تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: ما هو حكم قراءة القرأن بالمقامات؟؟؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    الدولة
    اليمن
    المشاركات
    87

    افتراضي ما هو حكم قراءة القرأن بالمقامات؟؟؟

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    عندنا في البلدة في مسجد قريب عقد شيخ درسا عن كيفية تعلم المقامات لبعض الناس الذين سيكونون أئمة في رمضان!!!
    فما حكم ذلك؟؟؟؟

  2. #2

    افتراضي رد: ما هو حكم قراءة القرأن بالمقامات؟؟؟

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله تعالى_ في جامع المسائل: (الحمد لله. الناس مأمورون أن يقرأوا القرآن على الوجه المشروع، كما كان يقرأه السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فإن القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول.
    وقد تنازع الناس في قراءة الألحان، منهم من كرهها مطلقا بل حرمها، ومنهم من رخص فيها، وأعدل الأقوال فيها أنها إن كانت موافقة لقراءة السلف كانت مشروعة، وإن كانت من البدع المذمومة نهي عنها، والسلف كانوا يحسنون القرآن بأصواتهم من غير أن يتكلفوا أوزان الغناء، مثل ما كان أبو موسى الأشعري يفعل،فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لقد أوتى هذا مزمارا من مزامير آل داود). وقال لأبي موسى الأشعري: (مررت بك البارحة وأنت تقرأ، فجعلت أستمع لقراءتك)، فقال: لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا. أي لحسنته تحسينا. وكان عمر يقول لأبي موسى الأشعري: يا أبا موسى، ذكرنا ربنا فيقرأ أبو موسى وهم يستمعون لقراءته.
    وقد قال صلى الله عليه وسلم: (زينوا القرآن بأصواتكم). وقال: (لله أشد أذنا إلى رجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته) . وقال: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن).
    وتفسيره عن الأكثرين كالشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما هو تحسين الصوت به. وقد فسره ابن عيينة ووكيع وأبو عبيد على الاستغناء به. فإذا حسن الرجل صوته بالقرآن كما كان يفعل السلف _ مثل أبي موسى الأشعري وغيره_ فهذا حسن.
    وأما ما أحدث بعدهم من تكلف القراءة على ألحان الغناء فهذا ينهى عنه عند جمهور العلماء، لأنه بدعة، ولأن ذلك فيه تشبيه القرآن بالغناء، ولأن ذلك يورث أن يبقى قلب القارئ مصروفا إلى وزن اللفظ بميزان الغناء، لا يتدبره ولا يعقله، وأن يبقى المستمعون يصغون إليه لأجل الصوت الملحن كما يصغي إلى الغناء، لا لأجل استماع القرآن وفهمه وتدبره والانتفاع به...)

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله_ في مجموعة الفتاوى (وحيث أطلق الفقهاء اسم ‏[‏الكلام‏]‏ على حرفين فصاعدًا في ‏[‏باب الصلاة‏]‏، فإنما غرضهم ما يبطل الصلاة، سواء كان مفيدًا أو غير مفيد، وموضوعا، أو مهملا، حتى لو صوت تصويتًا طويلا، ولحن لحون الغناء أبطل الصلاة، وإن لم يكن ذلك في اللغة كلامًا‏.‏)

    وقال أيضا في مجموعة الفتاوى (وعن الفضل بن زياد، قال‏:‏ سمعت أبا عبد الله يسأل عن القراءة‏:‏ فقال يحسنه بصوته من غير تكلف‏.‏ وقال أبو بكر الأثرم‏:‏ سألت أبا عبد الله عن القراءة بالألحان‏؟‏ فقال‏:‏ كل شيء محدث؛ فإنه لا يعجبني، إلا أن يكون صوت الرجل لا يتكلفه...(

    وقال ابن القيم _رحمه الله_ في زاد المعاد (فقالت طائفة‏:‏ تكره قراءة الالحان، وممن نص على ذلك احمد ومالكٌ وغيرهما، فقال احمد في رواية علي بن سعيد في قراءة الالحان‏:‏ ما تعجبُني وهو محْدَث‏.‏ وقال في رواية المروَزي‏:‏ القراءةُ بالالحان بدعة لا تسمع، وقال في رواية عبد الرحمن المتطبب‏:‏ قراءةُ الالحان بدعة، وقال في رواية ابنه عبد اللّه، ويوسف بن موسى، ويعقوب بن بختان، والاثرم، وابراهيم بن الحارث‏:‏ القراءةُ بالالحان لا تُعجبني الا ان يكون ذلك حُزناً، فيقرا بحزن مثلَ صوت ابي موسى، وقال في رواية صالح‏:‏ ‏(‏زَيِّنُوا القُرْاَنَ بِاصْوَاتِكُم‏) ‏، معناه‏:‏ ان يُحسِّنه، وقال في رواية المروَزي‏:‏ ‏(‏ما اذِن اللّه لشيء كاذَنِهِ لنبي حسن الصوت ان يتغنَّى بالقران‏)‏ وفي رواية قوله‏:‏ ‏(‏لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْانِ‏)‏ فقال‏:‏ كان ابنُ عيينة يقول‏:‏ يستغني به‏.‏ وقال الشافعي‏:‏ يرفع صوته، وذكر له حديث معاوية بن قرة في قصة قراءة سورة الفتح والترجيع فيها، فانكر ابو عبد اللّه ان يكون على معنى الالحان، وانكر الاحاديثَ التي يُحتج بها في الرخصة في الالحان‏.‏
    وروى ابن القاسم، عن مالك، انه سئل عن الالحان في الصلاة، فقال‏:‏ لا تُعجبني، وقال‏:‏ انما هو غناءٌ يتغنَّون به، لياخذوا عليه الدراهم، وممن رُويت عنه الكراهةُ، انس بن مالك، وسعيد بن المسيِّب، وسعيد بن جبير، والقاسم بن محمد، والحسن، وابن سيرين، وابراهيم النخعي‏.‏ وقال عبد اللّه بن يزيد العكبري‏:‏ سمعت رجلاً يسال احمد، ما تقولُ في القراءة بالالحان‏؟‏ فقال ما اسمك‏؟‏ قال محمد‏:‏ قال‏:‏ ايسرك ان يقال لك‏:‏ يا موحمد ممدوداً، قال القاضي ابو يعلى‏:‏ هذه مبالغة في الكراهة‏.‏ وقال الحسن بنُ عبد العزيز الجَرَوي‏:‏ اوصى اليَّ رجل بوصية، وكان فيما خلَّف جارية تقرا بالالحان، وكانت اكثَر تَرِكته او عامتها، فسالتُ احمد بن حنبل والحارث بن مسكين، وابا عُبيد، كيف ابيعُها‏؟‏ فقالوا‏:‏ بعها ساذجةً، فاخبرتُهم بما في بيعها من النقصان، فقالوا‏:‏ بعها ساذَجة، قال القاضي‏:‏ وانما قالوا ذلك، لان سماع ذلك منها مكروه، فلا يجوز ان يُعاوض عليه كالغناء‏.‏
    قال ابن بطَّال‏:‏ وقالت طائفة‏:‏ التغنِّي بالقران، هو تحسينُ الصوت به، والترجعُ بقراءته، قال‏:‏ والتغني بما شاء مِن الاصوات واللحون هو قول ابن المبارك، والنضرِ بن شُميل، قال‏:‏ وممن اجاز الالحان في القران‏:‏ ذكر الطبري، عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، انه كان يقول لابي موسى‏:‏ ذكِّرنا ربَّنا، فيقرا ابو موسى ويتلاحن، وقال‏:‏ من استطاع ان يتغنى بالقران غِناء ابي موسى، فليفعل، وكان عقبة بن عامر من احسن الناس صوتاً بالقراَن، فقال له عمر‏:‏ اعرض عليَّ سورة كذا، فعَرض عليه، فبكى عمر، وقال‏:‏ ما كنتُ اظن انها نزلت، قال‏:‏ واجازه ابن عباس، وابن مسعود، وروي عن عطاء بن ابي رباح، قال‏:‏ وكان عبد الرحمن بن الاسود بن يزيد، يتتبَع الصوتَ الحسن في المساجد في شهر رمضان‏.‏ وذكر الطحاوي عن ابي حنيفة واصحابه‏:‏ انهم كانوا يستمعون القران بالالحان‏.‏ وقال محمد بن عبد الحكم‏:‏ رايت ابي والشافعي ويوسف بن عمر يستمعون القران بالالحان، وهذا اختيارُ ابن جرير الطبرى‏.‏
    قال المجوِّزون - واللفظ لابن جرير-‏:‏ الدليلُ‏:‏ على ان معنى الحديث تحسينُ الصوت، والغناء المعقول الذي هو تحزين القارئ سامعَ قراءته، كما ان الغناء بالشعر هو الغناءُ المعقولُ الذي يُطرب سامعه -‏:‏ ما روى سفيان، عن الزهري، عن ابي سلمة، عن ابي هريرة، ان النبي صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ ‏(‏مَا اذنَ اللَّهُ لشيء مَا اذنَ لنبيٍّ حسن التَّرنُّم بالقُرْان‏)‏ ومعقول عند ذوي الحِجا، انَ الترنُّم لاَ يكًون الا بالَصوت اذا حسَّنه المترنم وطرَّب به‏.‏ وروي في هذا الحديث ‏(‏ما اذِنَ اللّه لشيء ما اذن لنبي حسنِ الصوت يتغنى بالقراَن يجهرُ به‏)‏‏.‏ قال الطبري‏:‏ وهذا الحديث من ابين البيان ان ذلك كما قلنا، قال‏:‏ ولو كان كما قال ابنُ عيينة، يعني‏:‏ يستغني به عن غيره، لم يكن لذكر حُسن الصوت والجهر به معنى، والمعروف في كلام العرب ان التغني انما هو الغناء الذي هو حسنُ الصوت بالترجيع، قال الشاعر‏:‏
    تَغَنَ بِالشِّعْرِ امَّا كُنْتَ قَائِلَه ** انَّ الغِنَاءَ لِهَذا الشِّعرِ مِضْمَارُ
    قال‏:‏ واما ادعاء الزاعم، ان تغنّيتَ بمعنى استغنيت فاشٍ في كلام العرب، فلم نعلم احداً قال به من اهل العلم بكلام العرب‏.‏ واما احتجاجُه لتصحيح قوله بقولِ الاعشى‏:‏
    وكُنْتُ امْرَءاً زَمَناً بالعِرَاق ** عَفِيفَ المُنَاخِ طويلَ التَّغَنْ
    وزعم انه اراد بقوله‏:‏ طويل التغني‏:‏ طويل الاستغناء، فانه غلط منه، وانما عنى الاعشى بالتغني في هذا الموضع‏:‏ الاِقامة من قول العرب‏:‏ غني فلان بمكان كذا اذا اقام به، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كاَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا‏}‏ ‏[‏الاعراف‏:‏ 92‏]‏ واستشهاده بقول الاخر‏:‏
    كِلاَنا غَنِيُّ عَنْ اخِيهِ حَيَاتَهُ وَنَحْنُ اذا مِتْنا اَشَدُ تَغَانِيا
    فانه اغفال منه، وذلك لان التغاني تفاعل من تغنَّى‏:‏ اذا استغنى كل واحد منهما عن صاحبه، كما يقال‏:‏ تضارب الرجلان، اذا ضرب كل واحد منهما صاحبه، وتشاتما، وتقاتلا‏.‏ ومن قال‏:‏ هذا في فعل اثنين، لم يجز ان يقول مثله في فعل الواحد، فيقول‏:‏ تغانى زيد، وتضارب عمرو، وذلك غيرُ جائز ان يتول‏:‏ تغنى زيد بمعنى استغنى، الا ان يريد به قائله انه اظهر الاستغناء، وهو غير مستغن، كما يقال‏:‏ تجلَّد فلان‏:‏ اذا اظهر جَلَدا من نفسه، وهو غير جليد، وتشجَّع، وتكرَّم، فان وجَّه موجِّه التغنِّي بالقران الى هذا المعنى على بُعده من مفهوم كلام العرب، كانت المُصيبة في خطئه في ذلك اعظمَ، لانه يُوجب على من تاوله ان يكون اللّه تعالى ذِكرُه لم ياذن لنبيه ان يستغني بالقران، وانما اذِنَ له ان يُظهر من نفسه لنفسه خلافَ ما هو به من الحال، وهذا لا يخفى فسادُه‏.‏ قال‏:‏ ومما يُبين فسادَ تاويل ابن عُيينة ايضاً ان الاستغناء عن الناس بالقران مِن المحال ان يُوصف احد به انه تؤذن له فيه او لا يؤذن، الا ان يكون الاذن غد ابن عيينة بمعنى الاِذن الذي هو اطلاق واباحة، وان كان كذلك، فهو غلط من وجهين، احدهما‏:‏ من اللغة، والثاني‏:‏ من احالة المعنى عن وجهه‏.‏ اما اللغة، فان الاذن مصدر قوله‏:‏ اذن فلان لكلام فلان، فهو ياذَن له‏:‏ اذا استمع له وانصت، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏واَذِنَت لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ‏}‏ ‏[‏الانشقاق‏.‏ 2‏]‏، بمعنى سمِعت لربها وحُقَّ لها ذلك، كما قال عدى بن زيد‏:‏
    * انَّ هَمِّي فِي سَمَاعٍ واذَن *
    بمعنى، في سماع واستماع‏.‏ فمعنى قوله‏:‏ ما اذن اللّه لشيء، انما هو‏:‏ ما استمع اللّه لشيء من كلام الناس ما استمع لنبي يتغنى بالقران‏.‏ واما الاِحالة في المعنى، فلان الاستغناء بالقُرْان عن الناس غيرُ جائز وصفه بانه مسموع وماذون له، انتهى كلام الطبري‏.‏
    قال ابو الحسن بن بطال‏:‏ وقد وقع الاِشكال في هذه المسالة ايضاً، بما رواه ابن ابي شيبة، حدثنا زيد بن الحباب، قال‏:‏ حدثني موسى بن عليّ بن رباح، عن ابيه، عن عُقبة بن عامر، قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏تَعَلَّموا القُرْانَ وتَغَنَّوا بِهِ، واكتبوه، فَوالذي نَفسي بِيَدِهِ، لَهوَ اَشَدُّ تَفَصِّياَ مِنَ المَخَاضِ مِنَ العقُلِ‏)‏‏.‏ قال‏:‏ وذكر عمر بن شَبَّة، قال‏:‏ ذكر لابي عاصم النبيل تاويلُ ابن عيينة في قوله ‏(‏يتغنّىَ بالقران‏)‏ يستغني به، فقال‏:‏ لم يصنع ابن عيينة شيئاً، حدثنا ابنُ جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عُمير، قال‏:‏ كانت لداود نبيِّ اللّه صلى الله عليه وسلم مِعزَفَةٌ يتغنَّى عليها يَبكي ويُبكي‏.‏ وقال ابن عباس‏:‏ انه كان يقرا الزبور بسبعين لحناً، تكون فيهن، ويقرا قراءة يَطْرَبُ منها الجموعُ‏.‏ وسئل الشافعي رحمه اللّه، عن تاويل ابن عيينة فقال‏:‏ نحن اعلمُ بهذا، لو اراد به الاستغناء، لقال‏:‏ ‏(‏من لم يستغن بالقُران‏)‏، ولكن لما قال‏:‏ ‏(‏يتغنَّى بالقران‏)‏، علمنا انه اراد به التغنِّي‏.‏
    قالوا‏:‏ ولان تزيينه، وتحسين الصوت به، والتطريب بقراءته اوقعُ في النفوس، وادعى الى الاستماع والاِصغاء اليه، ففيه تنفيذ للفظه الى الاسماع، ومعانيه الى القلوب، وذلك عونٌ على المقصود، وهو بمنزلة الحلاوة التي تُجعل في الدواء لتنفذه الى موضع الداء، وبمنزلة الافاويه والطِّيب الذي يُجعل في الطعام، لتكون الطبيعة ادعى له قبولاً، وبمنزلة الطِّيب والتحكِّي، وتجمُّل المراة لبعلها، ليكون ادعى الى مقاصد النكاح‏.‏ قالوا‏:‏ ولا بد للنفس من طرب واشتياق الى الغناء، فعُوِّضت عن طرب الغناء بطرب القران، كما عُوِّضت عن كل محرَّم ومكروه بما هو خيرٌ لها منه، وكما عوِّضت عن الاستقسام بالازلام بالاستخارة التي هي محضُ التوحيد والتوكل، وعن السِّفاح بالنكاح، وعن القِمار بالمُراهنة بالنِّصال وسباق الخيل، وعن السماع الشيطاني بالسماع الرحماني القراني، ونظائره كثيرة جداً‏.‏
    قالوا‏:‏ والمحرَّم، لا بد ان يشتمِل على مفسدة راجحة، او خالصة، وقراءة التطريب والالحان لا تتضمن شيئاً مِن ذلك، فانها لا تُخرِجُ الكلام عن وضعه، ولا تَحولُ بين السامع وبين فهمه، ولو كانت متضمِّنة لزيادة الحروف كما ظن المانع منها، لاخرجت الكلمة عن موضعها، وحالت بين السامع وبين فهمها، ولم يدر ما معناها، والواقعُ بخلاف ذلك‏.‏
    قالوا‏:‏ وهذا التطريب والتلحين، امر راجع الى كيفية الاداء، وتارة يكون سليقة وطبيعة، وتارة يكون تكلُّفاً وتعقُلاً، وكيفيات الاداء لا تخرِجُ الكلام عن وضع مفرداته، بل هي صِفات لصوت المؤدِّي، جارية مجرى ترقيقه وتفخيمه وامالته، وجارية مجرى مدود القرَّاء الطويلة والمتوسطة، لكن تلك الكيفيات متعلقة بالحروف، وكيفيات الالحان والتطريب، متعلقة بالاصوات، والاثار في هذه الكيفيات، لا يمكن نقلُها، بخلاف كيفيات اداء الحروف، فلهذا نُقلت تلك بالفاظها، ولم يمكن نقل هذه بالفاظها، بل نقل منها ما امكن نقله، كترجيع النبي صلى الله عليه وسلم في سورة الفتح بقوله‏:‏ ‏(‏ا ا ا‏)‏‏.‏ قالوا‏:‏ والتطريب والتلحين راجع الى امرين‏:‏ مدٍ وترجيع، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، انه كان يمد صوته بالقراءة يمد ‏(‏الرحمن‏)‏ ويمد ‏(‏الرَّحيم‏)‏ ، وثبت عنه الترجيع كما تقدم‏.‏
    قال المانعون من ذلك‏:‏ الحجة لنا من وجوه‏.‏ احدها‏:‏ ما رواه حُذيفة بن اليمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اقرؤوا القُرْان بِلحُونِ العَرَبِ واصْوَاتِها، وايَاكُم وَلُحُونَ اَهْلِ الكِتَابِ وَالفِسْق، فانَّهُ سَيَجيء في مِنْ بَعْدِي اَقوَامٌ يُرَجِّعُونَ بِالقُرْانِ تَرْجِيعَ الغِنَاءِ وَالنَّوْحِ، لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهم، مَفتُونَةً قُلُوبُهُم، وَقُلُوبُ الَذِينَ يُعْجِبُهُم شَاْنُهُم‏)‏ رواه ابو الحسن رَزِينّ في ‏(‏تجريد الصحاح‏)‏ ورواه ابو عبد اللّه الحكيم الترمذي في ‏(‏نوادر الاصول‏)‏‏.‏ واحتج به القاضي ابو يعلى في ‏(‏الجامع‏)‏، واحتج معه بحديث اخر، انه صلى الله عليه وسلم ذكر شرائطَ الساعة، وذكر اشياء، منها‏:‏ ‏(‏ان يُتخذ القرانُ مَزاميرَ، يُقدِّمونَ اَحَدَهُم لَيْسَ بِاَقْرَئِهِم وَلا اَفْضَلِهِم ما يُقَدِّمُونَهُ الا لِيُغَنِّيَهُم غِنَاءً‏)‏‏.‏
    قالوا‏:‏ وقد جاء زياد النهدي الى انس رضي اللّه عنه مع القراء، فقيل له‏:‏ اقرا، فرفع صوته وطرَّب، وكان رفيعَ الصوت، فكشف انس عن وجهه، وكان على وجهه خِرقة سوداء، وقال‏:‏ يا هذا‏!‏ ما هكذا كانوا يفعلون، وكان اذا راى شيئاً يُنكره، رفع الخِرقة عن وجهه‏.‏ قالوا‏:‏ وقد منع النبيُّ صلى الله عليه وسلم المؤذِّن المُطَرِّبَ في اذانه من التطريب، كما روى ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال‏:‏ كان لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم مؤذِّن يطرِّب، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏انَّ الاذان سَهْلِّ سمح‏.‏، فان كان اَذَانُكَ سَهْلا سَمْحاً، والاَّ فَلا تُؤذِّن‏)‏ رواه الدارقطني وروى عبد الغني بن سعيد الحافظ من حديث قتادة، عن عبد الرحمن بن ابي بكر، عن ابيه، قال‏:‏ كانت قراءةُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المدَّ، ليس فيها ترجيع‏.‏ قالوا‏:‏ والترجيع والتطريب يتضمن همزَ ما ليس بمهموز، ومدَّ ما ليس بممدود، وترجيعَ الالف الواحد الفات، والواوَ واوات، والياء ياءاتٍ، فيؤدِّي ذلك الى زيادة في القران، وذلك غير جائز، قالوا‏:‏ ولا حدَّ لما يجوز من ذلك، وما لا يجوز منه، فان حُدَّ بحدٍّ معيَّنٍ، كان تحكُّماً في كتاب اللّه تعالى ودِينه، وان لم يُحَدَّ بحدٍّ، افض الى ان يُطلق لفاعله ترديدُ الاصوات، وكثرةُ الترجيعات، والتنويعُ في اصناف الاِيقاعات والالحان المشبِهة للغناء، كما يفعل اهلُ الغناء بالابيات، وكما يفعله كثير من القُرَّاء امام الجنائز، ويفعلُه كثيرٌ مِن قراء الاصوات، مما يتضمن تغييرَ كتاب الله والغِناء به على نحو الحان الشعر والغناء، ويُوقعون الاِيقاعات عليه مثل الغناء سواء، اجتراءً على اللّه وكتابه، وتلاعباً بالقران، وركوناً الى تزيين الشيطان، ولا يجيز ذلك احدٌ من علماء الاِسلام، ومعلوم‏:‏ ان التطريبَ والتلحين ذريعةٌ مُفضية الى هذا افضاءً قريباً، فالمنع منه، كالمنع من الذرائع الموصلة الى الحرام، فهذا نهايةُ اقدام الفريقين، ومنتهى احتجاج الطائفتين‏.‏
    وفصل النزاع، ان يقال‏:‏ التطريب والتغنِّي على وجهين، احدهما‏:‏ ما اقتضته الطبيعة، وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين ولا تعليم، بل اذا خُلّي وطبعه، واسترسلت طبيعته، جاءت بذلك التطريب والتلحين، فذلك جائز، وان اعان طبيعتَه بفضلِ تزيين وتحسين، كما قال ابو موسى الاشعري للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لَو علمتُ انّكَ تَسمَع لَحَبَّرْتُه لَكَ تحبِيراً‏)‏ والحزين ومَن هاجه الطرب، والحبُ والشوق لا يملك من نفسه دفعَ التحزين والتطريب في القراءة، ولكن النفوسَ تقبلُه وتستحليه لموافقته الطبع، وعدم التكلف والتصنع فيه، فهو مطبوع لا متطبِّع، وكَلفٌ لا متكلَف، فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويستمعونه، وهو التغني الممدوح المحمود، وهو الذي يتاثر به التالي والسامعُ، وعلى هذا الوجه تُحمل ادلة ارباب هذا القول كلها‏.‏
    الوجه الثاني‏:‏ ما كان من ذلك صناعةً من الصنائع، وليس في الطبع السماحة به، بل لا يحصُل الا بتكلُّف وتصنُّع وتمرُّن، كما يتعلم اصوات الغِناء بانواع الالحان البسيطة، والمركبة على ايقاعات مخصوصة، واوزانٍ مخترعة، لا تحصل الا بالتعلُم والتكلف، فهذه هي التي كرهها السلفُ، وعابوها، وذمّوها، ومنعوا القراءةَ بها، وانكروا على من قرا بها، وادلة ارباب هذا القول انما تتناول هذا الوجه، وبهذا التفصيل يزول الاشتباهُ، ويتبين الصوابُ من غيره، وكلُّ من له علم باحوال السلف، يعلم قطعاً انهم بُراء من القراءة بالحان الموسيقى المتكلفة، التي هي ايقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة، وانهم اتقى للّه من ان يقرؤوا بها، ويُسوّغوها، ويعلم قطعاً انهم كانوا يقرؤون بالتحزين والتطريب، ويحسِّنون اصواتَهم بالقران، ويقرؤونه بِشجىً تارة، وبِطَربِ تارة، وبِشوْق تارة، وهذا امر مركوز في الطباع تقاضيه، ولم ينه عنه الشارع مع شدة تقاضي الطباع له، بل ارشد اليه وندب اليه، واخبر عن استماع اللّه لمن قرا به، وقال‏:‏ ‏(‏لَيْسَ مِنَّا مَن لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقرانِ‏)‏ وفيه وجهان‏:‏ احدهما‏:‏ انه اخبار بالواقع الذي كلُّنا نفعله، والثاني‏:‏ انه نفي لهدي من لم يفعله عن هديه وطريقته صلى الله عليه وسلم‏.‏)

    والله أعلم..
    والحمدلله رب العالمين....


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •