قال الشيخ أبو أويس محمد بن الأمين بوخبزة التطواني رحمه الله :
وترى المالكية يتواردون في ترجيح مذهبهم على حديث الترمذي: « يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة » ويعتقدون أنه صحيح ،ويحتجون به في فضل مذهب الإمام مالك، والحديث موجود في جامع الترمذي وغيره، وفي مسند أحمد ،وهو ضعيف ، وينقلون عن "سفيان بن عيينة" ،وعبد الرزاق بن هَمام الصنعاني صاحب "المصنف" أن المراد به مالك، ويدفعون قول مَن قال :إنه عبد العزيز العُمري الزاهد ، على أن الحديث ضعيف كما قال الألباني في الضعيفة وهناك بيّن علته اهــ
و قال
وقد زادت وضوحاً في السنين الأخيرة بعد أن قَذَفت المطابع بعدد لا يستهان به من كتب المالكية، وفيها أمهات الكتب، فإذا بها لا تخرج عن سوابقها إلاَّ بما لا يُسمن ولا يغني من جُوع ، وهذا بخلاف المذاهب الأخرى بما فيها المذهب الحنفي الذي اشتُهِر بالقياس والرأي ، وذلك لأنها من حُسن حظها امتازت بكوكبة من المحدثين النَّقَدة الذين خَدَموها بإخلاص، رَغم التعصب والانحياز الذي يكاد يكون من خصائص المذهبية. والمالكية فقراء من هذه الناحية، والمحدثون النقاد منهم قليلون، فلهذا لا تكاد تجد فيهم مَن عُني بتخريج أحاديث كتاب مهم عندهم ، فهذه رسالة بن أبي زيد وهي من المتون الشهيرة القديمة المقررة للدراسة والحفظ ،وشروحُها تناهز المائة، لا تكاد تجد في شرُوحها مَن يتكفل بالاستدلال لعُشُر مسائلها، حتى جاء بالأمس القريب شيخُنا أحمد بن الصديق الغماري الطنجي فشَرَحها بالدليل في كتابه " مسالك الدِلالة" وهو الأول من نوعه، وهذا رَجَز ابن عاشر " المرشد المعين " وهو من المتون المدروسة والمحفوظة عند صِغار الطلبة، وشروحُه بالعشرات، كلها خالية من الدليل والتعليل، حتى اعتنَى به الأستاذ أحمد الورايني من خريجي دار الحديث بالرباط فشَرَحه شرحاً جيداً سماه:" التمكين، لأدلة المرشد المعين"، وشَرَح عبد العزيز بن الصديق "العشماوية" بالدليل اعتمد فيه على شقيقه أحمد، وخَرَّج هذا أحاديث" بداية المجتهد" لابن رشد فأجاد وأفاد وطبع الآن. وهذا بقطع النظر عن صحة هذه الأدلة وسَلاَمتها من الطعن ، لأن المقصودَ هو الاستدلال لمسائل المذهب حسب أصوله، وهذا مختصر خليل المبيِّن لِمَا به الفتوى، ومعلوم شدة عناية المالكية به، وخدمتها له بمختلف الوجوه إلا بالاستدلال والتأصيل، وقد تجاوزت شروحُه وحواشيه المائة ، إلا محاولات مُحتَشمة لا تقوم على رجليها، قام بها بعضُ الشناقطة أخيرا.وحدثني الأخ الدكتور توفيق الغلبزوري أنه لقي بالجزائر الدكتور وهبة الزحيلي فشكا إليه هذا ما لقيه من عنت في تصيد دلائل فقه مالك من كتب غيره عند تأليفه كتابه "الفقه الإسلامي وأدلته" المطبوع. وبالمقارنة نجد عند فقهاء المذاهب الأخرى دواوين حافلة بالتأصيل، والاستدلال والتعليل، بل حتى كثير من المتون الصغيرة لا تخلو من ذلك. والكلام في هذا الموضوع طويل الذيل. فلنكتف بهذا الإلماع، لِنَخْلُصَ للإشارة إلى أدلة مذهب مالك فنقول بادئ ذي بدء:
بإنها لا تبلُغ عند الآخرين ما بَلَغت عند المالكية الذين أَوصَلُوها إلى ستة عشر أو سبعةَ عشَر دليلاً، وهي إنما عُرفت بالاستقراء، لا بنص الإمام، أو كبار أصحابه: كابن القاسم ، وأشهب ، وابن وهب ، والمغيرة . وإذا تأملها القارئ الواعي وَجَدها تنزل إلى النصف لتداخل بعضِها، وقد انفرد المذهب المالكي بعمل أهل المدينة، ونُوزع في ذلك مالك رحمه الله عَلَى أن الصواب فيه: أنه في غير ما يتناوله الاجتهادُ والرأي ، وإنما هو فيما سبيلُه التوقيف كالصاع والمد، ومَن وَقَف على نقد أبي محمد ابن حزم في كتابه الممتع: "الإحكام، في أصول الأحكام"، جزم بضعف هذا الأصل عن الوقوف أمام الوحيين، والإجماع، والقياس الجَلِي، وهذا ما أجمع عليه المسلمون من أهل السنة والجماعة حتى الظاهرية نفاة القياس، فإنهم إنما ينفون القياسَ الخفي . وقد عاب الناسُ غلو المالكية في دَعوَى عمل أهل المدينة، بينما لم تتجاوز مسائل العمل عند الإمام في الموطأ المائتين ونيفاً، وبلغ مجموعُها في أمهات المذهب نحوَ الأربعمائة ، ومن الواضح أن استكثار الإمام من هذه الأدلة، كان بسبب قلةَ حديثه ، فهذا الموطأ وهو الأصل الأول من أصول الحديث، لا تتجاوز أحاديثه المسندة الصحيحة خمسمائة ، ودَعك من المبالغات، ومنها: زَعمُ المالكية: أن رواية عَتِيق للموطأ بَلََغت عشرةَ آلاف حديث، وهذا العدد لا يكاد يُوجد في الحديث الصحيح جملة. وقد كان من عادة الرواة الأولين: أنهم يَعُدون الأسانيدَ، والطرقَ، والآثار الموقوفة، وفتاوي الصحابة، أحاديث ، وقد ظهر الآن من روايات الموطأ خمسة، أوسعُها روايةُ محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة، وأحاديثها نحو الألف، وفيها ما ليس من حديث مالك على ما فيها من الأحاديث الضعيفة وهذا أبو عمر بن عبد البر – وليس للمالكية مثلُه- شرح الموطأ ب"الاستذكار"، و"التمهيد"، معتمدا ثماني روايات على رأسها: رواية يحيى بن يحيى السائدة بالأندلس، والمغرب، لم يَتجاوز حديثه ما قلنا، ومن الجدير بالذكر: أن عمل أهل المدينة، فَتَح لمالكية الأندلس والمغرب فقط بابَ العمل وجريانِه، والاعتماد عليه، وتقديمه على الراجح والمشهور، جُمعت مسائله بالأندلس وهي كثيرة، نظمها الفيلالي السجلماسي في أرجوزة "العمل المطلق" وهي مطبوعة في مجموع المتون الفاسية، ونظم عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي عملَ أهل فاس في أرجوزة مشهورة ومشروحة بلغت مسائلها المئات، وسمعنا أن الفقيه أحمد الرهوني التطواني وهو شيخنا، جَمَع نحو سبعين مسألة جَرَى بها العمل بتطوان . اهــ
هل انصف الشيخ ؟
قال بن تيمية رحمه الله :
مالك أقوم الناس بمذهب أهل المدينة
أما أحوال الحجاز فلم يكن بعد عصر مالك وأصحابه من علماء الحجاز من يفضل على علماء المشرق والعراق والمغرب.
وهذا باب يطول تتبعه ولو استقصينا فضل علماء أهل المدينة وصحة أصولهم لطال الكلام. إذا تبين ذلك، فلا ريب عند أحد أن مالكًا - رضي الله عنه - أقوم الناس بمذهب أهل المدينة رواية ورأيا، فإنه لم يكن في عصره ولا بعده أقوم بذلك منه كان له من المكانة عند أهل الإسلام - الخاص منهم والعام - ما لا يخفى على من له بالعلم أدنى إلمام وقد جمع الحافظ أبو بكر الخطيب أخبار الرواة عن مالك فبلغوا ألفا وسبعمائة أو نحوها وهؤلاء الذين اتصل إلى الخطيب حديثهم بعد قريب من ثلاثمائة سنة فكيف بمن انقطعت أخبارهم أو لم يتصل إليه خبرهم فإن الخطيب توفي سنة اثنتين وستين وأربعمائة وعصره وعصر ابن عبد البر، والبيهقي، والقاضي أبي يعلى، وأمثال هؤلاء واحد ومالك، توفي سنة تسع وسبعين ومائة، وتوفي أبو حنيفة سنة خمسين ومائة، وتوفي الشافعي سنة أربع ومائتين وتوفي أحمد بن حنبل سنة إحدى وأربعين ومائتين؛ ولهذا قال الشافعي - رحمه الله - ما تحت أديم السماء كتاب أكثر صوابًا بعد كتاب الله من موطأ مالك.
وهو كما قال الشافعي رضي الله عنه. وهذا لا يعارض ما عليه أئمة الإسلام من أنه ليس بعد القرآن كتاب أصح من صحيح البخاري ومسلم مع أن الأئمة على أن البخاري أصح من مسلم ومن رجح مسلمًا فإنه رجحه بجمعه ألفاظ أحاديث في مكان واحد فإن، ذلك أيسر على من يريد جمع ألفاظ الحديث.
وأما من زعم أن الأحاديث التي انفرد بها مسلم أو الرجال الذين انفرد بهم أصح من الأحاديث التي انفرد بها البخاري ومن الرجال الذين انفرد بهم، فهذا غلط لا يشك فيه عالم كما لا يشك أحد أن البخاري أعلم من مسلم بالحديث والعلل والتاريخ وأنه أفقه منه، إذ البخاري وأبو داود أفقه أهل الصحيح والسنن المشهورة وإن كان قد يتفق لبعض ما انفرد به مسلم أن يرجع على بعض ما انفرد به البخاري فهذا قليل والغالب بخلاف ذلك فإن الذي اتفق عليه أهل العلم أنه ليس بعد القرآن كتاب أصح من كتاب البخاري ومسلم.
وإنما كان هذان الكتابان كذلك لأنه جرد فيهما الحديث الصحيح المسند ولم يكن القصد بتصنيفهما ذكر آثار الصحابة والتابعين ولا سائر الحديث من الحسن والمرسل وشبه ذلك ولا ريب أن ما جرد فيه الحديث الصحيح المسند عن رسول الله فهو أصح الكتب؛ لأنه أصح منقولا عن المعصوم من الكتب المصنفة.
وأما الموطأ ونحوه فإنه صنف على طريقة العلماء المصنفين إذ ذاك فإن الناس على عهد رسول الله كانوا يكتبون القرآن وكان النبي قد نهاهم أن يكتبوا عنه غير القرآن وقال: «من كتب عني شيئًا غير القرآن فليمحه». ثم نسخ ذلك عند جمهور العلماء، حيث «أذن في الكتابة لعبد الله بن عمرو وقال: اكتبوا لأبي شاه».
وكتب لعمرو بن حزم كتابًا قالوا: وكان النهي أولًا خوفًا من اشتباه القرآن بغيره ثم أذن لما أمن ذلك فكان الناس يكتبون من حديث رسول الله ما يكتبون وكتبوا أيضا غيره.
ولم يكونوا يصنفون ذلك في كتب مصنفة إلى زمن تابع التابعين فصنف العلم فأول من صنف ابن جريج شيئًا في التفسير وشيئًا في الأموات.
وصنف سعيد بن أبي عروبة وحماد بن سلمة ومعمر وأمثال هؤلاء يصنفون ما في الباب عن النبي والصحابة والتابعين.
وهذه هي كانت كتب الفقه والعلم والأصول والفروع بعد القرآن فصنف مالك الموطأ على هذه الطريقة. وصنف بعد عبد الله بن المبارك، وعبد الله بن وهب، ووكيع بن الجراح وعبد الرحمن بن مهدي وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وغير هؤلاء فهذه الكتب التي كانوا يعدونها في ذلك الزمان هي التي أشار إليها الشافعي - رحمه الله - فقال: ليس بعد القرآن كتاب أكثر صوابًا من موطأ مالك فإن حديثه أصح من حديث نظرائه وكذلك الإمام أحمد لما سئل عن حديث مالك ورأيه وحديث غيره ورأيهم؟ رجح حديث مالك ورأيه على حديث أولئك ورأيهم.
وهذا يصدق الحديث الذي رواه الترمذي وغيره عن النبي أنه قال: «يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل في طلب العلم فلا يجدون عالمًا أعلم من عالم المدينة».
فقد روي عن غير واحد كابن جريج وابن عيينة وغيرهما أنهم قالوا: هو مالك. والذين نازعوا في هذا لهم مأخذان: أحدهما: الطعن في الحديث فزعم بعضهم أن فيه انقطاعًا.
والثاني: أنه أراد غير مالك كالعمري الزاهد ونحوه. فيقال: ما دل عليه الحديث وأنه مالك أمر متقرر لمن كان موجودا وبالتواتر لمن كان غائبا، فإنه لا ريب أنه لم يكن في عصر مالك أحد ضرب إليه الناس أكباد الإبل أكثر من مالك.
وهذا يقرر بوجهين: أحدهما: بطلب تقديمه على مثل الثوري والأوزاعي والليث وأبي حنيفة وهذا فيه نزاع ولا حاجة إليه في هذا المقام. والثاني: أن يقال: أن مالكا تأخر موته عن هؤلاء كلهم فإنه توفي سنة تسع وسبعين ومائة وهؤلاء كلهم ماتوا قبل ذلك. فمعلوم أنه بعد موت هؤلاء لم يكن في الأمة أعلم من مالك في ذلك العصر وهذا لا ينازع فيه أحد من المسلمين ولا رحل إلى أحد من علماء المدينة ما رحل إلى مالك لا قبله ولا بعده رحل إليه من المشرق والمغرب ورحل إليه الناس على اختلاف طبقاتهم من العلماء والزهاد والملوك والعامة. وانتشر موطؤه في الأرض حتى لا يعرف في ذلك العصر كتاب بعد القرآن كان أكثر انتشارًا من الموطأ وأخذ الموطأ عنه أهل الحجاز والشام والعراق ومن أصغر من أخذ عنه الشافعي ومحمد بن الحسن وأمثالهما وكان محمد بن الحسن إذا حدث بالعراق عن مالك والحجازيين تمتلئ داره وإذا حدث عن أهل العراق يقل الناس لعلمهم بأن علم مالك وأهل المدينة أصح وأثبت. وأجل من أخذ عنه الشافعي العلم اثنان مالك وابن عيينة.
ومعلوم عند كل أحد أن مالكًا أجل من ابن عيينة حتى إنه كان يقول: إني ومالك كما قال القائل:
وابن اللبون إذا ما لز في قرن ** لم يستطع صولة البزل القناعيس
ومن زعم أن الذي ضربت إليه أكباد الإبل في طلب العلم هو العمري الزاهد مع كونه كان رجلًا صالحًا زاهدًا آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر لم يعرف أن الناس احتاجوا إلى شيء من علمه، ولا رحلوا إليه فيه. وكان إذا أراد أمرًا يستشير مالكًا ويستفتيه كما نقل أنه استشاره لما كتب إليه من العراق أن يتولى الخلافة فقال: حتى أشاور مالكًا فلما استشاره أشار عليه أن لا يدخل في ذلك وأخبره أن هذا لا يتركه ولد العباس حتى تراق فيه دماء كثيرة وذكر له ما ذكره عمر بن عبد العزيز - لما قيل له: ولِ القاسم بن محمد - أن بني أمية لا يدعون هذا الأمر حتى تراق فيه دماء كثيرة. وهذه علوم التفسير والحديث والفتيا وغيرها من العلوم، لم يعلم أن الناس أخذوا عن العمري الزاهد منها ما يذكر فكيف يقرن هذا بمالك في العلم ورحلة الناس إليه؟.
ثم هذه كتب الصحيح التي أجل ما فيها كتاب البخاري أول ما يستفتح الباب بحديث مالك وإن كان في الباب شيء من حديث مالك لا يقدم على حديثه غيره ونحن نعلم أن الناس ضربوا أكباد الإبل في طلب العلم فلم يجدوا عالمًا أعلم من مالك في وقته.
والناس كلهم مع مالك وأهل المدينة: إما موافق، وإما منازع فالموافق لهم عضد ونصير والمنازع لهم معظم لهم مبجل لهم عارف بمقدارهم.
وما تجد من يستخف بأقوالهم ومذاهبهم إلا من ليس معدودًا من أئمة العلم وذلك لعلمهم أن مالكًا هو القائم بمذهب أهل المدينة.
وهو أظهر عند الخاصة والعامة من رجحان مذهب أهل المدينة على سائر الأمصار، فإن موطأه مشحون: إما بحديث أهل المدينة، وإما بما اجتمع عليه أهل المدينة: إما قديما، وإما حديثا، وإما مسألة تنازع فيها أهل المدينة وغيرهم فيختار فيها قولا ويقول: هذا أحسن ما سمعت.
فأما بآثار معروفة عند علماء المدينة ولو قدر أنه كان في الأزمان المتقدمة من هو أتبع لمذهب أهل المدينة من مالك فقد انقطع ذلك.
ولسنا ننكر أن من الناس من أنكر على مالك مخالفته أولا لأحاديثهم في بعض المسائل كما يذكر عن عبد العزيز الدراوردي أنه قال له في مسألة تقدير المهر بنصاب السرقة: تعرقت يا أبا عبد الله أي: صرت فيها إلى قول أهل العراق الذين يقدرون أقل المهر بنصاب السرقة لكن النصاب عند أبي حنيفة وأصحابه عشرة دراهم.
وأما مالك والشافعي وأحمد فالنصاب عندهم ثلاثة دراهم، أو ربع دينار كما جاءت بذلك الأحاديث الصحاح. فيقال: أولا: أن مثل هذه الحكاية تدل على ضعف أقاويل أهل العراق عند أهل المدينة، وإنهم كانوا يكرهون للرجل أن يوافقهم وهذا مشهور عندهم يعيبون الرجل بذلك كما قال ابن عمر لما استفتاه عن دم البعوض وكما قال ابن المسيب لربيعة لما سأله عن عقل أصابع المرأة.
وأما ثانيًا: فمثل هذا في قول مالك قليل جدا وما من عالم إلا وله ما يرد عليه وما أحسن ما قال ابن خويز منداد في مسألة بيع كتب الرأي والإجارة عليها: لا فرق عندنا بين رأي صاحبنا مالك وغيره في هذا الحكم، لكنه أقل خطأ من غيره.
وأما الحديث فأكثره نجد مالكا قد قال به في إحدى الروايتين وإنما تركه طائفة من أصحابه كمسألة رفع اليدين عند الركوع والرفع منه.
وأهل المدينة رووا عن مالك الرفع موافقًا للحديث الصحيح الذي رواه، لكن ابن القاسم ونحوه من البصريين هم الذين قالوا بالرواية الأولى ومعلوم أن مدونة ابن القاسم أصلها مسائل أسد بن الفرات التي فرعها أهل العراق ثم سأل عنها أسد ابن القاسم. فأجابه بالنقل عن مالك وتارة بالقياس على قوله ثم أصلها في رواية سحنون فلهذا يقع في كلام ابن القاسم طائفة من الميل إلى أقوال أهل العراق وإن لم يكن ذلك من أصول أهل المدينة.
ثم اتفق أنه لما انتشر مذهب مالك بالأندلس وكان يحيى بن يحيى عامل الأندلس والولاة يستشيرونه فكانوا يأمرون القضاة أن لا يقضوا إلا بروايته عن مالك ثم رواية غيره فانتشرت رواية ابن القاسم عن مالك لأجل من عمل بها وقد تكون مرجوحة في المذهب وعمل أهل المدينة والسنة حتى صاروا يتركون رواية الموطأ الذي هو متواتر عن مالك وما زال يحدث به إلى أن مات لرواية ابن القاسم وإن كان طائفة من أئمة المالكية أنكروا ذلك فمثل هذا أن كان فيه عيب فإنما هو على من نقل ذلك لا على مالك ويمكن المتبع لمذهبه أن يتبع السنة في عامة الأمور، إذ قل من سنة إلا وله قول يوافقها بخلاف كثير من مذهب أهل الكوفة، فإنهم كثيرا ما يخالفون السنة وإن لم يتعمدوا ذلك. اهــ
اين قول الشيخ من كتب المالكية مثل الإشراف للقاضي عبدالوهاب و كتاب الذخيرة للقرافي و الجامع لأحكام القرآن للعربي و احكام القرآن للقرطبي و اكمال المعلم للقاضي عياض.
بل جمع كل من الغرياني في كتابه مدونة الفقه المالكي و حبيب الطاهر في كتابه ادلة الفقه المالكي حجما لا يستهان به من ادلة المالكية الموجودة في كتبهم.
فهل انصف الشيخ في كلامه ؟