بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد :
إخواني فقد نقلت هذا الفصل من كتاب "مختصر منهاج القاصدين" للإمام الشيخ "أحمد بن عبدالرحمن بن قدامة المقدسي" المُتَوفي عام "689هـ" , وذلك لما رأت في هذا الفصل من الفوائد التي تفيدنا في تربية صغارنا , وجعلت لكل فقرة قبلها علامة "*" وذلك ليقف الوالدين والمربي عند كل علامة ويحاول جاهداً العمل بهذه الوصايا العظيمة مع صغارنا , فيكون هذا الفصل بمثابة مربي ومعلم صادق لصغارنا.
فصل ( في رياضة الصبيان في أول النشوء )
اعلم : أن الصبي أمانة عند والديه , وقلبه جوهرة ساذجة , وهي قابلة لكل نقش , فإن عوّد الخير نشأ عليه , وشاركه أبواه ومُؤَدِّبُه في ثوابه , وإن عوّد الشر نشأ عليه , وكان الوزر في عنق وليّه , فينبغي أن يصونه ويؤدبه ويهذبه , *ويعلمه محاسن الأخلاق , *ويحفظه من قرناء السوء , *ولا يعوده التنعم , *ولا يحبب إليه أسباب الرفاهية فيضيع عمره في طلبها إذا كبر .
*بل ينبغي أن يراقبه من أول عمره , *فلا يستعمل في رضاعه وحضانته إلا امرأة صالحة متدينة تأكل الحلال , فإن اللبن الحاصل من الحرام لا بركة فيه , فإذا بدت فيه مخايل التميز وأولها الحياء , وذلك علامة النجابة وهي مبشرة بكمال العقل عند البلوغ , فهذا يستعان على تأديبه بحياءه .
وأول ما يغلب عليه من الصفات شره الطعام , *فينبغي أن يعلم آداب الأكل , *ويعوده أكل الخبز وحده في بعض الأوقات لئلا يألف الإدام فيراه كالحتم , *ويقبح عنده كثرة الأكل , بأن يشبه الكثير الأكل بالبهائم , *ويحبب إليه الثياب البيض دون الملوثة والإبريسم , ويقرر عنده أن ذلك من شأن النساء والمخنثين , *ويمنعه من مخالطة الصبيان الذي عودوا التنعم , *ثم يشغله في المكتب بتعليم القرآن والحديث وأحاديث الأخيار , *ليغرس في قلبه حب الصالحين , *ولا يحفظ من الأشعار التي فيها ذكر العشق .
*ومتى ظهر من الصبي خلق جميل وفعل محمود , فينبغي أن يكرم عليه , ويجازى بما يفرح به , ويمدح بين أظهر الناس , *فإن خالف ذلك في بعض الأحوال تغوفل عنه ولا يكاشف , *فإن عاد عوتب سراً وخُوِّف من اطلاع الناس عليه , ولا يكثر عليه العتاب , لأن ذلك يهون عليه سماع الملامة , وليكن حافظاً هيبة الكلام معه .
*وينبغي للأم أن تخوفه بالأب , *وينبغي أن يمنع النوم نهاراً , فإنه يورث الكسل , *ولا يمنع النوم ليلاً , *وليكنه يمنع الفرش الوطيئة لتتصلب أعضاءه .
*ويتعود الخشونة في المفرش والملبس والمطعم .
*ويعود المشي والحركة والرياضة لئلا يغلب عليه الكسل .
*ويمنع أن يفتخر على أقرانه بشيء مما يملكه أبواه , أو بمطعمه أو ملبسه .
*ويعود التواضع والإكرام لمن يعاشره .
*ويمنع أن يأخذ شيئاً من صبي مثله , *ويعلم أن الأخذ دناءة , وأن الرفعة في الإعطاء .
*ويقبح عنده حب الذهب والفضة .
*ويعود أن لا يبصق في مجلسه , ولا يتمخط , *ولا يتثائب بحضرة غيره , *ولا يضع رجلاً على رجل , *ويمنع من كثرة الكلام .
*ويعود أن لا يتكلم إلا جواباً , *وأن يحسن الاستماع إذا تكلم غيره ممن هو أكبر منه , *وأن يقوم لمن هو فوقه ويجلس بين يديه .
*ويمنع من فحش الكلام , *ومن مخالطة من يفعل ذلك , فإن أصل حفظ الصبيان حفظهم من قرناء السوء .
*ويحسن أن يفسح له بعد خروجه من المكتب في لعب جميل , ليستريح به من تعب التأديب , كما قيل : روح القلوب تعِ الذكر .
*وينبغي أن يعلم طاعة والديه ومعلمه وتعظيمهم .
*وإذا بلغ سبع سنين أمر بالصلاة , *ولم يسامح في ترك الطهارة ليتعود , *ويخوف من الكذب والخيانة , *وإذا قارب البلوغ , ألقيت إليه الأمور .
ويُعَلَّمْ: *أن الأطعمة أدوية , والمقصود منها تقوية البدن على طاعة الله تعالى , *وأن الدنيا لا بقاء لها , *وأن الموت يقطع نعيمها , وهو منتظر في كل ساعة , *وأن العاقل من تزود لآخرته , فإن كان نشوؤه صالحاً ثبت هذا في قلبه , كما يثبت النقش في الحجر . انتهى كلامه يرحمه الله .