قال تعـالى :-{ فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ ... }سورة الأنعام آية 125سُهيل بن عمرو ..
( 1 )
الحارث بن هشام ..
صفوان بن أمية ...
ما شأن هؤلاء الثلاثة ؟!!
لقد أخذ النبى صلى الله عليه وسلم يدعو عليهم واحدًا واحدًا والدماء تسيل على وجههفى غزوة أحد، والمشركون قد شددوا وطأتهم وحرصوا على قتله بصفة خاصة حتى يستأصلوا دعوته وكُسرت رباعيته ، وكاد أن يُقتل لولا أن الله تعالى ساق أبطال المسلمين يقدمون أنفسهم رخيصة فداءًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
و قُتل عمه الحمزة بن عبد المطلبرضي الله عنهومُثِّل به ...
أثناء ذلك كله أخذ النبى صلى الله عليه وسلم يلعنأئمة الكفر يوم ذاك.
وعين النبى صلى الله عليه وسلم هؤلاء الثلاثة بصفة خاصة ...
وإلى هنا فلا لوم ولا عتاب على النبى صلى الله عليه وسلم أن يدعوا على أعدائه فقد دعا النبى صلى الله عليه وسلم على أعدائه قائلا : ( اللهم احصهم عددًا ، واقتلهم بددًا، ولا تبق عليها منهم أحدًا .. ) وقنت النبى صلى الله عليه وسلمشهرًا كاملاً فى صلاته يدعوا على رعل وذكوان ويحددهم ..
لكن النبى صلى الله عليه وسلم أضاف الى دعائه هنا أمرًا آخر ، ألا وهو أنه قال متعجبًا e : كيف يهدى الله قومًا خضبوا وجه نبيهم ؟!
إن هؤلاء لا يمكن أن يؤمنوا ولا يمكن أن تنالهم هداية الله ..
عندئذٍ نزل القرآن الكريم قائلا لرسوله :
{ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ. وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }[1]
وكأن الله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم إن الهدايةلم يجعلها الله بيد أحدٍ من البشر حتى أنت يا رسول الله ليس لك من الأمر شيئ ، إنما جُعلت الهداية بيد الله سبحانه ، يهدى من يشاء ويضل من يشاء .
أما أنت أيها الرسول الكريم فما عليك إلا البلاغ . أما الهداية فهى بيد صاحبها وهو الله تعالى ، يمنحها لمن يشاء ويمنعها عمن يشاء ..
ولكن ماذا كان من هؤلاء الثلاثة بعد دعاء النبى صلى الله عليه وسلم عليهم ونزول القرآن فى حقهم ؟!
أما سهيل بن عمرو فسيدٌ من سادات قريش وخطيبها المفوه وكان يؤلب الناس على المسلمين ويحاربهم بكل ما أوتى من قوة. وكانت حرارة كلماته تصل إليهم فتؤذيهم مما جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنهحين رأى سهيل فى الأسر يوم بدر أن يشير على النبى صلى الله عليه وسلم قائلا : ( دعنى أنزع ثَنِيَّتى سهيل ، فلا يقوم علينا خطيبًا، فقالصلى الله عليه وسلم: دعها ، فلعلها أن تسُرَّك يومًا ) .(2)
الى هذا الحد كانت فصاحة سهيل تؤلم عمر ، حتى أراد أن يخلع بعض أسنانه حتى تُشوه الحروف فلا يستطيع أن يخطب فى المحافل .
ورفض النبى صلى الله عليه وسلم أن يتم التمثيل بوجه الرجل ، وأطلق سراح سهيل ..
وعاش سهيل يحارب بسلاحين ( بالسيف واللسان ) حتى كان دورهُ الأكبر يوم الحديبية إذ جاء سهيل بن عمرو رسولاً من قِبَلِ قريش ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم متفائلاً : (لقد سهل لكم أمركم) .
وقال : ( قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل) ، وكانت قريش قد قالت لسهيل بن عمرو : ائت محمدًا فصالحه ، ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا ، فوالله لا تحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبدًا . فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم فأطال الكلام ، وتراجعا ، ثم جرى بينهما الصلح.
وعندما بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم في إملاء شروط الصلح على الصحابى الجليل علي بن أبي طالب ، كاتب الصحيفة ، اعترض سهيل على كتابة كلمة (الرحمن) في البسملة ، وأراد بدلاً عنها أن يكتب (باسمك اللهم)، لأنها عبارة الجاهليين ، ورفض المسلمون ذلك ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم وافق على اعتراض سهيل. ثم اعترض سهيل على عبارة (محمد رسول الله) ، وأراد بدلاً عنها عبارة : ( محمد بن عبد الله) ، فوافقه أيضًا على هذا الاعتراض.
وعندما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به) اعترض سهيل قائلاً : لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة قهرًا ولكن ذلك في العام المقبل ، فنخرج عنك فتدخلها بأصحابك فأقمت فيها ثلاثًا معك سلاح الراكب لا تدخلها بغير السيوف في القرب . فوافق الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الشرط .
ثم قال سهيل : وعلى أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا. قال المسلمون: سبحان الله ! كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما؟! فبينما هو كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده ، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل : هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إلي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إنا لم نقض الكتاب بعد) ، فقال سهيل : والله إذًا لم أصالحك على شيء أبدًا.
وألح الرسول صلى الله عليه وسلم على سهيل أن يستثني أبا جندل ، فرفض وتمسك بذلك ، ولم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم بدًا من إمضاء ذلك لسهيل.
ثم بعد هذا تم الاتفاق على بقية الشروط وهي : ( على وضع الحرب عشر سنين ، يأمن فيها الناس ، ويكف بعضهم عن بعض ، وأن بينهم عيبة مكفوفة ، فلا إسلال ولا إغلال ، وأن من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه).
وظل سهيل على موقفه تجاه الإسلام إلى يوم فتح مكة ، ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دخل البيت ثم خرج فوضع يده على عضادتى الباب ، فقال : " ماذا تقولون ؟ " فقال سهيل بن عمرو : نقول خيرًا، ونظن خيرًا ، أخ كريم وابن أخ كريم ، وقدرت .
فقال : (أقول كما قال أخى يوسف
[1] ) سورة آل عمران آية 128 – 129 .