ( إذا ثبت من طريق موثوق به ، أن بقاء الجنين بعد تحقق حياته يؤدي لا محالة إلى موت الأم ،فإن الشريعة بقواعدها العامة تأمرنا بارتكاب أخف الضررين ، فإن في بقائه موت الأم ، وكان لا منقذ لها سوى إسقاطه كان إسقاطه في تلك الحالة متعيناً ، ولا يضحى بها في سبيل إنقاذه لأنها أصله وقد استقرت حياتها ولها حظ مستقل في الحياة ..... )
    المسألة السادسة : مسألة من وقع في حد من حدود الله ، مثل الزاني المحصن ولم يعلم به أحد من المسلمين إلا أنه جاد بنفسه بعد توبته وطلب إقامة الحد عليه وقتله كماعز والغامدية رضى الله عنهما .
    وهنا يجعل شيخ الإسلام الذي يجود بنفسه ليقتل في حد من حدود الله تعالى كمثل الذي ينغمس في العدو ثم يقتل فيقول رحمه الله في الفتاوى ج16 ص 31 ما نصه : فالإمام و الناس ليس عليهم إقامة الحد على مثل هذا ، ولكن هو إذا طلب ذلك أقيم عليه كالذي يذنب سراً و ليس على أحد أن يقيم عليه حدا ، لكن إذا اختار هو أن يعترف و يقام عليه الحد أقيم ، وإن لم يكن تائباً ، وهذا كقتل الذي ينغمس في العدو هو مما يرفع الله به درجته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له و هل وَجَدْتَ أفضل من أن جادت بنفسها لله . أ.هـ الفتاوى ج:16 ص:31
    ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى أيضاً ج: 25 ص:279 ولا يجب إقامة الحد عليه كما هو ظاهر مذهب أحمد رحمه الله ، وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : عن ماعز رضى الله عنه لما هرب [ هلا تركتموه يتوب بينه وبين الله ] كما عند أحمد وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي وغيرهم وكذا الغامدية رضى الله عنها التي اعترفت على نفسها ردها مراراً والقصة عند مسلم وأبي داود والنسائي والبيهقي والدارقطني أ.هـ
    المسألة السابعة : مسألة المرأة المطلقة ثلاثاً التي لا تحل لزوجها ، لو جاء إليها يريد مواقعتها إكراهاً ولم تملك مدافعته فهل لها قتله أو قتل نفسها حفاظاً على عرضها أو ليس لها ذلك . ففي المدونة للإمام مالك : ( ولا تتزين له إلا كرها ) ( ولتفتد منه وفي جواز قتلها له عند محاورتها قولان ) ولتفتد منه بما قدرت ولو بشعر رأسها وتقتله إن خفي لها كغاصب المال يريد مثل العادي والمحارب . وقال سحنون : لا يحل لها قتله ولا قتل نفسها وأكثر ما عليها الامتناع وأن لا يأتيها إلا مكرهة .
    وقوله ( ولا قتل نفسها ) يرد على من قال أن لها قتل نفسها ، ولا شك أن قول سحنون متوجه نوعاً ما في قتل نفسها ، وليس بمتوجه في قتلها له لأن الإسلام جاء بحماية العرض كما جاء بحماية المال ورغب في القتال دفاعاً عن المال لذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ج28ص540 ما نصه :( وإذا كانت السنة والإجماع متفقين على أن الصائل المسلم إذا لم يندفع صوله إلا بالقتل قتل وإن كان المال الذي يأخذه قيراطا من دينار كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ، ومن قتل دون حرمه فهو شهيد) أ.هـ فما بالك بالدفاع عن العرض . لا شك أنه أوجب وأولى .
    المسألة الثامنة : الغريق إذا جاء من ينقذه من الغرق ، وأثناء الإنقاذ خشي المُنْقِذُ على نفسه الغرق ، فهل له أن يطلق الغريق في الماء وينجو بنفسه ؟ على قولين ثانيهما عدم الجواز ، وإن غرقا جميعاً ، ففي( التاج المهذب ) للصنعاني ما نصه : ليعلم أن جناية ( المباشر مضمون ) على فاعله ( وإن لم يتعد فيه ) يعني في فعله ( فيضمن ) المباشر ( غريقاً أمسكه ) يريد إنقاذه فثقل عليه وخشي إن تم الإمساك أن يتلفا معا ( فأرسله ) من يده ( لخشية تلفهما ) معا ، وإن كان في الأصل محسنا بإرادة إنقاذه ، ولما خشي على نفسه أرسله في الماء حتى مات ، فإنه مباشر في هذه الجناية ، ولا يجوز له أن يستفدي نفسه بقتل غيره ، ولهذا وجب الضمان للغريق ، وذلك بالقود للمرْسِِلِ له وسواء أرسله بعد أن خرج رأسه من الماء أم قبل ذلك وإن عفا عنه سلم الدية من ماله أو هو مباشر فإن كان الغريق هو الممسك واستفدى نفسه بالإرسال فلا ضمان فإن هلك الممسك بفتح بإمساك الغريق ضمنه من ماله فإن هلك الممسك ونجا الغريق قتل به .
    المسألة التاسعة : القادر على منع غيره من الهلكة فلم يفعل ، وهنا يشدد ابن حزم رحمه الله في ذلك ويجعل هذا نوعاً من القتل وعلى القادر على الإنقاذ من الهلكة إن لم يفعل القتل ، أياً كان نوع هذه الهلكة ، فقال :
    مسألة : من استسقى قوما فلم يسقوه حتى مات ؟ قال علي : روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا حفص بن غياث عن الأشعث عن الحسن أن رجلا استسقى على باب قوم ؟ فأبوا أن يسقوه , فأدركه العطش فمات , فضمنهم عمر بن الخطاب عن ديته ؟ قال أبو محمد : القول في هذا عندنا - وبالله تعالى التوفيق - هو أن الذين لم يسقوه إن كانوا يعلمون أنه لا ماء له ألبتة إلا عندهم , ولا يمكنه إدراكه أصلا حتى يموت , فهم قتلوه عمدا وعليهم القود بأن يمنعوا الماء حتى يموتوا - كثروا أو قلوا - ولا يدخل في ذلك من لم يعلم بأمره ولا من لم يمكنه أن يسقيه , فإن كانوا لا يعلمون ذلك ويقدرون أنه سيدرك الماء , فهم قتلة خطأ , وعليهم الكفارة , وعلى عواقلهم الدية ولا بد . برهان ذلك : قوله تعالى: ** وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } وقال تعالى ** فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } , وقال تعالى ** والحرمات قصاص } , وبيقين يدري كل مسلم - في العالم - أن من استقاه مسلم - وهو قادر على أن يسقيه - فتعمد أن لا يسقيه إلى أن مات عطشا فإنه قد اعتدى عليه بلا خلاف من أحد من الأمة , وإذا اعتدى فواجب - بنص القرآن - أن يعتدى على المعتدي بمثل ما اعتدى به - فصح قولنا بيقين لا إشكال فيه . وأما إذا لم يعلم بذلك فقد قتله , إذ منعه ما لا حياة له إلا به , فهو قاتل خطأ , فعليه ما على قاتل الخطأ . قال أبو محمد : وهكذا القول , في الجائع , والعاري , ولا فرق - وكل ذلك عدوان , وليس هذا كمن اتبعه سبع فلم يؤوه حتى أكله السبع , لأن السبع هو القاتل له , ولم يمت في جنايتهم , ولا مما تولد من جنايتهم , ولكن لو تركوه فأخذه السبع - وهم قادرون على إنقاذه - فهم قتلةُ عمدٍ , إذ لم يمت من شيء إلا من فعلهم - وهذا كمن أدخلوه في بيت ومنعوه حتى مات ، ولا فرق وهذا كله وجه واحد - وبالله تعالى التوفيق . ويمكن أن يستأنس لهذا القول بالحديث الذي ذكره الموصلي في الاختيار ولم يعزه لأحد 4/175 ( أيما رجل مات ضياعاً بين أقوام أغنياء فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله ) هذا بالخصوص وأما بالعموم فما ذكره ابن حزم من القرآن فيه الكفاية .
    المسألة العاشرة : ما قاله ابن قدامة في المغني ج2 ص551 وقبله الإمام الخرقي الحنبلي وغيرهما من أهل العلم ، في المرأة إذا ماتت وفي بطنها ولد يتحرك إن لم يوجد قوابل يخرجنه يترك ولا يمكن الرجال من إخراجه بل يترك حتى يموت ويدفن مع أمه كل ذلك رعاية لحرمة أم ميتة من أن يمس الأجنبي المسلم فرجها لإخراج جنينها الحي - أي يضحى بحياة الجنين النفس المنفوسة في سبيل حرمة أمه الميتة – فهنا جعل العلماء ستر عورة المرأة المسلمة الميتة ، وعدم لمسها من قبل الرجال المسلمين ، أولى من حياة الطفل ، بل يضحى بحياته لأجل ذلك ، والمسألة التي بين أيدينا قد تكون أخف من ذلك فقد يقول أصحابها فبمقابل مسألتكم الماضية جعلنا أعراض وأنفس المؤمنات اللاتي على قيد الحياة أولى من سلامة رجل وقع في الأسر .
    أوجه الشبه بين مسألة قتل النفس خوف إفشاء الأسرار وبين مسائل أهل العلم المتقدمين
    وبعد العرض الموجز لهذه المسائل أذكر باختصار شديد وجه مشابهتها لمسألتنا الآن فالشبه في المسألة الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة : هو إزهاق النفس المسلمة لمصلحة أعظم وهي بقاء الأكثر من المسلمين بقتل اليسير منهم دون قصد القتل المباشر إلا في المسألة الأولى حيث يقصد منها القتل المباشر ، وهذا متحقق في مسألتنا إن قلنا بجواز الانتحار جرياً على قاعدة ارتكاب أخف الضررين ، وأما الشبه في المسألة السادسة ، فهو التسبب المباشر المأذون فيه شرعاً في إزهاق النفس قربة لله مع جواز أن يستر العبد نفسه ويتوب بينه وبين الله وقاتل نفسه خوف إفشاء الأسرار فعل ذلك قربة لله ولكن سيأتينا هل هذا مأذون فيه شرعاً أولا .
    وأما المسألة السابعة : فهو التسبب المباشر في إزهاق النفس حماية للعرض حيث لا وسيلة لها في حماية عرضها إلا بذلك ، ومسألتنا هي إزهاق نفس لحماية جمع عظيم من الأنفس المؤمنة .
    وأما المسألة الثامنة : فهو عدم جواز أن يستبقي الإنسان نفسه بقتل أخيه أو تركه في الهلكة لينجو بنفسه ، وهذا حال المفشي للسر إن لم ينتحر .
    وأما المسألة التاسعة : فهو قدرة صاحب السر أن يقي إخوانه من الهلاك بأن ينتحر ولا يفشي سر المسلمين فإن لم يفعل كان كالقاتل عمداً كما قال ابن حزم رحمه الله تعالى في قضية الماء .
    وأما المسألة العاشرة فقد ذكرت وجه الشبه عند ذكري للمسألة فليراجع في موضعه .
    وهذا جهدي القاصر في ذكر المسائل المشابهة وإلا فهناك الكثير غيرها ، ولأن المقصود توضيح الصورة ، ومحاولة استظهار الحكم ، وليس المقصود المسائل بعينها .
    تفصيل حال من وقع في الأسر من المسلمين ومعه سرهم وصور ذلك
    ومن هنا أقول : لا يخلو المسلم الذي وقع في الأسر ومعه سر المسلمين من حالين : الحال الأولى فيما يخص السر .
    الحال الثانية فيما يخص حامل السر .
    أما الحال الأولى لا تخلو من صورتين :
    الصورة الأولى : أن يكون سراً ذا معلومات باهتة سطحية ، ذيوعها وشيوعها لا يساوي بحال من الأحوال إراقة دم مسلم ، وليس من ضرر على المسلمين بذيوعها وانتشارها .
    الصورة الثانية : أن يكون السر سراً عظيماً يحتوي على تفاصيل ومعلومات تلحق بالمسلمين ضرراً بالغاً ، وتستبيح بيضة الإسلام وأهله .
    فبالنسبة للأولى يحتسب المجاهد المأسور ويصبر حتى وإن عذب فإن لم يستطع الصمود فيخبر عن السر ، ولا يجوزله قتل نفسه بحال من الأحوال لأن ما معه من السر ليس ذا أهمية ولا يكمن وراءه أذية المسلمين وافتتانهم وقتلهم و استباحة أعراضهم . لكي نقول إنه قتل نفسه فداءً للمسلمين .
    وبالنسبة للصورة الثانية فسوف تأتي بعد قليل مع تفصيل الحال الثانية في صورتها الثانية.
    الحال الثانية فيما يخص حامل السر .
    وهذه لا تخلو من صورتين :
    الصورة الأولى : أن يغلب على ظنه أنه سيصمد أمام التعذيب حتى القتل فهنا لا يجوز له قتل نفسه ولا إذاعة السر ، وهذا أشبه بمن انغمس في صف الكفار وغلب على ظنه أنه سيقتل هل يعد ممن قتل نفسه بالطبع لا ، حيث اتفق الأئمة الأربعة على جواز ذلك قال : شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى ج: 4 ص: 351 ما نصه ( ولهذا جوز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين ، وقد بسطنا القول في هذه المسألة في موضع آخر ، فإذا كان الرجل يفعل ما يعتقد أنه يقتل به لأجل مصلحة الجهاد مع أن قتله نفسه أعظم من قتله لغيره كان ما يفضي إلى قتل غيره لأجل مصلحة الدين التي لا تحصل إلا بذلك ودفع ضرر العدو المفسد للدين والدنيا الذي لا يندفع إلا بذلك أولى.....) إذاً صموده أمر عظيم عند الله ولا سيما أنه مع جهاده دفع نفسه فداءً للمسلمين واختار هلكته وتلف نفسه لبقاء المسلمين سالمين ، ورحم الله الإمام أحمد حيث كان يقول في دعائه اللهم إن قبلت عن عصاة أمة محمد  فداءً فاجعلني فداءً لهم . كما ذكر عنه ابن كثير في البداية والنهاية والشاهد من ذلك تضحية المسلم بنفسه من أجل إخوانه ولا نقف كثيراً عند هذا الخبر هل يصح ما قاله الإمام أحمد أو لا يصح ؟ بقدر ما نقف عند بيان حرص السلف على التفاني في مصلحة إخوانهم التي أمر الله بمراعاتها .
    الصورة الثانية : أن يغلب على ظنه عدم الصمود إطلاقاً وأنه إن عذب فسوف يفشي السر وهنا تدخل الصورة الثانية من الحالة الأولى وهي أن يكون السر سراً عظيماً يحتوي على تفاصيل ومعلومات تلحق الضرر البالغ بالمسلمين ، وتستبيح أعراضهم وتودي إلى وهنهم وعجزهم .
    وهنا هل يقال بجواز قتل نفسه فداءً للمسلمين وحرصاً على بيضة الإسلام وأهله أو يقال بعدم الجواز حتى وإن أدى ذلك إلى استباحة بيضة الإسلام والمسلمين . وبمعنى أدق هل يعد ذلك من الانتحار المأذون فيه شرعاً أم لا يعد .
    وهنا جاءت تسمية هذا البحث والتأمل باسم [ المختار في حكم الانتحار خوف إفشاء الأسرار ]
    قال العلامة الأمين : العقيدة كالأساس والعمل كالسقف فالسقف اذا وجد أساسا ثبت عليه وإن لم يجد أساسا انهار

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    1,469

    افتراضي رد: حكم من قتل نفسه حماية للمسلمين

    وبادئ ذي بدء لا بد من تعريف الانتحار الذي حرمه الشرع قبل الإجابة عن هذا السؤال .
    تعريف الانتحار
    الانتحار في اللغة مصدر : انتحر الرجل ، بمعنى نحر نفسه أي : قتلها انظر لسان العرب وتاج العروس مادة نحر .
    ولكن الفقهاء لم يستعملوه بهذا المعنى ، لكنهم عبروا عنه بقتل الإنسان نفسه ولقد ورد في صحيح البخاري في كتاب المغازي وكتاب القدر ( فانتحر بها ) وفي لفظ ( انتحر فلان فقتل نفسه ) وذلك في قصة الرجل الذي أثخنته الجراح فاتكأ على سيفه فقتل نفسه
    والفقهاء يقولون في تعريف الانتحار هو : قتل الإنسان نفسه بأي وسيلة كانت . وقيل : هو قتل الشخص نفسه .
    وقيل : هو أن يقتل الإنسان نفسه بقصد منه في غضب أو ضجر مما به.
    وقيل : هو حمل النفس على أي فعل دنيوي يضر بها أو يؤدي إلى هلاكها .
    وقال القرطبي رحمه الله : هو أن يقتل الرجل نفسه بقصد منه في الحرص على الدنيا ، وطلب المال ، بأن يحمل نفسه على الغرر المؤدي إلى التلف ويحتمل أن يقال في حال ضجر أو غضب أ.هـ بتصرف يسير .
    و قيل : هو قتل النفس في غضب أو ضجر أو جزع .
    ويمكن أن يقال : هو كل قتل للنفس بغير دافع ديني مجاز بالنصوص الشرعية .
    وقتل النفس ( الانتحار ) بتعاريفه التي مضت ، لا خلاف بين العلماء على تحريمه وأن صاحبه مرتكب لكبيرة ، مستحق للنار ، إما خالداً فيها الخلود المؤقت ، أو يدخلها بغير خلود
    بل جاء النهي في الإسلام فيما هو دون ذلك ، مثل الدعاء على النفس بالموت لضر نزل به ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه ، فإن كان ولا بد فاعلاً ، فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي ) . وجاءت رواية ابن حبان في صحيحه مقيدة الضر في الدنيا (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به في الدنيا ) وإسناده قوي على شرط مسلم .
    وروى البخاري أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يتمنين أحدكم الموت ، إما محسناً فلعله يزداد ، وإما مسيئاً فلعله يستعتب ) .
    والانتحار : إما أن يكون بسبب ضر نزل به في الدنيا من عسر حال أو مرض شديد أو ضيق نفس أو غيره ، وإما أن يكون بلا سبب على الإطلاق هكذا عبث ، دون ضغوط دنيوية ولا رجاء فائدة أخروية .
    وكلا الحالين مما حرمه الشرع كما جاء ذلك في القرآن والسنة فمن القرآن قوله تعالى ** ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } وقوله تعالى ** ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً ، ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيرا } قال القرطبي رحمه الله تعالى : ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه ، بقصد منه للقتل في الحرص على الدنيا وطلب المال أن يحمل نفسه على الغرر المؤدي إلى التلف ويحتمل أن يقال ولا تقتلوا أنفسكم في حال ضجر أو غضب فهذا كله يتناوله النهي وقد احتج عمرو بن العاص  بهذه الآية حين امتنع من الاغتسال بالماء البارد حين أجنب في غزوة ذات السلاسل خوفاً على نفسه منه فأقر النبي صلى الله عليه وسلم احتجاجه وضحك عنده ولم يقل شيئا . أ.هـ
    وأما السنة ففي الصحيحين عن جندب بن عبدالله  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح ، فجزع فأخذ سكيناً فجز بها يده ، فما رقأ الدم حتى مات ، قال تعالى : بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة ) . فهذا جزع من الجرح وضجر وفر من الألم والأذى الذي لحق به فلم يصبر فتعجل وقتل نفسه ليخلصها من ألم الدنيا ، فكان جزاؤه أن حرم الله عليه الجنة ، على اختلاف بين العلماء في تفسير هذا التحريم أهو أبدي أم لا .
    وفي الصحيحين أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الذي يخنق نفسه يخنقها في النار ، والذي يطعن نفسه يطعنها في النار ) .
    والأحاديث الصحيحة الصريحة في هذا المعنى كثيرة جداً .
    ومما يلاحظ هنا ، أن النصوص التي وردت بحرمة قتل النفس ، أو تمني الموت ، علقت بسبب الضر أو الجزع أو عدم الصبر ، وكل ذلك حرصاً على الدنيا ، أو غير ذلك وحال القاتل نفسه أو متمني الموت في الأدلة التي مضت ، ليس لأجل مصلحة الدين وإعلاء كلمة الله حيث لم تتطرق النصوص المذكورة آنفاً إلى من ألقى بنفسه في التهلكة أو دعا على نفسه بالموت لأجل الدين ومصلحته وإعلاء كلمة الله تعالى .
    أدلة الانتحار عامة ومسألة الانتحار خوف إفشاء الأسرار خاصة وبيان ذلك
    لذا وبعد تعريف الانتحار وبيان أدلته ، يتبين لنا تبيناً جلياً أن عموم أدلة الانتحار وقتل النفس ، وأدلة تحريم الدعاء على النفس بالموت ، أو تمني الموت ، لا تصلح أن تكون دليلاً على مسألتنا ألبتة ، لكونها عامة ومسألتنا خاصة ، فما نحن فيه مخصوص حكمه من عموم الأدلة التي تحرم قتل المسلم نفسه بغير حق ، حيث جاءت النصوص بجواز أن يدعو الإنسان على نفسه بالهلاك خوف الفتنة في الدين ، أو أن يلقي الإنسان بنفسه في التهلكة لمصلحة الدين . لذا كانت رواية ابن حبان وإسنادها قوي على شرط مسلم ( لضر نزل به في الدنيا ) مبينة اختلاف الحكم باختلاف النية ونوع الضرر .
    لهذا قال ابن حجر في الفتح : وقوله من ضر أصابه حمله جماعة من السلف على الضر الدنيوي فإن وجد الضر الأخروي بأن خشي فتنة في دينه لم يدخل في النهي ويمكن أن يؤخذ ذلك من رواية ابن حبان لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به في الدنيا على أن (في) في هذا الحديث سببية أي بسبب أمر من الدنيا وقد فعل ذلك جماعة من الصحابة ففي الموطأ عن عمر أنه قال اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني لا مضيع ولا مفرط وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر عن عمر وأخرج أحمد وغيره من طريق عبس ويقال عابس الغفاري أنه قال يا طاعون خذني فقال له عليم بن سنان لم تقول هذا ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يتمنين أحدكم الموت ، فقال إني سمعته يقول : بادروا بالموت ستاً إمرة السفهاء وكثرة الشرط وبيع الحكم .... الحديث وأخرج أحمد أيضا من حديث عوف بن مالك نحوه ، وأنه قيل له ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عُمّرَ المسلم كان خيرا له.... الحديث وفيه الجواب نحوه ، وأصرح منه في ذلك حديث معاذ الذي أخرجه أبو داود وصححه الحاكم في القول في دبر كل صلاة وفيه [ وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني غير مفتون ] قوله فإن كان لا بد فاعلا في رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس كما سيأتي في الدعوات فإن كان ولا بد متمنيا للموت قوله فليقل ..... الخ وهذا يدل على أن النهي عن تمني الموت مقيد بما إذا لم يكن على هذه الصيغة لأن في التمني المطلق نوع واعتراض ومراغمة للقدر المحتوم وفي هذه الصورة المأمور بها نوع تفويض وتسليم للقضاء ، وقوله فإن كان..... الخ فيه ما يصرف الأمر عن حقيقته من الوجوب أو الاستحباب ...... إلى آخر ما قال بن حجر رحمه الله .
    ومن أدلة جواز ذلك بل فضلة جميع الأدلة التي فيها الدعاء بطلب الشهادة من الله في سبيله ، والشهادة موت كما هو معلوم ، ولم يقل أحد إن هذا من تمني الموت المذموم بل هو المحمود لأنه في سبيل الدين ونصرته ، لذا جاء عند البخاري باب ما جاء في التمني ومَن تمنى الشهادة ، حدثنا سعيد بن عفير حدثني الليث حدثني عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب أنَّ أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ والذي نفسي بيده لولا أن رجالا يكرهون أن يتخلفوا بعدي ولا أجد ما أحملهم ما تخلفت ، لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ] وقال حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ والذي نفسي بيده وددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا فكان أبو هريرة يقولهن ثلاثا أشهد بالله] وجاء في صحيح مسلم باب استحباب طلب الشهادة في سبيل الله تعالى حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ من طلب الشهادة صادقا أعطيها ولو لم تصبه ] وقال : حدثني حرملة بن يحيى واللفظ لحرملة قال أخبرنا وقال حرملة حدثنا عبد الله بن وهب حدثني أبو شريح أن سهل بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف حدثه عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ] ولم يذكر في حديثه بصدق .
    وهذا لا شك أنه تَمَنٍّ للموت صدر من رسول الله ، وأمر به ورغب فيه ولكنه في ذات الله فهو الذي نهى عن ذلك إن كان بسبب الدنيا أو الضجر من الحياة .
    ومن المعلوم أيضاً ، أن المسلم منهي أن يغشى مواطن الهلكة وموارد قتل النفس فلما كان في سبيل الله ، ومن أجل مصلحة الدين وإعلاء كلمة الله ،كان ذلك مشروعاً بل مندوباً ندباً مؤكداً ففي صحيح مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من خير معاش الناس لهم ، رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه ، يبتغي القتل ، أو الموت مظانه ) وهنا يتبين أن ليس شيء مبتغى سوى القتل والموت ومظانههما . بل روى البيهقي في السنن الكبرى أيضاً قال : قال الشافعي رضي الله عنه تخلف رجل من الأنصار عن أصحاب بئر معونة ، فرأى الطير عكوفاً على مقتلة أصحابه ، فقال لعمرو بن أمية سأقدم على هؤلاء العدو فيقتلوني ، ولا أتخلف عن مشهد قتل فيه أصحابنا ففعل ، فقتل فرجع عمرو بن أمية فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولاً حسناً ويقال : قال لعمرو : ( فهلا تقدمت ؟ ) . ولنا أن نتأمل قوله ( فيقتلونني ) أي ليس له ثَمّ هدف سوى أن يقتل في سبيل الله .
    ومن المعلوم أيضاً ما قاله العلماء فيمن مكن نفسه من عدوه فقتله ، ولم يتخلص منه مع إمكانه التخلص . أن هذا الصنف قاتل لنفسه وإليك نص قول الربيع في الأم للشافعي : قال : وأصح القولين أن لا عقل في النفس ولا قود ; لأنه هو الذي قتل نفسه إذا كان يقدر أن يتخلص فيسلم من الموت فترك التخلص وعلى الطارح أرش ما أحرقت النار منه أول ما طرح قبل أن يمكنه التخلص .
    وفي موضع آخر من كتاب الأم للشافعي أن من لم يدافع العدو وهو قادر على ذلك أو الفرار هو كقاتل نفسه وأوجب عليه الدفع عن نفسه أو الهرب .
    وهنا يقال على قول الفقهاء هذا ، إن الصحابي الجليل الذي قال سأقدم على هؤلاء فيقتلوني أنه قاتل لنفسه ، ولكن في سبيل الله ، وأقره الرسول  على ذلك ولا يسمى منتحراً بسبب الدنيا وعوارضها .
    وأما أدلة جواز إلقاء النفس بالتهلكة لمصلحة الدين فهي الأدلة التي تجيز الانغماس في العدو حاسراً مع تيقن الموت فقد سقتها في أول البحث حيث تخرج من ابتغى وجه الله وأراد الآخرة وقصد إعلاء كلمة الله من عموم نصوص النهي عن قتل النفس ففرق بين المنتحر للدنيا ومن غمس يده في العدو لإعلاء كلمة الدين مع تيقن الموت .
    وهنا نجد أن النية والقصد غيرت الحكم تغييراً جذرياً مضاداً ، فمن الحرمة والتهديد بالنار إلى الاستحباب والوعد بجنان النعيم ، في فعلين ظاهرهما الاتحاد والتماثل ومحصلتهما واحدة . ولكن [ إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ] فالمريض الذي يترك التداوي من غير قصد سوى الإهمال والتواكل ، فيموت ليس كالمريض الذي تركه توكلاً على الله تعالى واحتساباً بأن يكون من السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب وهم الذين لا يسترقون و لا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ، فالأول آثم بنص القرآن والسنة والثاني مأجور بنص القرآن والسنة .
    لذا هل يمكن أن يقال عمن قتل نفسه لإعلاء كلمة الله وحفاظاً على أرواح المئات من المؤمنين والمؤمنات وأعراضهم ونكاية في أعداء الله ، وإرهاباً لهم بنية خالصة أنه منتحر ؟ !!!! قبل معرفة الدليل . ** سبحانك هذا بهتان عظيم } .

    بيان أدلة جواز الانتحار خوف إفشاء الأسرار
    لم أجد عند العلماء المتقدمين كما أسلفت ما يشير إلى ذلك صراحة ، وأما المتأخرون فهم على قولين اثنين لا ثالث لهما ، الأول الحرمة وأدلتهم عموم النصوص التي تحرم قتل النفس وإزهاقها ، والقول الثاني الجواز للأدلة التي سوف أتناولها الآن بل يمكن أن يقال بالوجوب أو الأفضلية ، لما يلي :
    أولاً : ليعلم أن حماية الدين وأهله أعظم ما يقوم به المجاهد لإعلاء كلمة الله ، ولقد جاءنا مالا يدع مجالاً للشك ، بجواز بل فضل فداء المجاهد لدينه وإخوانه بنفسه كما مر معنا ، إلا أنني أضيف إلى ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد احتمى بالصحابة يوم أحد ولم ينكر ذلك ، ولم يدل دليل على خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الفعل ، ففي قصة حماية أبي دجانة للرسول بنفسه ليكون ترساً له من النبل كما في البداية والنهاية لابن كثير ، وقول أبي طلحة للرسول صلى الله عليه وسلم : نحري دون نحرك كما في الصحيحين وغيرهما ، وكان يقي رسول الله  بنحره ويتطاول في ذلك ، بل دافع عنه حتى شلت يده التي وقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كل هذا يفيد مشروعية فداء الأشخاص بالأنفس إذا كان يحدث من قتلهم ضرر على المسلمين أو الدين ، بل بوَّب ابن حبان في صحيحه على حادثة أبي طلحة وقوله ( نحري دون نحرك الفداء ) باباً فقال : ( باب طاعة الإمام ) ثم قال : ذكر الإباحة للمرء أن يفدي إمامه بنفسه ، ثم ذكر حادثة طلحة  نحري دون نحرك يا رسول الله
    ثانياً : روى أحمد في مسنده 1/310 عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لما كانت الليلة التي أسري بي فيها أتت علي رائحة طيبة فقلت : يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة ؟ فقال هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها قال : قلت ما شأنها ؟ قال : بينا هي تمشط ابنة فرعون ذات يوم إذ سقطت المدري من يدها فقالت : بسم الله ، فقالت لها ابنة فرعون : أبي ؟ قالت : لا ولكن ربي ورب أبيك الله قالت : أخبره بذلك قالت نعم : فأخبرته فدعاها ، فقال : يا فلانة وإن لك ربّاً غيري ؟ قالت نعم ربي وربك الله ، فأمر ببقرة من نحاس فأحميت – أي قدر كبير - ، ثم أمر بها أن تُلقى هي وأولادها فيها ، قالت له : إن لي إليك حاجة قال : وما حاجتك ؟ قالت : أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد وتدفننا ، قال : ذلك لك علينا من الحق ، قال : فأمر بأولادها فألقوا بين يديها واحداً واحداً إلى أن انتهى ذلك إلى صبي لها مرضع ، وكأنها تقاعست من أجله ، قال : يا أمه اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فاقتحمت .. ) رجاله ثقات إلا أبا عمر الضرير قال فيه الذهبي وأبو حاتم الرازي هو صدوق وقد وثقه ابن حبان .
    وفي هذا الحديث دلالة أن الله أنطق الطفل ليأمر أمه بالاقتحام في النار ، وهذا كطفل المرأة من أصحاب الأخدود ، ولو كان في قتل النفس للدين أي محظور لما أثنى الشارع على هذا الفعل ، وما إنطاق الطفل إلا آية لبيان فضل هذا الفعل . وهنا لا يقال هذا شرع من قبلنا وليس بشرع لنا ، لأن شرعنا أثنى على هذا الفعل وأتى به في معرض المدح والإقرار
    والدلالة الثانية : أن المرأة في هذه القصة والمرأة الأخرى في قصة الأخدود لم يُدخَلا إلى النار بالقوة وبالمعالجة بل ذهبتا بطوعهما حتى دخلتا النار وباشرتا الدخول في النار بنفسيهما ، ولم يصبرا حتى يجبرا مثل ما فعل الصحابي الجليل كما في البخاري وغيره في قصة السرية التي أمر عليها عاصم بن ثابت حيث أحاط بهم القوم فقالوا لهم انزلوا وأعطونا بأيديكم ولكم العهد والميثاق ولا نقتل منكم أحدا ، قال عاصم بن ثابت أمير السرية ، أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر ، اللهم أخبر عنا نبيك فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما في سبعة فنـزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق ، منهم خبيب الأنصاري وابن دثنة ورجل آخر فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم ، فقال الرجل الثالث هذا أول الغدر والله لا أصحبكم ، إن في هؤلاء لأسوة يريد القتلى ، فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فأبى فقتلوه فانطلقوا بخبيب وابن دثنة حتى باعوهما بمكة . والشاهد فجروه وعالجوه فأبى فقتلوه . أي لم يستسلم لهم وينقاد مثلما انقادت المرأتان .
    ثالثاً : ما رواه البيهقي في السنن الكبرى 9/100 ، قال : قال الشافعي رضي الله عنه تخلف رجل من الأنصار عن أصحاب بئر معونة ، فرأى الطير عكوفاً على مقتلة أصحابه ، فقال لعمرو بن أمية ، سأقدم على هؤلاء العدو ، فيقتلوني ، ولا أتخلف عن مشهد قتل فيه أصحابنا ففعل ، فقتل ، فرجع عمرو بن أمية ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولاً حسناً ، ويقال : قال لعمرو ( فهلا تقدمت ؟ ) .
    والشاهد قوله : سأقدم على هؤلاء العدو ، فيقتلوني أي ليس له هدف النكاية بالقوم ولا الدفاع عن أصحابه بل مجرد القتل في سبيل الله وهذا واضح من قوله سأقدم على هؤلاء العدو ، فيقتلوني ولم ينكر الرسول  فعله هذا بل قال فيه قولاً حسناً بل قال لعمرو ( فهلا تقدمت ؟ ) .
    رابعاً : ما رواه الحاكم في مستدركه وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ]
    والشاهد : ترغيب الإسلام في إزهاق الروح من أجل كلمة الحق التي أمر الله بها حيث إن المتقدم للسلطان يعلم مسبقاً أن النتيجة بعد قول كلمة الحق القتل ، إذاً هو معين على قتل نفسه ولكن لمصلحة الدين وهو سبب مشروع ومرغب فيه ، لذا قال شيخ الإسلام في الفتاوى ج26ص182والفتاوى الكبرى ج2ص525 ما نصه : وكذلك أكل الميتة والدم ولحم الخنزير يحرم أكلها عند الغنى عنها ويجب أكلها بالضرورة عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء قال مسروق من اضطر فلم يأكل حتى مات دخل النار وذلك لأنه أعان على نفسه بترك ما يقدر عليه من الأكل المباح له في هذه الحال فصار بمنزلة من قتل نفسه ، بخلاف المجاهد بالنفس ومن تكلم بحق عند سلطان جائر فإن ذلك قتل مجاهدا ففي قتله مصلحة لدين الله تعالى أ.هـ
    خامساً : في الصحيحين عن يزيد بن أبي عبيد قال : قلت لسلمة بن الأكوع رضي الله عنه : على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية قال على الموت .
    والشاهد : هنا أن المبايعة على الموت في سبيل الله ونصرة الدين الذي من محصلته النكاية بالعدو ، وليس على النكاية بالعدو وإن لم يكن فلا مبايعة . حيث لا يقال أن الجهاد في سبيل الله ناتج عن النكاية بالعدو بل العكس .
    سادساً : ما رواه ابن جرير الطبري في تاريخه 2/338 عند ذكر ما حدث في معركة اليرموك ولما طال القتال قال : قال عكرمة بن أبي جهل يومئذ قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل موطن وأفر منكم اليوم – أي من الروم - ثم نادى من يبايع على الموت ، فبايعه الحارث بن هشام وضرار بن الأزور في أربعمائة من وجوه المسلمين وفرسانهم ، فقاتلوا قدام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعاً جراحاً وقتلوا ، إلا من برأ ومنهم ضرار بن الأزور ، قال وأتي خالد بعدما أصبحوا بعكرمة جريحا فوضع رأسه على فخذه وبعمرو بن عكرمة فوضع رأسه على ساقه وجعل يمسح عن وجوههما ويقطر في حلوقهما الماء ويقول كلا زعم ابن الحنتمة أنا لا نستشهد .
    وروى ابن المبارك في كتاب الجهاد 1/88 والبيهقي في سننه 9/44 عن ثابت أن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه ترجل يوم كذا ، فقال له خالد بن الوليد : لا تفعل فإن قتلك على المسلمين شديد ، فقال : خل عني يا خالد ، فإنه قد كان لك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقة ، وإني وأبي كنا من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى حتى قتل .
    والشاهد : هنا المبايعة على الموت وليس النكاية بالعدو بل المقصد الأول الاستشهاد في سبيل الله الذي من محصلته النكاية بالعدو .
    سابعاً : ما رواه البيهقي في سننه الكبرى ك44 وغيره ، قال وفي يوم اليمامة لما تحصن بنو حنيفة في بستان مسيلمة الذي كان يعرف بحديقة الرحمن أو الموت ، قال البراء ابن مالك لأصحابه : ضعوني في الجفنة – وهي ترس من جلد كانت توضع به الحجارة وتلقى على العدو – وألقوني ، فألقوه عليهم فقاتل وحده وقتل منهم عشرة وفتح الباب وجرح يومئذ بضعاً وثمانين جرحاً ، حتى فتح الباب للمسلمين ، ولم ينكر ذلك عليه أحد من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين .
    وهنا لطيفة يحسن التنبيه عليها ألا وهي جلوس البراء بنفسه في الجفنة أي مشاركته مشاركة مباشرة في هلاك نفسه ، لكي لا يقال أن القاتل لنفسه خوف إفشاء الأسرار باشر قتل نفسه بنفسه والبراء ليس كذلك .
    بل يضاف إلى ذلك أن أصحابه عاونوه على ذلك ، والمتسبب في قتل النفس بقصد القتل مثل المباشر لقتلها ، كما أن المتسبب في قتل غيره بقصد القتل مساو لقتله في أحكام الدنيا حتى أن جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة رتبوا على من قتل غيره بالتسبب بقصد القتل القصاص من المتسبب كما يقتص من المباشر للقتل ، وإن لم يكن بقصد فالدية ، وخالف في ذلك الحنفية .
    وروى البخاري في كتاب الديات عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قُتل غلام غيلة فقال عمر : لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم به .
    إذاً لا عبرة بالتفريق بين المباشرة في القتل أو التسبب بقصد القتل فالحكم الشرعي واحد .
    وفي إقرار الصحابة لهذا الفعل دليل على جواز كل عمل جهادي حتى لو كانت الهلكة فيه محققة ، وما نحن فيه هو من الأعمال الجهادية إن لم يكن صلبها .
    ثامناً : ما رواه ابن جرير الطبري في تاريخه 5/194 أن عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما اصطرع يوم الجمل مع الأشتر النخعي ، واختلفا ضربتين ، ولما رأى عبد الله أن الأشتر سينجو منه قال كلمته المشهورة : ( اقتلوني ومالكاً ) ، قال الشعبي : إن الناس كانوا لا يعرفون الأشتر باسم مالك ، ولو قال ابن الزبير : اقتلوني والأشتر وكانت للأشتر ألف ألف نفس ما نجا منها شيء ، ثم ما زال يضطرب في يد ابن الزبير حتى أفلت منه .
    وفي طلب الزبير رضي الله عنه من أصحابه أن يقتلوه مع الأشتر دليل على جواز قتل النفس لمصلحة الدين إذا اقتضى الحال ذلك وإلا لما تجرأ الزبير  على طلبه هذا .
    تاسعاً : روى مسلم في صحيحه قصة أصحاب الأخدود وفيها من الدلالة قوله ( ثم جيء بالغلام فقيل له ارجع عن دينك ، فأبى ، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال : اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل ، فإذا بلغتم ذروته ، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه ، فذهبوا به فصعدوا به إلى الجبل فقال اللهم اكفنيهم بما شئت ، فرجف بهم الجبل فسقطوا ، وجاء يمشي إلى الملك فقال له : ما فعل أصحابك ؟ قال كفانيهم الله فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال : اذهبوا فاحملوه في قرقور ، فتوسطوا به البحر ، فإذا رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به ، فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت ، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا ، وجاء يمشي إلى الملك ، فقال له الملك ، ما فعل أصحابك ؟ قال : كفانيهم الله فقال للملك : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به ، قال : وما هو ؟ قال تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ، ثم خذ سهماً من كنانتي ، ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل : بسم الله رب الغلام ثم ارمني ، فإنك إذا فعلت قتلتني فجمع الناس في صعيد واحد ، وصلبه على جذع ، ثم أخذ سهماً من كنانته ، ثم وضع السهم في كبد القوس ، ثم قال بسم الله رب الغلام ، ثم رماه ، فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات ، فقال الناس آمنّا برب الغلام ، آمنّا برب الغلام ، آمنّا برب الغلام ، فأتي الملك فقيل له : أرأيت ما كنت تحذر ، قد والله نزل بك حذرك ، قد آمن الناس ، فأمر بالأخدود في أفواه السكك ، فخدت وأضرمت النيران وقال : من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها ، أو قيل له اقتحم ، ففعلوا حتى أتوا على امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها ، فقال لها الغلام يا أمّه اصبري إنك على الحق ) .
    وفي هذا الحديث دلالة على أن الغلام عندما أمر بقتل نفسه فداءً للدين أن ذلك أمر مشروع ولم يسم منتحراً ،وهنا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : وقد روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قصة أصحاب الأخدود وفيها أن الغلام أمر بقتل نفسه لأجل مصلحة ظهور الدين ولهذا جوز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين وقد بسطنا القول في هذه المسألة في موضع آخر أ.هـ
    ومما يعلم أن مذهب الحنابلة والأظهر عند الشافعية وهو رواية عند الحنفية وصححها القدوري وهي رواية مرجوحة في مذهب مالك أن من أمر بقتل نفسه بلا سبب مشروع فهو منتحر ، ولم يُعدَّ الغلام منتحراً لأن فعله بقصد إعزاز الدين ، حيث ما وجدنا على وجه الأرض إلا من أجل عبادة الله ولو كان أمر الغلام أمراً مجرداً عن مصلحة الدين لما جاز ، بل من العبث الذي سيؤاخذ عليه .
    والغلام أيضاً لم يوح إليه بفعله ذلك ، ولم يكن يعلم النتيجة لفعله مسبقاً ، وهذا في نظري القاصر من أقوى الأدلة على جواز مسألتنا آنفة الذكر ، بل من فعلَ ذلك فهو من الشهداء بمشيئة الله تعالى ، ويظهر هذا في تعريف العلماء للشهيد الذي سيأتي بعد قليل
    عاشراً : من المقرر عند أهل العلم قاطبة دون استثناء ، أن ليس للمسلم استبقاء نفسه بقتل غيره من المؤمنين بحال من الأحوال ، فكيف من استبقى نفسه بقتل المئات من المسلمين ، وذلك أن المأسور إن أفشى سر المسلمين الذي فيه هلاكهم ، فوازعه ، ودافعه في ذلك أن يتخلص من العذاب الواقع عليه ، ولا يكون ذلك إلا أن يفشي السر ، ويهلك المسلمين في سبيل راحته ، وهل يقول بذلك جاهل فضلاً عن عالم ؟!!! لذا جاءت عبارة التاج المهذب ما يلي : ولا يجوزله أن يستفدي نفسه بقتل غيره .
    ومن ذلك أن المكرهَ على القتل إذا قتل يقتل ; لأنه قتل من يكافئه ظلما استبقاء لنفسه فقتل , كما لو قتله الجماعة . وقال أبو حنيفة ، وسحنون : لا يقتل , وهي عثرة من سحنون وقع فيها بأسد بن الفرات الذي تلقفها عن أصحاب أبي حنيفة بالعراق وألقاها إليه , ومن يُجَوزُ له أن يقي نفسه بأخيه المسلم , وقد قال رسول الله : ** المسلم أخو المسلم لا يثلمه ولا يظلمه } . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ** انصر أخاك ظالما أو مظلوما . قالوا : يا رسول الله ; هذا ننصره مظلوما , فكيف ننصره ظالما ؟ قال : تكفه عن الظلم فذلك نصرك إياه } بدائع الصنائع للكاساني
    وماقال الفقهاء ذلك إلا لعظم حرمة الدم المسلم أن يراق بهذه السهولة ففي البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ) وعند أحمد في الزهد والترمذي في سننه والنسائي كذلك وابن ماجة والبيهقي وغيرهم عن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا ) وفي رواية ( لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم ) وفي رواية أخرى ( قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا )
    وفي مجمع الزوائد للهيثمي عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نظر إلى الكعبة فقال : (لقد شرفك الله وكرمك وعظمك والمؤمن أعظم حرمة منك ) رواه الطبراني في الأوسط وفيه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وعن جابر قال لما افتتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة استقبلها بوجهه وقال : ( أنت حرام ما أعظم حرمتك وأطيب ريحك وأعظم حرمة عند الله منك المؤمن ) رواه الطبراني في الأوسط .
    ولو قيل لنا وكذا يقال في من قتل نفسه خوف إفشاء السر ، فنقول ** وعجلت إليك رب لترضى } حيث هذه الحالة مخصوصة من عموم النصوص المحرمة لإزهاق النفس بسبب ضر أصابه في الدنيا أو لمجرد الإزهاق ، أو كمن قال أريد أن أقتل نفسي في سبيل الله دون بيان لدليل شرعي على جواز فعله ، لم نجوز له ذلك وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 25/279 ما نصه : وأما قوله أريد أن أقتل نفسي في الله ، فهذا كلام مجمل فإنه إذا فعل ما أمره الله به فأفضي ذلك إلى قتل نفسه فهذا محسن في ذلك كالذي يحمل على الصف وحده حملا فيه منفعة للمسلمين وقد اعتقد أنه يقتل ، فهذا حسن وفي مثله أنزل الله قوله : ** ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد }ومثل ما كان بعض الصحابة ينغمس في العدو بحضرة النبي وقد روى الخلال بإسناده عن عمر بن الخطاب أن رجلا حمل على العدو وحده فقال الناس ألقى بيده إلى التهلكة فقال عمر لا ولكنه ممن قال الله فيه ** ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد }وأما إذا فعل ما لم يؤمر به حتى أهلك نفسه فهذا ظالم متعد بذلك مثل أن يغتسل من الجنابة في البرد الشديد بماء بارد يغلب على ظنه أنه يقتله أو يصوم في رمضان صوما يفضي إلى هلاكه فهذا لا يجوز فكيف في غير رمضان فقد روى أبو داود في سننه في قصة الرجل الذي أصابته جراحة فاستفتى من كان معه هل تجدون لي رخصة في التيمم فقالوا لا نجد لك رخصة ، فاغتسل فمات فقال النبي قتلوه قتلهم الله هلا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال . أ.هـ
    وهذه حالة جهادية مندوب إليها ، ومأجور عليها ، ولا وزر فيها ، وذلك لقيام الدليل بل الوزر في فضح المسلمين ودلالة العدو عليهم وهم آمنون في عقر دارهم فيقتلون وتستباح أعراضهم ليبقى هو آمناً من تعذيب الأعداء له ، أي استبقى راحة جسده وليس نفسه على قتل إخوانه .
    حادي عشر : إن هذا المأسور إن لم يقتل نفسه ، وأشاع سر المسلمين وأذاعه قتل غيره وكان في حكم المفرط في إنقاذ حياة غيره ، ومن فرط في إنقاذ حياة إنسان كأن رآه في مهلكة فلم يمد له يد العون مع قدرته على ذلك , فهلك الإنسان فإنه آثم لا محالة لوجوب المحافظة على الأنفس , وهذا مما اتفق عليه أهل العلم ، واختلفوا في ترتب الضمان عليه في ذلك فذهب الجمهور ( الحنفية والشافعية والحنابلة في وجه ) إلى أنه لا ضمان عليه لأنه لم يهلكه , لا عن طريق المباشرة , ولا عن طريق التسبب . وذهب المالكية والحنابلة في وجه إلى وجوب الضمان عليه , لأنه لم ينجه من الهلاك مع إمكانه . انظر الموسوعة الفقهية مادة تفريط .
    وقيل مثل ذلك في الغريق و ترك إنقاذه ، حيث اتفق الفقهاء على أن المسلم يأثم بتركه إنقاذ الغريق معصوم الدم , لكنهم اختلفوا في حكم تركه إنقاذه هل يجب عليه القصاص أو الدية أو لاشيء عليه ؟ فعند الحنفية والشافعية والحنابلة - عدا أبي الخطاب - على ما يفهم من كلامهم أنه لا ضمان على الممتنع من إنقاذ الغريق إذا مات غرقا ; لأنه لم يهلكه , ولم يحدث فيه فعلا مهلكا , لكنه يأثم . وعند المالكية وأبي الخطاب من الحنابلة يضمن ; لأنه لم ينجه من الهلاك مع إمكانه , قال المالكية : وتكون الدية في ماله إن ترك التخليص عمدا , وعلى عاقلته إن تركه متأولا . الموسوعة مادة ، غرق
    وقد شدد ابن حزم رحمه الله في ذلك وجعل هذا نوعاً من القتل وعلى القادر على الإنقاذ من الهلكة إن لم يفعل القتل ، أياً كان نوع هذه الهلكة ، فقال : مسألة : من استسقى قوما فلم يسقوه حتى مات ؟ قال علي : روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا حفص بن غياث عن الأشعث عن الحسن أن رجلا استسقى على باب قوم ؟ فأبوا أن يسقوه , فأدركه العطش فمات , فضمنهم عمر بن الخطاب عن ديته ؟ قال أبو محمد : القول في هذا عندنا - وبالله تعالى التوفيق - هو أن الذين لم يسقوه إن كانوا يعلمون أنه لا ماء له ألبتة إلا عندهم , ولا يمكنه إدراكه أصلا حتى يموت , فهم قتلوه عمدا وعليهم القود بأن يمنعوا الماء حتى يموتوا - كثروا أو قلوا - ولا يدخل في ذلك من لم يعلم بأمره ولا من لم يمكنه أن يسقيه , فإن كانوا لا يعلمون ذلك ويقدرون أنه سيدرك الماء , فهم قتلة خطأ , وعليهم الكفارة , وعلى عواقلهم الدية ولا بد . برهان ذلك : قوله تعالى: ** وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } , وقال تعالى ** فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } , وقال تعالى ** والحرمات قصاص } , وبيقين يدري كل مسلم - في العالم - أن من استقاه مسلم - وهو قادر على أن يسقيه - فتعمد أن لا يسقيه إلى أن مات عطشا فإنه قد اعتدى عليه , بلا خلاف من أحد من الأمة , وإذا اعتدى فواجب - بنص القرآن - أن يعتدى على المعتدي بمثل ما اعتدى به - فصح قولنا بيقين لا إشكال فيه . وأما إذا لم يعلم بذلك فقد قتله , إذ منعه ما لا حياة له إلا به , فهو قاتل خطأ , فعليه ما على قاتل الخطأ . قال أبو محمد : وهكذا القول , في الجائع , والعاري , ولا فرق - وكل ذلك عدوان , وليس هذا كمن اتبعه سبع فلم يؤوه حتى أكله السبع , لأن السبع هو القاتل له , ولم يمت في جنايتهم , ولا مما تولد من جنايتهم , ولكن لو تركوه فأخذه السبع - وهم قادرون على إنقاذه - فهم قتلة عمد , إذ لم يمت من شيء إلا من فعلهم - وهذا كمن أدخلوه في بيت ومنعوه حتى مات ولا فرق وهذا كله وجه واحد - وبالله تعالى التوفيق . ويمكن أن يستأنس لهذا القول بالحديث الذي ذكره الموصلي في الاختيار ولم يعزه لأحد 4/175 ( أيما رجل مات ضياعاً بين أقوام أغنياء فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله ) هذا بالخصوص وأما بالعموم فما ذكره ابن حزم من القرآن فيه الكفاية .
    وأقول : بلا خلاف إن المأسور قادر على إنقاذ المسلمين من القتل بصيانة سرهم وعدم إظهاره ، حتى لو أدى ذلك إلى قتله ففي التاج المهذب لأحكام المذهب للصنعاني ما نصه : ( فصل ) في الفرق بين ضماني المباشرة والتسبيب في جناية الخطأ ( و ) اعلم أن جناية ( المباشر مضمون ) على فاعله ( وإن لم يتعد فيه ) يعني في فعله ( فيضمن ) المباشر(غريقا أمسكه) يريد إنقاذه فَثَقُلَ عليه وخشي إن تم الإمساك أن يتلفا معا (فأرسله) من يده ( لخشية تلفهما ) معا وإن كان في الأصل محسنا بإرادة إنقاذه ولما خشي على نفسه أرسله في الماء حتى مات فإنه مباشر في هذه الجناية ولا يجوزله أن يستفدي نفسه بقتل غيره ولهذا وجب الضمان للغريق وذلك بالقود للمرسل له وسواء أرسله بعد أن خرج رأسه من الماء أم قبل ذلك وإن عفا عنه سلم الدية من ماله أو هو مباشر , فإن كان الغريق هو الممسك واستفدى نفسه بالإرسال فلا ضمان فإن هلك الممسك بفتح السين بإمساك الغريق ضمنه من ماله فإن هلك الممسك ونجا الغريق قتل به .
    وما أحسن كلام ابن القيم في إعلام الموقعين ، عندما قال في الرجل الذي اعترف أنه هو الزانى لما رأى أن غيره سيؤخذ به فقال : وأما سقوط الحد عن المعترف فإذا لم يتسع له نطاق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأحرى أن لا يتسع له نطاق كثير من الفقهاء , ولكن اتسع له نطاق الرءوف الرحيم , فقال : إنه قد تاب إلى الله وأبى أن يحده , ولا ريب أن الحسنة التي جاء بها من اعترافه طوعا واختيارا خشية من الله وحده وإنقاذا لرجل مسلم من الهلاك , وتقديم حياة أخيه على حياته واستسلامه للقتل أكبر من السيئة التي فعلها .
    والشاهد قوله : وإنقاذا لرجل مسلم من الهلاك , وتقديم حياة أخيه على حياته واستسلامه للقتل أكبر من السيئة التي فعلها .
    وأصل القصة في النسائي قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين ، وقد روينا في سنن النسائي من حديث سماك عن علقمة بن وائل عن أبيه : ** أن امرأة وقع عليها في سواد الصبح وهي تعمد إلى المسجد بمكروه على نفسها , فاستغاثت برجل مر عليها وفر صاحبها , ثم مر عليها ذوو عدد , فاستغاثت بهم , فأدركوا الرجل الذي كانت استغاثت به فأخذوه , وسبقهم الآخر , فجاءوا يقودونه إليها , فقال : أنا الذي أغثتك وقد ذهب الآخر قال : فأتوا به نبي الله صلى الله عليه وسلم , فأخبرته أنه الذي وقع عليها وأخبر القوم أنهم أدركوه يشتد , فقال : إنما كنت أغثتها على صاحبها فأدركني هؤلاء فأخذوني , فقالت : كذب , هو الذي وقع علي , فقال النبي  : انطلقوا به فارجموه فقام رجل من الناس فقال : لا ترجموه وارجموني , فأنا الذي فعلت بها الفعل , فاعترف فاجتمع ثلاثة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم : الذي وقع عليها والذي أغاثها والمرأة , فقال : أما أنت فقد غفر لك وقال للذي أغاثها قولا حسنا فقال عمر : ارجم الذي اعترف بالزنى , فأبى رسول الله  وآله وسلم ; فقال :** لأنه قد تاب إلى الله }
    ثاني عشر : مما يعلم أن جمهور الفقهاء اتفقوا على جواز قتال العدو بل وجوبه إن كان هناك ضرر بتركه حتى وإن أدى ذلك إلى قتل الترس البشري من المسلمين ، ولنا أن نقول من المعلوم أن قتل المسلم لأخيه أعظم من قتله لنفسه كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى وكذا ابن حجر في الفتح وغيرهما ، لأن قتل المسلم لأخيه يتوجب عليه حقان الحق الأول لله والحق الثاني لأخيه ، وأما قتله لنفسه ففيه حق واحد لله فإذا جاز قتل الترس البشري المسلم على أيدي المسلمين من أجل مصلحة الدين وإعلاء كلمة الله ، أفلا يجوز قتل المسلم نفسه بنفسه إعلاءً لكلمة الله وحفاظاً على المسلمين من أن يقتلوا أو تنتهك أعراضهم وتستباح بيضتهم ، حيث لا يمكن أن نقول بتقديم مصلحة بقاء الواحد على مصلحة بقاء المئات أو درء مفسدة موت الواحد بموت المئات بحال من الأحوال ، ولم يأت الإسلام بذلك بل مما جاءت به الشريعة بقواعدها العامة وأمرتنا به أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وكذا لو تعارضت مفسدتان روعي أخطرهما ضراراً بارتكاب أخفهما ضرراً -قاعدة ارتكاب أخف الضررين - وهذا حاصل في استبقاء المئات بأن يفدي المأسور المسلمين بقتل نفسه ** وعجلت إليك رب لترضى } وترك مصلحة بقاء الأسير مقدم على جلب مفسدة قتل المئات من المسلمين واستباحة أعراضهم كما ألمح إلى ذلك فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله .
    ثالث عشر : سئل الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى عن ما يلاقيه أهل الجزائر ، من المجاهدين ، عندما يقعون في الأسر على أيدي الفرنسيون من العذاب والنكال ، حتى يعترفوا ، ويدلوا على المسلمين ، وأسرارهم ، فهل لهم أن ينتحروا لكي لا يخبروا بسر المسلمين فكانت الإجابة ما يلي :
    [ الفرنساويون في هذه السنين تصلبوا في الحرب ، ويستعملون ( الشرنقات ) إذا استولوا على واحد من الجزائريين ؛ ليعلمهم بالذخائر والمكامن ، ومن يأسرونه قد يكون من الأكابر فيخبرهم أن في المكان الفلاني كذا وكذا .
    وهذه الإبرة تسكره إسكاراً مقيداً ، ثم هو مع هذا كلامه ما يختلط ، فهو يختص بما يبينه بما كان حقيقة وصدقاً .
    جاءنا جزائريون ينتسبون إلى الإسلام يقولون : هل يجوز للإنسان أن ينتحر مخافة أن يضربوه بالشرنقة ، ويقول : أموت أنا وأنا شهيد – مع أنهم يعذبونه بأنواع العذاب- فقلنا لهم : إذا كان كما تذكرون فيجوز ، ومن دليله ( آمنا برب الغلام ( وقول بعض أهل العلم : إن السفينة .... إلخ إلا أن فيه التوقف من جهة قتل الإنسان نفسه ومفسدة ذلك أعظم من مفسدة هذا فالقاعدة محكمة ، وهو مقتول ولا بد . أ.هـ ( تقرير ) ] من فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم ج6ص207-208 الطبعة الأولى 1399هـ المطابع الحكومية كتاب الجهاد .
    وفي نظري القاصر أن هذه الفتوى من الشيخ قاصمة الظهر لمن يسأل ويقول من سبقك إلى هذا القول ، لذا وبعد أن عثرت على هذه الفتوى مؤخراً فإنني لا أرى غضاضة في أن أقول : قد يتوجه وجوب قتل النفس على من وقع في مثل ذلك ، صيانة لدماء المسلمين وأعراضهم ، وما كنت لأقول بهذا لولا أن رأيت هذه الفتوى للعلامة محمد بن إبراهيم رحمه الله ، هروباً من وحشة الشذوذ ، وأما الآن فلا شذوذ والحمد لله ، فضلاً عن أن الأدلة بحد ذاتها أقل ما يقال فيها إنها دالة على جواز ذلك ، فلما جاءت الفتوى جاءت لتقصر نبس الشفاه .
    رابع عشر : ما صدر عن الشيخ حسن أيوب في كتابه [ الجهاد والفدائية في الإسلام ] ص 247-248 من جواز هذا الفعل حيث قال ( الانتحار إذا كان له مبرر أصيل ، وقوي يتصل بأمر يخص المسلمين وينفعهم ، وبدونه يحصل الضرر للمسلمين فإنه حينئذ يكون جائزاً . وذلك كأن يعذب إنسان من أجل الإفضاء بأسرار تتعلق بمواقع الفدائيين أو أسمائهم ، أو يكشف خطط الجيش الإسلامي ، أو مواقع الذخيرة أو السلاح إلى آخر ما يعتبر علم العدو به خطراً على الجيش الإسلامي ، أو على أفراد المسلمين أو على حريمهم أو ذراريهم ، ويرى أنه لا صبر له على التعذيب ، وأنه مضطر أن يفضي بهذه الأسرار ، أو يعلم أن الأعداء يحقنونه بمادة مؤثرة على الأعصاب بحيث يبوح بما عنده من أسرار تلقائياً ، وبدون تفكير ، أو شعور بخطورة ما يقوله ، ويشهد لذلك أقوال العلماء فيمن ألقى بنفسه على الأعداء ، وهو يعلم أنه مقتول لا محالة ولكنه يرى أن في ذلك خيراً للإسلام والمسلمين ، وحالتنا هذه أهم وأخطر ) أ.هـ
    خامس عشر: جميع ما صدر من فتاوى بأدلتها الشرعية عن العلماء المتأخرين كالشيخ عبدالله بن حميد رحمه الله فيما ينقل عنه والشيخ الألباني رحمه الله والشيخ العلامة حمود العقلاء وفقه الله ومتعنا به والشيخ سليمان العلوان حفظه الله وفتوى علماء الأردن وعلماء الأزهر وعلماء مصر وغيرها كثير صادرة عن علماء أقطار العالم الإسلامي التي تجيز تفجير النفس وقتلها نكاية بالعدو ، هي بحد ذاتها فتوى لما ذهبت إليه من جواز قتل المسلم نفسه إن خشي أن يفشي سر المسلمين تحت طائلة التعذيب ، لأن النكاية بالعدو هنا متحققة ، وكذا نصرة الدين والمسلمين وليس هناك فرق بين المسألتين ، بل إن أدلة العلماء السابقين في مسألة جواز الانغماس في العدو للنكاية بهم وإن غلب على ظنه أنه يقتل ليس بينها وبين مسألتنا فرق ؛ سوى أن هذا قتل بيد العدو وهذا قتل بيده ، و لا عبرة بهذا الفرق لأن المعين أو المتسبب في قتل نفسه هو كالمباشر لقتل نفسه وهذا مما يتفق عليه أهل العلم قاطبة .
    سادس عشر : يلزم لزوماً حتمياً جميع من أفتى بجواز وفضل العمليات الاستشهادية أن يفتي بجواز وفضل من قتل نفسه فداءً للمسلمين ، وخوفاً عليهم من أن يفشي سرهم وذلك لأن الحفاظ على أرواح المؤمنين أولى بكثير من قتل بعض الكافرين في عملية استشهادية قد لا يقتل فيها أحد سوى بعض الدمار لبعض المنشآت وإرهاب العدو لذا جاء في بدائع الصنائع 7/120 : وأما مفاداة الأسير بالأسير فلا تجوز عند أبي حنيفة عليه الرحمة ، وعند أبي يوسف ومحمد تجوز ووجه قولهما أن في المفاداة إنقاذ المسلم وذلك أولى من إهلاك الكافر .
    والشاهد قول أهل العلم المتفق عليه (إنقاذ المسلم وذلك أولى من إهلاك الكافر ) وهذا مما يتفق عليه ذوو الحجا والنهى من المسلمين ، فإن قال قائل لا يلزم قلنا له بين لنا الفرق بين المسألتين ؟! لأن التفرقة بين المتماثلات بلا دليل من أعسر المشكلات .
    سابع عشر : نص الفقهاء رحمهم الله تعالى على أن من تعين موته بأحد سببين واستويا في السوء ، فله أن يتخير بينهما ، كمن احترقت سفينته فيه ، ولا يحسن السباحة أو كانت الأسماك المفترسة تحته ، فلو اختار موته غرقاً ، أو احتراقا ًجاز ، وإن غلب على ظنه أن أحد السببين أهون من الآخر ، فيتبع الأهون وبه قال جمهور الفقهاء ، كما في البحر الرائق وبدائع الصنائع وغيرها من كتب الفقه ، قال في البحر الرائق : ( فإن كان المسلمون في سفينة فاحترقت السفينة , فإن كان غلبة ظنهم أنهم لو ألقوا أنفسهم في البحر تخلصوا بالسباحة يجب عليهم أن يطرحوا أنفسهم في البحر ليتخلصوا من الهلاك القطعي وإن استوى الجانبان إن أقاموا احترقوا , وإن أوقعوا أنفسهم غرقوا فهم بالخيار عند أبي حنيفة وأبي يوسف لاستواء الجانبين وقال محمد لا يجوز أن يلقوا أنفسهم في الماء ; لأنه يكون إهلاكا بفعلهم ) ا هـ .
    وهذه هي مسألتنا في غالب أحوالها حيث إن صاحب السر مقتول لا محالة أخبر بالسر أو كتمه وهذا حال الحربي المأسور إلا فيما ندر ، وهنا له أن يختار أحد السببين في موته على رأي الفقهاء ، فما بالك إذا أضفنا أنه اختار السبب الذي فيه صالح الإسلام والمسلمين ؟!!
    ثامن عشر : ومن الأدلة على جواز مسألتنا بل فضلها ، وأن صاحبها ممن يستحق لقب الشهيد بمشيئة الله تعالى ، أن لا عبرة بكيفية القتل ولا باليد القاتلة في استحقاق الشهادة حتى نقول إن من قتل نفسه خوف إفشاء الأسرار ليس بشهيد لأنه باشر قتل نفسه ، أو قتل في غير ساحة المعركة ، لذا سوف آتي الآن بمبحث ( الشهيد وتعريفه ) لكي أبين أن من قتل نفسه بهذه الصورة أنه شهيد ، ثم أبين بعد ذلك أن لا عبرة باليد القاتلة في مسألة الشهادة في سبيل الله ، حيث لم يرد في الشرع أن الشهيد من قتل في المعركة مع الأعداء بيد العدو وإلا فلا شهادة .
    الشهيد وتعريفه
    أما تعريف الشهيد في اللغة :
    فقد جاء في لسان العرب لابن منظور : والشهيد : المقتول في سبيل الله ، والجمع شهداء ..... قال والاسم الشهادة ، والشهيد الحي ؛ عن النضر بن شميل في تفسير الشهيد الذي يستشهد : الحي أي هو عند ربه ... ثم ذكر بعد ذلك لماذا سمي الشهيد بهذا الاسم وعند ابن حجر والنووي ما يغني عن ما ذكره ابن منظور .
    وقال صاحب تاج العروس : الشهيد تكسر شينه – قال الليث : وهي لغة بني تميم ... إلى أن قال : والشهيد الحاضر وفعيل من أبنية المبالغة في فاعل .... وقال : والشهيد في الشرع القتيل في سبيل الله ..... إلى آخر ما قال .
    القاموس الفقهي : الشهيد من شهد ويأتي بمعنى الشاهد ومن قتل في سبيل الله تعالى ويجمع على شهداء ، وأشهاد ، ومنه الشاهد : الحاضر ويجمع على شهود وأشهاد وهو أيضاً من يؤدي الشهادة .
    وأما تعريفه في الشرع :
    فعند الحنفية : قال صاحب حاشية ابن عابدين: هو من قتله المشركون أو وجد مقتولاً في المعركة وبه أثر أية جراحة ظاهرة أو باطنة كخروج الدم من العين أو نحوها .
    وقالوا أيضاً في تبيين الحقائق للزيلعي هو كل من صار مقتولاً في قتال أهل الحرب أو البغاة أو قطاع الطريق بمعنى مضاف إلى العدو كان شهيداً ، بالمباشرة أو التسبب وكل من صار مقتولاً بمعنى غير مضاف إلى العدو لا يكون شهيداً .
    وقالوا كما في البحر الرائق : رجل قصد العدو ليضربه فأخطأ فأصاب نفسه فمات يغسل ، لأنه ما صار مقتولا بفعل مضاف إلى العدو ولكنه شهيد فيما ينال من الثواب في الآخرة لأنه قصد العدو لا نفسه ، وأطلق في قتله فشمل القتل مباشرة أو تسببا لأن موته مضاف إليهم ، حتى لو أوطؤا دابتهم مسلما أو انفروا دابة مسلم فرمته أو رموه من السور أو ألقوا عليه حائطا أو رموا بنار فأحرقوا سفنهم أو ما أشبه ذلك من الأسباب كان شهيدا ، ولو انفلتت دابة مشرك ليس عليها أحد فوطئت مسلما أو رمي مسلم إلى الكفار فأصاب مسلما ، أو نفرت دابة مسلم من سواد الكفار أو نفر المسلمون منهم فألجئوهم إلى خندق أو نار أو نحوه أو جعلوا حولهم الشوك فمشى عليها مسلم فمات بذلك لم يكن شهيدا ، خلافا لأبي يوسف لأن فعله يقطع النسبة إليهم وكذا فعل الدابة دون حامل وإنما لم يكن جعل الشوك حولهم تسبيبا لأن ما قصد به القتل فهو تسبب وما لا فلا ، وهم إنما قصدوا به الدفع لا القتل .
    وعند المالكية : قال الدرديري في الشرح الكبير هو : من قتل في قتال الحربيين فقط ولو قتل ببلد الإسلام بأن غزا الحربيون المسلمين ، أو لم يقاتل بأن كان غافلاً أو نائماً أو قتله مسلم يظنه كافراً ، أو داسته الخيل ، أو رجع عليه سيفه أو سهمه ، أو سقط في بئر أو سقط من شاهق حال القتال .
    وعند الشافعية : قال ابن حجر هو : من قتل في حرب الكفار مقبلاً غير مدبر مخلصاً .
    و في مغني المحتاج : هو الذي يقتل في قتال الكفار مقبلاً غير مدبر لتكون كلمة الله هي العليا ، وكلمة الذين كفروا السفلى دون عرض من أعراض الدنيا .
    وعند الحنابلة : قال صاحب كشاف القناع والشهيد هو من مات بسبب القتال مع الكفار وقت قيام القتال .
    وقال ابن قدامة في المغني : فإن كان الشهيد عاد عليه سلاحه فقتله فهو كالمقتول بأيدي العدو ، وقال القاضي يغسل ويصلى عليه لأنه مات بغير أيدي المشركين أشبه ما لو أصابه ذلك في غير المعترك ، ولنا ما روى أبو داود عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال أغرنا على حي من جهينة فطلب رجل من المسلمين رجلا منهم فضربه فأخطأه ، فأصاب نفسه بالسيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أخوكم يا معشر المسلمين فابتدره الناس فوجدوه قد مات فلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثيابه ودمائه وصلى عليه ) فقالوا يا رسول الله أشهيد هو ؟ قال ( نعم وأناله شهيد ) وعامر بن الأكوع بارز مرحبا يوم خيبر فذهب يسفل له فرجع سيفه على نفسه فكانت فيها نفسه فلم يفرد عن الشهداء بحكم ولأنه شهيد المعركة فأشبه ما لو قتله الكفار .
    مسألة : لا دخل لليد الفاعلة في استحقاق وصف الشهادة
    مما تقدم من تعريف الشهيد يتبين أن الجمهور خلافاً للحنفية لم يجعلوا لليد الفاعلة للقتل سبباً في تحقق الشهادة ، سوى ما جاء عند الحنفية بأن الشهيد الذي قتله المشركون أو وجد قتيلاً في أرض المعركة .
    وقول الجمهور هو الراجح ، وقول الحنفية يرده ما جاء في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ، ثم ذكر الحديث ....... وفيه ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا السائق قالوا عامر بن الأكوع – أخو سلمة - قال يرحمه الله ، قال رجل من القوم وجبت يا نبي الله لولا أمتعتنا به ، فلما تصاف القوم كان سيف عامر قصيراً ، فتناول به ساق يهودي ليضربه ويرجع ذباب سيفه فأصاب عين ركبة عامر فمات منه ، قال فلما قفلوا قال سلمة رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم شاحباً وهو آخذ بيدي قال ( ما لك ؟ ) قلت له فداك أبي وأمي زعموا أن عامراً حبط عمله ، قال ( من قاله ؟ ) قلت قاله فلان وفلان وفلان وأسيد بن الحضير الأنصاري ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كذب من قاله إن له لأجرين وجمع بين إصبعيه إنه لجاهد مجاهد ) .
    وروى أبو داود في سننه حديث 2539 عن أبي سلام عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : أغرنا على حي من جهينة ، فطلب رجل من المسلمين رجلاً منهم فأخطأه ، وأصاب نفسه بالسيف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أخوكم يا معشر المسلمين ) فابتدره الناس فوجدوه قد مات ، فلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثيابه ودمائه وصلى عليه ودفنه ، فقالوا يا رسول الله ، أشهيد هو ؟ قال ( نعم وأنا عليه شهيد ) .
    وبهذا يتبين أنه ليس شرطاً أن يقتل المجاهد بسلاح العدو حتى يقال عنه شهيد ، إنما الشهيد من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ، وقتل في أرض المعركة بأية طريقة كانت فإنه ينطبق عليه وصف الشهيد .
    ومن توقف عن القول بجواز العمليات الاستشهادية شبهته فيها أن المجاهد يقتل نفسه ، فتوقفه ليس له ما يبرره ، فإن كان توقف لهذه الشبهة فليعلم أنه لا تأثير لها في استحقاق الشهيد للشهادة .
    إذ إن الشرع قد يفرق بين حكم متماثلين ظاهراً بسبب القصد والنية كما أسلفت آنفاً ، ولا أدل على ذلك من مسألة تمني الموت ، حيث اختلف حكمها باختلاف نية المتمني ومثلها مسألة زواج المحلِل محرم إن قصد به التحليل وإلا فمشروع ومندوب إن قصد به اعفاف نفسه والاستمتاع المشروع فيكون بذلك نكاحاً شرعياً ، والسبب أن قصده في الأول التحليل وفي الثاني الإعفاف ، فأثرت النية في العقد الأول فأبطلته وفي الثاني فأباحته بل رغبت فيه ، ومثل ترك التداوي يختلف حكمه باختلاف نية التارك للدواء فإن كان الترك توكلاً على الله فهو مرغب فيه محمود وإن كان إهمالاً فهو محرم مذموم وغير ذلك كثير من مسائل الشرع التي تؤثر فيها النية فتقلبها من حال إلى حال إذ العمدة في ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء عن عمر في الصحيحين [ إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ] .
    فالنية هي مناط تغير الحكم والتفريق بين المتماثلين ظاهرٌ في كثير من الأحكام الشرعية ، ومن هذا الكثير قتيل المعركة حيث بين الشارع أن من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله و من قاتل ليقال عنه جريء أو شجاع فهو في سبيل الشيطان وهذا ظاهر في أحاديث رسول الله  .
    من هنا يتضح لنا أن الحكم الشرعي للشهيد لا يتغير بتغير اليد القاتلة ولا يعتد باليد القاتلة للمجاهد ، ولا بأداة القتل ولا بطريقة القتل ، إذا كان ذلك لوجه الله و بنية خالصة لإعلاء كلمة الله فمن قتله العدو مع سوء نيته فهذا في النار ، وآخر قتله العدو مع إخلاصه فهو في الجنة ، وآخر قتل نفسه جزعاً فهو في النار ، والرابع قتل نفسه خطأً فهو في الجنة ، وآخر تمنى الموت أو دعاء به على نفسه لضر أصابه أو ضجرٍ من الدنيا فتمنيه محرم ويقابله من تمنى الموت ودعا على نفسه بذلك رجاء ما عند الله ففعله مندوب ومأمور به .
    والذي أعان على قتل نفسه أو قتلها لإعلاء كلمة الله وحفاظاً على أعراض المسلمين وحمايةً لها فهو على نيته وليس بمنتحر وفيما قدمت من أدلة وقفة تأمل يجب أن تكون لمن حرم قتل النفس خوف إفشاء الأسرار .
    لذا قال شيخ الإسلام في الفتاوى ج25/ ص 281 ما نصه :
    فينبغي للمؤمن أن يفرق بين ما نهى الله عنه من قصد الإنسان قتل نفسه أو تسببه في ذلك وبين ما شرعه الله من بيع المؤمنين أنفسهم وأموالهم له كما قال تعالى إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة وقال ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله أي يبيع نفسه ، والاعتبار في ذلك بما جاء به الكتاب والسنة لا بما يستحسنه المرء أو يجده أو يراه من الأمور المخالفة للكتاب والسنة ..... ألخ
    ويا ليت شعري من حرم ذلك ، ونهى عنه ، لو اطلع على ما قاله الفقهاء كما في المغني لابن قدامةج2 ص551 ومنهم الإمام الخرقي الحنبلي في المرأة إذا ماتت وفي بطنها ولد يتحرك إن لم يوجد قوابل يخرجنه يترك ولا يمكن الرجال من إخراجه بل يترك حتى يموت ويدفن مع أمه كل ذلك رعاية لحرمة أم ميتة من أن يمس الأجنبي المسلم فرجها لإخراج جنينها الحي ـ أي يضحى بحياة الجنين النفس المنفوسة في سبيل حرمة أمه الميتة ـ أليس يا ذوي الحجا ، والنهى ، من الأولى أن يباح للمسلم أن يضحي بنفسه في سبيل الله تعالى حفاظاً على وحياة ألوف مؤلفة من المؤمنات أن يطأ أعراضهن علوج أنجاس من اليهود والنصارى والشيوعيين وغيرهم من المرتدين من عملاء النصيرية في سوريا أو البعثية في العراق أو العلمانية في تونس وليبيا والمغرب و .......... إلى مالا نهاية له نسأل الله العافية مما نحن فيه .
    أخيراً : وهي زبدة هذا البحث ومحصلته وفائدته المختصرة :
    1- جميع النصوص المحرمة قتل المسلم نفسه أو إلقاءها في مواطن الهلكة ، عامة مخصوص منها مسألتنا ، ومن قال غير ذلك فعليه الدليل لكي نرجع إليه رغم أنوفنا ** فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } ** إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا } ** وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم }
    2- يجب أن يُعلم أن قياس المنتحر في هذه العمليات الاستشهادية على المنتحر ضجراً من الدنيا أو لضر أصابه ، قياس مـع الفارق فالمنتحر وازعه في قتل نفسه الجزع وعدم الصبر أو اليأس ، وهذا ما لا يرضي الله ، وأما المنتحر في العملية الاستشهادية المذكورة آنفاً فوازعه فيها أن يفدي الدين وإخوانه المؤمنين بنفسه ، وأن يحمي أعراضهم بدمه وبذلك تكمن رفعة الدين ، والنكاية بالعدو ، فنفسه ، مطمئنة ، فرحة ، مستبشرة متطلعة إلى لقاء الله والفوز بالجنـة . فهل يستويان ؟! ** هل يستويان مثلاً الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون }

    3- جواز الانتحار خوف إفشاء الأسرار لابد له من ضوابط :
    أ- أن تكون نيته خالصة لله ووازعه ودافعه لهذا العمل حماية المسلمين والإسلام وبيضته لا أن يكون الوازع عدم الصبر على العذاب والضجر مما نزل به .
    ب- أن يكون السر مهما ً يترتب على كشفه ضرر كبير يلحق بالمسلمين ، من هزيمة أو قتل أحدهم ، أو هتك أعراضهم ، أو الزج بهم في غياهب السجون وتعذيبهم مدداً طويلة لا يعلم أمدها إلا الله سبحانه وتعالى .
    ج- أن يقع صاحب السر في أيدي الأعداء حقيقة وليس أن يتوقع أن يقع في أيديهم ، أو أن يكون في حصار لا فرار معه البتة فإن كان هناك مجال للفرار أو المقاومة حتى القتل أو النجاة فلا يجوز الانتحار ، بل يجب عليه أن يقاوم ويبذل طاقته ويستفرغ وسعه وجهده في الفرار أوحملهم على قتله .
    د- أن لا يستطيع حامل السر الصمود أمام التعذيب ، ولا قدرة له على ذلك ، فإن كان له قدرة وصبرٌ على ذلك حتى الموت ، فلا يجوز الانتحار ، إلا أن يخاف ألا يصمد مع الوقت عند ذلك لا بأس بالانتحار خوف إفشاء الأسرار إن لم نقل بندبه أو وجوبه على حسب ما يترتب على إفشاء السر .
    ختاماً : أسال الله جلت قدرته أن يجعل هذا البحث خالصاً لوجهه الكريم وأن يعفو عن الزلل فيه فما أردت إلا الحق وما حصل في هذا البحث من صواب فمن الله وحده وما حصل فيه من خطأ فمن نفسي والشيطان والله ورسوله منه بريئان .



    كتبه / عبدالعزيز بن صالح الجربوع
    وتم الفراغ منه يوم السبت الموافق 18/2/1422هـ
    قال العلامة الأمين : العقيدة كالأساس والعمل كالسقف فالسقف اذا وجد أساسا ثبت عليه وإن لم يجد أساسا انهار

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    59

    افتراضي رد: حكم من قتل نفسه حماية للمسلمين

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    ما ذكره الشيخ عبد العزيز الجربوع صحيح إن أثبت بأنّه يمكن للأسير أن لا يصبر من غير تهاون

    و لكنّ الأصل أنّ الإنسان قادر على الصبر في هذه المسألة إن لم يتهاون

    و مسألة عدم صبر الإنسان من غير تهاون في هذه المسألة مسألة محتملة ليس لها دليل

    و بالتالي فلا يمكن أن يترك الأصل لإحتمال

    و الله أعلم

    بقي تنبيه : إن غلب على ظن إنسان بأنّه سيتقاعس و سيفرط و سيعصي الله بعدم صبره الصبر الواجب في إفشاء سرّ يهلك به جمع من المسلمين هلاك هؤولاء يسبب ضررا أكبر من ضرر قتله لنفسه فهنا يقال بأنّه من باب أقل المعاصي يقتل نفسه خيرا له من أن يتسبب في قتل أولئك المسلمين و لكن يبقى فعله هذا معصية إن فعله لأنّه يمكنه أن يصبر و الأصل أنّه يمكنه أن يصبر و قد كان في من قبلنا من ينشر من مفرق رأسه إلى قدميه و لا يرده ذلك عن دينه مما يدلّ بأنّ للإنسان القدرة على الصبر حتى على هذا التعذيب.

    و الصحابة رضيّ الله عنهم كانوا يعذبون و كان عند الصحابة أسرار على المسلمين و لم ينقل عن النّبي صلى الله عليه و سلّم أنّه أباح لهم قتل أنفسهم إن غلب على ظنّهم أنّهم سيفشون أسرار خطيرة تفتك بالمسلمين رغم أنّ الأمر إن كان جائز وفق ماذكره الشيخ عبد العزيز الجربوع فهو مما تعمّ به البلوى في الحروب.

    و لكن أين هذه النصوص و أين أقوال السلف الصالح في هذه الأمور رغم كثرة الحروب في أوقاتهم و إنتشار الأسر عندهم حتى يأتي شخص في القرن الخامس عشر فيفتي بقول لم ينقل عن السلف قوله في مسألة غير مختصة بهذا العصر و إنّما الحاجة تدعو إلى معرفتها في عصور من قبلنا كما هي في عصرنا و ربما أكثر.

    هذا و الله أعلم

    و صلى الله على نبيّنا محمّد و سلّم تسليما كثيرا و تبارك الله عزّ و جلّ

    و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    1,469

    افتراضي رد: حكم من قتل نفسه حماية للمسلمين

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الناصح الصادق مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
    و لكنّ الأصل أنّ الإنسان قادر على الصبر في هذه المسألة إن لم يتهاون
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    أخي الحبيب كلامك غير وجيه فهل كل الناس سواسية في التحمل والصبر...
    فهذا بلال رضي الله عنه صبر وتحمل تعذيب سيده له ولم ينالوا منه شيئا
    وأما عمار رضي الله عنه وعن والديه فلم يصبر ولم يستطع أن يتحمل تعذيب
    قريش له فقال ما أرادوا
    قال العلامة الأمين : العقيدة كالأساس والعمل كالسقف فالسقف اذا وجد أساسا ثبت عليه وإن لم يجد أساسا انهار

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    59

    افتراضي رد: حكم من قتل نفسه حماية للمسلمين

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    النّبي صلى الله عليه و سلّم بيّن بأنّه قد رخص في أمتنا للمكروه نطق كلمة الكفر و لكن بشرط أن لا ينشرح صدر من نطقها

    و قد ذكر العلماء بأنّه في الأمم السابقة وجد من لم يرخص له بنطق كلمة الكفر حتى في حال الإكراه مما يدل بأنّ الإنسان عنده الصبر على تحمل الأذى في شيء مهما كان التعذيب إذا كان عن عقيدة أنّ الله أمر بهذا الصبر.

    و ما فعله عمار لا يصلح دليلا بأنّه يمكن للإنسان أن لا يصبر من غير تهاون على عدم البوح بما يضرّ بالمسلمين ضررا كبيرا و يسبب هلاكهم نتيجة التعذيب : لأنّ ما فعله عمار يمكن أنّه قد كان عن إجتهاد خاطىء قبل أن يبين النّبي صلى الله عليه و سلّم له الأمر.

    و إذا كان ما ذكرت عن عمار رضيّ الله عنه محتمل فيما ذكرته

    فعليه فلا أرى بأنّه يصلح أن يبنى على هذا ما يخالف هذا الأصل : أنّ الإنسان قادر على الصبر على الأذى بعدم ذكر شيء إذا كان معتقدا أنّ الله أوجب عليه هذا الصبر.

    هذا رأيي و الله أعلم

    تنبيه : سبق و أن قلت ما يلي :

    هذا على فرض أنّه يوجد نصوص من الكتاب و السّنة أباحت قتل النفس لحالات معيّنة

    و لكن هل توجد هذه النصوص ؟
    فأقول : حدث لي سقط و كنت أود أن أقول ما يلي :

    هذا على فرض أنّه يوجد نصوص من الكتاب و السّنة أباحت قتل الإنسان لنفسه في حالات معيّنة

    و لكن هل توجد هذه النصوص ؟
    و الله أعلم

    و صلى الله على نبيّنا محمّد و سلّم تسليما كثيرا و تبارك الله عزّ و جل

    و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

  18. #18

    Exclamation رد: حكم من قتل نفسه حماية للمسلمين

    قال النبي صلى الله عليه وسلم (لاينبغي للمؤمن ان يذل نفسه فقيل: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتحمل من البلاء ما لايطيق) حديث حسن رواه الترمذي
    فمشكلة الكثير من الشباب الاندفاع بدون اعداد للنفس على تحمل المشاق ولقد سمعنا عن الكثير من الشباب الذين بمجرد مايتم اعتقالهم أو سجنهم حتى بدت عليهم عوامل الضعف والانهيار
    دخلوا وهم يحسبون أنهم من المجاهدين فلما اكتشفوا ضعفهم وقلة زادهم هرعوا يتباكون عند من سجنهم وخرجوا من عنده عملاء يكشفون اخوانا لهم حسنوا الظن بهم وقبلوهم في صفوفهم
    أنا أرى أنه لاينبغي لنا أن نحمل أنفسنا فوق طاقتها ونتقي الله ماستطعنا ولانقحم أنفسنا في مالاطاقة لنا به كي لانموت منتحرين أو نخرج من السجن عملاء وكلا الطريقين أحلاهما أمر من الاخر وحسبنا الله هو مولانا وصلى الله على محمد واله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •