التعريف بالصعلكة
1- في اللغة:
في "لسان العرب"[1]: « الصعلوك: الفقير الذي لا مال له، زاد الأزهري: ولا اعتماد. وقد تصعلك الرجلُ؛ إذا كان كذلك، قال حاتم الطائي:
غَنِينا زمانًا بالتَّصعْلُكِ والغِنَى *** فكُلًّا سَقاناه بكأسيْهما الدَّهرُ
أي: عشْنا زمانًا.وتصعلكتِ الإبلُ: خرجتْ أوْبارُها، وانجرَدتْ، وطرحتْها. ورجلٌ مُصعْلك الرأسِ: مدوَّرُه. ورجلٌ مصعلك الرأس: صغيره، وأنشد:
يُخيلُّ في المرْعَى لهنَّ بشخصِهِ *** مُصَعْلكُ أعلَى قُلَّةِ الرأسِ نِقْنقُ
وقال شَمِر: المصعلك من الأسْنمَةِ: الذي كأنَّما حَدْرَجْتَ أعلاه حدْرجَةً، كأنَّما صعلكتَ أسفلَه بيدك، ثم مطَلته صُعُدًا أي رفعته على تلك الدَّملَكةِ، وتلك الاستدارة[2]. وقال الأصمعيُّ في قولِ أبي دؤادٍ يصف خيلًا:
قد تَصَعْلكن في الربيع وقد قَـ *** ـرَّع جِلْدَ الفرائضِ الأقدامُ
= قال: تصَعلكْن: دَقَقْن، وطار عِفاؤُها عنها، والفريضة: موضع قدم الفارس.وقال شمر: تصعلكت الإبل إذا دقَّت قوائمُها من السِّمَن. وصعلكها البقل، وصعلك الثريدة: جعل لها رأسًا، وقيل: رفع رأسها.والتصعلك: الفقر. وصعاليك العرب: ذؤبانها.
وكان عروة بنُ الوَرْدِ يسمى عروة الصعاليك؛ لأنه كان يجمع الفقراء في حظيرة فيرزقهم مما يغنم».
من هذا النص اللغوي الذي سجله ابن منظور في "لسان العرب"، والذي سجل مثله غيره من علماء اللغة في معاجمهم، نستطيع أن نتبين أصلًا عامًّا للمادة تشترك فيه معانيها المختلفة، وتدور حوله، وهو – عندي - الضمور والانجراد[3]. ونستطيع في سهولة ويسر أن نرد كل معاني المادة إلى هذا الأصل العام: فالإبل تتصعلك إذا انجرَدَت أوبارها وطرحتها. والخيل تتصعلك؛ إذا دقت وطار عفاؤها عنها.
والبقل يصعلك الإبل؛ أي يسمنها؛ وهذا السِّمَن يجعلها تطرح أوبارها وتتجرد منها. والمصعلك من الأسنمة الذي يبدو كأنما فتلت أعلاه وأضمرته.
وهو يصعلك الثريدة أي يجعل لها رأسًا، أو يرفع رأسها، كأنها أضمر أعلاها.
وهو مصعلك الرأس أي صغيره وضامره. وهو يتصعلك أي يفتقر كأنما تجرَّد من ماله، وبدأ ضامرًا بين الناس.
فالصعلكة إذن -في مفهومها اللغوي-: الفقر الذي يجرِّد الإنسان من ماله، ويظهره ضامرًا هزيلًا بين أولئك الأغنياء المترفين الذين أتخمهم المال وسمَّنهم.
ولكن يبدو أن هذا المعنى لا يعبِّر عن المفهوم اللغوي للكلمة تعبيرًا دقيقًا كاملًا، ولهذا نريد أن نقف وقفة أخرى عند تلك الزيادة التي أضافها الأزهري إلى هذا المعنى اللغوي، وهي قوله: « ولا اعتماد »، لنرى ماذا يستفيد المعنى منها؟ وإلى أي مدًى تحدد هذه المعنى وتكمله؟ والمعنى اللغوي لهذه العبارات واضح؛ فاعتمد على الشيء: توكأ أو اتكأ عليه، واعتمد عليه في كذا: اتكل عليه
[4].
وعلى هذا نستطيع أن نقول: إنَّ الصعلوك - في اللغة-: هو الفقير الذي لا مال له يستعين به على أعباء الحياة، ولا اعتماد له على شيءٍ أو أحدٍ يتَّكئ عليه أو يتَّكلُ عليه ليشق طريقه فيها، ويعينه عليها، حتى يسلك سبيله كما يسلكه سائر البشر الذين يتعاونون على الحياة، ويواجهون مشكلاتها يدًا واحدة. أو هو - بعبارة أخرى -: الفقير الذي يواجه الحياة وحيدًا، وقد جرَّدته من وسائل العيش فيها، وسلبته كل ما يستطيع أن يعتمد عليه في مواجهة مشكلاتها.
فالمسألة إذن ليست فقرًا فحسب، ولكنَّها فقرٌ يغلق أبواب الحياة في وجه صاحبِه، ويسدُّ مسالكَها أمامه.
هذا هو التعريف اللغوي للكلمة كما نراه في ضوء هذه المحاولة اللغوية لفهم المادة. ونريدُ - بعد هذا - أن نتتبع هذه المادة في الاستعمال الأدبي القديم في العصر الذي ندرسه لنرى كيف دارت فيه؟ وإلى أي مدًى يطابق هذا الاستعمال معناها كما سجله علماء اللغة أو يختلف عنه؟
المصدر: الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي، يوسف خليف، دار المعارف


[1] مادة "صعلك".
[2] حَدْرَج: فتل وأحكم. والدَّمْلَكة: الاستدارة والملاسة والفتل.
[3] نحن في هذا نخالف ابن دريد فيما يذهب إليه من أن "أصل الصعلكة الفقر" "انظر جمهرة اللغة: باب ما جاء على "فعلول" 3/ 383 - وانظر أيضا الاشتقاق/ 170"، ونرى أن الفقر ليس أصلا للمادة، ولكن الطور المعنوي في معناها الذي يأتي بعد الطور الحسي. ويؤيدنا فيما نذهب إليه ما يراه ابن فارس من أن "الصاد والعين واللام أصيل يدل على صغر وانجراد" "انظر مقاييس اللغة 3/ 286"، وهذه الحروف الثلاثة هي أصل مادة "صعلك"، وبين المادتين تشابه في معانيهما، فالصعل: الصغير الرأس من الرجال والنعام، وحمار صعل أي ذاهب الوبر.

[4] لسان العرب: مادة "عمد".