الشيخ / عيسى المبلع يحذر من السينما والعاملين عليها
خطبة الشيخ / عيسى المبلع 22/3/1430هـ
[ الخطبة الأولى ]
أما بعد عباد الله : فإن الله تعالى خلق البشر من أصل واحد ولكنه سبحانه وتعالى ما يز بين عقولهم وأفها مهم وأهوائهم وقدراتهم , لذا فإنه سبحانه وتعالى قد اصطفى وهيأ فئة منهم ليوجهوا ويدبروا شئون عامتهم . أما في الأمم السابقة فكان الأنبياء هم المرجع يعلمونهم ويديرون شؤونهم يقول صلى الله عليه وسلم : كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي .. رواه البخاري ومسلم أما هذه الأمة فقد انقطع الوحي من السماء وختمت الرسالات برسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى : ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليماً . ولكن الله جعل الأمر من بعد نبيه للعلماء يستنبطون حكم الله من كتابه وسنة نبيه كما قال تعالى : وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم . وأولوا الأمر في هذه الآية هم العلماء وقد عظم الله شانهم ورفع قدرهم وأمر الناس بإكرامهم والرجوع إليهم قال تعالى : شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وألوا العلم قائما بالقسط . وقال : قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون . وقال : يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات . وقال : فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون . وقال صلى الله عليه وسلم : إن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء , وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب , وإن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً , وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر رواه ابن داود والترمذي وقال صلى الله عليه وسلم : ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا و ويعرف لعالمنا حقه ( أحمد ) وقد أخذ الله الميثاق على العلماء ببيان الحق والصدع وعدم كتم العلم فقال : وإذا أخذا الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيينه للناس ولا تكتمونه . وقال : إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلاً أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم , وقال : إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون . وقال صلى الله عليه وسلم من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار رواه ابن داوود والترمذي وفي رواية ( ابن ماجه ) ما من رجل يحفظ علماً فيكتمه إلا أتى يوم القيامة ملجوما بلجام من النار . إذا ً العلماء هم أولياء الله حقاً وهم الصد يقون وهم أفضل الخلق بعد الرسول متى ما صدقوا مع الله وخشوه حق خشيته وبلغوا رسالته ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) لذا فإن الله أمر عامة الخلق بالرجوع إليهم . وحذر ممن يتسمى باسمهم ويخالف منهجهم وسيرتهم , بل وصفهم سبحانه وشبههم باخس الحيوانات وأقبحها فقال : كمثل الحمار يحمل أسفارا , وقال : فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث , وقال صلى الله عليه وسلم محذراً ملة علماء السوء : إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء وحتى إذا لم يبق عالماً أتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا رواه البخاري ومسلم عباد الله : ليست المصيبة اليوم فقد العلماء , وإنما المصيبة الإعراض عن العلماء الربانيين و وتتبع المتعالمين والعابثين بالشريعة , فأصبح منصب الفتوى اليوم كل يمتطيه عبر قناة فضائية أو جريدة أو شبكة عنكبوتيه , فأصبحنا نسمع فتاوى يسخر منها الأطفال فضلاً عن عقلاء الرجال , فذاك يبيح كشف وجه المرأة وذاك يبيح اختلاطها مع الرجال وذاك يبيح الغناء وذاك يبيح قليل الربا وذاك يبيح الزنا تحت مسميات ما أنزل الله بها من سلطان وذاك يبيح فك السحر عند السحرة وذاك يدعوا للتقارب مع اليهود والنصارى والشيعة وذاك يبيح السفر للمرأة بلا محرم وذاك يبيح حلق اللحية وإسبال الثوب وذاك يبيح التدخين وذاك يبيح مشاهدة القنوات الفضائية المنحرفة . وذاك وذاك مما انتشر أمره وصعب حصره و وكل صاحب هوى وشهوة يستفتي من يبيح له ما يريد , وهذا هو سر الانحراف ومنعطف الانجراف , لذا فإني أنادي الجميع من هذا المنبر أن يتقوا الله في أنفسهم وأن لا يسألوا إلا من شهد له بالفضل والعلم والتقى , فمن نعمة الله علينا وجود هذه الكوكبة المباركة من أعضاء هيئة كبار العلماء خاصة اللجنة الدائمة للإفتاء بفتاويها وقراراتها صادرة عن رأي جماعي لا فردي ممن عرفوا بالعلم والفضل ومهمة هذه اللجنة تمييز أقوال العلماء السابقين والمعاصرين وتمحيص الأدلة وترجيحها ومراعاة الواقع المعاصر وربطها به , فليس قول كل فقيه معتبر , فالحمد لله فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء قاربت الثلاثين مجلداً وكذا فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ ابن باز رحمه الله وقد زادت على الثلاثين مجلداً وكذا فتاوى الشيخ ابن عثيمين وقد تجاوزت الواحد والعشرين مجلدا, وكل نازلة معاصرة وقضيةٍ شائكة فكلام أهل العلم المعتبرين مدون ومعروف , فمادمنا لا نرضي غير المختص بالطب أن يتولى علاج الناس , فلماذا رضينا لديننا من هب ودب , وسلامة الدين وصحته أعظم من سلامة الأجساد . بكى ربيعة – رضي الله عنه – شيخ الإمام مالك : فقيل ما يبكيك فقال : استفتي من لا علم له وظهر في الإسلام أمر عظيم , اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ...
[ الخطبة الثانية ]
أما بعد عباد الله : فمن تلك القضايا الخطيرة التي نعيشها قضية افتتاح السينماء وعرض أفلامها و وقد تصدى للإفتاء بجوازها ثلة من المتعالمين ممن ينسبون أنفسهم للعلم باعتبار أنها آلة وجهاز ويعرض فيه الخير والشر , فما دام المعروض مباحاً فلا حرج وإن كان غير ذلك فلا يجوز, فزاد المنحرفون فكرياً وخلقياً في الفتوى وقالوا كل ما نعرضه مباح فكشف المرأة وجهها مباح , واختلاطها مع الرجال بدون خلوة مباح , والموسيقى والغناء المصاحب للأفلام مباح للضرورة , فضجت الصحف مبتهجة بعرض الأفلام السينمائية في عدد من مناطق المملكة , ومصرحين أن كل ما يعرض وفق الضوابط الشرعية , ليخدعوا السذج ويمرروا مخططاتهم الخطيرة الساعية لتدمير الأخلاق ونشر الفساد , وقد ذكرت أن الفتوى يجب أن يراعى بها واقع الأمر المفتى فيه وحقيقته , فحتى الأمر المباح أصلا إن اعتراه مفسدة وصاحبته فإنه يحرم , بل حتى إذا خشى وقوع المفسدة وغلبت على الظن فإنه يحرم بناء على قاعدة سد الذرائع , ولنستمع إلى فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة شيخها ابن باز – رحمه الله – حول حكم السينما ومشاهدتها كما في الفتوى رقم 4120 يقول السائل : ما حكم ارتياد السينماء ؟ الجواب : ارتياد السينما حرام لأن أغلب ما يعرض فيها من الملاهي المحرمة التي تثير الفتنة ولأنها مضيعة للوقت وشغل للفراغ بل فائدة شرعية في حال أن المسلم في أشد الحاجة إلى شغله بما يعود عليه وعلى أسرته وأمته بالنفع العظيم , ولأنها تصد عن ذكر الله وأداء الواجبات ولما فيها من اختلاط الرجال بالنساء إلى غير ذلك من المفاسد , وكذا الفتوى رقم 16818 أيضاً نصت على حرمة افتتاحها ومشاهدتها وأخذ أجرة على العمل بها أو بيع أفلامها وكل ما يلحق بها من حراسة ودعم وغير ذلك , إذاً ما قيمة العلماء وما قيمة فتاواهم إن لم تطبق وتفعل , فإذا فتحنا الباب لكل من هب ودب يفتي نفسه بنفسه أو يفتيه من هو على شاكلته وهواه وأعرضنا عن فتاوى اللجنة الدائمة فتحنا باب شر علينا , وعلى هذا فلا نلوم الإرهابيين ممن تبنى فكر التكفير والتفجير وبنى عمله على فتاوى منحرفة , فعلى المسئولين إغلاق باب العابثين بالشريعة الخارقين لسفينتها والرجوع إلى العلماء وتطبيق فتاواهم في عامة شؤون الحياة كما أمر سبحانه وتعالى بالرجوع إليهم , ولنبين لكم شاهداً على ما نقول من آثار وأخطار نشر الأفلام السينمائية ما نشرته جريدة الرياض بعددها 14879 تحت عنوان أدبي حائل يعرض فيلم ( القدس في يوم آخر ) وتحت هذا العنوان لقطة مصورة من الفلم لرجل يضم امرأة على صدره شبه عارية , والفلم يدور حول قصة فتاة عرض عليها والدها عدداً من الأزواج الأكفاء ولكنها أحبت ممثلاً مسرحياً ففرت من البيت معه حتى تزوجها , والفلم للأسف يعرض بصالة الرجال والنساء بالنادي الأدبي بحائل , فلا أدري إلى متى هذا التمادي ومحاربة الشريعة والأخلاق ونشر الفساد ونسف فتاوى العلماء و وقد يقول قائل لماذا تحاربون السينما والقنوات تبث ما هو أعظم وأشنع داخل البيوت , فنقول إن الكل محرم ولكن هناك فرق بين من مسر في منكره في منزله , وبين من يجاهر بمنكره في قطاع حكومي ويجمع عامة مع إعلانات له ويدعوا الناس إليه , فالمسر جريمته على نفسه والله حسيبه , أما ما يجاهر به فضرره على الجميع كما قال تعالى : واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة وقال صلى الله عليه وسلم : كل أمتي معافى إلا المجاهرين . فعلينا جميعاً مناصحة المسئولين ومطالبتهم بمنع تلك المنكرات , خاصة وزارة الإعلام الراعي لتلك المنكرات , وكذا يجب علينا جميعاً مقاطعة تلك النوادي والمهرجانات والتحذير منها ما دامت تسير على خط منحرف , وعلى طلاب العلم والدعاة والعقلاء تحذير المجتمع من الشر القادم . وحث الناس على التمسك بالعقائد والدين والأخلاق والأحكام الشرعية , وأن لا ننساق وراء كل منحرف وفي كل طريق منعطف . يقول ابن باز : الواجب على حكام هذه البلاد والمسئولين فيها وفقهم الله جميعاً أن يمنعوا منعاً باتاً فتح دور السينما مطلقاً لما يترتب على السماح بذلك من الفساد العظيم والعواقب الوخيمة , والرقابة في مثل هذه الأمور يحصل بها المقصود , ومعلوم أن الوقاية خير من العلاج . هـ .
ولنعلم جميعاً أن عرض الأفلام السينمائية اليوم إنما هو مرحلة لما بعدها قد هيئت ألا وهي خروج بنات بلاد الحرمين الشريفين على المسرح أمام الرجال ممثلات ومغنيات , فاليوم قد خرجن مذيعات ومقدمات برامج عبر القنوات , وتجرى معهن مقابلات وهن كاشفات الوجوه متبرجات يتبجحن بكل قبيح , وغداً يصعدن خشبة المسرح ممثلات وراقصات ومغنيات أما الرجال قد نسفن القران والسنة والحياء والأخلاق خلف ظهورهن إلا إذا وقف المجتمع بأكمله حكاماً ومحكومين أمام تلك التيارات المنحرفة ( فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلا الله والله بصير بالعباد ).
الشيخ / عيسى بن درزي المبلع
خطيب جامع الأمير سعود الفيصل بحائل
22/4/1430هـ