قال وا كلهم إن الله حامل لصفاته في ذاته هذا نص قول أبي جعفر السمناني المكفوف قاضي الموصل وهو أكبر أصحاب الباقلاني ومقدم الأشعرية في وقتنا هذا و قال هذا السمناني أيضاً من سمي الله تعالى جسماً من أجل أنه حامل لصفاته في ذاته فقد أصاب المعنى وأخطأ في التسمية فقط و قال هذا السمناني أن الله تعالى مشارك للعالم في الوجود وفي قيامه بنفسه كقيام الجواهر والأجسام وفي أنه ذو صفات قائمة به موجودة بذاته كما ثبت ذلك فيما هو موصوف بهذه الصفات من جملة أجسام العالم وجواهره هذا نص كلام السمناني حرفاً حرفاً‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ ما أعلم أحداً من غلاة المشبهة أقدم على أن يطلق ما أطلق هذا المبتدع الجاهل الملحد المتهور من أن الله تعالى مشارك للعالم حاشا لله من هذا و قال السمناني عن شيوخه من الأشعرية أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم أن الله خلق آدم على صورته إنما هو على صفة الرحمن من الحياة والعلم والاقتدار وإجماع صفات الكمال فيه وأسجد له ملائكته كما أسجدهم لنفسه وجعل له الأمر والنهي على ذريته كما كان الله تعالى كل ذلك‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هذا نص كلامه حرفاً حرفاً وهذا كفر صريح وشرك بواح إذ صرح بأن آدم على صفة الرحمن من اجتماع صفات الكمال فيهما فالله تعالى وآدم عنده مثلان مشتبهان في اجتماع صفات الكمال فيهما ثم لم يقنع بهذه السوءة حتى صرح بأن سجود الملائكة لآدم كسجودهم لله عز وجل وحاشا لله من هذا لأن سجود الملائكة لله تعالى سجود عبادة وديانة لخالقهم وسجودهم لآدم سجود سلام وتحية وتشريف منهم لآدم وإكرام له بذلك كسجود يعقوب لابنه يوسف عليهما السلام فقط ثم زاد اللعين كفراً على كفر بنصه أن الله تعالى جعل له الأمر والنهي على ذريته كما كان لله تعالى ذلك وهذا شرك لا خفاء به كشرك النصارى في المسيح ولا فرق ونسأل الله تعالى العافية و قال هذا السمناني أن مذهب شيوخه أنهم لا يقولون أن الأمر بالشيء دال على كونه مراداً للآمر قديماً كان أو محدثاً ولا يدل النهي على كونه مكروهاً هذا نص كلامه وهذا خلاف الإسلام والإجماع والمعقول وتصريح بأن الله تعالى إذ أمر بالصلاة والزكاة والحج والصيام والجهاد وشهادة الإسلام فليس في ذلك دليل على أنه يريد شيئاً من ذلك وإذ نهى عن الكفر والزنا والبغي والسرقة وقتل النفس ظلماً فليس ذلك دليلاً على أنه يكره شيئاً من ذلك وما في الأقوال انتين من هذا القول و قال هذا السمناني أنه لا يصح القول بأن علم الله تعالى مخالف للعلوم كلها ولا أن قدرته مخالفة للقدر كلها لأنها كلها داخلة تحت قولنا ووصفنا للقدر والعلوم هذا نص كلامه وهذا بيان بأن دينهم أن علم الله تعالى وقدرته من نوع علمنا وقدرتنا وإذ الأمر كذلك عنده فعلمنا وقدرتنا عرضان فينا مخلوقان فوجب ضرورة أن علم الله تعالى وقدرته عرضان في الله مخلوقان إذ من الممتنع وقوع ما لم يزل مع المحدث المخلوق تحت حد واحد ونوع واحد ونص هذا السمناني ومحمد بن الحسن بن فورك في صدر كلامه في كتاب الأصول أن الحدود لا تختلف في قديم ولا محدث قال وا ذلك في كلامهم في علم الله تعالى في تحديدهم لمعنى العلم بصفة يقع تحتها علم الله تعالى وعلوم الناس وهذا نص منهم على أن الله تعالى محدود واقع معنا تحت الحدود وهو علمه وقدرته وهو شر من قول جهم شيخهم في الحقيقة وأبين من قول كل مشبه في الأرض ونص هذا السمناني على أن العالم والقادر والمريد من الله تعالى وخلقه إنما كان محتاجاً إلى هذه الصفات لكونه موصوفاً بها لا لجوازها عليه هذا نص كلامه وهذا تصريح منهم بلا تكلف ولا تأويل بأن الله تعالى عن كفر هذا الأرعن محتاج إلى الصفات وهذا كفر ما يدري أن أحداً بلغه ونص هذا السمناني أيضاً على أن الله تعالى لما كان حياً عالماً كان موصوفاً بالحياة والعلم والقدرة والإرادة حتى لا يختلف الحال في ذلك في الشاهد والغائب هذا نص كلامه وهذا تصريح منه على أن الله تعالى حالا لم يخالفه فيها خلقه بل هو وهم فيها سواء ونصهذا السمناني على أنه إذا كانت الصفات الواجبة لله تعالى في كونه عالماً قادراً لا يغني وجوبها له عن ما هو مصحح لها من الحياة فيه كما لا يوجب غناه عما يوجب كونه عالماً قادراً عن القدرة والعلم‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هذا نص جلي على أن الله تعالى غير غني عن شيء هو غيره لأن الصفات عندهم هي غيره تعالى والله تعالى عندهم غير غني عنها تعالى الله وإذا لم يكن غنياً عنها فهو فقير إليها هكذا قال ت اليهود أن الله فقير تعالى الله عن هذا بل هو الغني جملة عما سواه وكل من دونه فقير إليه تعالى و قال السمناني إن قال قائل لم أنكرتم أن يكون الله مريداً لنفسه حسب ما قال ه النجار والجاحظ قيل له أنكرنا ذلك لما قدمنا ذكره من أن الواحد من الخلق مريد بإرادة ولا يخلو أن يكون حقيقة المريد من له الإرادة أو كونه مريداً وجود الإرادة له وأي الأمرين كان وجبت مساواة الغائب الشاهد في هذا الباب‏.‏


(الفصل لابن حزم)