تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: كلام نفيس لشيخ الإسلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    557

    افتراضي كلام نفيس لشيخ الإسلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    بسم الله الرحمن الرحيم ،

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في [مجموع الفتاوى : 28/ 126-131]:
    وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَإِتْمَامَهُ بِالْجِهَادِ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي أُمِرْنَا بِهِ ؛ وَلِهَذَا قِيلَ : لِيَكُنْ أَمْرُك بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُك عَنْ الْمُنْكَرِ غَيْرَ مُنْكَرٍ . وَإِذَا كَانَ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْوَاجِبَاتِ والمستحبات ، فَالْوَاجِبَاتُ والمستحبات لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَصْلَحَةُ فِيهَا رَاجِحَةً عَلَى الْمَفْسَدَةِ ؛ إذْ بِهَذَا بُعِثَتْ الرُّسُلُ ، وَنَزَلَتْ الْكُتُبُ ، وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ؛ بَلْ كُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ صَلَاحٌ .

    وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَى الصَّلَاحِ وَالْمُصْلِحِين َ ، وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ، وَذَمَّ الْمُفْسِدِينَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، فَحَيْثُ كَانَتْ مَفْسَدَةُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ أَعْظَمَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ ، لَمْ تَكُنْ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ تُرِكَ وَاجِبٌ وَفُعِلَ مُحَرَّمٌ ؛ إذْ الْمُؤْمِنُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ فِي عِبَادِهِ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ هُدَاهُمْ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ } وَالِاهْتِدَاءُ إنَّمَا يَتِمُّ بِأَدَاءِ الْوَاجِبِ . فَإِذَا قَامَ الْمُسْلِمُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ، كَمَا قَامَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ ، لَمْ يَضُرَّهُ ضَلَالُ الضُّلَّالِ . وَذَلِكَ يَكُونُ تَارَةً بِالْقَلْبِ ؛ وَتَارَةً بِاللِّسَانِ ؛ وَتَارَةً بِالْيَدِ . فَأَمَّا الْقَلْبُ فَيَجِبُ بِكُلِّ حَالٍ ؛ إذْ لَا ضَرَرَ فِي فِعْلِهِ ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فَلَيْسَ هُوَ بِمُؤْمِنِ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : { وَذَلِكَ أَدْنَى - أَوْ - أَضْعَفُ الْإِيمَانِ } وَقَالَ : { لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ } . وَقِيلَ لِابْنِ مَسْعُودٍ : مَنْ مَيِّتُ الْأَحْيَاءِ ؟ فَقَالَ : الَّذِي لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا ، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا . وَهَذَا هُوَ الْمَفْتُونُ الْمَوْصُوفُ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ .

    وَهُنَا يَغْلَطُ فَرِيقَانِ مِنْ النَّاسِ : فَرِيقٌ يَتْرُكُ مَا يَجِبُ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ تَأْوِيلًا لِهَذِهِ الْآيَةِ ؛ كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي خُطْبَتِهِ : ( إنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ } وَإِنَّكُمْ تَضَعُونَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا ؛ وَإِنِّي سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : إنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابِ مِنْهُ } .

    وَالْفَرِيقُ الثَّانِي : مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَأْمُرَ وَيَنْهَى ، إمَّا بِلِسَانِهِ ، وَإِمَّا بِيَدِهِ مُطْلَقًا ؛ مِنْ غَيْرِ فِقْهٍ وَحِلْمٍ وَصَبْرٍ وَنَظَرٍ فِيمَا يَصْلُحُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا لَا يَصْلُحُ ، وَمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَمَا لَا يَقْدِرُ ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الخشني : سَأَلْت عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : { بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ ، حَتَّى إذَا رَأَيْت شُحًّا مُطَاعًا ، وَهَوًى مُتَّبَعًا ، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً ، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ ؛ وَرَأَيْت أَمْرًا لَا يَدَانِ لَك بِهِ ، فَعَلَيْك بِنَفْسِك ، وَدَعْ عَنْك أَمْرَ الْعَوَامِّ ؛ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِك أَيَّامٌ ، الصَّبْرُ فِيهِنَّ عَلَى مِثْلِ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ كَأَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ } . فَيَأْتِي بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مُطِيعٌ فِي ذَلِكَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَهُوَ مُعْتَدٍ فِي حُدُودِهِ ، كَمَا انْتَصَبَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ ؛ كَالْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَ ةِ وَالرَّافِضَةِ ؛ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ غَلِطَ فِيمَا أَتَاهُ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْجِهَادِ عَلَى ذَلِكَ ، وَكَانَ فَسَادُهُ أَعْظَمَ مِنْ صَلَاحِهِ ؛ وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْأَئِمَّةِ ؛ وَنَهَى عَنْ قِتَالِهِمْ مَا أَقَامُوا الصَّلَاةَ ، وَقَالَ : { أَدُّوا إلَيْهِمْ حُقُوقَهُمْ ، وَسَلُوا اللَّهَ حُقُوقَكُمْ } . وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .

    وَلِهَذَا كَانَ مِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لُزُومُ الْجَمَاعَةِ ، وَتَرْكُ قِتَالِ الْأَئِمَّةِ ، وَتَرْكُ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ . وَأَمَّا أَهْلُ الْأَهْوَاءِ - كَالْمُعْتَزِلَ ةِ - فَيَرَوْنَ الْقِتَالَ لِلْأَئِمَّةِ مِنْ أُصُولِ دِينِهِمْ ، وَيَجْعَلُ الْمُعْتَزِلَةُ أُصُولَ دِينِهِمْ خَمْسَةً : التَّوْحِيدَ : الَّذِي هُوَ سَلْبُ الصِّفَاتِ ؛ وَالْعَدْلَ : الَّذِي هُوَ التَّكْذِيبُ بِالْقَدَرِ ؛ وَالْمَنْزِلَةَ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْ نِ ، وَ إنْفَاذَ الْوَعِيدِ ، وَالْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ ، الَّذِي مِنْهُ قِتَالُ الْأَئِمَّةِ .

    وَقَدْ تَكَلَّمْت عَلَى قِتَالِ الْأَئِمَّةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَجِمَاعُ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ : فِيمَا إذَا تَعَارَضَتْ الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ ، وَالْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ ، أَوْ تَزَاحَمَتْ ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَرْجِيحُ الرَّاجِحِ مِنْهَا ، فِيمَا إذَا ازْدَحَمَتْ الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ ، وَتَعَارَضَتْ الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ . فَإِنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ - وَإِنْ كَانَ مُتَضَمِّنًا لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ وَدَفْعِ مَفْسَدَةٍ - فَيُنْظَرُ فِي الْمُعَارِضِ لَهُ ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَفُوتُ مِنْ الْمَصَالِحِ أَوْ يَحْصُلُ مِنْ الْمَفَاسِدِ أَكْثَرَ : لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِهِ ؛ بَلْ يَكُونُ مُحَرَّمًا إذَا كَانَتْ مَفْسَدَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ ؛ لَكِنَّ اعْتِبَارَ مَقَادِيرِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ هُوَ بِمِيزَانِ الشَّرِيعَةِ ، فَمَتَى قَدَرَ الْإِنْسَانُ عَلَى اتِّبَاعِ النُّصُوصِ لَمْ يَعْدِلْ عَنْهَا ، وَإِلَّا اجْتَهَدَ بِرَأْيِهِ لِمَعْرِفَةِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ ، وَقَلّ أنْ تًعوزَ النُّصُوصُ مَنْ [لَا] يَكُونُ خَبِيرًا بِهَا وَبِدَلَالَتِهَ ا عَلَى الْأَحْكَامِ .

    وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الشَّخْصُ أَوْ الطَّائِفَةُ جَامِعَيْنِ بَيْنَ مَعْرُوفٍ وَمُنْكَرٍ ، بِحَيْثُ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا ؛ بَلْ إمَّا أَنْ يَفْعَلُوهُمَا جَمِيعًا ؛ أَوْ يَتْرُكُوهَا جَمِيعًا : لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤْمَرُوا بِمَعْرُوفِ وَلَا أَنْ يُنْهُوا مِنْ مُنْكَرٍ ؛ بل يُنْظَرُ : فَإِنْ كَانَ الْمَعْرُوفُ أَكْثَرَ : أُمِرَ بِهِ ، وَإِنْ اسْتَلْزَمَ مَا هُوَ دُونَهُ مِنْ الْمُنْكَرِ ، وَلَمْ يُنْهَ عَنْ مُنْكَرٍ يَسْتَلْزِمُ تَفْوِيتَ مَعْرُوفٍ أَعْظَمَ مِنْهُ ؛ بَلْ يَكُونُ النَّهْيُ حِينَئِذٍ مِنْ بَابِ الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ، وَالسَّعْيِ فِي زَوَالِ طَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَزَوَالِ فِعْلِ الْحَسَنَاتِ .

    وَإِنْ كَانَ الْمُنْكَرُ أَغْلَبَ نُهَيَ عَنْهُ ؛ وَإِنْ اسْتَلْزَمَ فَوَاتَ مَا هُوَ دُونَهُ مِنْ الْمَعْرُوفِ . وَيَكُونُ الْأَمْرُ بِذَلِكَ الْمَعْرُوفِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْمُنْكَرِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ أَمْرًا بِمُنْكَرِ ، وَسَعْيًا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ . وَإِنْ تَكَافَأَ الْمَعْرُوفُ وَالْمُنْكَرُ الْمُتَلَازِمَا نِ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِمَا ، وَلَمْ يُنْهَ عَنْهُمَا . فَتَارَةً يَصْلُحُ الْأَمْرُ ؛ وَتَارَةً يَصْلُحُ النَّهْيُ ؛ وَتَارَةً لَا يَصْلُحُ لَا أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ ، حَيْثُ كَانَ الْمَعْرُوفُ وَالْمُنْكَرُ مُتَلَازِمَيْنِ ؛ وَذَلِكَ فِي الْأُمُورِ الْمُعَيَّنَةِ الْوَاقِعَةِ .

    وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ النَّوْعِ : فَيُؤْمَرُ بِالْمَعْرُوفِ مُطْلَقًا ، وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ مُطْلَقًا . وَفِي الْفَاعِلِ الْوَاحِدِ وَالطَّائِفَةِ الْوَاحِدَةِ يُؤْمَرُ بِمَعْرُوفِهَا ، وَيُنْهَى عَنْ مُنْكَرِهَا ، وَيُحْمَدُ مَحْمُودُهَا ، وَيُذَمُّ مَذْمُومُهَا ؛ بِحَيْثُ لَا يَتَضَمَّنُ الْأَمْرُ بِمَعْرُوفِ فَوَاتَ أَكْثَرَ مِنْهُ ، أَوْ حُصُولَ مُنْكَرٍ فَوْقَهُ ، وَلَا يَتَضَمَّنُ النَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ حُصُولَ أَنْكَرَ مِنْهُ ، أَوْ فَوَاتَ مَعْرُوفٍ أَرْجَحَ مِنْهُ . وَإِذَا اشْتَبَهَ الْأَمْرُ اسْتَبَانَ الْمُؤْمِنُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ ؛ فَلَا يَقْدُمُ عَلَى الطَّاعَةِ إلَّا بِعِلْمِ وَنِيَّةٍ ؛ وَإِذَا تَرَكَهَا كَانَ عَاصِيًا ، فَتَرْكُ الْأَمْرِ الْوَاجِبِ مَعْصِيَةٌ ؛ وَفِعْلُ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الْأَمْرِ مَعْصِيَةٌ . وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ .

    وَمِنْ هَذَا الْبَابِ : إقْرَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي وَأَمْثَالِهِ مِنْ أَئِمَّةِ النِّفَاقِ وَالْفُجُورِ ، لِمَا لَهُمْ مِنْ أَعْوَانٍ ، فَإِزَالَةُ مُنْكَرِهِ بِنَوْعِ مِنْ عِقَابِهِ ، مُسْتَلْزِمَةٌ إزَالَةَ مَعْرُوفٍ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، بِغَضَبِ قَوْمِهِ وَحَمِيَّتِهِمْ ؛ وَبِنُفُورِ النَّاسِ إذَا سَمِعُوا أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ ؛ وَلِهَذَا لَمَّا خَاطَبَ النَّاسَ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ بِمَا خَاطَبَهُمْ بِهِ ، وَاعْتَذَرَ مِنْهُ ، وَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ قَوْلًا الَّذِي أَحْسَنَ فِيهِ : حَمِيَ لَهُ سَعْدُ بْنُ عبادة مَعَ حُسْنِ إيمَانِهِ .

    وَأَصْلُ هَذَا أَنْ تَكُونَ مَحَبَّةُ الْإِنْسَانِ الْمَعْرُوفَ وَبُغْضُهُ لِلْمُنْكَرِ ؛ وَإِرَادَتُهُ لِهَذَا ؛ وَكَرَاهَتُهُ لِهَذَا : مُوَافِقَةً لِحُبِّ اللَّهِ وَبُغْضِهِ ، وَإِرَادَتِهِ وَكَرَاهَتِهِ الشَّرْعِيِّينَ . وَأَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ لِلْمَحْبُوبِ وَدَفْعُهُ لِلْمَكْرُوهِ بِحَسَبِ قُوَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ : فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا ، وَقَدْ قَالَ : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } . فَأَمَّا حُبُّ الْقَلْبِ وَبُغْضُهُ وَإِرَادَتُهُ وَكَرَاهِيَتُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَامِلَةً جَازِمَةً ؛ لَا يُوجِبُ نَقْصَ ذَلِكَ إلَّا نَقْصَ الْإِيمَانِ . وَأَمَّا فِعْلُ الْبَدَنِ فَهُوَ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ ، وَمَتَى كانت إرَادَةُ الْقَلْبِ وَكَرَاهَتِهِ كَامِلَةً تَامَّةً ، وَفِعْلُ الْعَبْدِ مَعَهَا بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ : فَإِنَّهُ يُعْطَى ثَوَابَ الْفَاعِلِ الْكَامِلِ ، كَمَا قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ

  2. #2

    افتراضي رد: كلام نفيس لشيخ الإسلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    أحسن الله إليكم .
    إذا تغلغل فكر المرء في طرف ** من مجده غرقت فيه خواطره
    رحم الله ابن حزم


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •