............................
(ا) متفق عليه: رواه البخاري (2697)، ومسلم (1718) - واللفظ له - من حديث عائشة...
وفي لفظ في الصحيحين أيضا: (
من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد).
قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله -: (هذا الحديث أصلٌ عظيم من أُصول الإسلام، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها كما أنّ حديث: الأعمال بالنيَّات ميزان للأعمال في باطِنها، فكما أنَّ كل عمل لا يُراد به وجه الله - تعالى - ليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كلُّ عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله، فهو مردودٌ على عامله، وكلُّ مَنْ أحدثَ في الدِّين ما لم يأذن به الله ورسوله، فليس مِنَ الدين في شيء).
(حديث): عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
:
سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي أُنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُم ْ مَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ.
صحيح: رواه مسلم (6- المقدمة)، وأحمد(2/321، 349)، والحاكم (1/184) وقال: هذا حديث ذكره مسلم في خطبة الكتاب مع الحكايات، و لم يخرجاه في أبواب الكتاب، وهو صحيح على شرطهما جميعا، ومحتاج إليه في الجرح والتعديل، و لا أعلم له علة. وابن حبان(6766)، وأبو يعلى(6384) من حديث أبي هريرة .
( حديث آخر ) : قال
:
إني قد تَرَكْتُ فِيكُمْ شيئين لَنْ تَضِلُّوا بعدهما [ مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا ] : كِتَابَ اللهِ، وَسُنَتِي. وَلَنْ يَتَفَرّقَا حَتَى يَرِدَا على الحَوضِ.
رواه الحاكم (1/171، 172)، ومن طريقه البيهقي (10/114) من حديث ابن عباس أن رسول الله
قال الحاكم: (وقد احتج البخاري بأحاديث عكرمة، واحتج مسلم بأبي أويس، وسائر رواته متفق عليهم).
وفيه ( إسماعيل بن أبي أويس عبد الله ) مشاه بعضهم ، وله في الصحيح أحرف منتقاه ، وعلى ضعفه كثير من النقاد وأفرط فيه النسائي فتركه ، وكذبه ابن معين .
وأبوه ( عبد الله بن عبد الله بن أويس المديني ) القول فيه قول الحافظ : صدوق يهم .
والآجري في (الشريعة) من طريق أبي بكر بن أبي داود. ثنا عبد الله بن شبيب الربعي. ثنا محمد بن يحيى أبو غسان. ثني أبي، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عكرمة به، وفيه ثم ذكر الخطبة بطولها ثم قال في أخرها: (ألا وإني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لن تضلوا بعده أبدا، كتاب الله ، وسنة نبيه)...
وعلى كل حال فالحديث من رواية ابن عباس مقارب.
هذا وقد رواه البيهقي في (الدلائل) من مرسل عروة بن الزبير - في حجة الوداع - وفيه محل الشاهد، وفيه (ابن لهيعة)، وكذا من معضل موسي بن عقبة.
* قال الحاكم: وقد وجدت له شاهدا من حديث أبي هريرة. وهو الآتي أخرجه الحاكم (1/172)، واللالكائي في ( اعتقاد أهل السنة ) (89،90) ، والبيهقي (10/114)، والدارقطني (4/245) ، وابن عدي في الكامل (4/69) ، والعقيلي في الضعفاء (2/250) وغيرهم من طريق صالح بن موسى بن عبد الله ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة به مرفوعا .
وفيه :(صالح بن موسي الطلحي) وهو واه ...
* وله شاهد من حديث أنس في (طبقات المحديثن) لأبي الشيخ (4/187)، بسند ضعيف جدا.
* وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري عند الخطيب في (الفقية والمتفقة) (1/306) بسند ضعيف تالف.
* وله شاهد في (جامع بيان العلم) (2/425)، وفي (التمهيد) (14/331) من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده مرفوعا، و(كثير) واه الحديث .قال ابن حبان: " روى عن أبيه عن جدّه نسخة موضوعة ".
* والحديث في (الموطأ) بلاغا (1594)؛ وقال الشيخ الألباني: (... إذا عرفت ما تقدم فالحديث - أي حديث كتاب الله وعترتي أهل بيتي - شاهد قوي لحديث (الموطأ) بلفظ: (تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله، وسنة رسوله). الصحيحة (1671)، وحسنه في المشكاة (186).
* قال الحافظ ابن عبد البر- طيب الله ثراه -: (وهذا أيضا محفوظ معروف مشهور عن النبي
عند أهل العلم شهرة يكاد يستغني بها عن الإسناد) ا.هـ "التمهيد" (14/331).
( قلت ): ويستأنس للحديث بشواهد أخري كثيرة منها:
قوله
: (
ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا واحدة... ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) حديث حسن.
وقوله
: (
عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين، عضوا عليها) وهو حديث صحيح لغيره.
وقوله
: (
من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وهو في الصحيحين.
(ب) صحيح بمجموع طرقه: رواه الترمذي (2676) وصححه، وابن ماجة (44)، وأحمد (4/126)، والحاكم (1/176، 177) متتبعاً طرقه، ثم صححه على شرطهما، وفيه نظر تعقبه الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم في بحث قيم فليراجع، وغيرهم من طريق خالد بن معدان، وضمرة بن حبيب، عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي، عن العرباض به...
* ورواه مقرونا بحجر بن حجر، عن العرباض به مرفوعا أبو داود (4607)، وابن ماجه (43)، وأحمد (4/127)، والحاكم (1/177) وقال: صحيح ليس له علة - في كلام آخر تعقبه الحافظ ابن رجب أيضا - ،... قالا: أَتَيْنَا الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ، وَهُوَ مِمَّنْ نَزَلَ فِيه وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ (التوبة:92)، فَسَلَّمْنَا، وَقُلْنَا: أَتَيْنَاكَ زَائِرِينَ، وَعَائِدِينَ، وَمُقْتَبِسِين. فقال: وساق الحديث...
و(عبد الرحمن) لم يوثقه غير ابن حبان، (وحجر) وثقه ابن حبان، وحشره الحاكم فيمن تابع عبد الرحمن من الثقات الأثبات من أهل الشام. قال الحافظ في "تهذيب التهذيب": (أخرج الحاكم حديثه، وقال: كان من الثقات. وقال ابن القطان: لا يعرف) ا. هـ وقال الذهبي في "الكاشف" (1/638) (3277): صدوق... وصحح حديثه غير واحد من أهل العلم.
وله طرق أخري عن العرباض منها:
• (خالد بن معدانَ، عن عبد الرحمن بن أَبي بلَال) عن عرباضِ به عند أحمد (1/127).
• (يحيي بن أبي المطاع القرشيُّ) - ابن أخت بلال- عن العرباض به، عند ابن ماجه (42)، والحاكم (1/178)، بسند صحيح، مصرحًا بالسماع من العرباض؛ إلا أن علماء الشام لا يثبتون ليحيي سماعا من العرباض، ويقولون عنها: مرسلة، مخطئين لفظة السماع في السند.
• (مهاصر بن حبيب) عن العرباض به نحوه، عند الطبراني في الكبير (18/248)، وفي مسند الشاميين (1/402) بسند صحيح، وصحح الشيخ العلامة الألباني هذا الطريق في الصحيحة (2735).
• (جُبَيْرِ بن نُفَيْر) عن العرباض به، عند الطبراني في الكبير (18/257) ولا يصح؛ إنما يرجع لطريق خالد بن معدان عن عبد الرحمن... والله أعلم.
انظر المسند (28/368) رقم (17142) الرسالة.
(ج) صحيح: رواه أحمد (1/435)، والنسائي في "الكبرى" (6/343)، والحاكم (2/261،348) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه. ووافقه الذهبي. من طريق عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، وقال مرة: عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود به مرفوعا.
وعاصم لا يحتمل التعدد، وتابعه منصور بن المعتمر، وسليمان بن مهران الأعمش كلاهما عن أبي وائل به كما في مسند البزار (5/78، 94). وقال: وهذا الحديث قد رواه غير واحد عن أبي وائل به...
ثم رواه البزار من طريق الربيع بن خثيم، عن عبد الله به مرفوعا (5/251). وقال : وهذا الكلام قد روي عن عبد الله من غير وجه نحوه أو قريبا منه.
* قال الحاكم: وشاهده لفظا واحدا حديث الشعبي، عن جابر من وجه غير معتمد. رواه ابن ماجه (11)، وأحمد (3/397) عن مجالد عن الشعبي عن جابر بنحوه مختصرا. و( مجالد بن سعيد) ضعيف.
(حديث) : قال الإمام أحمد - رحمه الله - : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَوَّارٍ أَبُو الْعَلَاءِ. حَدَّثَنَا لَيْثٌ - يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ - ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ ، عَنْ رَسُولِ الله
قَالَ:
ضَرَبَ الله مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ، فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ؛ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا، وَلَا تَتَفَرَّجُوا. وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ؛ قَالَ: وَيْحَكَ!! لَا تَفْتَحْهُ؛ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ. وَالصِّرَاطُ الْإِسْلَامُ. وَالسُّورَانِ حُدُودُ الله - تعالى - . وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ الله - تعالى - . وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ الله عز وجل. وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ وَاعِظُ الله فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ.
صحيح: رواه أحمد (4/ 183)، والترمذي (2859).
(نقل): قال الإمام العالم ابن القيم – طيب الله ثراه - : (فصل الصراط المستقيم : وأما المسألة العشرون وهي ما هو الصراط المستقيم؟ فنذكر فيه قولاً وجيزًا ؛ فإن الناس قد تنوعت عباراتهم فيه ، وترجمتهم عنه بحسب صفاته ، ومتعلقاته ، وحقيقته شيء واحد وهو : طريق الله الذي يرتضيه لعباده ، موصلاً لهم إليه ، ولا طريق إليه سواه ، بل الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا طريقه الذي نصبه على ألسن رسله وجعله موصلا لعباده إليه ، وهو : إفراده بالعبودية ، وإفراد رسوله بالطاعة ؛ فلا يشرك به أحدًا في عبوديته ، ولا يشرك برسوله أحدًا في طاعته ؛ فيجرد التوحيد ، ويجرد متابعة الرسول .
وهذا معنى قول بعض العارفين : ( إن السعادة والفلاح كله مجموع في شيئين : صدق محبته ، وحسن معاملته ) ، وهذا كله مضمون شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، فأي شيء فسر به الصراط فهو داخل في هذين الأصلين ، ونكتة ذلك وعقده : أن تحبه بقلبك كله ، وترضيه بجهدك كله ؛ فلا يكون في قلبك موضع إلا معمور بحبه ، ولا تكون لك إرادة إلا متعلقة بمرضاته :
فالأول يحصل بالتحقق بشهادة أن لا إله إلا الله ، والثاني يحصل بالتحقق بشهادة أن محمدًا رسول الله ، وهذا هو الهدي ، ودين الحق ، وهو معرفة الحق والعمل له ، وهو معرفة ما بعث الله به رسله والقيام به .
فقل ما شئت من العبارات التي هذا أحسنها ، وقطب رحاها ، وهي معنى قول من قال : علوم وأعمال ظاهرة وباطنة مستفادة من مشكاة النبوة. ومعنى قول من قال : متابعة رسول الله ظاهرًا وباطنًا علمًا وعملاً. ومعنى قول من قال : الإقرار لله بالوحدانية ، والاستقامة على أمره .
وأما ما عدا هذا من الأقوال ، كقول من قال : الصلوات الخمس . وقول من قال : حب أبي بكر وعمر . وقول من قال : هو أركان الإسلام الخمس التي بني عليها . فكل هذه الأقوال تمثيل وتنويع ، لا تفسير مطابق له ، بل هي جزء من أجزائه ، وحقيقته الجامعة ما تقدم . والله أعلم ) ا.هـ بدائع الفوائد (452، 453) .