هذا مقال كتبه فضيلة الشيخ عيسى المبلع حفظه الله ورعاه

شطط الأدباء . وغيرة العلماء . وصمت الأمراء . وضجيج الغوغاء


بسم الله أبدأ , وإليه أسعى وألجأ . أما بعد : فحيا معي حتى نصل المرفأ .
حُقَّ لقلمٍ لا يرفع صاحبه بالحق أن يكسر , وحُقَّ لسطر لا ينفع كاتبه عند الله أن يحظر. فاللسان نعمة , وتسخيره في غير ما خلق لأجله نقمة . ( الرَّحْمَٰنُ . عَلَّمَ الْقُرْآنَ . خَلَقَ الْإِنْسَانَ . عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ).( أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ . وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ . وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ).
. لن أتكلم في هذا المقال عن قوالب الأدب , وإنما عن غايته وما يؤول إليه من العطب . فالحياة هدف ومنهاج , فما فيها من أمر تعبدي فهو للشرع محتاج . وما كان من أمر دنيوي فالأمر واسع في منهجه , مقيد ٌ شرعاً بغايته ومقصده .
. فالأدب لسنا متعبدين بذاته , وإنما محاسبون على أهدافه وغاياته .( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ . أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ . وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ۗ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ).
. فقف معي أيها الأديب الرشيد , على ميراث حسان بن ثابت ولبيد .
حسان . ( لسانك أشد عليهم من النبل ) , لبيد . ( أبَعد البقرة وآل عمران يا أمير المؤمنين شعر ونبل ).
. إنها مسؤولية الرسالة , وعظم شأن الأمانة. ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ).( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ ۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ).
. فهل وعيت أيها الأديب مابه كُلّفت , وما لأجله خلقت وشرِّفت .
. فشكراً لكل أدب نظيف , من رواية ونثر وشعر لطيف . فلنا في شواطئه مقام ومصيف .
. وعذراً عن كل أدب عقيم , من رواية ونثر وشعر سقيم . فنغسل أيدينا عنه سبعاً بزمزم والحميم .
. إنه العار والنار والشنار , والخزي والخيبة وسوء القرار , لمن وهبه لساناً وأناملاً العزيزُ الغفار , فحارب بهما الله الواحد القهار .
( أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ )
. فواعجباً ! كيف حُوِّلت مهمة حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة , إلى مهمة إيليا أبو ماضي وشعراء الحداثة .
. سبرت أحوالهم , واستقرأت أهدافهم , فوجدتها تصب في مستنقع آسن , مشوبة بحلوان كاهن . يرومون تحقيق ثلاثة أمور , تداعوا من أجلها على مر الدهور :
أولها : خلخلة العقيدة , ونسف الشريعة , ونشر الرذيلة , ووأد الفضيلة .
وثانيها : الحرية المطلقة بلا وازع , من الدين أو العقل أو العرف الرادع . شيوعية بعباءة إسلامية , وفوضوية بلا هوية .
وثالثها : إخراج الحرَّة المصونة , من صدفتها المكنونة . لتعرض الجمال , وتخالط الرجال . وترتوي من رؤيتها خائنة الأعين , وتتحدث معها منحرفة الألسن . فتُقضى معها الشهوات , ثم ترمى في سلة المهملات .
. فهل من أديب رجَّاع , وعالم صداع , وأمير شجاع , وتابع واع ؟
. يصونون الأمانة , ويحجبون الخيانة . ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا . لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَا تِ وَالْمُشْرِكِين َ وَالْمُشْرِكَات ِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ).
إلى هنا . نختم المقال بالسلام , من الملك القدوس السلام . على كل كريم يَرام , في جنة الخلد مقام . وإلى لقاء مع الأيام , إن أبقانا الحي الذي لا ينام .