الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين ، وبعد :
عندما تحصل الغربة في الدين ، والضعف في المسلمين في بعض الأزمان ويطالب بعض الناس بالقيام بالدعوة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للحد من تفشي المنكر والاختلاط وظهور الفتن ، يعللون أنفسهم وغيرهم بالأعذار الباردة والواهية يقولون : نحن في آخر الزمان ، هذا تيار جارف قوي لا يمكن صده ولا الوقوف في وجهه ، هذا حاصل في كثير من البلدان الإسلامية ، وبدأ الإسلام غريباً وسيعود غربياً كما بدا . فاتخذوا هذه الأقوال ، وهذا الحديث بمثابة التخدير والتخلي عن هذه المبادئ العظيمة ـ مبدأ الدعوة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ ويحاولون بهذا التعليل أيضاً أن يسقطوا ما أوجب الله عليهم من الدعوة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والنصيحة لله ، ولعباده المؤمنين ، ولأئمة المسلمين .
وأن الرسول بزعمهم قصد بهذا الحديث الاستسلام لهذا الضعف في المسلمين ، والغربة للدين ، حتى لا يسعى أحد بحوله وقوته وبجهده وجهاده لدفعه ورفعه .
وهذا القول والفهم خطأ واضح ، فإن الرسول  إنما قصد بهذا الحديث التمسك بالدين وعدم الاغترار بضعفه وغربته في آخر الزمان وإعراض أكثر الناس عن تعاليمه ، ولو نظرنا إلى ما ورد في نهاية الحديث وما جاء في بعض طرقه لعلمنا سوء هذا الفهم وخطئه .
قال  : ( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ ، فطوبى للغرباء ) . قالوا : ومن الغرباء يا رسول الله ؟ قال : ( الذين يَصلحون إذا فسد الناس ) وفي رواية ( يُصلحون ما أفسد الناس ) وفي رواية ( هم قوم صالحون قليل في قوم سوء كثير ) وهذا أخبار منه  لما سيكون عليه حال الناس في آخر الزمان أو في غربة الإسلام داعياً أمته وأهل طاعته بالتمسك بالدين والعض عليه وعدم الاغترار بما عليه حال الناس وأن في ذلك الأجر العظيم والثواب الجزيل والنجاة من النار ، قال  : ( يأتي على الناس زمان الصابر على دينه ) وفي رواية ( المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر) حديث صحيح . انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة ( 2/645) .
ومثل هذا الحديث كمثل خريت الأسفار يخبر قومه بمفاوز الأقطار ، ومواضع الأخطار ، ليتأهبوا لذلك بالحزم وفعل أولي العزم ، ويحترسوا بالدفع من قطاع الطريق ، فمعرفتهم بهذه الأخطار تعطيهم العزم والقوة ليأخذوا حذرهم والاستعداد لما أمامهم ، لا على أنهم يتركون السفر ويتخلون عن الكسب والرزق والحاجة إلى السفر .
الخريت : كسكيت : الدليل الحاذق . انظر القاموس . مادة ( خرت ) .
فالحديث يحث على التمسك بالدين عند ضعفه وغربته لا على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أمر الله به في كتابه وعلى لسان رسوله ، والله سبحانه يعلم ما كان وما سيكون عليه حال الناس في أول الزمان وفي آخره .
أصل هذه الفائدة مأخوذ من كتاب " الحكم الجامعة لشتى العلوم النافعة " للعلامة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود ـ رحمه الله تعالى ـ ص ( 95 ) من مقالة عظيمة النفع والفائدة " غربة الإسلام وفساد الناس في آخر الزمان " ، مع الزيادة والحذف .