بسم الله الرحمن الرحيم
فهذه حقا نصيحة ذهبية ألفاظها ومعانيها، وبماء الذهب تكتب حروفها ومبانيها
قال شيخنا الشيخ العالم العلامة صالح بن فوزان الفوزان أمد الله عليه نعمه وأسبغها ظاهرة وباطنة:
(لا بد أن يكون هناك خلاف بين العلماء في المسائل؛ هذا يقول: هذا حلال، وهذا يقول: هذا حرام. وهكذا يجري الخلاف بين العلماء في المسائل الاعتقادية، والمسائل العملية، والمعاملات، فالخلاف يقع بلا شك، وهذه طبيعة البشر، {ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم}.
ولكن لا يجوز لنا أن نأخذ ما نريد من الأقوال وما يوافق رغبتنا وشهوتنا، وإنما نأخذ ما قام عليه الدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا كما في قوله تعالى: {يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}.
{فردوه إلى الله}: إلى كتاب الله (القرآن)، {والرسول}: ويرجع إليه في حياته عليه الصلاة والسلام ويسأل، أما بعد موته فيرجع إلى سنته، فكأنه موجود عليه الصلاة والسلام بوجود سنته؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "ومن يشع منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين"، وقال عليه الصلاة والسلام: "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي".
فلا يجوز أن نأخذ من الأقوال ما نشتهي أو يوافق رغباتنا، أو أهواءنا، أو نقول: هذا أوسع للناس وأيسر للناس، والمرونة مطلوبة!
فهذا كلام باطل، كما يقوله كثير من الكتّاب اليوم وأصحاب الأهواء.
ويقولون: الاختلاف رحمة!
ونقول: الاختلاف ليس برحمة، الاجتماع هو الرحمة والاتفاق هو الرحمة، أما الاختلاف فإنه عذاب وشر؛ كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (الخلاف شر).
فالاختلاف موجود، ولكن ليس معنى ذلك أن نقول: هذا من سعة الدين؛ لأن الدين ليس في أقوال العلماء، إنما الدين بالدليل، قال تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} هذا هو الميزان الذي بين أيدينا، لم يكلنا الله للخلاف أو إلى رأي فلان وقول فلان، بل امرنا بأن نرجع إلى الميزان، وهو: الكتاب والسنة.
فمن كان من أهل العلم ويستطيع أن يعرف الراجح من المرجوح فإنه لا يسعه أن يأخذ القول على علاته حتى يعرضه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما إن كان من العوام أو من المبتدئين في طلب العلم، فهذا يسأل أهل العلم، قال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.
والأئمة يحذرون من أخذ أقوالهم بدون معرفة الدليل:
فالإمام مالك رحمه الله تعالى يقول: (كلنا راد ومردود عليه، إلا صاحب هذا القبر)، يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول: (أوكلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم لجدل هؤلاء).
والإمام الشافعي رحمه الله تعالى يقول: (إذا صح الحديث فهو مذهبي)، ويقول: (إذا خالف قولي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي عرض الحائط، وخذوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ويقول: (أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد).
والإمام أحمد رحمه الله تعالى يقول: (عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان! والله تعالى يقول: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}، أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك).
فلا قول لأحد مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، والواجب علينا عند الاختلاف أن نرجع إلى الميزان، وهذا من رحمة الله بنا، أنه لم يكلنا إلى الاختلاف وأقوال الناس، وإنما أمرنا أن نزن الأقوال بالكتاب والسنة، وهذا يكون للعلماء، وأما العوام فعليهم أن يسألوا أهل العلم {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، فيسأل العامي من يثق بعلمه ودينه ويأخذ بقوله؛ ولهذا يقولون: مذهب العامي مذهب من أفتاه. فهذا هو الضابط في هذه المسألة.
والآن الصحف والكتابات كلها تنادي بالأخذ بالآراء والتوسعة على الناس، وأنهم إذا ردوا إلى الدليل فهذا حرج وضيق، هكذا يقولون!
وهذا القول كفر؛ لأن قائله يرى أن الأخذ بالدليل يكون حرجا! والذي يقول هذا يكفر. والأخذ بالدليل هو الفرج وليس حرجا، وهو التيسير من الله سبحانه وتعالى.
فهذا هو الكلام في مسألة اختلاف العلماء، وماذا نأخذ من الأقوال المختلفة في المسائل).