فهل نعيد ترتيب مقولاتنا، وننقحها حتى لا تنشأ أجيال تسلمعقلها لفكرة وجود الوصفة الجاهزة (MANUAL)؟

بعد أن غرست الصحوة الإسلاميةجذور شجرتها في تربة مجتمعاتنا، فأثمرت قطاعات واسعة من المؤمنين بأهمية العمل منأجل بناء حضارة كبرى، نرى أهمية عمل مراجعات للأطروحات التي ترددت في مرحلة الصحوة،على أساس أننا في عصر جديد يتطلب لغة جديدة، ومراجعات جادة لما طرح من أفكار فيالفترة السابقة، لاستبقاء الصالح منها وتطوير بعضها، وهجر الفاسد منها ونبذه دونحرج، وإبداع الجديد الخلاّق النافع لمجتمعاتنا
ومن أهم الأطروحات التي طُرحت فيمرحلة الصحوة وكان لها صداها مقولة تتردد بأن في الإسلام أجوبة على كل مشاكلنا، وهيمقولة تحتاج تفصيلاً وتوضيحاً. فهل المقصدود منها أن هناك وصفة جاهزة (Manual) بمجرد تطبيقها في السياسة والاقتصاد والاجتماع ستتحصل المجتمعات على النتائج التيتصبو إليها؟ أم أن المقصود أن المبادئ العامة للإسلام تصلح أن تقوم عليها حياةسعيدة في الدنيا والآخرة، أما تفصيلاتها فهي محل اجتهاد يقوم به البشر، وهم في ذلكعرضة للصواب والخطأ مثل غيرهم؟ وما هي المجالات التي يقدم فيها الإسلام (الكتابوالسنة) حلاً مباشراً، فيُسأل فيها عن الجواب، وما الجوانب التي تقدم حلولها الخبرةالإنسانية المتراكمة – والتي تبلورت في علوم إدارية واقتصاديةوسياسية..الخ؟
وهنا يجب التمييز بين الأجوبة... الأجوبة التفصيلية والأجوبةالعامة، فالإسلام في بعض القضايا قدم أجوبة تفصيلية مثل العبادات وكيفية أدائهابشكل صحيح، وبعض قوانين الأحوال الشخصية كالمواريث. وهناك قضايا – وهي الأكثر- لميورد الإسلام فيها أجوبة تفصيلية، بل ترك للعقل البشري الحرية في إبداع الأجوبةعنها، وهي بصفة عامة تشمل أمور الحياة اليومية، وليس حادث تأبير النخل ومقولةالرسول – صلى الله عليه وسلم- "أنتم أعلم بشؤون دنياكم" عنا ببعيد.
وحتىالمبادئ العامة التي جاء بها الإسلام كالعدل والشورى لا تأخذ لونها في الحياة إلاّبجهد عقل بشري، فالنصوص أجملت – على سبيل المثال- قضية الشورى (وَأَمْرُهُمْ شُورَىبَيْنَهُمْ)، أما آليات وأدوات تحقيق هذه الشورى، فلم يفصل الإسلام القول فيها، علىأساس أنها ستتغير بتغير الزمان والمكان واحتياجات البشر وتعقّد ظروف حياتهم.
إنالانتقال من الصحوة إلى اليقظة يتطلب تقديم أجوبة حقيقية على أسئلة الواقع، وإذاكانت هذه الأجوبة منطلقة بالأساس من عقل بشري، فلم يتم نسبتها إلى الإسلام على أساسأن هذه هي إجابة الإسلام على سؤال الواقع!! بل هي إجابة المسلمين على أسئلة الواقع،والفارق كبير كما لا يخفى. فإذا كان لدينا خبيران ينطلقان من المبادئ الإسلامية،وطُرحت عليهما مشكلة ما تتطلب حلاً، فليس من المستغرب أن يأتي أحدهما بحل أفضل منالآخر؛ لأننا هنا لا نحاكم إسلامهما، بل نحاكم عقولهما التي تبدع الحلول، فليسبالضرورة أن كل عقل ينطلق من المبادئ الكبرى للإسلام قادر على تقديم أجوبة فعّالةعلى أسئلة الواقع، وها نحن نشهد أشكالاً مختلفة ومتباينة من الحلول، بداية من الحلالطالباني ومروراً بالحل السوداني وانتهاء بالحل التركي.
من حق الآخرين أنيسألوا.. إن كان الإسلام جواباً.. فأين إجابته عن أسئلة المؤسسات التي أنشأها "إسلاميون" وأخفقت، وإذا كان الإسلام جواباً.. فلم نر أحياناً جهوداً كبيرة تعجز عنحل معضلات الواقع الصعب الذي تعيشه، ألم يقدم الإسلام لها جواباً في ذلك؟ أم أنالتحدي كان في إبداع العقل البشري آليات التطوير المناسبة.
وإذا كان في الإسلامجواباً.. فلِمَ لمْ تفلح الكثير من الجهود في إيجاد معادلة التعامل مع مجتمعاتهاومحيطها، والوصول إلى حلول للمأزق القائم في كثير من البلاد الإسلامية... أليسالإسلام يمتلك جواباً؟ فما هو هذا الجواب؟ ولِم لا يعمل في الواقع؟ أم أن الحلالإسلامي لا يعمل إلاّ بعد التمكين، ويزهد في تقديم حل عملي لمشكلة التدافع قبله... وهل يُعزى هذا العجز للإسلام أم للعقل البشري وعدم ابتكاره الحل؟ كيف يمكن إقناعالجمهور العريض أن الإسلام سيحل مشاكل دولتهم مع الأمم الكبرى، بينما الذي يظهر أنالمسلمين أحياناً لم يتمكنوا من "تخليق" البدائل في ضوئه للتغلب على واقعهمالداخلي.
إن كل هذ الأسئلة بالتأكيد يأتي قصورها من العقل البشري، والإسلام بريءمنها، وهو غير مسؤول كدين عن طريقة عمل عقليات معتنقيه بعد أن أمرهم بالتفكروالنظر.
إن على شباب اليقظة أن يعي أن الإسلام (كدين) يجب ألاّ يُقحم قسراً فيمعركة ليست معركته، بل تسيء له إساءة بالغة.
فهل نعيد ترتيب مقولاتنا، وننقحهاحتى لا تنشأ أجيال تسلم عقلها لفكرة وجود الوصفة الجاهزة (MANUAL)؟


منقول