تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الانسان بين التسيير والتخيير

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    الدولة
    امريكا
    المشاركات
    168

    افتراضي الانسان بين التسيير والتخيير

    [CENTER]




    ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري



    الانسان ما بين التسيير والتخيير


    وبعبارة أخرى للعنوان هل الانسان مُسيَّراً أم مُخيَّراً؟ أم كليهما معا؟

    يقول المولى تبارك وتعالى في محكم تنزيله الكريم

    يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد

    ويقول المولى تبارك وتعالى في آية عظيمة ختم بها سورة لقمان

    انّ اللهَ عندَهُ علمُ الساعةِ ويُنَزِّلُ الغيثَ ويعلمُ ما في الأرحامِ , وما تدري نفسٌ ماذا تكسِبُ غداً وما تدري نفسٌ بأيِّ أرضٍ تموتُ, انّ اللهَ عليمٌ خبير

    ويقول المولى تبارك وتعالى في صدر سورة الانسان

    انا هديناهُ السبيلَ اما شاكرا واما كفورا

    هذه الآيات العظيمة الكريمة وأشباهها في القرآن الكريم كثيرة تبين لنا أنّ الانسان مُسيرا ومُخيرا في آن واحد, ولكن كيف هذا؟

    نقول وبالله المستعان وعليه التكلان بأن الانسان مُسيرٌ بما لا يعلم من الغيب وبما لا يملك , فالعلم لأنه في هذه الحالة يكون مرغما عليها كالغيبيات الخمس التي وردت في قوله عزوجل في آية عظيمة ختم بها سورة لقمان فقال:

    انّ اللهَ عندَهُ علمُ الساعةِ ويُنَزِّلُ الغيثَ ويعلمُ ما في الأرحامِ , وما تدري نفسٌ ماذا تكسِبُ غداً وما تدري نفسٌ بأيِّ أرضٍ تموتُ ’ انّ اللهَ عليمٌ خبير

    ومُخيرٌ بما يملك وبما أمره الله عزوجل به من الطاعات والعبادت المكلف بها, وهذا هو موضوع بحثنا تحديدا, والطاعات والعبادات نعني بها الأخذ بأركان الايمان كلها عدا القضاء والقدر فالقضاء والقدر لا يملكه الانسان ولا يسوغ له أن يملكه, انما هو بعلم الله تبارك وتعالى وحده علام الغيوب ومُقدّرَ الأمور, بينما أمور التكليف كلها من عبادات وطاعات ابتداء من أركان الاسلام, وأنتهاء بأركان الايمان , مرورا بمختلف الطاعات وعمل الخير وتجنب الشر وسلوك الطريق المستقيم وتجنب طريق الشيطان , وحمل الأمانة, كل هذه العبادات والطاعات مكلف بها الانسان وفيها يكون مخيرا, لقوله تعالى في آيتين كريمتين ختم بهما سورة الاحزاب فقال عزوجل:

    انا عرضنا الامانة على السموات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها و حملها الانسان إنّهُ كانَ ظلوماً جهولاً* ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات, ويتوبَ اللهُ على المؤمنين وكان الله غفورا رحيما

    وكما في رواية ابن عباس رضي الله عنهما: أنّ الأمانة تعني الطاعة, عرضها الله عزوجل على السموات والأرض والجبال قبل أن يعرضها على آدم عليه الصلاة والسلام فلم يطقنها , فقال الله تبارك وتعالى لآدم عليه الصلاة والسلام:

    اني قد عرضْتُ الامانة على السموات والأرض والجبال فلم يطقنها, فهل أنت آخذ بما فيها؟ فقال آدم عليه الصلاة والسلام: يا رب ! وما فيها؟قال الله عزوجل: ان أحسنْتَ جُزيتَ, وان أسأتَ عُوقبتَ فأخذها آدم عليه الصلاة والسلام فحملها, فذلك قوله تعالى وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا وفي رواية أخرى لابن عباس أنّ الأمانة هي الفرائض, ان أدوها أثابهم الله عزوجل , وان ضيعوها عذبهم, فكرهوا ذلك وأشفقوا على حملها تعظيما لدين الله عزوجل خشية ألا يقوموا بهذه الأمانة, قم عرضها الله عزوجل على آدم عليه الصلاة والسلام فقبلها بما فيها, وكان ظالما بها كما في قوله تعالى: وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا وقد وردت معانٍ كثيرة بمعنى الأمانة عند العلماء : فمنهم من قال أنها الطاعة والفرائض كما في قول ابن عباس رضي الله عنهما وغيره, ومنهم من قال أنها: المرأة أؤتمنت على فرجها كما في قول أُبيّ بن كعب, وقال قتادة: الأمانة هي الفرائض والحدود, وقال زيد بن أسلم: الأمانة ثلاثة: الصلاة والصيام والاغتسال من الجنابة, وكل هذه الأقوال لا تنافي أبدا بينها فكلها وجميعها تصب في طاعة الله عزوجل خوفا وطعما ورهبة اذن الانسان مسيّر بأشياء ومخيّر بأشياء, بمعنى أنّ هناك أشياء يكون الانسان فيها مسيرا رغما عنه كالقدر واحواله, والغيبيات الخمس الواردة في قوله تعالى في سورة لقمان السابق ذكرها, وهي مفاتيح الغيب التي بها استأثرالله تبارك وتعالى بعلمه, وعلمه عزوجل لم يُطلعُ عليه أحد أبدا لا نبي مرسل ولا ملك مقرّب الا من شاء الله له به أن يعلم, اي الا بعد اعلامه عزوجل بها لمن شاء من عباده كالأنبياء والمرسلين من البشر والملائكة عليهم صلوات ربي وسلامه فعلم وقت الساعة لا يعلمه لا نبي مرسل ولا ملك مقرب تماما كقوله تعالى: لا يُجليها لوقتها الا هو وكذلك انزال المطر من السماء بالكم والكيف والوقت لا يعلمه الا الله عزوجل وكذلك ما في الأرحام لا يعلمه الا الله عزوجل, سواء كان ذكرا أم أنثى, وسواء كان شقيا أم سعيدا, وكذلك الرزق يبقى بعلم الله عزوجل وحده سواء في دنياها أم في آخرتها وأيضا الموت لا يعلمه الا الله عزوجل, متى وكيف وأين؟ متى سيموت؟ هل اليوم أو غدا أبعد مليون عاما لا احد يعلم؟ وكيف سيموت؟ هل بمرض أم شهيدا أم فجأة, وهل سيموت سعيدا أم شقيّ؟ لا احد يعلم... وأيضا البلد التي سيموت فيها ى أحد يعلمها الا الله تبارك وتعالى, تماما كما في قوله تعالى: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو,,بقي أن نوضح شيئا مهما جدا: وهو أنّ الملائكة عليهم السلام الموكلون بتنفيذ أمر الله عزوجل يعلمونه باذنه عزوجل وبالوقت الذي سيتم فيه تنفيذ الأمر وليس قبلا روى الامام أحمد رحمه الله عن أبي بريدة رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خمسٌ لا يعلمهنّ الا الله عزّ وجل:

    انّ اللهَ عندَهُ علمُ الساعةِ ويُنَزِّلُ الغيثَ ويعلمُ ما في الأرحامِ , وما تدري نفسٌ ماذا تكسِبُ غداً وما تدري نفسٌ بأيِّ أرضٍ تموتُ انّ اللهَ عليمٌ خبير

    وروى مسروق رضي الله عنه عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنه قالت: مَنْ حدّثكَ أنهُ يعلمُ ما في غدٍ فقد كذَبَ, ثم قرأت: وما تدري نفسٌ ماذا تكسِبُ غداً وما تدري نفسٌ بأيِّ أرضٍ تموتُ ’ انّ اللهَ عليمٌ خبير

    أي ليس لأحد من الناس أن يدري أن يكون مضجعه من الأرض, أفي بحر أم برٍّ, أفي سهلٍ أم جيلٍ, وقد جاء في حديث رواه الكثير منهم ابن مسعود وأسامه بن زيد رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بما معناه: اذا أراد اللهُ قبْضَ عبد بأرض جعل الله له اليها حاجة
    انّ الله عزوجل أوضح لنا طريق الخير وطريق الشر وعلينا أن نتبع ما يأمرنا اليه عزوجل لنفوز بخيري الدنيا والآخرة.. أحد الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يسأل النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: يا رسول الله! ما عندك من علم الساعة؟ فقال صلوات ربي وسلامه عليه: ضنّ ربك عزوجل بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمها الا الله

    أي استأثر الله عزوجل عنده بمفاتيح خمسة أمور لا يعلمها الا الله سبحانه وتعالى

    وأشار صلى الله عليه وسلم بيده يعني: خمساً, فقلت: وما هن يا رسول الله؟ قال: علم المنية، قد علم متى منية أحدكم، ولا تعلمونه ، قال تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ، فلا يدري أحد كيف تكون منيته؟ ولا متى يكون موته وأجله؟ فإن علم المنية مما استأثر الله بعلمه، فلا يعلمه أحد غيره، قال: وعلم المنيّ حين يكون في الرحم، قد علمه وما تعلمونه

    أي: علم مآل صاحبه في السعادة والشقاء، والهداية والضلال، وعلم عمره ورزقه، وعلم خلقته وخاتمته، كما ورد أن الملك يُؤمرُ بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ، وهذه الأمور التي لا يمكن أن يعلمها أحد إلا الله سبحانه وتعالى وليس الأمر مقتصراً على معرفة أذكر هو أم أنثى؟! كما يظن بعض الناس، بل إن الله سبحانه وتعالى يعلم عنه كل شيء.

    قال: وعلم ما في غدٍ، قد علم ما أنت طاعم ولا تعلمه

    انظر إلى المربي العظيم والمعلم الجليل صلى الله عليه وسلم! كيف يضرب مثلاً بالشيء الواقعي! فمهما كان هذا الإنسان مثقفاً كبيراً، أو جاهلاً عادياً، فإنه يحتاج إلى الطعام، وكل الناس يحتاجون إليه، حتى الكفار الذين يأكلون ويتمتعون كما تأكل الأنعام، يحتاجونه، وهم غافلون عنه، فيخبرنا صلوات الله وسلامه عليه : إن الذي يعلم الغيب هو الله سبحانه وتعالى، ومن ذلك أنك لا تعلم أمر مستقبلك، فما تدري ماذا ستجني غداً؟ وماذا سيعرض لك؟ وماذا ستأكل؟ وقد لا تأكل

    ويأخذني الحديث حول هذا الأمر الى مقالة كنت قرأتها للشيخ عصام الشعار رحمه الله حيا وميتا, أود نقلها للقراء كما هي لما تحويه من الاقناع فيقول

    لكن هذه الأمور التي يقررها الإنسان قد سبق في علم الله تعالى على أي وجه ستكون، فالإنسان لا يعلم سيتزوج مَنْ في دنياه قبل الزواج، ولكن الله يعلم مِنْ قبل أن يخلق الإنسان مَن ستكون زوجته، فعلم الله يُحيط بهذا كله، وقد أودع الله في كتابه المحفوظ كلّ أفعال العباد واختياراتهم وآمالهم وآلامهم وديانتهم وغير ذلك، وليس معنى هذا أنه أجبرهم على هذه الأمور، ولكنه سبحانه وتعالى علمَ بعلمه المحيط دقائق هذه الأمور قبل أن تق, وهذا ما تجلى في قوله تعالى:

    مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ

    ولتقريب هذا المعنى نضرب هذا المثال: بينما يجلس أحد الآباء مع أولاده إذا بصديقه يطرق عليه الباب، فأراد الأب أن يصرف أولاده ليصفو له الجو مع صديقه، فأعطى لكل ولد من أولاده دينارا ليتفرقوا من حوله، وأعطاهم حرية التصرف في هذه الأموال. ثم أقبل الرجل إلى صديقه يحدثه فقال له : أنا أعلم تحديدا ماذا سيفعل كل ولد بما معه من مال، فقال له وماذا سيفعلون؟ فقال: أما الأكبر فإنه سيدخر ديناره ولن ينفق منه شيئا مهما كثرت المغريات أمامه، وأما الأوسط فإنه سيتصدق به، ولن يأخذ منه شيئا لنفسه، وأما الأصغر فإنه سيشتري به حلوى نوعها كذا.

    وبينما هما كذلك إذ أقبل الأولاد الثلاثة، وقد صنع كل واحد منهم مثلما أخبر عنه أبوه وكأنما كانوا ينفذون خطة مدروسة، أو صفقة محكمة، فتعجب الصديق، فقال له الأب : إنهم أولادي وأنا أعلم بهم. ولله المثل الأعلى, فاذا كان الأب قد علم ما سيفعله أولاده بالنقود من خلال تربيته لهم, فكيف بخالق الوجود وما يدبّ عليه؟ ولأنّ الله تبارك تعالى يعلم من عباده ماذا سيفعلون, فقد كتب لهم ذلك كله في كتابٍ لا يضلُّ ربي ولا ينسى سبحانه وتعالى علام الغيوب, ولذا فتأتي أفعالهم على وفق المكتوب تماما , وفق ما كتبه الله لهم, وكأنهم يؤدون أدوارا في تمثيلية مكتوبة.

    وأورد الامام الحافظ أبو يعلي في مسنده عن عبد الله بن عمر عن ابيه عمر رضي الله عنهما قال: لما نزلت: فمنهم شقي وسعيد, قلت يا رسول الله! علام نعمل ؟ على شيءٍ قدْ فُرٍغَ منهُ؟ ام على شيءٍ لم نفرغَ منهُ؟ فقال صلوت الله وسلامه عليه: على شيءٍ قد فُرغَ منهُ, وجرتْ به الأقلامُ , ولكنْ كلُّ ميسَّرٌ لما خُلقَ لهُ

    أي ان كان من أهل السعادة فيُيَسَّرُ الى عمَلِ أهل السعادة, وانْ كان من أهلِ الشقاوة فُيَيسّرُالى عملِ أهل الشقاوة

    نعم انّ كل نفس بشرية يخلقها الله عزوجل يُكنبُ لها منذ ولادتها ان كانت سعيدة أم شقية, ان كانت من أهل الجنة ام من اهل النار, ولكن ليس كما نفهمها نحن بمفهومنا المحدود, بل بمفهوم الحكمة الالهية كما في قوله تعالى: يعلمُ ما بين أيديهمْ وما خلفَهمْ, ولا يُحيطونَ بشيءٍ مِنْ عِلمهِ الا بما شاءَ, وسِعَ كرسيُّهُ السمواتِ والأرضِ, ولا يَؤودهُ حفظُهُما وهوَ العليُّ العظيم

    , وان فهمنا قوله تعالى فمنهم شقيٌّ ومنهم سعيد على مفهومنا المحدود, فهذا يعني أن نتوقف عن العبادة والعمل, اذ طالما أنّ كل واحد منا بات معروف على أنه سيدخل الجنة أم سيدخل النار,كما في سؤال عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم فيم العمل؟ أي لمَ نعمل طالما مصيرنا منذ الولادة قد تحدد؟ ولكنّ اذا علمنا أنّ الله تعالى قد قدّرَ أعمال العباد قبل أن يخلقُ السموات والأرض ب 50 ألف سنة عندها نقول قوله تعالى: سبحانك ربنا لا علم لنا الا ما علمتنا انك أنت علام الغيوب

    انّ هذا المفهوم المحدود لعقولنا ان أخذنا به فانه يكون وللأسف الشديد من الخطر والخطأ في أن نظن مثل هذا الظن

    انّ هذا الظن الخطأ الذي دخل علينا في فهم الاسلام الفهم الصحيح, وهذا التساؤل بعينه كان قد سأله الى جانب عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم سراقة بن مالك بن جعشم رضي الله عنه, ففي رواية عن الامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بقيع الغرقد يدفن جنازة وكان معه عود فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ينكث العود بالأرض بهذا العود وهو يقول: ما من نفس منفوسة الا كتب مقعدها من الجنة او مقعدها من النار... وكما في صحيح مسلم أن سراقة بن مالك رضي الله عنه قال: يا رسول الله؛ بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن، فيما العمل اليوم؟ أفيما جفّت به الأقلام وجرت به المقادير؟ أم فيما نستقبل؟ قال عليه الصلاة والسلام: لا، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير. قال: ففيم العمل؟ قال عليه الصلاة والسلام: اعملوا، فكل ميسر لما خُلق لهُ، وفي رواية: كل عامل مُيسر لعمله , وسؤال سراقة رضي الله عنه معناه: أي ما فائدة العمل اذن ان كان قد كتب الله علينا مقعدنا من النار ومقعدنا من الجنة؟ أفلا نتكل على كتابنا؟ أي على ماكتبه الله علينا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: اعملوا فكلٌّ ميسّرٌ لما خُلقَ له ُ... ثم تلا قوله عزوجل: فأما من أعطى واتقى وصدّق بالحسنى * فسنيسره للحسنى * وأما من بخل واستغنى * وكذّب بالحسنى* فسنيسره للعسرى

    ومن هذه الآيات الكريمات في سورة الليل يكون هناك قد تحددّ مصير أهل الجنة بأعمال عمل أهل الجنة, ومصير أهل النار بعمل أهل النار, اذن:

    انفاق + تقوى الله عزوجل + صدق وتصديق = الجنة بتيسيره الى عمل أهل السعادة

    بخل وشح + وطمع وجشع + تكذيب = النار بتيسيره الى عمل أهل الشقاوة

    الآن وبعد ان اتضحت لنا الصورة نستنتج أنّ كل من أتى بعد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم هم الذين أوهموا الناس بأنّ الانسان مّسّير وذلك أنهم فصلوا السبب عن القدر مع أنّ السبب جزء من القدر, وسأضرب مثالا بسيطا على ذلك ومن واقع الحياة: مثلا حين يخرج أحدنا الى مكان ما وتصدمه سيارة فيموت, نبقى نقول: لو ما خرج ما مات, وهذا خطأ فادح في شرع الله, اذ لا بدّ له أن يخرج كي يلاقي المكتوب عليه, كي يلقى ما كتبه الله له وقدّر له لأنّ الله تعالى أخرجه ليلاقي قدره المقدر له قبل أن يُخلق, لأنّ السبب جزء من القدر كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما معنى الحديث: لا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا, ولكن قل قدّر الله وما شاء الله فعل, فانّ لو من عمل الشيطان

    ولعلّ حديث ابو خزامة رضي الله عنه حين قال يا رسول الله! أرأيت رقية نسترقيها وأدوية نتداوى بها, أتردُّ من قدَرِ الله شيئا؟
    فقال عليه الصلاة والسلام: هيَ مِنْ قدَرِ الله

    أي هي من الأسباب, والله تعالى الهمك لأخذ الدواء فبرأت من المرض, أي السبب هو جزء من القدر

    ومن هذا الحديث نستخلص ان المريض لا بدّ له ان ياخذ الدواء حتى يشفى لقوله تعالى: فيه شفاء للناس وقوله تعالى: واذا مرضت فهو يشفين ولقوله صلى الله عليه وسلم بما معناه: تداووْا عبادَ الله, فانّ اللهَ لم يضعْ داءً الا وأنزلَ لهُ دواءً

    اذن المرض قدَرٌ مُقدّرٌ من الله عزوجل, والدواء سببٌ لمداواةِ هذا المرض وعلاجه, والدواء هنا سبب, والمرض قدَر, وبهذا يكون السبب جزء من القدر

    انّ من يعتقد بأنّ الانسان مسيّر في كلّ شيءٍ فهو باعتقاده هذا يُعطلُ القرآن والسنة, لأنه باعتقاده الخاطىء هذا يعني أنه لم يَعدْ لنا حاجة بهما, وبذلك نكونُ قد أبطلنا الأحكام الشرعية, وعطلنا أحكام الله عزوجل, فلا يُجلدُ شارب خمر ولا يُجلد زانٍ ولا يُرجم, ولا يُقتلُ القاتل قصاصا, ولا تُقطع يدُ السارق, لاعتقاده بأنّ ما فعله الانسان مكتوب له في الأزل أن يفعله , ولو أننا اعتمدنا هذا المفهوم الخاطىء على هذا الأساس اذن لم نبلغ السلطات عند حدوث أيّ جريمة أو اعتداء طالما نعتقد أنّ هذه الأمور ومنذ الأزل مكتوبة علينا أن نفعلها , وما دمنا نعتقد هذا الاعتقاد, اذن لم نُبلغُ عنها؟ أليس مكتوب علينا من أزل أنه سيُعتدى على حرمات بيوتنا أو سرقتها أو حتى القتل؟ لا تعتقد يا أخي اعتقادا كهذا , فاعتقادك بهذا يعني ضياع الدين, فباعتقادك هذا وكأنك تقول أنّ انزال الكتب عبث, وارسال الرسل عبث, وهذا الكلام لا يقبله أحد عاقل مطلقا, بل لأنّ الله سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما سيكون فانه يحدث لك ما يكون, وكما قال العلماء رحمهم الله بأنّ: الايمان بالقدر لا يُقبل الا مجملا... بمعنى أنه لا يجوز لنا أن نبحث وراء الايمان , ولا يجوز لنا أن ننقب عن ثغرة من ثغراته, لماذا؟ لأنّ حكمة الله عزوجل اقتضت ألا نبحث في شيء لا يستطع أي انسان أن يصل اليه, بل انّ علم الانسان وادراكه محدود جدا بالقدر الذي حدده الله عزوجل له, وأيضا ما نراه وما يحصل معنا يبقى محصورٌ في علم الله عزوجل وحده, والقَدَر أمر ثابت وهو من أصول الإيمان، والنبي صلى الله عليه وسلم عندما سأله جبريل عليه الصلاة والسلام عن الإيمان قال عليه الصلاة والسلام له : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره

    فالإيمان بالقدر أصل ثابت من أصول الإيمان، والله عزوجل قدّرَ أشياءً وكتبها سبحانه وتعالى علينا قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة، فخلق العبد وقدّر له رزقه وأجله وشقاوته وسعادته، وهذا أمرٌ معلومٌ لا خلاف فيه ولا جدال عليه باجماع اهل السنة والجماعة, ومَنْ خالفهُ فهو كافرٌ بنص القرآن والسنة.

    واياك أن تقول أنا لست مقتنعا بهذا الكلام, لأنك لو فعلت ذلك لكفرت, لأنّ عدم اقتناعك به يُعتبَرُ كفرٌ بالقدَر, بل علينا جميعا أن نستسلمَ للقدَر لأنه من أمرُ الله عزوجل

    وعلينا أن نؤمن ونستوعب بأنّ قضية القضاء والقدر لا تدخل تحت فَهم الانسان ولا تحت ادراكه ابدا, خاصةً وأنّ هناك أحداث جارية على مدار اليوم والساعة وتحوط بنا ونحن لا نفهم كنهها, هذه الأحداث متصلة بحلقات لا نجد لها تفسيرا لأنها محوطةٌ بعلم الله وحده, فلا يعلمها الا الله عزوجل, واذا كنا نعتقد وهذا واجب علينا اعتقاده بانّ الله عزيز حكيم, اذن علينا ألا نعترض لا على حكم الله ولا على قضاءه وقدره, لأننا لا نعلم الا ما علمنا الله اياه, وعلى هذا فمهما بلغنا من العلم يبقى علمنا محدودٌ جدا, وعلى هذا فلا يجوز لنا أن نسأل عن أشياء تفوق مداركنا المحودة ولا ننقب عنها حتى لا يشملنا قوله تعالى

    قل هلْ نُنّبِئُكُمْ بالأخسرينَ اعمالاً* الذينَ ضلَّ سَعْيُهُمْ في الحياةِ الدنيا وهم يحسبونَ أنهُمْ يثحسنونَ صُنعاً


    والآن نعود الى قوله تعالى في صدر سورة الانسان : إنا هديناهُ السبيلَ اما شاكراً واما كفوراً أي : انا بيّنا له الطريق ووضحناه له وبصرناه به, وعليه ان يختار اما الايمان واما الكفر تماما كقوله تعالى في سورة الكهف: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، وكقوله تعالى في سورة فصلت 17: وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ، وكقوله تعالى في سورة البلد : وهديناه النجدين ، أي : بينا له طريق الخير وطريق الشر وعليه أن يختار واحد منهما
    وأما عن قوله تعالى : إما شاكرا وإما كفورا :أي إما شقيا وإما سعيدا ، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم ، عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل الناس يغدو ، فبائع نفسه فمُوبِقُها أو مُعتِقُها . وكقوله تعالى في سورة الروم 30 : فِطْرَتُ اللهِ التي فطَرَ الناسَ عليها , وكما في رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه ، فإذا أعرب عنه لسانه ، فإما شاكرا وإما كفورا

    وروى الإمام أحمد رحمه الله عن أبي هريرة* رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من خارج يخرج إلا ببابه رايتان : راية بيد ملك ، وراية بيد شيطان ، فإنْ خرجَ لما يُحبُّ اللهَ اتبَعهُ الملَكُ برايته ، فلم يَزلْ تحت راية الملَكِ حتى يَرجِعَ إلى بيته . وإنْ خرجَ لما يُسخطُ اللهَ اتبعهُ الشيطانُ برايتهِ، فلم يزلْ تحت رايةِ الشيطان ، حتى يرجِعَ إلى بيته

    وروى الإمام أحمد رحمه الله أيضا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة رضي الله عنه: أعاذك الله من إمارة السفهاء . قال : وما إمارة السفهاء يا رسول الله ؟ قال عليه الصلاة والسلام: أمراء يكونون من بعدي ، لا يهتدون بهداي ، ولا يستنون بسنتي ، فمن صدّقهُمْ بكذِبِهمْ وأعانَهمْ على ظُلمهمْ ، فأولئك ليسوا مني ولستُ منهم ، ولا يرِدونَ على حوضي . ومَنْ لم يُصدقُهُمْ بكذبهم ولم يُعنهمْ على ظلمهم ، فأولئك مني وأنا منهم ، وسيرِدونَ على حوضي . يا كعب بن عجرة ، الصوم جُنَّةٌ ، والصدقة تُطفئُ الخطيئةَ ، والصلاةُ قُربانٌ - أو قال : برهانٌ - يا كعبُ بن عجرة ، إنه لا يدخل الجنة لحمٌ نبَت مِنْ سُحتٍ ، النار أولى به . يا كعب ، الناس غاديان فمبتاع نفسه فمعتقها ، وبائع نفسه فموبقها

    والآن تعالوا بنا نستعرض بعض آراء العلماء في قضية هل الانسان مسير أم مخير يقول فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في هذه القضية

    الإنسان له وصفان مسيَّر ومخيَّر، مسيَّر ليس له خروج عن قدر الله عزَّ وجلَّ، فالله سبحانه وتعالى قدَّر مقادير الخلق قبل أن يخلقهم بخمسين ألف سنة كما جاء في الحديث الشريف، والقَدَر أمر ثابت وهو من أصول الإيمان، فإن النبي عليه الصلاة والسلام لما سأله جبرائيل عن الإيمان قال في جوابه: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره.


    فالإيمان بالقدر من أصول الإيمان، فالله قدر أشياء وكتبها سبحانه قبل أن يخلق الناس، خلق العبد وقدر رزقه وأجله وشقاوته وسعادته، هذا أمر معلوم وقد أجمع عليه أهل السنة والجماعة، فهو مسير من هذه الحيثية، من جهة أنه لا يخرج عن قدر الله.

    ولكنه ميسر لما خلق له، فإن الصحابة رضي الله عنهم لما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما من الناس أحد إلا وقد وجد مقعده من الجنة ومقعدة من النار، فقالوا: يا رسول الله، فلِمَ نعملُ؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له , فأما أهل السعادة فيُسِّروا لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فَيُسِّروا لعمل أهل الشقاوة، ثم تلا قول الله سبحانه وتعالى: فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى

    بيَّن عليه الصلاة والسلام أن جميع الأمور مقدرة، وأن أعمال العبد وشقاوته وسعادته وسائر شئونه قد مضى به علم الله، وكتبه الله سبحانه وتعالى، فليس للعباد خروج عما كُتب في اللوح المحفوظ، وعما قدره الله عليهم سبحانه وتعالى، وهو من هذه الحيثية مسير ومُيَسَّر أيضاً.

    أما من جهة التخيير فالله جل وعلا أعطاه عقلاً وسمعاً وبصراً وأدوات فهو بها يعرف ما يضره وما ينفعه وما يناسبه وما لا يناسبه، فإذا أتى الطاعة فقد أتاها عن اختيار وإذا أتى المعصية فقد أتاها عن اختيار ، فليس بمجبور ولا مكره بل له عقل ينظر به يميز بين الضار والنافع يبصر به، وله أدوات يأخذ بها ويعطي، ورجل يمشي عليها إلى غير ذلك، فهو بهذا مخير....

    فهو المصلي، وهو الصائم، وهو الزاني، وهو السارق، وهو الذاكر والغافل، كل هذا من أعماله، فأعماله تنسب إليه وله اختيار وله إرادة، كما قال عزَّ وجلَّ في سورة التكوير: لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ* وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وقال تعالى في سورة المدثر 55- 56: فَمَن شَاء ذَكَرَهُ* وَمَا يَذْكُرُونَ إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ، وقال تعالى الانفال 67: تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ, وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وقال تعالى: إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ، وقال تعالى الانفال 67: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، وقال تعالى: إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ، فنسب فعلهم إليهم، وقال تعالى في سورة الاحزاب 35: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات ِ وَالْمُؤْمِنِين َ وَالْمُؤْمِنَات ِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّق ِينَ وَالْمُتَصَدِّق َاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا.

    فأعمالهم تنسب إليهم خيرها وشرها، فالعبد هو الصائم، وهو الذاكر، وهو الغافل وهو العامل، وهو المصلي إلى غير ذلك، فيؤجر على طيب عمله الذي أراد به وجه الله، ويأثم على ما فعله من الشر؛ لأنه مختار عامل لهذا الشيء.

    فإذا فعل ما شرع الله عن إخلاص ومحبة لله آجره الله؛ من صلاة وصوم وصدقة وحج وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وغير ذلك، وإذا فعل ما نهى الله عنه من السرقة والزنا وقطيعة الرحم والعقوق شهادة الزور وما أشبه ذلك أخذ بذلك، وأثم في ذلك واستحق العقاب؛ لأن هذا من فعله واختياره، ولا يمنع ذلك كونه قد قُدِّر وسبق به علم الله.

    فقد سبق علم الله بكل شيء سبحانه وتعالى، ولكن العبد يختار يريد وله مشيئة، فإذا شاء المعصية وأرادها وفعلها أُخِذ بها، وإذا شاء الطاعة وأرادها وفعلها أُجرِ عليها.

    فهو مخير ومسير، وتعبير السنة(ميُسَّر)، وهكذا تعبير الكتاب، قال تعالى: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، والتعبير بمُيسَّر أولى من مسير كما جاءت به السنة، ويُقال: مسير كما قال الله تعالى يونس 22: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، فهو سبحانه الذي أعطاه العقل والقدرة على الفعل والعمل، فهو من جهة مسير وميسر ولم يخرج عن قدر الله، ومن جهة أخرى هو مخير وله مشيئة وله اختيار، وكل هذا واقع، وبهذا قامت عليه الحجة، وانقطعت المعذرة، واستحق الثواب والعقاب على أفعاله الطيبة والخبيثة، فالطيبة؛ له ثوابها، والخبيثة عليه وزرها، وبهذا يتضح معنى المُسَيَّر والمُيسَّر ومعنى المخير.

    ويقول الشيخ ابن عيثيمين رحمه الله : القول الفصل في هذه المسألة أن الإنسان مخير وأن له اختياراً كما يريد كما قال الله تعالى من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوفِ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون وكقوله عز وجل في سورة التكوير: لمن شاء منكم أن يستقيم.. وهذا أمرٌ معلوم بالضرورة فأنت الآن عندما قدمت لنا هذا الكتاب هل قدمته على وجه الإكراه وأنك تشعر بأن أحداً أكرهك على تقديمه أم أنك قدمته على سبيل الاختيار فأخذت الورقة وكتبت وأرسلت الخطاب أو أرسلت الكتاب لا شك في أن هذا هو الواقع ولكننا نقول كل ما نقوم به من الأفعال فإنه مكتوبٌ عند الله عز وجل معلومٌ عنده, أما بالنسبة لنا فإننا لا نعلم ما كتب عند الله إلا بعد أن يقع ولكننا مأمورون بأن نسعى إلى فعل الخير وأن نهرب عن فعل الشر, وليس في هذا إشكالٌ أبداً, نجد الطلبة يتجهون إلى الكلية مثلاً أو إلى الجامعة فمنهم من يختار كلية الشريعة ومنهم من يختار كليه أصول الدين ومنهم من يختار كلية السنة ومنهم من يختار كلية اللغة ومنهم من يختار كلية الطب , المهم أن كلاً منهم يختار شيئاً ولا نرى أن أحداً يُكرهه على هذا الاختيار كيف نقول مسير ومخير؟ , ولو كان الإنسان مجبراً على عمله لفاتت الحكمة من الشرائع, ولكان تعذيب الإنسان على معصيته ظلماً, والله عز وجل منزهٌ عن الظلم بلا شك, فالإنسان يفعل باختياره بلا شك , لكن إذا فعل فإنه يجب عليه أن يؤمن بأن هذا الشيء مُقدّر عليه من قبل , لكنه لم يعلم بأنه مُقدر إلا بعد وقوعه, ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار.. قالوا يا رسول الله أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ قال: اعملوا فكلٌ مسيرٌ لما خلق له أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ قوله تعالى : فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى.. فالصواب مع أخيك أن الإنسان مسيرٌ ومخير, ومعنى مخير أن له الاختيار فيما يفعل ويذر ويترك, لكن هذا الذي اختاره أمرٌ مكتوبٌ عند الله عزوجل, وهو لا يعلم ما كتبه الله عليه إلا بعد أن يقع , فيعرف أن هذا مكتوب, وإذا ترك الشيء عليه أن يؤمن أنه ليس بمكتوب عليه ولأجل هذا تركه..

    وتقول الأخت الداعية الفاضلة الدكتورة حنان الادريسي من المغرب

    ان الإيمان فطرة في الإنسان، لقوله تعالى فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.. يعني أن الإنسان يخلق على الفطرة السليمة وأن الخير أصيل في الإنسان أما الشر فهو عارض، ولكن المجتمع هو الذي يفسده والبيئة التي يعيش فيها هذا الإنسان هي التي تلوث فطرته وتفسد خلقه ودينه ولاسيما الأبوين.

    وفي الحديث القدسي الجليل يقول المولى تبارك وتعالى :يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا... واقتضى عدله سبحانه أنه يهدي من قبل طريق الهداية ، فالله عز وجل دلنا على الطريق الموصل إلى الجنة وهو الصراط المستقيم (أركانه، أقواله، وأفعاله، وأعماله ..) وأيضا وضح لنا ما يوصل إلى النار وهذا كله مبين في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما على الإنسان إلا أن يفهم دينه ويتفقه فيه فيزداد إيمانا واتباعا لطريق الجنة، يأتي بعد ذلك دور الإنسان في طلب المعونة و الهداية.

    فهما سبب رئيسي من أسباب الاستقامة أو الاعوجاج، يعني أنه لو خلي بين هذا اختياره للإيمان سبحانه يهدي من قَبِلَ واختار بإرادته الالتزام بالطريق الموصل إلى الجنة، واستعان بالله صادقا طالبا توفيقه وهدايته إلى هذا الطريق: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ .. ولا يضل سبحانه إلا من يستحق الإضلال ممن رفض الالتزام بطريق الله وعاش حياته غير مهتم بطريق الله فكان ممن قال الحق فيهم : فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ.

    ان الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان كما بينه رسولنا الكريم في حديث جبريل عليه السلام المعروف أن تؤمن بالقدر خيره وشره، وكل ما يحدث للإنسان من قدر خير أو شر سبق في علمه سبحانه وتعالى، فالمؤمن يعرف أن ربه هو العليم وعلمه سابق لما كان ولما سيكون، وهو ما كتبه الله عز وجل في اللوح المحفوظ. وروى الامام مسلم في صحيحه عن عمران بن حصين قال: قيل يا رسول الله أَعُلِم أهل الجنة من أهل النار؟ قال: نعم. قيل: ففيما يعملون؟ قال: كل ميسر لما خلق له.

    ومعنى هذا أن تقدم علم الله وكتابته وتقديره الأشياء قبل خلقها لا ينافي وجود الأعمال التي بها تكون السعادة والشقاوة، وإن من كان من أهل السعادة فإنه يُيسر لعمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فإنه يُيسر لعمل أهل الشقاوة.

    فلا تناقض اذن بين الإيمان في علم الله السابق والإيمان بفاعلية الأسباب ومنها قدرة الإنسان ومسؤوليته، وما يدعم الأسباب حديث رواه ابن ماجه والترمذي انه قيل يا رسول الله : أرأيت أدوية نتداوى بها ورقى تسترقي بها وتقى نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال: هي من قدر الله .

    إذن فالأخذ بالأسباب واجب والذي يترك الصلاة فانه يتركها بإرادته دون إكراه أو إجبار , وكذلك كل الأعمال التي تبعد الإنسان عن ربه كهجر القرآن وعقوق الوالدين والإفساد في الأرض... وأسوق لكم مثالا – ولله المثل الأعلى- الأستاذ الذكي الخبير بأحوال طلابه أثناء امتحانه لهم يعرف مسبقا من منهم سينجح وهم فئة المجتهدين ومن منهم سيرسب وهم فئة الكسالى، وكونه يعرف ذلك اذن علم من اجتهادهم أو كسلهم.

    فلله المثل الأعلى فالله سبحانه تعالى خلق الخلق وهو العليم بأحوالهم: أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ... علم الله عز وجل سابق لأعمال العباد, وليس سائق لأعمال الإنسان.


    إذا كان سر خلق الإنسان هو قاعدة الابتلاء لنبلوكم أيكم أحسن عملا وإذا كانت الدنيا دار عمل وانقسم الناس بين مجد ومجتهد في طريق التزكية والتقوى وبين معرض غافل في طريق المعصية والشقاء، فلابد من دار للجزاء تمنح فيها العطايا والهدايا لمن اتبع وصدق بطريق الله تعالى ومن عدالته أيضا أن يلقى المعرضون الضالون جزاءهم في هذه الدار الآخرة.

    ولنتعلم حسن الظن بالله تعالى، فنحن نقدم أعمالا صالحة تثقل ميزاننا يوم العرض عليه، ونرجو أولا و أخيراً رحمته عز وجل. اللهم ارحمنا اللهم ارحم ضعفنا واجبر كسرنا وتولنا برحمتك يوم الوقوف بين يديك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    رحمنا الله وإياكم وسهل لنا طريق الجنة ووقانا من عذاب النار، ما أحوجنا أن نعرف ربنا كما يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه ، فهو سبحانه رحيم بعباده ورحمته أكبر من رحمة الأم بولدها. وحاشاه أن يعذب من لا يستحق العذاب، وهو سبحانه عز وجل عادل وغير ظالم لعباده .


    وعلى ضوء ما تقدّم بما يسّره الله لنا من علمه الذي لا ينضب ومن شرح على قدَرِ فهمنا المحدود جدا, ومما أفاد به الشيوخ الأفاضل رحمهم الله أحياء وأمواتا, نقول: إن كل ما يجري في هذا الكون كبيره وصغيره ودقيقه انما يجري بقضاء الله تعالى وقدره وبسبق علمه سبحانه وتعالى به في سابق أزله، تماما كما قال الله تعالى في سورة القمر 49: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ وكقوله تعالى في سورة : مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الطويل الذي نذكر منه ما يبيّن لنا ما نحن بصدده : إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات، بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد

    وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة
    وفي سنن أبي داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أول ما خلق القلم، فقال له اكتب، قال: وما أكتب يا رب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة.

    وفي حديث مسلم رحمه الله: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس.

    ويدخل في عموم شيء أفعال العباد، وهي تشمل حركاتهم وأفكارهم واختيارهم فكل ما يعمله الإنسان أو يحصل من خير أو شر فهو مقدر قبل مولده بمئات الالاف من السنين

    ومع ذلك فقد جعل الله تبارك وتعالى للعبد اختيارا ومشيئة وإرادة بها يختار طريق الخير أو الشر، وبها يفعل ما يريد، وعلى أساسها يُحاسب على أفعاله التي اختارها لنفسه لأنها أفعاله حقيقة، ولذلك فالاختيار مع وجود العقل وعدم الإكراه هو مناط التكليف إذا فُقِد ارتفع التكليف. ومن رحمة الله تعالى بعباده أنه إذا سُلب ما وهب أسقط ما أوجب.

    ومما يدل على خلق الله لأفعال العباد قوله تعالى في سورة الصافات 96: وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ وقوله تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وفي الحديث الذي رواه الحاكم والذهبي وصححه الألباني قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله خالق كل صانع وصنعته. .

    فقد أثبت في الآيتين أن لهم عملا ومشيئة وأسندهما إليهم وأثبت أنهما من خلق الله. وعلى هذه المشيئة والعمل الذي يفعله العبد باختياره يُحاسب العبد ويجازى ويسامح فيما فعله من دون قصد أو كان مضطرا إليه، وذلك أن الله خلق الإنسان وأعطاه إرادة ومشيئة وقدرة واستطاعة واختيارا، وجعل فيه قابلية الخير والشر. كقوله تعالى في سورة الشمس: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا .

    وكقوله تعالى في سورة المائدة 34 إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ.. وكقوله تعالى في سورة آل عمران 79: فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا

    وكقوله تعالى في سورة آل عمران 145: وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا

    وكقوله تعالى في سورة الانسان والمزمل: إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً : وروى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عنده.

    وقد كلف الله الإنسان وألزمه الأحكام باعتبار ما أعطاه من العقل والطاقات والإرادة، فإذا فقد هذه الأشياء فعجز أو أكره أو حبس لم يعد مكلفا.
    ولا يقال إن الإنسان مسير أو مخير بالإطلاق بل الحق أن الإنسان مخير ومسير، فهو ميسر لما خلق له، أما كونه مخيراً فلأن الله تعالى أعطاه عقلاً وسمعاً و إدراكاً وإرادةً فهو يعرف الخير من الشر والضار من النافع وما يلائمه وما لا يلائمه، فيختار لنفسه المناسب ويدع غيره، وبذلك تعلقت التكاليف الشرعية به من الأمر والنهي، واستحق العبد الثواب على الطاعة، والعقاب على المعصية. قال تعالى في صدر سورة الانسان إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا

    وأما كونه مسيراً فلأنه لا يخرج بشيء من أعماله كلها عن قدرة الله تعالى ومشيئته، قال عز من قائل في سورة التكوير : وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ

    وروى الترمذي وابو داوود عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال:

    إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب مقادير الخلق إلى يوم القيامة

    قال الامام النووي رحمه الله في شرح مسلم: وفي هذه الأحاديث النهي عن ترك العمل والاتكال على ما سبق به القدر، بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد الشرع بها، وكل ميسر لما خلق له لا يقدر على غيره.

    فما يفعله العبد من الأفعال يفعله بمحض اختياره وإرادته، وكل إنسان يعرف الفرق بين ما يقع منه باختيار وبين ما يقع منه باضطرار وإجبار، فالإنسان الذي ينزل من السطح على السلم نزولا اختياريا يعرف أنه مختار، على العكس من سقوطه هاويا من السطح إلى الأرض، فإنه يعلم أنه ليس مختارا لذلك، ويعرف الفرق بين الفعلين، فهو في الأول مختار، وفي الثاني غير مختار.

    وبناء على هذا، فإن الإنسان يعمل باختياره يأكل ما شاء، ويتزوج من شاء، ويعمل ما شاء، والله يراقب أعماله ويجازيه على اختياره ما دام عاقلا

    قال تعالى في سورة التوبة 105: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ

    وقال تعالى في سورة النحل 32: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

    وقال الشيخ الألباني رحمه الله: أدلة الوحي تفيد أن للإنسان كسبا وعملا وقدرة وإرادة، وبسبب تصرفه بتلك القدرة والإرادة يكون من أهل الجنة أو النار.

    هذا؛ ويجب التنبه ثم التنبيه للأخوة والأخوات الكرام البعد ما أمكن في الخوض عن أمر القدّر ما أمكن حتى لا نوقع أنفسنا في متاهات لا يعلمها الا الله عزوجل فيتحقق فينا قوله عليه الصلاة والسلام

    انّ احدكم ليقول الكلمة من سخط الله لا يأخذُ لها بالا فيهوي بها في جهنم سبعين خريفا

    وحتى لا يتحقق فينا قوله تعالى في آية من خواتيم سورة الكهف

    قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا

    نفعنا الله واياكم بالقرآن العظيم وبهديه عليه الصلاة والسلام وبمن اهتدى بهديه الى يوم الدين , وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

    ما أصبت به فمن الله عزوجل وحده, وما أخطأت فمن نفسي الخاطئة ومن الشيطان


    لا تنسونا من دعوة خفية بظهر القلب ولكم مثلها ان شاء الله تعالى

  2. #2

    افتراضي رد: الانسان بين التسيير والتخيير

    بالنسبة لمسألة هل الإنسان مسير أم مخير؟
    الراجح أنه مسير ومخير معا.
    وقد اختلف أهل القبلة في هذه المسألة على أقوال:
    1 - الإنسان مسير مطلقا: وهو قول الجبرية.
    2 - الإنسان مخير مطلقا: وهو قول القدرية المعتزلة.
    3 - الإنسان مختار ظاهرا مسير باطنا: وهو قول بعض الصوفية كما أشار إلى ذلك الألباني رحمه الله.
    4 - أقوال المنتسبين إلى أهل السنة:
    أ - هذه المسألة لا يتكلم فيها لأنها تكلف وتعمق: فلا يقال مسير ولا يقال مخير ولا يقال ليس بمسير ولا يقال ليس بمخير بل لا يتكلم فيها أصلا بنفي أو إثبات. وهو ما يفهم من قول عثمان ضميرية في مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية وقول عبد المنعم النمر وعمر عبد الكافي.
    ب - كلمة مجملة فلابد من الاستفصال في المعنى إثبات المعنى الصحيح ونفي المعنى الباطل مع إنكار اللفظ وعدم إطلاقه لا نفيا ولا إثباتا: وهو قول البراك والغنيما وخالد المصلح وإبراهيم الرحيلي.
    فكلمة (مخير) إن أراد بها أن له مشيئة واختيارا فنعم. وإن أراد أنه يتصرف بمحض مشيئته وإرادته خارجا عن مشيئة الله وقدرته فباطل.
    أما كلمة (مسير) فإن أراد أنه بجميع أموره يتحرك بمشيئة وتقدير الله فنعم. وإن أراد أنه لا اختيار ولا مشيئة له أي مجبور فباطل.
    ج - الإنسان ليس مسيرا ولا مخيرا إنما هو مجبول ومفطور وميسر لما خلق له.
    د - هو مسير ومخير معا: وقد اختلفوا في توجيه هذا الإطلاق على قولين هما من الخلاف اللفظي وليس من الخلاف الحقيقي:
    القول الأول: أنه ليس مخيرا بإطلاق ولا مسيرا بإطلاق فهو مسير ومخير معا باعتبارين: فهو مسير باعتبار أنه لا يحصل منه شيء خارج عن مشيئة الله وإرادته وعلمه وخلقه. وهو مخير باعتبار أن له مشيئة وإرادة واختيارا وأعماله كسب له يثاب على حسنها ويعاقب على سيئها: وهو قول المشايخ: عبد الله بن حميد واللجنة الدائمة وابن باز والفوزان وعبد المحسن العباد والراجحي ومحمد بن إبراهيم الحمد والطيار والسعيدان والشبكة الإسلامية ووائل الريفي وحسن أبو الأشبال.
    والقول الثاني: أنه مسير ومخير معا بمعنى أنه مسير في بعض الأشياء ومخير في البعض الآخر:
    - فهو مسير في كل ما لا اختيار له فيه كموته ولونه وطوله ونوعه وكل ما خلقك الله عليه أي مسير في الأمرو اللاإرادية الكونية كرزقه ومتى موته وحياته اللاإرادية في حركة قلبه ودمه والأقدار الأربعة التي تكتب عند ولادته وكل ما لا يترتب عليه ثواب أو عقاب مثل طوله وقصره ومثل سقوطه من مرتفع ومثل كونه ذكر أو أنثى والبلد الذي ولد فيه وكونه ابن فلان وفلانة أو كونه جنيلا أو قبيحا وما يصيبه من حادث وما يصيبه من أمراض ونبض القلب وانجذابه إلى الأرض والذكاء والبلادة والكوارث العامة من الزلازل والبراكين والعواصف والسيول. وقال الفوزان: العاجز والمجنون والمعتوه وفاقد العقل والمكره والناسي لا إرادة له ولا اختيار.
    - وهو مخير فيما يترتب عليه الثواب والعقاب وما يمدح فيه ويذم وكل الأفعال الاختيارية مما يفعل أو يترك مثل اختياره لزوجته وعمله وطلبه وكفه ومنعه وصعود السلم لكنه ليس مستقلا بالتخيير بل هو مربوط بخلق الله ومشيئته وإرادته.
    وممن قال بهذا القول المشايخ: الألباني ويفهم من الفتوى الثانية للجنة الدائمة رقم 4657 والعثيمين والفوزان والجبرين وناصر العقل وصامل السلمي ومشهور وجميل زينو وعبد الله السعد والطحان ومحمد حسن عبد الغفار وعبد الرحمن السحيم وموقع الإسلام سؤال وجواب (أتى بفتوى العثيمين) وعطية صقر وأحمد عبد اللطيف في استشارات الإسلام أتى بفتوى ابن باز واللجنة الدائمة الطويلة رقم 4657.
    وقال خالد المصلح في الفتوى الثانية: هو مسير في بعض ما قدر لكن هذا لا يلغي اختياره ولفظ ميسر أفضل من مسير. وهو قول حنان الإدريسي ويفهم من القول الآخر للجنة وبعض كلام العباد وفي نفس الفتوى للفوزان وبعض كلام الشبكة في فتوى لها. وهو قول المنتصر الكتاني وسعيد بن مسفر.

    وفي الحقيقة القولان الأخيران لا يتعارضان: فمن قال (هو مسير وخير معا باعتبارين) يقصد ما له فيه إرادة ومشيئة واختيار أما ما لا مشيئة له فيه ولا إرادة ولا اختيار كلونه وطوله وقصره وحركة المرتعش فهو (مسير) فيه عندهم بلا ريب ولا شك.
    وكذلك القول الثاني فإنه يقول: إنه مسير فيما لا اختيار له فيه وهو مخير فيما له فيه اختيار لكنه في نفس الوقت يقول اختيار العبد هو ليس مستقلا عن إرادة الله ومشيئته وخلقه إذن هو مسير أيضا فيما هو مخير فيه باعتبار أن خاضع إرادة الله ومشيئته وخلقه لكن بعضهم قد لا يسمي هذا تسييرا وإن كان هو تسيير في حقيقة الأمر فهو خلاف في اللفظ لا في الحقيقة.
    ولذلك تجد اللجنة الدائمة والفوزان وعبد المحسن العباد والفوزان والشبكة وحنان الإدريسي غيرهم لهم كلام ينص فيه على القولين أو يفهم منه القولان.

    وهذان القولان هما الراجح لقوله تعالى: (هو الذي يسيركم في البحر) فالإنسان (مسير) من الله تعالى كما أن الإنسان صاحب مشيئة وإرادة كما في النصوص ومن كان كذلك فهو مختار ومخير فهذا القول هو الراجح وهو أولى ممن قال: (هي كلمة مجملة لا تطلق بنفي ولا إثبات).
    وهو قول جمهور المحققين من المعاصرين.
    والنادر هو من قال: (إنها مجملة لا تطلق بنفي ولا إثبات).
    أما القول بأنه (مسير فقط) أو (مخير فقط) أو (مخير ظاهرا مسير باطنا) فهي أقوال باطلة تخالف أقوال أهل السنة والجماعة.
    أما القول بأنه (لا مسير ولا مخير) فهو أضعف من القول بالإجمال وعدم الإطلاق بنفي أو إثبات.

    وفيما يلي نقول عما سبق:
    دروس للشيخ الألباني (36/ 3، بترقيم الشاملة آليا)
    مسألة أفعال العباد
    وعندنا مسألة: (خلق الله عز وجل) وأنا مضطر إلى الإيجاز؛ لنستطيع الإجابة عن هذه الأسئلة، لا سيما ومثل هذا البحث كنا قد طرقناه مراراً طرقاً تفصيلياً، إنما نلفت نظر السائل والحاضرين إلى أن خلق الله عز وجل له صورتان: خلق مباشر لا دخل للإنسان فيه، فهذا الإنسان فيه مسير.
    وله أمثلة واضحة جداً: نحن في مجلس يجمع كثيراً من الناس، فهذا طويل، وهذا قصير، وهذا أسمر، وهذا أصفر، وهذا أشقر، وهذا أبيض.
    إلخ، هذا خلق الله ليس لأحد منا فيه إرادة مطلقاً، ولكن نرى بعض الناس ساتر الرأس، وآخرين حسراً، وأناساً حليقين، وأناساً بلحية أهكذا الله خلقنا؟ لا.
    هذا كله من صنعنا نحن، لكن بمشيئة الله عز وجل: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:29] ومثال أدق من هذا الواقع: نحن كذرية لآدم عليه السلام، كل منا له والدان، فنحن مِنْ خلق الله، لو لم يتصل أبي وأمي ما كنت أنا، لو لم يتصل أبوك وأمك ما كنت أنت وأنت إلخ، نحن خلق الله، لكن بالواسطة.
    ما هي الواسطة؟ كلفنا الله سبحانه أن نحصن أنفسنا وأن نحصن نساءنا، وأن نتمتع بحلالنا، فيأتي من وراء ذلك إذا شاء الله الذرية، فالخلق كله خلق الله، لكن شيء منه يخلقه الله دون تكليف للبشر، وشيء منه هو بتكليف من الله للبشر.
    فهذا النوع الثاني من خلق الله يجب أن ندندن فيه ليرسخ في الذهن كل شيء هو من خلق الله، ليس كما تقول المعتزلة أبداً، وكل شيء بمشيئة الله، لكن المهم أن تعرفوا التفصيل، فشيء من خلق الله بواسطتنا نحن أمرنا، كلَّفنا، تعبَّدنا، وشيء بمحض إرادتنا واختيارنا، فهذا خلق لكن بكسبنا وإرادتنا.
    بعد هذه التوطئة المختصرة الوجيزة، فهل الإنسان مسير أم مخير؟

    الجواب
    أولاً: الإنسان في قسم مما يتعلق به مسير، أي: لا كسب ولا إرادة، والأمثلة كثيرة وقد ذكرناكم ببعضها.
    ثانياً: ليس مسيراً -بمعنى: مجبوراً؟ لا.
    بل مختار، والآن أنا أتكلم وأنتم تصغون، ترى نحن مسيرون في هذا وهذا، أم مختارون؟ مختارون جميعاً، ما جئتم إلى هنا ولا جئت أنا هنا إلا بمحض اختياري، ولا أتكلم إلا بمحض اختياري، والآن إن شئتم سأصمت، والله لم يفرض عليَّ الكلام، سأصمت، وإن شئتم أطول عليكم الصمت لكن لن يناسبنا الآن.
    أقول: هذا الكلام هو خلق الله، لكن باختياري، فالإنسان في بعض الأمور مسير، وفي أمور أخرى مخير، وأي إنسان يقول: إن الإنسان مسير دائماً، فأرجو أن تصفعه في وجهه، فإذا قال لك: لِمَ؟ تقول له: أنا مجبور مسير، لست بمخير.
    والفلسفة التي دخلت في الاعتزال والمعتزلة هي التي أفسدت فِكر المسلمين التي توافق تماماً ما جاء في كتاب الله، وما جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الله: {وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} [التوبة:105] هل يقال لمن كان مجبراً مسيراً، يقال له: اعمل، اركع، اسجد، توضأ؟ هذا الكلام مستحيل، لو كان لك عبد فغللته بالأغلال وقلت له: اذهب إلى السوق واشتر هذه الحاجة لكنت أنت من أظلم الناس، فكيف يتصور هؤلاء القائلون بالجبر أن الله عز وجل خلق الإنسان وأجبره على طريق الخير أو الشر؛ فهو مجبور مسير دائماً، كيف يقال هذا في الله، هو أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين، ونحن لا نرضى أن نصف أنفسنا بما يصف هؤلاء ربهم ظلماً وبغيا، وهذا أمر مكتوب وواضح جداً.

    تفريغ «أشرطة متفرقة» للشيخ الألباني (51/ 1)
    المثال الأول: الإنسان من حيث هو مكلّف هل هو مسيّر أم مخيّر؟ تسمع كثير من الناس يقولون: إنسان ما في يده شيء، الإنسان مسيّر ما هو مخيّر، ومعنى كونه مسيّر مجبور، معنى كونه مخيّر يعني له إرادة بها يتصرف.
    فهؤلاء مذهبان مش عاميين، مذهبان من المذاهب التي أشرنا إلى بعض الفرق السابقة؛ فالمعتزلة مثلًا يقولون: بأن الإنسان مخيرٌ اختيارًا مطلقًا. إلى هنا الكلام صحيح، لكن تمام الكلام من أبطل الباطل. هو مخيرًا تخييرًا تامًا بحيث أنه يفعل ما لا يشاء الله. أي: إنه كأنه يخلق أفعاله وأعماله بنفسه دون إرادة الله عز وجل ومشيئته.
    المعتزلة خلطوا بين حقٍ وباطل، الحق هو أن الإنسان مختار، والباطل أنهم نفوا إرادة الله عز وجل لأفعال الإنسان الاختيارية، وهذا يخالف النص القرآني الكريم الصريح ((وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين)). يقابل هذا المذهب مذهب الجبرية، الجبرية الذين يقولون: الإنسان مسيّر وليس مخيّر، ليس بيده شيء، وحدثت نغمة حديثة مقيتة بغيضة صوفية بزعم التوفيق بين الرأيين فقالوا ماذا؟ قالوا: هو مختارٌ ظاهرًا مجبورٌ باطنًا. حتى قال بعضهم: إن الله عز وجل لمّا قال لآدم وحواء ((ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين)) قال لهما هذا في الظاهر لكن في الباطن أمرهما بأن يأكلا لأنه هكذا قضاء الله وقدره.
    لا أريد أن أدخل في تفاصيل، لكن حسبي أن أقول: أن هذين مذهبين: مذهب الجبرية ومذهب المعتزلة، وكلاهما على طرفي نقيض، والمذهب الحق أن الإنسان مختارٌ في كثيرٍ من الأعمال، مختار اختيارًا مطلقًا في كثير من الأعمال وليس له إرادة ولا اختيار في بعض هذه الأعمال، فأينما وجد الاختيار وجد التكليف، وحيثما انتفى الاختيار انتفى التكليف، لأن الجبر والتكليف نقيضيان لا يجتمعان؛ لكن هما مذهبان جاءا في الفِرق الإسلامية المعتزلة والجبرية. هناك المذهب الحق كما قلنا: أن الإنسان له إرادة وله اختيار، ولكن بقيد أن هذا الاختيار هو بمشيئة الله وليس رغمًا عن الله عز وجل كما يُفهم من كلام المعتزلة

    تفريغ «أشرطة متفرقة» للشيخ الألباني (162/ 3)
    «الكلام على مسألة هل الإنسان مسير أم مخير؟»
    الشيخ: بعد هذه التوطئة المختصرة الوجيزة هل الإنسان مسيّر أم مخيّر الجواب في قسم مما يتعلق به مسير يعني لا كسب له فيه و لا إرادة والأمثلة كثيرة و قد ذكّرناكم ببعضها , قسم آخر ليس مسيرا بمعنى مختار الآن أنا أتكلّم و أنتم تصغون ترى نحن مسيرون في هذا و هذا أم مختارون؟ مختارون جميعا ما جئتم إلى هنا و ما جئت أنا هنا إلا بمحض اختياري و لا أتكلم إلا بمحض اختياري و الآن يمكن نعمل تجربة سأصمت الله ما يفرض علي الكلام , أصمت إن شئت أطوّل عليكم الصّمت بنطوّل لكن لا يناسبنا فالآن أقول هذا الكلام هو خلق الله لكن باختياري و كسبي فالإنسان في بعض الأمور مسير في أمور أخرى مخيّر و أي إنسان يقول أنه مسير على طول ... بأن تصفعه في وجهه فإذا قال لك لم؟ قل أنا مجبور أنا مسيّر ماني خيار و الفلسفة التي دخلت في الإعتزال هي التي أفسدت فطر المسلمين التي توافق تماما ما جاء في كتاب الله و ما جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ((و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون)) هل يقال لمن كان مسيرا أي من كان مجبورا يقال له اعمل؟! اركع , اسجد توضّأ هذا الكلام مستحيل لو قال لك عبد فغللته بالأغلال و قلت له اذهب إلى السوق و سُم لي حاجة لكنت أنت أظلم الناس فكيف يتصور هؤلاء القائلون بالجبر أن الله عز و جل خلق الإنسان و أجبره على طريق الخير أو الشر فهو مجبور , كيف يقال هذا في الله الذي هو أحكم الحاكمين و أعدل العادلين و نحن لا نرضى أن نصف أنفسنا بما يصف به هؤلاء ربهم ظلما و بغيا هذا مكتوب وواضح جدّا ولذلك لقد بالغ في الكفر و في الضلال ذاك الشاعر الذي وصف ربه بقوله ممثلا لعلاقة العبد مع ربه قال:
    " ألقاه في اليم مكتوفا و قال له *** إياك إياك أن تبتل بالماء " أجبر الجبارين و أظلم الظالمين لو فعل هذا لكان فوق ظلمه و فوق جبروته فكيف ينسب هذا إلى الله تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

    فتاوى اللجنة الدائمة - 1 (3/ 516)
    هل الإنسان مسير أم مخير
    السؤال الثالث من الفتوى رقم (4513):
    س3 فهمني بإيجاز عن التسيير والتخيير؟
    ج3 الإنسان مخير ومسير، أما كونه مخيرا فلأن الله سبحانه أعطاه عقلا وسمعا وبصرا وإرادة فهو يعرف بذلك الخير من الشر، والنافع من الضار ويختار ما يناسبه، وبذلك تعلقت به التكاليف من
    الأمر والنهي، واستحق الثواب على طاعة الله ورسوله، والعقاب على معصية الله ورسوله، وأما كونه مسيرا فلأنه لا يخرج بأفعاله وأقواله عن قدر الله ومشيئته، كما قال سبحانه {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (1) وقال سبحانه: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} (2) {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (3) وقال سبحانه: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (4) الآية وفي الباب آيات كثيرة وأحاديث صحيحة كلها تدل على ما ذكرنا لمن تأمل الكتاب والسنة.
    وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
    اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
    عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
    عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
    __________
    (1) سورة الحديد الآية 22
    (2) سورة التكوير الآية 28
    (3) سورة التكوير الآية 29
    (4) سورة يونس الآية 22

    فتوى رقم (4657):
    س مضمونه أن نقاشا دار بين جماعتين في أن الإنسان مسير أو مخير ويطلب الإفادة على الصواب في ذلك على ضوء الكتاب والسنة؟
    ج: أولا: ثبت أن الله تعالى وسع كل شيء رحمة وعلما، وكتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة، وعمت مشيئته وقدرته كل شيء، .............................. ...............
    .............................. ......... وثبت عقلا وشرعا الفرق بين حركة الصاعد على سلم مثلا والساقط من سطح مثلا، فيؤمر الأول بالمضي إلى الخير وينهى عن المضي إلى الشر والاعتداء، بخلاف الثاني فلا يليق في شرع ولا عقل أن يوجه إليه أمر أو نهي، وثبت الفرق أيضا بين حركة المرتعش لمرضه وحركة من ليس به مرض، فلا يليق شرعا ولا عقلا أن يوجه إلى الأول أمر ولا نهي فيما يتعلق في الرعشة، لكونه ملجأ مضطرا إليها، بل يرثى لحاله ويسعى في علاجه، بخلاف الثاني فقد يحمد كما في حركات العبادات الشرعية، وقد ينهى كما في حركات العبادة غير الشرعية وحركات الظلم والاعتداء، فتكليف الله عباده ما يطيقون فقط وتفريقه في التشريع والجزاء بين من ذكروا وأمثالهم دليل على ثبوت الاختيار والقدرة والاستطاعة لمن كلفهم دون من لم يكلفهم.
    ...............
    ................
    اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
    عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
    عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز

    فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر (4/ 231)
    93 - بيان أن الإنسان مسير ومخير جميعا
    س: مستمع يسأل، ويقول: أرجو أن تتفضلوا بإجابتي عن السؤال التالي: هل الإنسان في هذه الحياة مسير أو مخير؟ مع اصطحاب جميع الأدلة؟ وجزاكم الله خيرا (1).
    ج: الإنسان مسير ومخير جميعا، له الوصفان فهو مخير؛ لأن الله أعطاه عقلا وأعطاه مشيئة، وأعطاه إرادة يتصرف بها، فيختار النافع ويدعو الله، يختار الخير ويدع الشر، يختار ما ينفعه، ويدع ما يضره، كما قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} (2) {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (3)، وقال عز وجل: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} (4). فالناس لهم إرادة ولهم مشيئة، ولهم أعمال، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (5)، {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (6) فلهم أعمال
    ولهم إرادات، ولهم مشيئة هم مخيرون فإذا فعلوا الخير، استحقوا الجزاء من الله فضلا منه سبحانه وتعالى، وإذا فعلوا الشر استحقوا العقاب، فهم إذا فعلوا الطاعات فعلوها باختيارهم، ولهم أجر عليها وإذا فعلوا المعاصي، فعلوها باختيارهم وعليهم وزرها وإثمها، والقدر ماض فيهم، هم أيضا مسيرون بقدر سابق، قال جل وعلا: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (1)، ........................
    فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر (4/ 238)
    س: هل الإنسان مسير أم مخير؟ (1)
    ج: هو مخير ومسير، هو مخير كما قال الله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (2)، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (3)، فهو مسير من جهة أن قدر الله نافذ فيه، وأن الله قد سبق فيه علمه، كل ما يفعله العباد قد قدر الأمور وقضاها وكتبها عنده، ولكن أعطى العبد عقلا وسمعا وبصرا واختيارا وفعلا، فهو يعمل ويكدح بمشيئته وإرادته، ولكنه بذلك لا يخرج عن مشيئة الله، ولا عن قدر الله السابق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة رضي الله عنهم
    فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر (4/ 244)
    س: هل الإنسان مسير أم مخير، في أعماله الصالحة وغير الصالحة، وجهونا في ضوء هذا السؤال؟ (1)
    ج: الإنسان مسير ومخير، مسير لا يخرج عن قدر الله، مهما فعل فهو تحت قدر الله، ومخير لأن له عقلا وفعلا واختيارا، أعطاه الله عقلا وأعطاه الله فعلا واختيارا، فهو يفعل باختياره ويدع باختياره، ولهذا تعلقت به التكاليف، واستحق الجزاء على أعماله الطيبة بالجزاء الحسن والرديء بالجزاء السوء: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (2)، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} (3)، {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} (4)، ويقول جل وعلا: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} (5) {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} (6) {فَسَنُيَسِّرُه
    لليُسْرَى} (7) {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} (8) {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (9)، ويقول جل وعلا: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (10)، والنبي سئل لما قال لصحابته: «ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة، ومقعده من النار (11)»، وفي اللفظ الآخر: «قد كتب مقعده من الجنة، ومقعده من النار، قالوا: يا رسول الله، ففيم العمل؟ ما دامت مقاعدنا معلومة، ما دمنا مكتوبين ففيم العمل؟ قال:
    اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة، فييسرون لعمل السعادة، وأما أهل الشقاوة، فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قوله سبحانه: (7)»، وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (8) {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (9)، وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (10)، وقال تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} (11)، فدل على أن الأسباب يترتب عليها مسبباتها، فمن يتقي الله يسر الله أموره، ويفرج كرباته، ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن عصى الله وخالف أوامره، فقد تعرض لغضب الله وسخطه، وتعسير أموره، نسأل الله العافية.
    س: هناك قسم من الناس، يقولون: إن كل الأعمال التي يعملها الإنسان، هي من إرادة الله، رجاء أن توضحوا هذه المسألة، هل الإنسان مخير أو مسير؟ (12)
    مخير ومسير، مخير لأن الله أعطاه إرادة اختيارية، وأعطاه مشيئة يتصرف بها في أمور دينه ودنياه، فليس مجبرا ومقهورا، فله اختيار وله مشيئة، وله إرادة كما قال عز وجل: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} (1) {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (2)، وقال سبحانه: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} (3) {وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} (4)، وقال سبحانه: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (5)، وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} (6).
    فالعبد له اختيار، وله إرادة وله مشيئة لكن هذه الإرادة وهذه المشيئة لا تقع إلا بعد مشيئة الله سبحانه وتعالى، فهو جل وعلا المصرف لعباده والمدبر لشئونهم، فلا يستطيعون أن يشاءوا شيئا، أو يريدوا شيئا إلا بعد مشيئة الله لهم وإرادته الكونية القدرية سبحانه وتعالى، فما يقع في العباد وما يقع منهم، كله بمشيئة من الله سابقة وقدر سابق، فالأعمال والأرزاق والآجال والحروب، وانتزاع الملك وقيام الملك، وسقوط دولة وقيام دولة، كله بمشيئة الله سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (7) فالمقصود أنه جل وعلا له إرادة في
    عباده، وله مشيئة لا يتخطاها العباد، ويقال لها الإرادة الكونية، والمشيئة فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ومن هذا قوله سبحانه: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} (1)، وقال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (2)، فالعبد له اختيار، وله إرادة ولكن اختياره وإرادته تابعتان لمشيئة الله، وإرادته سبحانه وتعالى، فالطاعات بقدر الله، والعبد مشكور عليها مأجور، والمعاصي بقدر الله والعبد ملوم عليها، ومأزور والحجة قائمة، والحجة لله وحده سبحانه وتعالى: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} (3)، سبحانه وتعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (4)، فهو سبحانه لو شاء لهداهم جميعا، ولكن له الحكمة البالغة حيث جعلهم قسمين: كافرا ومسلما، وكل شيء بإرادته سبحانه وتعالى ومشيئته.
    مجموع فتاوى ابن باز (8/ 94)
    هل الإنسان مسير أم مخير؟
    س5: هل الإنسان مسير أو مخير؟
    ج5: الإنسان مسير وميسر ومخير، فهو مسير وميسر بحسب ما مضى من قدر الله، فإن الله قدر الأقدار وقضى ما يكون في العالم قبل أن يخلق السماء والأرض بخمسين ألف سنة، قدر كل شيء سبحانه وتعالى، وسبق علمه بكل شيء، كما قال عز وجل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (1)
    __________
    (1) سورة القمر الآية 49
    وقال سبحانه: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} (1) وقال عز وجل في كتابه العظيم: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (2)
    فالأمور كلها قد سبق بها علم الله وقضاؤه سبحانه وتعالى، وكل مسير وميسر لما خلق له، كما قال سبحانه: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (3) وقال سبحانه: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} (4) {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} (5) {فَسَنُيَسِّرُه لِلْيُسْرَى} (6) {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} (7) {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} (8) {فَسَنُيَسِّرُه لِلْعُسْرَى} (9)
    مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (2/ 90)
    (195) وسئل فضيلة الشيخ: هل الإنسان مخير أو مسير؟.
    فأجاب بقوله: على السائل أن يسأل نفسه: هل أجبره أحد على أن يسأل هذا السؤال، وهل هو يختار نوع السيارة التي يقتنيها؟ إلى أمثال ذلك
    من الأسئلة، وسيتبين له الجواب هل هو مسير أو مخير.
    ثم يسأل نفسه هل يصيبه الحادث باختياره؟
    هل يصيبه المرض باختياره؟
    هل يموت باختياره؟
    إلى أمثال ذلك من الأسئلة، وسيتبين له الجواب هل هو مسير أو مخير.
    والجواب: أن الأمور التي يفعلها الإنسان العاقل يفعلها باختياره بلا ريب، واسمع إلى قول الله - تعالى -: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا}، وإلى قوله: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ}، وإلى قوله: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا}، إلى قوله: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}، حيث خير الفادي فيما يفدي به.
    ولكن العبد إذا أراد شيئا وفعله علمنا أن الله - تعالى - قد أراده لقوله - تعالى -: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} فلكمال ربوبيته لا يقع شيء في السماوات والأرض إلا بمشيئته - تعالى -.
    وأما الأمور التي تقع على العبد، أو منه بغير اختياره، كالمرض، والموت، والحوادث فهي بمحض القدر، وليس للعبد اختيار فيها ولا إرادة. والله الموفق.
    مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (3/ 214)
    المبحث الخامس: هل الإنسان مسير أم مخير؟
    شاعت كلمة بين الناس في هذا الزمن المتأخر وهي قولة: هل الإنسان مسير أم مخير؟
    الأفعال التي يفعلها الإنسان يكون مخيرا، فالإنسان مخير، فبإمكانه أن يأكل، ويشرب، ولهذا بعض الناس إذا سمع أذان الفجر قام إلى الماء ليشرب، وذلك باختياره، وكذلك إذا جاء الإنسان النوم فإنه يذهب إلى فراشه لينام باختياره، وإذا سمع أذان المغرب، والتمر أمامه والماء، فإنه يأكل باختياره، وهكذا جميع الأفعال تجد أن الإنسان فيها مخير، ولولا ذلك لكان عقوبة العاصي ظلما، فكيف يعاقب الإنسان على شيء ليس فيه اختيار له، ولولا ذلك لكان ثواب المطيع عبثا، فكيف يثاب الإنسان على شيء لا اختيار له فيه؟! وهل هذا إلا من باب العبث؟
    إذن فالإنسان مخير، ولكن ما يقع من فعل منه فهو بتقدير الله؛ لأن هناك سلطة فوق سلطته ولكن الله لا يجبره، فله الخيار ويفعل باختياره.
    ولهذا إذا وقع الفعل من غير إرادة من الإنسان لا ينسب إليه، قال تعالى في أصحاب الكهف: {وَنُقَلِّبُهُم ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ}، فنسب الفعل نقلبهم إليه سبحانه؛ لأن هؤلاء نوم فلا اختيار لهم، وقال النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه». فنسب الإطعام والسقي إلى الله؛ لأن الناسي ما فعل الشيء باختياره فلم يختر أن يفسد صومه بالأكل والشرب.
    الحاصل أن هذه العبارة لم أرها في كتب المتقدمين من السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم، ولا في كلام الأئمة، ولا في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، أو ابن القيم أو غيرهم ممن يتكلمون، لكن حدثت هذه أخيرا، وبدءوا يطنطنون بها " هل الإنسان مسير أم مخير؟ " ونحن نعلم أننا نفعل الأشياء باختيارنا وإرادتنا، ولا نشعر أبدا أن أحدا يكرهنا عليها ويسوقنا إليها سوقا، بل نحن الذين نريد أن نفعل فتفعل، ونريد أن نترك فنترك.
    لكن كما أسلفنا أولا في مراتب القدر فإن فعلنا ناشئ عن إرادة جازمة وقدرة تامة، وهذان الوصفان في أنفسنا، وأنفسنا مخلوقة لله، وخالق الأصل خالق للفرع.
    فتاوى نور على الدرب للعثيمين (4/ 2، بترقيم الشاملة آليا)
    من الخرج من نعجان خالد العثمان يقول: هل الإنسان مسير أم مخير؟
    فأجاب رحمه الله تعالى: لو أردت أن أقول لهذا السائل: هل أنت مسير حين ألقيت هذا السؤال أو ألقيته باختيارك؟ في علمي أنه سيقول: ألقيته باختياري. إذاً فالإنسان يفعل ما يفعله باختياره لا شك: فالإنسان يذهب ويرجع، ويصلى ويتوضأ، ويصوم ويزكي ويحج، ويبيع ويشتري، ويتزوج ويزوج، وكل ذلك باختياره، لا أحد يجبره على ذلك، ولهذا تجده يختار أحد شيئين على الآخر: يختار مثلاً أن يدخل في كلية الشريعة دون أن يدخل في كلية الهندسة مثلاً والجامعة واحدة، من الذي أجبره على هذا؟ هل أحد أجبره؟ هو باختياره في الواقع، ولولا أن الإنسان يفعل باختياره لكانت عقوبته على الذنوب ظلماً والله سبحانه وتعالى منزه عن الظلم، وما أكثر الآيات التي يضيف فيها الله تعالى الأعمال إلى الإنسان: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ)، (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ). والآيات في هذا كثيرة، والعقل شاهد بهذا، ولا يمكن أن تستقيم قدم عاقل على القول بأن الإنسان مجبر أبداً؛ لأن هذا يكذبه الحس فضلاً عن الشرع. ولكن يبقى النظر: هل هذا الاختيار مستقل عن إرادة الله؟ والجواب: لا، إنك ما أردت شيئاً إلا علمنا بأن الله قد أراده من قبل؛ لقول الله تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ* وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ). فإذا أراد الإنسان أن يأكل فأكل علمنا أن الله تعالى قد أراد قبل إرادته أن يريد الأكل فيأكل، وإذا أراد الإنسان أن يبيع ويشتري واشترى وباع علمنا أن الله تعالى قد أراد ذلك، أي: أراد منه أن يريد ويبيع ويشتري، وهلم جرّاً فإرادة الله سابقة، وإرادة المخلوق هي اللاحقة المباشرة، ونحن لا نعلم أن الله قد أراد بنا شيئاً إلا حين يقع، ولهذا لا يكون في هذا القول الذي قلته الآن حجة على العاصي الذي يعصي الله ويقول: إن الله قد أراد ذلك. لأننا نقول له: ما الذي أعلمك أن الله أراد؟ أنت لا يمكن أن تعلم أن الله أراد إلا إذا فعلت، وفعلك واقع باختيارك لا شك، ولهذا لم نجد هذه الكلمة مسير أو مخير ما رأيتها في كلام السابقين الأولين أبداً لكنها قالها بعض المحدثين، فسارت بين الناس لأنها كلمة رنانة، وإلا فمن المعلوم أن الإنسان مخير: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، وكفر الإنسان باختياره وإيمانه باختياره، وليس المعنى بالاختيار يعني أنك إن شيءت فآمن وإن شيءت فاكفر، لا، المعنى: أن وقوع الكفر باختيارك ووقوع الإيمان باختيارك. وعلى هذا فنقول: الإنسان مخير، بمعنى: أنه يفعل الشيء باختياره، لكننا نعلم أنه إذا اختار شيئاً وفعله فهو بإرادة الله السابقة عليه. نعم هناك أشياء ليست باختيار الإنسان: لو سافر الإنسان مثلاً وأصابه حادث، هذا بغير اختياره، لو أن الإنسان عمل عملاً ناسياً هذا بغير اختياره، ولهذا لا يؤاخذ الله على النسيان ولا على الخطأ ولا على فعل النائم؛ لأنه غير مختار.
    ***

    علي السيد أحمد من الجزائر يقول: فضيلة الشيخ حصل بيني وبين صديق لي نقاش حول مسألة هل الإنسان مخير أم مسير، ولكن لم نصل إلى إجابة شافية. فأفيدونا بذلك مأجورين؟


    فأجاب رحمه الله تعالى: الإفادة في ذلك أن نقول للإنسان: ارجع إلى نفسك لا تسأل أحداً غيرك: هل أنت تفعل ما تفعله مكرهاً عليه أم تفعل ما تفعله باختيارك؟ هل إذا توضأت في بيتك وخرجت إلى الصلاة وصلىت مع الجماعة هل أنت مكره على هذا أو فعلته باختيارك؟ هل أنت إذا خرجت إلى سوقك وفتحت متجرك وبعت واشتريت هل أنت مجبر على ذلك أو فاعله باختيارك؟ هل أنت إذا أردت أن تقرأ في مدرسة معينة ابتدائية أو متوسطة أو ثانوية أو جامعية أو أعلى من ذلك دراسات عليا هل أنت تفعل ذلك باختيارك أو تفعله مجبراً على هذا؟ إني أتعجب أن يرد هذا السؤال من شخص يعلم نفسه ويعلم تصرفه ثم يقول: هو مسير أو مخير؟ كل يعلم الفرق بين ما يفعله الإنسان باختياره وإرادته وطوعه وبين ما يكره عليه. والمكره على الفعل لا ينسب إليه الفعل ولا يلحقه به إثم، كما قال الله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ). ولو كان الإنسان مكرهاً على عمله لكانت عقوبة العاصي ظلماً؛ لأنه يقول: يا رب أنا مكره ليس لي اختيار. ولو كان الإنسان مجبراً على عمله لكانت كتابة حسناته عبثاً؛ لأنه يثاب على شيء ليس من فعله ولا من اختياره. فعلى أخي السائل وغيره من المسلمين أن يفكروا في هذا الأمر، وأن يعلموا أنهم غير مجبرين على الفعل، بل هم يفعلون الشيء باختيارهم من غير أن يكرهوا عليه. ولكن فليعلم أن ما يقع منا من فعل فإنه بقضاء وقدر سابق من الله عز وجل، وبمشيئة الله سبحانه وتعالى واقع، فالقدر قدر الله ومشيئته لا يعلم تحققهما إلا بعد فعل العبد. هذا وقد ذكر علماء أهل السنة أن للقدر مراتب: أولها: العلم، بأن تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى عالم بكل شي جملة وتفصيلاً أزلاً وأبداً، فلا يضل ربي ولا ينسى، ولا يخفى عليه شي في الأرض ولا في السماء. والثاني: الكتابة: أن تؤمن بأن الله تعالى قد كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى يوم القيامة. والثالث: المشيئة أن تؤمن بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما من شيء واقع في السماء والأرض إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى. والمرتبة الرابعة: الخلق: أن تؤمن بأن الله تعالى خالق كل شيء، وأنه ما من شيء في السماوات ولا في الأرض إلا الله خالقه جل وعلا. والإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة التي أجاب بها رسول الله صلى عليه وآله وسلم جبريل حين سأله عن الإيمان فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره).
    ***


    فتاوى نور على الدرب للعثيمين (4/ 2، بترقيم الشاملة آليا)
    هذا السائل من السودان يقول: فضيلة الشيخ ورد لفظ الهدى في القرآن الكريم كثيراً، مثلاً في قوله تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً). والأسئلة: هل الإنسان مخير أم مسير؟ وهل للإنسان إرادة أن يكون طيباً أو خبيثا؟ ً أرجو بهذا توجيهاً مأجورين.


    فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال مهم جداً، وذلك لأنه سأل عن الهداية المذكورة في قوله تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً). وسأل: هل الإنسان مخير أو مسير؟ وهل له إرادة أن يفعل؟ أو لا يفعل والجواب على الأول: أن الهداية المذكورة في القرآن تنقسم إلى قسمين: هداية دلالة وبيان، وهداية توفيق وإرشاد. فأما الهداية الأولى فهي مثل الآية التي ساقها السائل، وهي قوله تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً). يعني: إنا بينا للإنسان السبيل والطريق، سواءٌ كان شاكراً أو كان كفوراً، فالكل بين له الحق، لكن من الناس من منّ الله عليه فشكر والتزم بالحق، ومن الناس من كان على خلاف ذلك. ومن أمثلة الهداية التي يراد بها الدلالة قوله تبارك وتعالى عن نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، أي: لتدل إلى الصراط المستقيم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بيَّن وعلَّم أمته الصراط المستقيم، وترك أمته على محجةٍ بيضاء ليلها كنهارها. أما النوع الثاني من الهداية فهو هداية التوفيق والإرشاد، ومن أمثلتها قوله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) فالمراد بهذه الهداية هداية التوفيق، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يملك أن يهدي أحداً هداية توفيق يوفقه بها إلى الإيمان والعمل الصالح. وهذه الآية نزلت في شأن أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي دعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الهدى، ولكن لم يوفق لذلك، فأنزل الله هذه الآية تسليةً لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ). وقد يراد بالهداية الهدايتان جميعاً، أي: هداية العلم والبيان، وهداية التوفيق والإرشاد، ومن ذلك قوله تبارك وتعالى في سورة الفاتحة: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) فإن هذه الآية تشمل هداية العلم والبيان، وهداية التوفيق والإرشاد. والقارئ إذا قال: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ). يريد بذلك المعنيين جميعاً: يريد أن يعلمه الله عز وجل، ويريد أن يوفقه الله تعالى لسلوك الحق. هذا هو الجواب عن الجزء الأول في سؤاله. أما الجزء الثاني، وهو: هل الإنسان مسير أو مخير؟ وهل له إرادة أو ليس له إرادة؟ فنقول: الإنسان مخير إن شاء آمن وإن شاء كفر، بمعنى: أن له الاختيار وإن كان ليس سواء: لا يستوي الكفر والإيمان، لكن له اختيار أن يختار الإيمان أو أن يختار الكفر، وهذا أمرٌ مشاهدٌ معلوم: فليس أحدٌ أجبر الكافر على أن يكفر، وليس أحدٌ أجبر المؤمن على أن يؤمن، بل الكافر كفر باختياره، والمؤمن آمن باختياره. كما أن الإنسان يخرج من بيته باختياره، ويرجع إليه باختياره، وكما أن الإنسان يدخل المدرسة الفلانية باختياره، ويدخل الجامعة الفلانية باختياره، وكما أن الإنسان يسافر باختياره إلى مكة أو إلى المدينة أو ما أشبه ذلك، وهذا أمرٌ لا إشكال فيه ولا جدال فيه، ولا يمكن أن يجادل فيه إلا مكابر. نعم هناك أشياء لا يمكن أن تكون باختيار الإنسان: كحوادث تحدث للإنسان: من انقلاب سيارة، أو صدام، أو سقوط بيتٍ عليه، أو احتراق، أو ما أشبه هذا، هذا لا شك أن لا اختيار للإنسان فيه، بل هو قضاءٌ وقدر ممن له الأمر. ولهذا عاقب الله سبحانه وتعالى الكافرين على كفرهم؛ لأنهم كفروا باختيارهم، ولو كان بغير اختيارٍ منهم ما عوقبوا. ألا ترى أن الإنسان إذا أكره على الفعل ولو كان كفراً، أو على القول ولو كان كفراً فإنه لا يعاقب عليه؛ لأنه بغير اختيارٍ منه؟ ألا ترى أن النائم قد يتكلم وهو نائم بالكفر، وقد يرى نفسه ساجداً لصنم وهو نائم ولا يؤاخذ بهذا؛ لأن ذلك بغير اختياره؟ فالشيء الذي لا اختيار للإنسان فيه لا يعاقب عليه، فإذا عاقب الله الإنسان على فعله السيئ دل ذلك على أنه عوقب بحقٍ وعدل؛ لأنه فعل السيئ باختياره. وأما توهم بعض الناس أن الإنسان مسير لا مخير من كون الله سبحانه وتعالى قد قضى ما أراد في علمه الأزلي بأن هذا الإنسان من أهل الشقاء وهذا الإنسان من أهل السعادة؛ فإن هذا لا حجة فيه، وذلك لأن الإنسان ليس عنده علمٌ بما قدر الله سبحانه وتعالى، إذ إن هذا سرٌ مكتوم لا يعلمه الخلق، فلا تعلم نفسٌ ماذا تكسب غداً، وهو حين يقدم على المخالفة بترك الواجب أو فعل المحرم يقدم على غير أساس وعلى غير علم؛ لأنه لا يعلم ماذا كتب عليه إلا إذا وقع منه فعلاً، فالإنسان الذي يصلى لا يعلم أن الله كتب له أن يصلى إلا إذا صلى، والإنسان السارق لا يعلم أن الله كتب عليه أن يسرق إلا إذا سرق وهو لم يجبر على السرقة، ولم يجبر المصلى على الصلاة بل صلى باختياره، والسارق سرق باختياره. ولما حدث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بأنه (ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار قالوا: يا رسول الله ألا ندع العمل ونتكل؟ قال لا, اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق له). فأمر بالعمل، والعمل اختياري وليس اضطرارياً ولا إجبارياً، فإذا كان يقول عليه الصلاة والسلام: (اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق له) نقول للإنسان: اعمل يا أخي صالحاً حتى يتبين أنك ميسر لعمل أهل السعادة، وكلٌ بلا شك إن شاء عمل عملاً صالحاً وإن شاء عمل عملاً سيئاً. ولا يجوز للإنسان أن يحتج بالقدر على الشرع فيعصي الله ويقول: هذا أمرٌ مكتوب علي, يترك الصلاة مع الجماعة ويقول: هذا أمر مكتوب علي, يشرب الخمر ويقول: هذا أمر كتب علي, يطلق نظره في النساء الأجنبيات ويقول: هذا أمرٌ مكتوبٌ علي. ما الذي أعلمك أنه مكتوبٌ عليك فعملته أنت؟ لم تعلم أنه كتب إلا بعد أن تعمل، لماذا لم تقدر أن الله كتبك من أهل السعادة فتعمل بعمل أهل السعادة؟ وأما قول السائل: هل للإنسان إرادة؟ نقول: نعم له إرادة بلا شك، قال الله تبارك وتعالى: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ)، وقال تعالى: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ)، وقال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ). والآيات في هذا معروفة، وكذلك الأحاديث معروفة في أن الإنسان يعمل باختيار وإرادة. ولهذا إذا وقع العمل الذي فيه المخالفة من غير إرادة ولا اختيار عفي عنه، قال الله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله: قد فعلت. وقال تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ). وهذا أمرٌ ولله الحمد ظاهر ولا إشكال فيه إلا على سبيل المنازعة والمخاصمة، والمنازعة والمخاصمة منهيٌ عنهما إذا لم يكن المقصود بذلك الوصول إلى الحق. وقد خرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم على أصحابه وهم يتنازعون في القدر، فتأثر من ذلك عليه الصلاة والسلام؛ لأن هذا النزاع لا يؤدي إلى شيء إلا إلى خصومة وتطاول كلام وغير ذلك، وإلا فالأمر واضح ولله الحمد.
    ***
    فتاوى نور على الدرب للعثيمين (4/ 2، بترقيم الشاملة آليا)
    السائل محمد من مكة المكرمة يقول: هل الإنسان مسير أم مخير؟
    فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب أن أقول له: اسأل نفسك: هل أنت حينما كتبت هذه الورقة وفيها السؤال هل أنت فعلت ذلك باختيارك أو أن أحداً أجبرك؟ إنني أجزم جزماً أنه سيقول: كتبتها باختياري. ولكن ليعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق في الإنسان الإرادة، الله تعالى خلق الإنسان وأودع فيه أمرين كلاهما سبب الوجود، الأمر الأول: الإرادة، فالله تعالى جعل الإنسان مريدا. ً والأمر الثاني: القدرة، جعله الله تعالى قادراً. فإذا فعل شيئاً فإنما يفعله بإرادته وقدرته، والذي خلق فيه الإرادة هو الله عز وجل، وكذلك الذي خلق فيه القدرة هو الله عز وجل. وهذه الكلمة: مخير ومسير هي كلمة حادثة لا أعلمها في كلام السابقين، وعلى هذا فنقول: إن الإنسان مخير يفعل الشيء باختياره وإرادته، ولكن هذا الاختيار والإرادة كلاهما مخلوقان لله عز وجل.
    ***
    قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني لعبد المحسن العباد (ص: 106)
    وبهذا يُجابُ عن السؤال الذي يتكرَّر طرحُه، وهو: هل العبدُ مسيَّرٌ أو مُخيَّر؟ فلا يُقال: إنَّه مسَيَّرٌ بإطلاق، ولا مُخيَّرٌ بإطلاق، بل يُقال: إنَّه مُخيَّرٌ باعتبار أنَّ له مشيئةً وإرادةً، وأعماله كسب له يُثاب على حَسَنها ويُعاقَب على سيِّئها، وهو مسيَّرٌ باعتبار أنَّه لا يحصل منه شيءٌ خارجٌ عن مشيئة الله وإرادته وخلقه وإيجاده.
    شرح سنن أبي داود للعباد (491/ 3، بترقيم الشاملة آليا)
    ويشبه هذا من الأشياء التي يكون الجواب عنها ليس باختيار واحد من الاثنين، وإنما هو مجموع الاثنين قول: هل الإنسان مخير أو مسير؟
    و
    الجواب
    لا يقال: إنه مخير فقط، ولا يقال: إنه مسير فقط، بل يقال: مخير مسير، فهو مخير باعتبار، ومسير باعتبار، والقول بأنه مسير فقط هذا قول الجبرية، وقول بأنه مخير هذا قول المعتزلة، يقولون: الإنسان هو الذي يخلق فعله ويوجده، وأنه يختار لنفسه ما يختار.
    والصحيح أنه مخير باعتبار أن عنده عقلاً، وأنه مأمور منهي، وأنه إن فعل ما هو طيب يثاب، وإن فعل ما هو سيئ يعاقب، فهو ليس مجبوراً بل هو مخير، يفعل بمشيئته وإرادته، ولهذا فإن الإنسان إذا فعل بمشيئته واختياره شيئاً عوقب عليه، ولا يقال: إنه مسير، بمعنى: أنه ليس له إرادة ولا مشيئة كما تقوله الجبرية، الذين يقولون: إن الإنسان لا مشيئة له ولا إرادة، فهذا كلام غير صحيح، بل الإنسان له مشيئة وإرادة ولكنها لا تخرج عن مشيئة الله وإرادته، وهو مسير باعتبار أنه لا يخرج عن قضاء الله وقدره، فهو مسير بهذا الاعتبار، ومخير باعتبار أن عنده عقلاً، وهو مكلف ومأمور ومنهي، إن أحسن وجد الثواب، وإن أساء وجد العقاب: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة:7 - 8]، فالجواب هو بمجموع الأمرين، والذين يقولون بأنه مسير، بمعنى: أنه مجبور وأنه ليس له إرادة، يتضح فساد قولهم بأن الإنسان له حالتان: حالة يكون فيها عنده قدرة وإرادة ومشيئة، وحالة يكون ليس له قدرة ولا إرادة ولا مشيئة، فالإنسان الذي ترتعش يده وتضطرب فهذا يقال عليه: إنه مسير، ولا يقال: إنه مخير؛ لأنه لو قيل له: أوقف يدك، ما يستطيع، ولو ضرب فإنه لا يستطيع أن يوقف يده؛ لأن الارتعاش ليس من اختياره، لكن كونه يأكل ويشرب ويذهب ويجيء هذا باختياره، فله أن يأكل، وله ألا يأكل، وله أن يدخل، وله ألا يدخل، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)، لأنه إن كان يطيق المأمور به فإنه يفعله، وإن كان لا يطيقه فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، كما قال عليه الصلاة والسلام: (فأتوا منه ما استطعتم).
    وأما فيما يتعلق بالنهي فإنه يقدر أن يتركه؛ لأن هذا الترك مستطاع، ولهذا لم يقيد بقوله صلى الله عليه وسلم: (ما استطعتم)، فإذا قيل لإنسان: لا تدخل من هذا الباب، فإنه يقدر على ترك ذلك؛ لأنه ليس ثقيلاً عليه، لكن لو قيل له: احمل هذه الصخرة، فقد يستطيع وقد لا يستطيع؛ لأن هذا أمر، وذاك نهي، فالأمر كل يفعله على قدر طاقته: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، والنهي كل يستطيع تركه، ويبين الفرق بين هذا وهذا قول بعض النحويين في تعريف الفاعل، يقولون: الفاعل: اسم مرفوع يدل على من وحصل منه الحدث أو قام به الحدث، وحصل منه الحدث مثل: أكل، شرب، ذهب، خرج، دخل؛ لأن الدخول والخروج والأكل والشرب حصل لفعل الفاعل، لكن ارتعشت يده، أو مات أو مرض هذا ليس فعلاً، وإنما هو وصف قام به الحدث ولم يفعل هو الحدث، فهذا وصف قام به وليس من فعله، فالمرض ليس من فعله، والموت ليس من فعله، والارتعاش ليس من فعله، فهذا قام به الحدث.
    فإذا طرح السؤال
    هل هذا الإنسان مسير أو مخير؟ فالجواب بواحد منهما غير صحيح، والجواب الصحيح أن يقال: هو مخير مسير، مخير باعتبار، ومسير باعتبار، كذلك الحدود هل هي زواجر أو جوابر؟ ليس الجواب واحداً منهما، وإنما الجواب هو مجموعهما.
    شرح سنن أبي داود للعباد (531/ 27، بترقيم الشاملة آليا)
    وبهذا يجاب عن السؤال الذي يتكرر طرحه وهو: هل العبد مسير أو مخير؟ فلا يقال: إنه مسير بإطلاق، ولا مخير بإطلاق، بل يقال: إنه مخير باعتبار أن له مشيئة وإرادة، وأعماله كسب له يثاب على حسنها ويعاقب على سيئها، وهو مسير باعتبار أنه لا يحصل منه شيء خارج عن مشيئة الله وإرادته وخلقه وإيجاده.
    شرح الأربعين النووية - العباد (7/ 15، بترقيم الشاملة آليا)
    وبهذا يجاب عن السؤال الذي يتكرر طرحه، وهو: هل العبد مسير أو مخير؟ فلا يقال: إنه مسير بإطلاق، ولا مخير بإطلاق، بل يقال: إنه مخير باعتبار أن له مشيئة وإرادة، وأن أعماله كسب له يثاب على حسنها ويعاقب على سيئها، وهو مسير باعتبار أنه لا يحصل منه شيء خارج عن مشيئة الله وإرادته وخلقه وإيجاده.
    شرح العقيدة الطحاوية للبراك (ص: 165)
    وهناك سؤال يجري على ألسن بعض الناس يقولون: الإنسان مسير أم مخير؟
    وهذا من الألفاظ التي لم ترد في النصوص فلا بد فيها من التفصيل، فمن أراد أنه (مخير) بمعنى أنه له مشيئة واختيار؛ فنعم، وإن أراد أنه مخير أنه يتصرف بمحض مشيئته خارجا عن مشيئة الله وقدرته فهذا باطل، فلا خروج لأحد عن قدرة الله ومشيئته، وكذلك (مسير)؛ فإن أراد بميسر أنه في جميع أموره يتحرك بتدبير الله وتقديره ومشيئته فنعم، وإن أراد أنه مسير لا اختيار له ولا مشيئة؛ بل هو مجبور؛ فهذا باطل.
    شرح العقيدة الواسطية للغنيمان (23/ 22، بترقيم الشاملة آليا)
    لا يطلق القول: بأن الإنسان مسير أو مخير
    السؤال
    هل يقال: إن الإنسان مسير ومخير في نفس الوقت؟ هذا من الأقوال المجملة التي لا يجوز أن تطلق، فالإنسان ليس مسيراً وليس مخيراً بهذا الإطلاق؛ لأنك إذا قلت: مسير فمعنى ذلك: أنه مجبور وليس له اختيار، وليس له قدرة، وإذا قلت: مخير، فقد وقعت في قول القدرية الذين يقولون: إن الإنسان يفعل ما يشاء، وإن قدرة الله ومشيئته لا دخل لها في ذلك.
    شرح فتح المجيد للغنيمان (38/ 4، بترقيم الشاملة آليا)
    هل الإنسان مسير أم مخير؟
    وكثيراً ما يسأل الناس ويقولون: هل العبد مسير أم مخير؟ فالجواب عن هذا: أن هذا كلام مجمل، وبجملته باطل، فلا يجوز أن نقول: لا مسير ولا مخير، فإذا قلت: مسير فهو خطأ، وإن قلت: مخير على الإطلاق فهو خطأ، بل العبد عبد لله جل وعلا، جعل الله جل وعلا له قدرة وله اختيار، وكلفه بما يستطيعه، فقال سبحانه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، ومع هذا ليس العبد حراً يفعل ما يشاء، وليس الأمر باختياره، بل يقول الله جل وعلا: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:30] يعني: لا يقع فعل من العبد إلا بإرادة الله ومشيئته، وإن كان بقدرته واختياره، وهذا من تمام قدرة الله جل وعلا أنه جعل هذا العبد يفعل ما كتبه الله جل وعلا عليه باختياره
    شرح الطحاوية لخالد المصلح (10/ 7، بترقيم الشاملة آليا)
    وقوله رحمه الله: (وكل ميسر لما خلق له) هذا من أفضل الكلام؛ لأنه مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) وهو أفضل من قول القائل: الإنسان مسير أو مخير، فالإنسان لا شك أنه مسير في بعض ما قدر له لكن هذا التسيير لا يلغي اختياره.
    ولفظ المؤلف رحمه الله أفضل من لفظ (مسير) فإنه يوحي بأن الإنسان لا اختيار له بالكلية، وهذا مخالف لما دلت النصوص من إثبات المشيئة والاختيار للإنسان، كما قال الله جل وعلا: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:30] فأثبت للعبد مشيئة، لكن هذه المشيئة لا تخرج عن مشيئة الرب جل وعلا.
    مجمل أصول أهل السنة لناصر العقل (9/ 27، بترقيم الشاملة آليا)
    الإنسان مسير أو مخير
    السؤال
    ما معنى كون الإنسان مسيّراً ومخيّراً؟
    الجواب
    هذه فلسفة، فالإنسان لا يقال: إنه مسيّر مطلقاً ولا مخيّر مطلقاً، بل هو مجبول ومحكوم بقضاء الله وقدره، فالقول بأنه مسيّر كأنه مجبور على الأفعال دون إرادته، والقول بأنه مخيّر كأن عنده إرادة مطلقة لا تتعلق بإرادة الله وخلقه، وكأن الله لا شأن له بفعل العبد وهذا كله خطأ، فالإنسان مسيّر في غير الأمور الإرادية فهو مسيّر فيها، كيف يرزق ومتى يموت وحياته اللاإرادية في حركة قلبه أو حركة دمه كل هذه مسيّر فيها، والأقدار الأربعة التي تكتب عند ولادته هذه مسيّر فيها، بمعنى أن الله عز وجل قدّر عليه أموراً أراحه منها، فالتسيير لا يعني الإهانة للإنسان، بل حفظ الله للإنسان بأن سيّر أموره لا إرادية تحت أمور كونية الله عز وجل يحفظه بها، ومخيّر من وجه آخر في أن يفعل أو يترك، لكن هذا التخيير مربوط بخلق الله وإرادته.
    فالإنسان مسيّر من وجه ومخيّر من وجه آخر، ولا يقال: مسيّر فقط ولا مخيّر فقط، إذاً: هو مجبول ومفطور.

    دراسة موضوعية للحائية ولمعة الاعتقاد والواسطية لعبد الرحيم بن صمايل السلمي (10/ 8، بترقيم الشاملة آليا)
    التسيير والتخيير في باب القدر
    قال رحمه الله: [وقال تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر:17] فدل على أن للعبد فعلاً وكسباً يجزى على حسنه بالثواب، وعلى سيئه بالعقاب، وهو واقع بقضاء الله وقدره].
    السؤال المشهور في باب القدر: هل الإنسان مسير أم مخير؟ إذا قلت: مسير، فهموا أنه مجبور، وإذا قلت: مخير، فهموا أن الله لم يقدر مقادير العباد ولم يكتبها عنده.
    ولهذا الصواب التفصيل: نقول: العبد مخير في أشياء ومسير في أشياء، مسير فيما لا قدرة له فيه مثل ما يتعلق بطوله وقصره وكونه ذكراً وليس أنثى، أو أنثى وليس ذكراً، ولونه والبلد الذي ولد فيه، وكونه ابن فلان وفلانة، وليس ابن فلان وفلانة، وهكذا، وهذا لا يترتب عليه الثواب والعقاب من الله عز وجل، فلا يعذب العباد لأن هذا طويل وهذا قصير، أو هذا لونه كذا أو هذا لونه كذا، أو هذا ابن فلان فسيعذبه لأنه ابن فلان، ولهذا ضعفت عائشة رضي الله عنها حديث: (ابن الزنا شر الثلاثة) وقالت: إن الله عز وجل يقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] فكيف يكون ابن الزنا مذموماً مع أنه لا علاقة له بهذا الأمر، فهو ليس مختاراً في أن يكون ابن زنا أو ليس ابن زنا.
    ولهذا يكون النقد في علم الحديث للإسناد ويكون أيضاً للمتن، ويمكن أن يراجع رسالة نقد متون السنة للدكتور غرم الله الدميني فقد تحدث عن القواعد المتعلقة بنقد متون السنة بشكل مرتب، والمسألة مبحوثة قديماً عند العلماء.
    هذا ما يتعلق بكون الإنسان غير مخير في أشياء، لكنه فيما يترتب عليه الثواب والعقاب وما يمدح ويذم فيه مخير، لكن لا يعني أيضاً كونه مخيراً أنه مستقل بالتخيير، بل الله عز وجل كتب عليه كل شيء، والله عز وجل علم ما سيفعله قبل أن يفعله؛ لأن علم الله عز وجل واسع وشامل لكل شيء.
    دراسة موضوعية للحائية ولمعة الاعتقاد والواسطية لعبد الرحيم بن صمايل السلمي (16/ 13، بترقيم الشاملة آليا)
    العبد مسيَّر في أشياء ومخيَّر في أشياء
    السؤال
    هل العباد مسيَّرون أم مخيرون؟
    الجواب
    هذه مسألة سبقت في باب القدر، وقلنا: إن الإنسان مسير في أشياء ومخير في أشياء، فهو مسير مثلاً في خلقه، أي كونه ولد في هذا الزمان، ولم يولد مثلاً في زمن الصحابة رضوان الله عليهم، وكون لونه أبيض أو أسمر أو أسود، أو كونه قصيراً أو طويلاً، أو كون أبيه فلاناً أو فلاناً، هذه الأشياء هو غير مخير فيها؛ لكن الأشياء التي يخير فيها العبد هي الأفعال الاختيارية التي يفعلها بمحض إرادته، بمعنى: أنه قادر على فعلها، وقادر على تركها، وهنا يكون الثواب والعقاب، أما الأفعال غير الاختيارية فلا يترتب عليها ثواب ولا عقاب، ولهذا فإن ابن الزنا لا يعاقب، ولهذا فإن عائشة رضي الله عنها عندما سمعت حديث أن ولد الزنا شر الثلاثة أنكرته، وقالت: يقول الله عز وجل: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] لأنه لا ذنب لهذا الابن.

    شرح العقيدة الواسطية - عبد الرحيم السلمي (18/ 4، بترقيم الشاملة آليا)
    حقيقة العبد بين كونه مسيرًا ومخيرًا
    والحقيقة أن موضوع القدر موضوع يهم الجميع ويفكر فيه كل الناس.
    وهو موضوع حساس اختلف فيه المسلمون قديماً وما زال الخلاف مستمراً فيه إلى اليوم.
    وقد طرح كثير من الناس سؤالاً وهو: هل المسلم مسير أم مخير؟ يعني: هل هو مسير بقضاء سابق يدفعه إلى العمل ولا يستطيع أن يتحرك برغبته، أم هو مخير ينتقي من الأعمال ما شاء ويترك ما شاء؟ وقد تخبط في الإجابة على هذا السؤال كثير من الباحثين.
    فبعضهم أجاب بأنه: مسير مطلقاً، وأراد بذلك تعظيم الله عز وجل، وإثبات أن الله عز وجل هو الخالق وحده لا شريك له.
    وبعضهم أجاب بالعكس وقال: إنه مخير مطلقاً.
    ودافعوا عما سموه بحرية الإرادة الإنسانية، وصنفوا المؤلفات فيها.
    وحاولوا أن يدفعوا فكرة أن هناك قدر سابق قدره الله سبحانه وتعالى على العباد.
    والحق الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الإنسان مسير في أشياء ومخير في أشياء.
    فمن تسيير الله له أن خلقه في هذا الوقت مثلاً.
    فأنت مثلاً خلقك الله عز وجل في القرن الخامس عشر الهجري ولم يخلقك مثلاً في زمن إبراهيم أو نوح أو موسى أو عيسى أو محمد صلى الله عليه وسلم.
    فتحديد الوقت الذي خلقت فيه لم تخير فيه، وإنما أنت مسير فيه بتقدير الله عز وجل لك.
    ولهذا نفذ تقدير الله عز وجل فيك في هذا، وخلقت في هذا القرن.
    وكذلك طولك وقصرك ولونك وأمك وأبوك ونحو ذلك أنت مسير فيها ولست مخيراً.
    فالإنسان لا يختار شكله ولا لونه ولا طوله قبل أن يولد، وإنما ولد على هذه الهيئة التي خلقه الله عز وجل عليها، ولم يكن له في ذلك تدبير ولا تخيير.
    وهو مخير من جهة أخرى، فهو مخير في الأعمال والأقوال والإرادات التي يقوم بها.
    فهو مخير في فعل الصالحات أو المعاصي، وفي قول الحق أو الباطل، وفي الكفر أو الإيمان.
    والحقيقة هي: أن هذا الموضوع ليس هو مدار النقاش.
    فليس خلاف الفرق وخلاف الناس في أن الإنسان مسير في طوله وقصره، فهذا الأمر يعرفونه بالضرورة.
    والإنسان كما هو معلوم له فعل اضطراري وفعل اختياري.
    فأما الفعل الاضطراري فهو الذي يحدث فيه من غير إرادته، كالطول والقصر واللون والشكل والوقت الذي ولد فيه وأبيه وأمه وأخوته ونحو ذلك، كسقوط الإنسان عندما يسقط من مكان مرتفع فإنه لا يستطيع أن يرد نفسه مرة أخرى فكل هذه تسمى أفعالاً اضطرارية.
    وأما الأفعال الاختيارية فهي التي خير فيها الإنسان، فقد خلق الله عز وجل له إرادة وقدرة ينتج عنها العمل الذي يعمله.
    فتح رب العبيد في الرد على مختصر شرح الطحاوية وكتاب التوحيد لعبد العزيز الراجحي (ص: 34)
    الملحوظة العشرون
    اعتقاد أن تسيير الله للإنسان ينافي اختيار العبد.
    قرر الدكتور: أن مذهب الجبرية القائلين بأن أفعال العباد كلها اضطرارية، كحركات المرتعش ونبض العروق ونسبتها إليهم، إنما هو على سبيل المجاز هو معنى كون الإنسان مسيَّرًا.
    قال الدكتور في تهذيبه ص 127 - سطر - 4 - 9، تحت عنوان: أفعال العباد: " هل الإنسان مسير أم مخير فيها ". لدينا فيما يلي ثلاثة أجوبة: الثالث منها هو الجواب الصحيح.
    الرأي الأول: " ومفاده أن أفعال العباد كلها لله تعالى، ولا دخل للإنسان فيها، فهي كلها أفعال اضطرارية، لا إرادة للإنسان في أيٍّ منها، مثلها كمثل الحركات اللاإرادية في الإنسان، كحركات الإنسان الذي يرتعش، وكالعروق النابضة، ونسبة أفعال للإنسان إنما هو على سبيل المجاز لا الحقيقة، ومعنى هذا الرأي صراحة أن الإنسان مسير تمامًا، لا حق له في الاختيار، والجزاء في الآخرة غير مرتب، فعمل الإنسان ليس له دور في تقرير مصيره في الآخرة " ا هـ.
    أقول: هذا المذهب الذي ذكره الدكتور هو مذهب الجبرية وقول الدكتور: ومعنى هذا الرأي صراحة أن الإنسان مسيَّر تمامًا غير صحيح، بل معنى هذا الرأي وهذا المذهب أن الإنسان مجبور على أفعاله، وليس له اختيار.
    أما القول بأن الإنسان مسير فهو حق، وهو معتقد أهل السنة والجماعة فالله تعالى هو الذي يسير الإنسان في البر وفي البحر، كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ولا ينافي ذلك أن يكون له مشيئة واختيار تابعة لمشيئة الله تعالى، كما قال تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وقال تعالى: إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا فأثبت الله تعالى للعبد مشيئة وجعلها تابعة لمشيئة الله -عز وجل-.
    فدلت هذه النصوص على أن الإنسان مسير ومخير، فهو مخير لكونه له مشيئة واختيار، وهو مسير لكون مشيئته تابعة لمشيئة الله تعالى.

    شرح التائية في القدر 5 - 5 - 1429 لمحمد بن إبراهيم الحمد (ص: 304)
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية ×: =ومما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها _ مع إيمانهم بالقضاء والقدر، وأن الله خالق كل شيء، وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه يضل من يشاء، ويهدي من يشاء _ أن العباد لهم مشيئة وقدرة، يفعلون بمشيئتهم، وقدرتهم ما أقدرهم الله عليه، مع قولهم: إن العباد لا يشاؤون إلا أن يشاء الله، كما قال الله _تعالى_: [كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ، فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ، وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ] المدثر: 54_56+. (1)
    ومن خلال البيتين الماضيين وشرحهما يتبين لنا الجواب عن السؤال الذي يرد كثيراً في كتب الفلسفة، وعلم الكلام، وفي كتب بعض المتأخرين وهو: هل الإنسان مسير أو مخير؟
    وهناك من يجيب على هذا السؤال بأن الإنسان مسير لا مخير، كما أن هناك من يجيب بأنه مخيَّر لا مُسَيَّر.
    والحقيقة أن الإجابة عن هذا السؤال بهذا الإطلاق خطأ؛ ذلك أن الإجابة تحتاج إلى بعض التفصيل.
    ووجه الخطأ في الإجابة بأن الإنسان مسيَّر لا مخير تكمن فيما يرد على هذه الإجابة من إشكال؛ فإذا قيل: إنه مسيَّر بإطلاق قيل: كيف يحاسب وهو مسيَّر؟ وكيف يكون مسيراً ونحن نرى أن له مشيئة وقدرة واختياراً؟ وما العمل بالنصوص التي تثبت له المشيئة، والقدرة، والاختيار؟
    أما إذا أجيب بأنه مخير لا مسير فيقال: كيف يكون مخيَّراً ونحن نرى أنه قد ولد بغير اختياره؟ ويمرض بغير اختياره؟ ويموت بغير اختياره؟ إلى غير ذلك من الأمور الخارجة عن إرادته.
    فإذا قيل: إنه مخير في أفعاله التي تقع بإرادته واختياره، قيل: وأفعاله الاختيارية كذلك؛ فقد يريد أمراً، ويعزم على فعله، وهو قادر على ذلك فيفعله، وقد لا يفعله؛ فقد يعوقه ما يعوقه؛ إذاً فليس كل ما أراد فِعْلَه فَعَلَهُ؛ وهذا شيء مشاهد.
    ومن هنا يتبين لنا وجه الخطأ في هذا الجواب؛ فلو كان الإنسان مُسَيَّراً بإطلاق لما كان له قدرة ومشيئة، ولو كان مخيَّراً بإطلاق لفعل كل ما شاءه؛ فمن قال بالتسيير بإطلاق فهو ألصق بمذهب الجبرية الذين قالوا: إن العبد مجبور على فعله، وأنكروا أن يكون له قدرة ومشيئة وفعل.
    ومن قال بالتخيير بإطلاق فهو ألصق بمذهب القدرية النفاة الذين قالوا: بأن الأمر أنف، وأن العبد هو الخالق لفعله، وأنه مستقل بالإرادة والفعل.
    فما الجواب _ إذاً _ عن هذا السؤال؟ وما المخرج من هذا الإشكال؟
    الجواب: أن الحق وسط بين القولين، وهدى بين هاتين الضلالتين؛ فيقال _ وبالله التوفيق _: إن الإنسان مخير باعتبار، ومسير باعتبار؛ فهو مخير باعتبار أن له مشيئةً يختار بها، وقدرةً يفعل بها؛ لقوله _تعالى_: [فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ] الكهف: 29، وقوله: [وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ] البلد: 10، وقوله: [فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ] البقرة:223، وقوله: [وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ] آل عمران:133.
    ولقوله ": =احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. . .+ (1)
    وقوله: =صلوا قبل صلاة المغرب+ قال في الثالثة: =لمن شاء+ (2) إلى غير ذلك من الأدلة في هذا المعنى.
    وهو مسير باعتبار أنه في جميع أفعاله داخل في القدر، راجع إليه؛ لكونه لا يخرج عما قدَّره الله له؛ فلا يخرج في تخييره عن قدرة الله؛ لقوله _تعالى_: [هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ] يونس: 22، وقوله: [وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ] القصص: 68.
    ولقوله ": =كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة+ (3).

    إلى غير ذلك من الأدلة في هذا المعنى.
    ولهذا جمع الله بين هذين الأمرين _ كون الإنسان مخيراً باعتبار ومسيراً باعتبار _ كما في قوله _تعالى_: [لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ، وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ] التكوير: 28_29.
    فأثبت _عز وجل_ أن للعبد مشيئة، وبَيَّنَ أن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله، واقعة بها.
    وكذلك الرسول " كما في قوله: =ما منكم من نفس إلا وقد علم منزلها من الجنة والنار+.
    قالوا: يا رسول الله: فَلِمَ نعمل؟ أفلا نتكل؟ قال: =لا، اعملوا فكلٌّ ميسر لما خلق له+ (1).
    فهذا الحديث دليل لما سبق؟ فهو يدل على أن الإنسان مخير؛ لقوله": =اعملوا+ وعلى أنه لا يخرج في تخييره عن قدر الله؛ لقوله: =فكل ميسر لما خلق له+.
    هذا مقتضى أدلة الشرع والواقع في هذه المسألة (2).
    فلعل في هذا التقرير إجابة شافية، وجمعاً بين النصوص في هذه المسألة.
    __________
    (1) رواه البخاري (1362 و 4945) ومسلم (2647).
    (2) انظر دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، مطابع الرياض، الطبعة الأولى، 1375هـ، ص286_287، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وترتيب الشيخ أحمد بن عبدالرزاق الدويش، مكتبة المعارف، الرياض، 1412هـ، 3/ 377_380، والقضاء والقدر، للشيخ محمد متولي الشعراوي، دار الندوة، ط2، 1408هـ، ص9_12، ومسألة القضاء والقدر، تأليف: عبدالحليم قنبس وخالد العك، دار الكتاب العربي، حلب، دمشق، ص115_150، والقضاء والقدر حق وعدل، هشام عبدالرزاق الحمصي، دار الكلم الطيب، دمشق، بيروت، ط1، 1414هـ _ 1994م، ص117_126.
    مباحث في العقيدة للدكتور عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
    (5/ 19)
    المسألة السابعة
    هل الإنسان مسيّر أم مخيّر؟
    ... يلاحظ أن بعض الناس يجيب بأنه مسير وهذا خطأ والبعض يجيب بأنه مخير وهذا خطأ بل الأمر يحتاج إلى تفصيل.
    ... فالعبد مخير باعتبار أن له مشيئة يختار بها وله قدرة يفعل بها والقرآن مليء بالشواهد على ذلك ومنها ....................
    ... والعبد مسير باعتبار أنه في جميع أفعاله وتصرفاته وحركاته وسكناته داخل في القدر لا يخرج عما قدره الله عليه كما قال تعالى ...........
    ... وقد جمع الله بين هذين الأمرين كونه مسيراً وكونه مخيراً في قوله تعالى ...............
    شرح تفسير ابن كثير - الراجحي (84/ 2، بترقيم الشاملة آليا)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [والأمر كله لله تبارك وتعالى، وهو المسير عباده وخلقه فيما يشاء، ولهذا قال: {ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} [طه:40]].
    كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس:22]، هو المسير لعباده ومخيرهم، وقد يسأل بعض الناس ويقول: هل الإنسان مسير أو مخير؟ فنقول: الإنسان مسير ومخير جميعاً، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس:22]، وهذه كلمة مستحدثة ما كان الناس يعرفونها، لكن استحدثها بعض الناس وصاروا يسألون: هل الإنسان مسير أو مخير؟ فنقول: مسير ومخير، فهو مسير؛ لأن الله قدر كل شيء، ومخير؛ لأن العبد له قدرة واختيار ومشيئة، لكنها تابعة لمشيئة الله، كما قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:29].
    فالعبد له قدرة ومشيئة واختيار إلا أنها تابعة لمشيئة الله.
    فإن قيل: ما حكم إطلاق لفظ: صدفة عند اللقاء بغير ميعاد؟ قلنا: إذا كان مقصودك أنه بالنسبة لك فجائز، هذا بالنسبة بيني وبينك، وبين البشر بعضهم بعضاً.
    أما بالنسبة لله فلا يوجد شيء اسمه صدفة، بل كل شيء مقدر، فإذا قصد بالنسبة لله نقول: هذا باطل، أما بالنسبة للمخلوق أي: بيني وبينك تقول: صدفة، فجائز، لأني لا أعلم شيئاً، والمخلوق ضعيف ناقص، وأنت كذلك لا تعلم، وليس بيننا ميعاد، ولا اتفاق سابق فقابلتك صدفة.
    {ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} [طه:40]؟ أرسل الله موسى إلى فرعون على قدر بعدما لبث في مدين على قدر قدره الله قدراً وشرعاً.
    وموسى لا يعلم أنه سيعود، فبعد أن رعى الغنم عشر سنين وذهب بأهله في يوم بارد، وضل الطريق، فرأى ناراً عند جبل الطور وكان في يوم شات بارد وليلة مظلمة، ولا يجد من يدله على الطريق فقال لأهله: امكثوا في هذا المكان وسآتي هذه النار فإما أن أجد عندها أحداً يدلنا على الطريق، أو على الأقل نأخذ منها جذوة من النار نستدفئ بها من البرد، فلما جاء إلى الجبل نبأه الله وأرسله، وهو لا يعلم قبل ذلك، لكن الله أكرمه بالرسالة.
    مجموعة رسائل التوجيهات الإسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع لجميل زينو (2/ 163)
    س 3: هل الإِنسان مُسيّر أم مخيّر؟
    جـ 3: هذا السؤال خطأ من أصله فالِإنسان في أفعاله الاختيارية -كالطاعة والخير، والمعصية والشر- له قدرة واختيار لا ينكره إلا معاند، لأن كل إنسان يشعر بذلك في نفسه، وأثبت الله ذلك في القرآن فقال:
    {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}. [سورة الكهف، آية 29]
    ولكن هذه المشيئة ليست مطلقةً بلا حدود، بل هي مقيدة بمشيئة الله لأن الله
    هو الذي خلق الإنسان وخلق له القدرة والإِرادة كما قال سبحانه:
    {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}. [سورة الإنسان، آية 30]
    وهذا التقييد لا يعني إلغاء إرادته وأنه مُسَير أو مجبور بلا اختيار، بل لا يحاسب الله أحداً فقد إرادته كالمكره والمجنون والنائم، ولكن مشيئة الله تجري على العباد من خلال ما يعلمونه هم بأنفسهم وقدرتهم، والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم وأفعالهِم، أما الأفعال غير الاختيارية كنبض القلب والانجذاب إلى الأرض مثلًا فلا خلاف أن العبد لا قدرة له عليها ولا اختيار.
    فتاوى الشبكة الإسلامية (1/ 2516، بترقيم الشاملة آليا)
    الإنسان مخير في الأمور التي يترتب عليها الثواب والعقاب
    [السُّؤَالُ]
    ـ[أخي الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    هل الإنسان مسير أم مخير؟ وإن كان مخيرا ما مدى هذا التخيير، وهل ينطبق هذا التخيير في أمور مثل الزواج وعمل الخير وغير ذلك؟]ـ
    [الفَتْوَى]
    الحمد والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
    لا يصح أن يقال إن الإنسان مسير أو مخير لأن الإنسان مخير ومسير، فهو ميسر لما خلق له، أما كونه مخيراً فلأن الله تعالى أعطاه عقلاً وسمعاً وإدراكاً وإرادةً فهو يعرف الخير من الشر والضار من النافع وما يلائمه وما لا يلائمه، فيختار لنفسه المناسب ويدع غيره، وبذلك تعلقت التكاليف الشرعية به من الأمر والنهي، واستحق العبد الثواب على الطاعة، والعقاب على المعصية. قال تعالى: (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) الإنسان: 2،3 وقال سبحانه: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) الشمس:7ـ10
    وأما كونه مسيراً فلأنه لا يخرج بشيء من أعماله كلها عن قدرة الله تعالى ومشيئته، قال عز من قائل: (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) [التكوير: 29] وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب مقادير الخلق إلى يوم القيامة" رواه الترمذي وصححه، وأبو داوود. والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة جداً.
    ولذلك فالإنسان ميسر لما خلق له، فقد سئل صلى الله عليه وسلم عن مسألة القدر وما يعمل الناس فيه: أهو أمر قد قضي وفرغ منه أم أمر مستأنف؟ فقال: " بل أمر قد قضي وفرغ منه فقالوا: ففيم العمل؟ فقال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له … " الحديث رواه مسلم. والله أعلم.
    [تَارِيخُ الْفَتْوَى]
    12 شوال 1421
    فتاوى الشبكة الإسلامية (1/ 2540، بترقيم الشاملة آليا)
    الإنسان بين التسيير والتخيير
    [السُّؤَالُ]
    ـ[لقد حيرني موضوع القضاء والقدر والإنسان هل هو مسير أم مخير في مسائل ثلاث أريد منكم لو تكرمتم إيضاح الأمر لي فيها:
    1 - الطفل الصغير عندما يدخل المدرسة نلاحظ أن هناك فروقات كبيرة بين الطلاب بالرغم من أنهم يتلقون نفس التعليم ونفس العناية من الأهل، فهل يا ترى الطفل مسير لأن يكون كسولاً لأنك مهما بذلت الجهد معه ومن خلال تجربتي تجده لا ينفع معه شيء، على عكس الطفل المجتهد تجده سريع الفهم ونشيطا ولا تجد أي صعوبة معه.
    2 - مسألة الزواج من الواضح أن الإنسان يستطيع أن يختار زوجته بحرية كاملة، ولكن هل نستطيع أن نقول عن الزواج إنه قسمة ونصيب كما يقول العامة أي أن الإنسان مهما بحث لا بد أن يتزوج نصيبه.
    3 - مجال التخصص الدراسي والعمل أنا أعرف شخصا تقدم لوظيفة معلم أي أنه يريد أن يصبح معلماً بإرادته وتقدم للفحوصات والاختبارات اللازمة فنجح فيها جميعاً، ولكن عند ظهور النتائج وجد أن الوزارة اكتفت بالمعلمين وتم فرزه لوزارة أخرى أي أنه لم يختر عمله، فهل نستطيع أن نقول إنه أُجبر على هذه الوظيفة وإنها قسمة ونصيب ولن تخطئه أبداً؟ وشكراً لكم وأتمنى منكم إجابة مفصلة حول هذا الموضوع الشائك.]ـ
    [الفَتْوَى]
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
    فقد سبق لنا أن أصدرنا عدة فتاوى في كون الإنسان مسيراً ومخيراً في آن واحد، فانظر لذلك الفتوى رقم: 79824، والفتوى رقم: 26413.
    ولا شك أن الأمور الثلاثة التي ذكرها السائل إنما تقع بقضاء الله تعالى وقدره، وأن الإنسان فيها مسير ومخير، فأما كونها تقع بقضاء الله وقدره فهذا معلوم من الدين بالضرورة، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49}، وقال تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا {الفرقان:2}، وقال تعالى: الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى* وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى {الأعلى:2 - 3}، أي قدر قدراً وهدى الخلائق إليه، ولهذا يستدل بهذه الآيات أئمة السنة على إثبات قدر الله السابق لخلقه، وهو علمه الأشياء قبل كونها وكتابته لها قبل برئها وخلقه وإيجاده لها ومشيئته وإرادته لها، وهذا معنى كونه مسيراً أي أنه لن يفعل خلاف ما علمه الله تعالى وكتبه في اللوح المحفوظ وخلقه وأراده سبحانه وتعالى.
    وأما كونه مخيراً فإن الله تعالى جعل للإنسان الاختيار كما هو مشاهد ومعلوم، فقد يختار شيئاً ويتم له؛ لأن الله كان قدره له، وقد يختار شيئاً ولا يوفق له لأن الله قدر غير ما اختاره العبد، فكتابة الله كتابة علم وإحاطة، كما قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا {الطلاق:12}، فالذكاء والبلادة والزواج والوظيفة وكل شيء يقع في الأرض إنما هو بقضاء الله وقدره، والله تعالى هو الذي يقسم الأرزاق على خلقه، فمنهم الذكي ومنهم البليد ومنهم القوي ومنهم الضعيف ومنهم الغني ومنهم الفقير ومنهم الولود والعقيم ومنهم المتزوج والأعزب، وهذا كله لا ينافي حقيقة أن للإنسان اختياراً ومشيئة فيما يمكنه الاختيار فيه، وكثير من الأمور لا اختيار للعبد فيها كالأمور الجبلية مثل الذكاء والبلادة، وقوة البنية وضعفها، وطول الجسم وقصره ونحو ذلك، وكل هذا قدره الله تعالى بعلمه وحكمته: قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ {الأنعام:149}، وانظر للأهمية في ذلك الفتوى رقم: 115214.
    والله أعلم.
    [تَارِيخُ الْفَتْوَى]
    07 محرم 1430

    فتاوى الشبكة الإسلامية (1/ 2632، بترقيم الشاملة آليا)
    ............................
    ولا يقال إن الإنسان مسير أو مخير بالإطلاق بل الحق أن الإنسان مخير ومسير، فهو ميسر لما خلق له، أما كونه مخيراً فلأن الله تعالى أعطاه عقلاً وسمعاً وإدراكاً وإرادةً فهو يعرف الخير من الشر والضار من النافع وما يلائمه وما لا يلائمه، فيختار لنفسه المناسب ويدع غيره، وبذلك تعلقت التكاليف الشرعية به من الأمر والنهي، واستحق العبد الثواب على الطاعة، والعقاب على المعصية. قال تعالى إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا {الإنسان: 2،3}
    وأما كونه مسيراً فلأنه لا يخرج بشيء من أعماله كلها عن قدرة الله تعالى ومشيئته، قال عز من قائل: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ {التَّكوير:29} وقد قال صلى الله عليه وسلم: " إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب مقادير الخلق إلى يوم القيامة " رواه الترمذي وصححه، وأبو داوود. والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة جداً.
    ولذلك فالإنسان ميسر لما خلق له، ففي صحيح مسلم أن سراقة بن مالك قال: يا رسول الله؛ بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن، فيما العمل اليوم؟ أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير أم فيما نستقبل؟ قال: لا، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير. قال: ففيم العمل؟ قال: اعملوا، فكل ميسر، وفي رواية: كل عامل ميسر لعمله.
    قال النووي في شرح مسلم: وفي هذه الأحاديث النهي عن ترك العمل والاتكال على ما سبق به القدر، بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد الشرع بها، وكل ميسر لما خلق له لا يقدر على غيره.
    فما يفعله العبد من الأفعال يفعله بمحض اختياره وإرادته، وكل إنسان يعرف الفرق بين ما يقع منه باختيار وبين ما يقع منه باضطرار وإجبار، فالإنسان الذي ينزل من السطح على السلم نزولا اختياريا يعرف أنه مختار، على العكس من سقوطه هاويا من السطح إلى الأرض، فإنه يعلم أنه ليس مختارا لذلك، ويعرف الفرق بين الفعلين، فهو في الأول مختار، وفي الثاني غير مختار.
    وبناء على هذا، فإن الإنسان يعمل باختياره يأكل ما شاء، ويتزوج من شاء، ويعمل ما شاء، والله يراقب أعماله ويجازيه على اختياره ما دام عاقلا
    قال تعالى: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ {التوبة:105}.
    وقال تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {النحل:32}.
    قال الشيخ الألباني: أدلة الوحي تفيد أن للإنسان كسبا وعملا وقدرة وإرادة، وبسبب تصرفه بتلك القدرة والإرادة يكون من أهل الجنة أو النار.
    هذا؛ ويجب التنبه إلى البعد عن الخوض في القدر، عملا بحديث ابن مسعود رضي الله عنه: إذا ذكر القدر فأمسكوا. رواه الطبراني وصححه الألباني.
    وراجع شفاء العليل لابن القيم.
    والله أعلم.

    [تَارِيخُ الْفَتْوَى]
    29 ذو القعدة 1427

    فتاوى الشبكة الإسلامية (1/ 2704، بترقيم الشاملة آليا)
    فهل الإنسان بذلك مسير أم مخير؟ إن الإنسان مسير ومخير في نفس الوقت، وتفسير ذلك أن جميع ما يقوم به من أفعال هو تنفيذ لأوامر كونية قدرية سبق تحديدها، وليس بإمكانه أن يغير شيئاً منها، فهو من هذا المنطلق مسير.
    وهو من جهة ثانية قد أُعطي العقل والحواس التي يميز بها بين النافع والضار، وأُعطي القوة لتنفيذ ما يريد، ولم يكرهه أحد على انتهاج هذا المسلك أو ذاك، فهو بذلك مخير، فالتسيير المحض هو أن يهم بفعل فلا يجد الوسيلة لفعله، والتخيير المحض هو أن يقوم بأفعاله من غير أن تكون محددة سلفاً.
    ولتنظر أدلة ذلك في الفتوى رقم: 4054.
    والله أعلم.

    [تَارِيخُ الْفَتْوَى]
    09 صفر 1424
    فتاوى الشبكة الإسلامية (2/ 2610، بترقيم الشاملة آليا)
    وأما هل الإنسان مسير أم مخير؟ فالجواب أنه لا يصح أن يقال: إن الإنسان مخير أو مسير، لأنه مخير ومسير، فهو مسير لما خلق له، ومخير لأن الله تعالى أعطاه عقلا وسمعا وإدراكا، فهو يعرف الخير من الشر والضار من النافع، وانظر الفتوى رقم: 4054، أما الكتاب الذي يكتب عند نفخ الروح ففيه سعادة المرء وشقاوته، وكلٌ ميسر لما خلق له من الأعمال التي هي سبب لذلك.

    فتاوى الشبكة الإسلامية (13/ 2322، بترقيم الشاملة آليا)
    فالإنسان مسير ومخير معاً فهو مسير لأنه لا يخرج بشيء من أعماله عن قدرة الله تعالى وإرادته كما قال الله: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29].
    وهو مخير لأن الله أعطاه قدرة وإرادة وأدوات يعرف بها الخير من الشر، والضار من النافع، وما يلائمه وما لا يلائمه، كما قال تعالى: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَل هَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَ ْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَد خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:7 - 10].
    وعلى هذا نقول للأخت السائلة ادفعي القدر الضار بالقدر النافع، وادفعي العنوسة بالزواج

    موقع الإسلام سؤال وجواب (1/ 494، بترقيم الشاملة آليا)
    الإنسان مسيّر أو مخيّر

    [السُّؤَالُ]
    ـ[هل الإنسان مخير أو مسير؟.]ـ

    [الْجَوَابُ]
    الحمد لله
    سئل الشيخ ابن عثيمين هذا السؤال فأجاب:
    على السائل أن يسأل نفسه هل أجبره أحد على أن يسأل هذا السؤال وهل هو يختار نوع السيارة التي يقتنيها؟ إلى أمثال ذلك من الأسئلة وسيتبين له الجواب هل هو مسير أو مخير.
    ثم يسأل نفسه هل يصيبه الحادث باختياره؟
    هل يصيبه المرض باختياره؟
    هل يموت باختياره؟
    إلى أمثال ذلك من الأسئلة وسيتبين له الجواب هل هو مسير أو مخير.
    والجواب: أن الأمور التي يفعلها الإنسان العاقل يفعلها باختياره بلا ريب واسمع إلى قول الله تعالى: (فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبًا) وإلى قوله: (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة) وإلى قوله: (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً) وإلى قوله: (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) حيث خير الفادي فيما يفدي به.
    ولكن العبد إذا أراد شيئاً وفعله علمنا أن الله -تعالى -قد أراده - لقوله - تعالى: (لمن شاء منكم أن يستقيم. وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) فلكمال ربوبيته لا يقع شيء في السموات والأرض إلا بمشيئته تعالى.
    وأما الأمور التي تقع على العبد أو منه بغير اختياره كالمرض والموت والحوادث فهي بمحض القدر وليس للعبد اختيار فيها ولا إرادة.
    والله الموفق.

    [الْمَصْدَرُ]
    مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ج2.

    فتاوى واستشارات الإسلام اليوم (2/ 312، بترقيم الشاملة آليا)
    الجبر والاختيار
    المجيب د. أحمد بن عبد اللطيف العبد اللطيف
    الأستاذ بقسم العقيدة بجامعة أم القرى
    العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالقدر
    التاريخ 1/ 8/1423هـ
    السؤال
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    نحمد الله-سبحانه وتعالى- على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وعليه نتوكل وبه نستعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، عليه الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه أجمعين. إخوتنا في الله .. كنت قد قرأت على شبكة الإنترنت في موقع لفضيلة الشيخ ابن باز فتوى كانت رداً على سؤال يقول: " بعض الناس يقولون: إن كل الأعمال التي يعملها الإنسان هي من إرادة الله فنرجو أن توضحوا لنا: هل الإنسان مخير أم مسير؟ " وكان أهم ما استرعى اهتمامي في هذه الفتوى هو الآتي: " والإنسان مخير؛ ومسير، مخير لأن الله أعطاه إرادة، كما قال - عز وجل - "لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين" [التكوير:28،29].

    لكن هذه الإرادة وهذه المشيئة لا تقع إلا بعد مشيئة الله - سبحانه وتعالى - فما يقع في العباد، وما منهم كله بمشيئة من الله سابقة وقدر سابق، فالأعمال والأرزاق والآجال والحروب وانتزاع ملك، وقيام دولة، كله بمشيئة الله - سبحانه وتعالى - فالطاعات بقدر الله والعبد مشكور عليها ومأجور، والمعاصي بقدر الله والعبد ملوم عليها ومأزور آثم، والحجة قائمة، فالحجة لله وحده - سبحانه -، قال - تعالى -: "قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم " [الأنعام:149]، وقال - سبحانه وتعالى -: "ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين" [الأنعام:35] يقول المفتي في بداية فتواه: إن الإنسان هو مخير ومسير ثم ما يلبث أن ينفي صفة التخيير عن الإنسان، إذ لو كان ما يختاره المرء من عقيدة يجعله منهاجه، وعمل يؤجر أو يعاقب عليه، هما مشيئة إلهية سبقت مشيئة العبد، فأين إذا هي إرادة العبد وخياره؟ إن ما يقع في العباد من قضاء وقدر هو من إرادة الله، فلا جدال في ذلك، ولكن ما يقع منهم من عمل، صالحاً كان أم سيئاً، فكيف يكون من عند الله؟ بل كيف يرمى العبد في النار ما دام ذنبه ليس بإرادته ولا باختياره؟ ألم يقترن الإيمان بالعمل في العديد من الآيات الكريمة؟ قال-تعالى-: "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون" [التين:6] …غير ممنون، فكيف يمن على المرء بأجره عن عمل هو بإرادته؟ جزاكم الله عنا كل خير، وجعلكم ذخراً لهذه الأمة، نريد رداً شافياً في هذا الموضوع، مدعوماً بالنصوص الكريمة.
    الجواب
    السؤال عبارة عن إشكال وقع فيه السائل مما سمعه من بعض الفتاوى، وفيه يقول: "إن ما يقع في العباد من قضاء وقدر هو من إرادة الله فلا جدال في ذلك، ولكن ما يقع منهم عملاً صالحاً كان أم سيئاً فكيف يكون من عند الله؟ بل كيف يرمى العبد في النار مادام ذنبه ليس بإرادته ولا باختياره ... " إلخ.
    وإجابة على هذا الإشكال نقول:

    ........................
    وقد سئلت اللجنة الدائمة عن سؤال مشابه فأجابت عنه، فإليك السؤال والإجابة
    س: مضمونه أن نقاشاً دار بين جماعتين، مبناه عن الإنسان، هل هو مسير أو مخير؟ والمطلوب الإرشاد إلى الصواب في ذلك على ضوء الكتاب والسنة.

    فأجابت اللجنة: أولاً: ثبت أن الله - تعالى - وسع كل شيء رحمة وعلماً وكتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة، وعمت مشيئته وقدرته كل شيء ............................
    ثم ذكر كل فتوى اللجنة الدائمة التي سبقت ........

    فتاوى واستشارات الإسلام اليوم (2/ 342، بترقيم الشاملة آليا)
    الإنسان بين التسيير والتخيير
    المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
    عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
    العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالقدر
    التاريخ 25/ 08/1425هـ
    السؤال
    هل الإنسان مُسَيَّرٌ أم مُخَيَّرٌ؟!
    الجواب
    الحمد لله، وبعد:
    الملائكة والشياطين والإنس والجن، وجميع ما في هذا الوجود، كله خلق الله، وكله واقع بتقدير الله وقضائه ومشيئته وبقدرته، فالشياطين وأعمالهم، والكفرة وأعمالهم، لا خروج لأحد منهم عن مشيئته سبحانه، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، والله تعالى خلَق الخير والشر، وخلق هذه الأضداد لحكم بالغة، منها ما يظهر للعباد، ومنها ما يخفى عليهم، وهو الأكثر، فإن عقول العباد لا تحيط بما لله من الحِكم البالغة في شرعه وقدره، وقد جعل الله الملائكة والشياطين ضدين، فالملائكة عباد مكرمون مطيعون عابدون لربهم، يحبون ما يحبه الله، ويبغضون ما يبغضه، ويدعون إلى مراضيه، يحبون المؤمنين ويستغفرون لهم، والشياطين أشرار يحبون ما يبغضه الله، ويدعون إلى معاصيه والكفر به، ويحبون الكافرين ويؤذون المؤمنين، ولهذا فكل إنسان قد ابتلي بقرين من الجن يوسوس له ويزين له القبيح، وبقرين من الملائكة يزين له الخير ويدعوه إليه، ولهذا يُروى في الحديث: "إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ثُمَّ قَرَأَ: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) الْآيَةَ". أخرجه الترمذي (2988) من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- ورُوي موقوفا عليه.

    وأما هل الإنسان مخير أم مسير؟ فهذا اللفظ لم يرد في الكتاب ولا في السنة، بل الذي دلاَّ عليه أن الإنسان له مشيئة ويتصرف بها، وله قدرة على أفعاله، ولكن مشيئته محكومة بمشيئة الله كما قال تعالى: (لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير:28، 29]. فليست مشيئته مستقلة عن مشيئة الله، ولفظ: مخير ومسير. لا يصح إطلاقهما، فلا يقال: الإنسان مسير. ولا يقال: إنه مخير. بل لابد من التفصيل، فإن أريد أنه مسير بمعنى أنه مجبور ولا مشيئة له، ولا اختيار، فهذا باطل، وإن أريد أنه مسير بمعنى أنه ميسر لما خلق له، وأنه يفعل ما يفعل بمشيئة الله وتقديره، فهذا حق، وكذلك إذا قيل إنه مخير وأريد أنه يتصرف بمحض مشيئته دون مشيئة الله، فهذا باطل، وإن أريد أنه مخير بمعنى أن له مشيئة واختيارًا وليس بمجبر، فهذا حق، وأوسع كتاب تضمن الكلام عن القدر ومراتبه وعن أفعال العباد كتاب (القضاء والقدر والحكمة والتعليل) للإمام ابن القيم- رحمه الله. والله أعلم.

    فتاوى دار الإفتاء المصرية (10/ 125، بترقيم الشاملة آليا)
    الإنسان مسير أم مخير

    المفتي
    عطية صقر.
    مايو 1997

    المبادئ
    القرآن والسنة

    السؤال
    هل الإنسان مسير أم مخير؟

    الجواب
    الله سبحانه خلق الإنسان وعلم ما سيكون عليه من خير وشر، وجعله قابلا للطاعة والمعصية، وكلفه بأمور ينفذها وترك له الحرية في اختيار التنفيذ وعدم التنفيذ، ليكون محاسبا أمام اللَّه على ما فعله بحريته واختياره من طاعة أو معصية، والإنسان لا يعلم ما قدر له في علم اللَّه إلا بعد وقوع المقدر، ولو أقدم على فعل محرم متعللا بأنه مقدر عليه فهو مخطئ فى هذا التعلل، لأنه ربما يحول بينه وبين فعل المحرم حائل يمنعه، وهنا يعلم أنه لم يُقدر عليه.
    فالإنسان مخير في الأمور التكليفية التى يستطيع فعلها أو تركها بحريته واختياره، أما الأمور التى لا تقع تحت حريته واختياره، كالكوارث العامة من الزلازل والبراكين والعواصف والسيول وغيرها فهو فيها مسير.
    ثم أقول: لماذا يكثر السؤال فى هذا الموضوع، وبخاصة من يقول: إن المعاصى مقدرة علينا فلماذا نعاقب عليها ونحن مرغمون لا مفر لنا من القضاء والقدر؟ إن اللَّه سبحانه علم أن أبا لهب لن يؤمن بسيدنا محمد، ومع ذلك أمر اللَّه نبيه أن يطلب منه الإيمان، ليكون إيمانه وعدم إيمانه بحريته واختياره، فاختار أبو لهب الكفر، واستمر على ذلك حتى مات كافرا، وهنا علم تماما أن اللَّه سبحانه قضى في علمه أن أبا لهب سيختار الكفر ويموت عليه.
    ثم أقول: لماذا يسأل الناس عن تقدير المعاصى لتبرير فعلها لأنها قضاء اللَّه حتى لا يعاقب عليها، ولا يسأل عن تقدير الطاعات، ويطالب بالثواب عليها، مع أن المعاصى والطاعات مقدرة فى علم اللَّه؟ إن الإنسان هنا فى الطاعات حريص على أن ينال الثواب على طاعته لأنها عمله. وفى المعاصى حريص على أن يفر من العقاب على معصيته لأنها ليست عمله - فى ادعائه -بل مقدرة عليه.
    لا ينبغى أن يغالط الإنسان نفسه، فهو مسئول عن كل شيء فعله بحريته واختياره من خير أو شر، قال تعالى {كل امرئ بما كسب رهين} الطور:
    21، وقال تعالى {كل نفس بما كسبت رهينة} المدثر: 38، إن الأمر لو كان كما يريد هؤلاء من تقدير كل الأمور علينا وعدم الحساب عليها ما كانت هناك حاجة إلى إرسال الرسل ولا إلى البعث ولا إلى الحساب ولا إلى الجنة والنار

    فتاوى الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان من الشاملة الجديدة (ص: 82)
    السؤال 89: هل نحن مسيرون أم مخيرون؟
    الجواب: نحن مسيرون ومخيرون معاً ولم يسألنا ربنا عما نحن مسيرون فيه، فألوان بشرتنا، ومكان ووقت مولدنا، وأطوالنا، وماشابه فهذه لا نسأل عنها، وهذا أمر لم نخير ولا نحاسب عليه.
    لكن نحن مخيرون في أعمالنا وأفعالنا ونسأل عنها بين يدي الله عز وجل، والله أعلم.

    فتاوى موقع الألوكة (/ 1)
    العنوان: شبهات
    رقم الفتوى: 1959
    -----------------------------------------
    السؤال:
    يقول الله - عزَّ وجلَّ -: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69]، ويقول: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} [القصص: 56]، كما أن الله - تعالى - كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة؛ فهل الإنسان مسيَّرٌ أم مخيَّرٌ؟ وما ذنب مَنْ يولد يهوديّاً أو نصرانيّاً، ليكون مصيره إلى النار؟
    -----------------------------------------
    الجواب:
    .............

    ........................ وبناءً على هذا؛ فإن الإنسان مسيَّرٌ؛ لأنه لا يخرج بشيءٍ من أعماله كلها عن قدرة الله تعالى ومشيئته، ومخيَّرٌ في أفعاله من خير أو شرٍّ، ولم يُكرهْهُ أحدٌ على انتهاج هذا المسلك أو ذاك، فالتَّسيير المحضُ: هو أن يهمَّ المرءُ بفعلٍ؛ فلا يجد الوسيلة لفعله، والتَّخيير المحضُ: هو أن يقوم بأفعاله من غير أن تكون محدَّدة له سلفاً.

    الفتاوى العامة (للشيخ عبد الرحمن السحيم) (1/ 73)
    29 - معنى الأيمان بالقدر؟ وهل الإنسان مسير أو مخير
    ( ... السؤال ... )
    ما معنى الأيمان بالقدر؟ وكيف نحن مخيرين وفي نفس الوقت مجبرين؟
    ( ... الجواب ... )
    أما القدر فهو تقدير الله للكائنات حسبما سبق به علمه واقتضته حكمته. والإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان الستة التي لا يصحّ إيمان العبد إلا بتحقيقها.والإيم ن بالقدر خيره وشرّه، وأنه من عند الله، وأن الله لم يخلق شرّاً محضا يعني خالصاً، كما كان النبي صلى الله عليه على آله وسلم يقول في دعائه: والشرّ ليس إليك. رواه مسلم. ولكن قد يكون الشرّ في المقضيات كما في قوله عليه الصلاة والسلام: وقِني شرّ ما قضيت. فأضاف الشرّ إلى ما قضاه، ومع ذلك ليس شراّ خالصاً، بل يكون شرّ من وجه خير من وجه.
    وبالمثال يتّضح المقال:إنسان يُصاب بموت ولد له، فهذا بالنسبة له شرّ، ولكن ما أعدّ الله له من الأجر، وما صرف عنه من الفتنة بهذا الولد لو عاش أعظم من المصيبة.ولذا قال الله عز وجل فيما يتعلق بحادثة الإفك: (لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) وأما معنى أن الإنسان مسيّر ومُخيّر في نفس الوقت فهذا يحتاج إلى تفصيل. مسيّر فيما لا يدَ له فيه، مُخيّر فيما له تصرّف فيه ومثاله:إنسان ذهب بسيارته إلى مدينة أخرى، ثم وقع له حادث فالذهاب مُخيّر فيه والحادث مُسيّر فيه. مثال آخر: إنسان يصعد سلّم فسقط، فصعود السِّلّم مُخيّر فيه لأنه بمشيئته وإرادته، والسقوط ليس باختياره فهو ليس مُخيّر فيه، إذ لو خُيّر لما اختار السقوط.وللإنسان مشيئة ولكنها تحت مشيئة الله، قال سبحانه: (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) والله أعلم.

    مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية لعثمان ضميرية (ص: 62)
    فشغل المسلمون أنفسهم بذلك: هل الإنسان مسيَّر أم مخيَّر؟ وإذا كان كذلك فهل هو مسئول عن عمله؟ وما حدود هذه المسئولية؟ وغير ذلك من الأسئلة التي طرحت في أعقاب التعمق في هذه المسألة مع البعد عن منهج السلف في العمل والعبودية والخضوع لله، فإذا انضم إلى ذلك محاولة كل فريق أن يسند رأيه بآية أو حديث، يضعهما في غير موضعهما، أو يؤولهما ليؤيد رأيه بذلك، أو يأخذ بعض النصوص ليعارض بها نصوصا أخرى؛ إذا انضم هذا إلى ذاك علمنا مقدار الخسارة والجهد الذي أضاعه المسلمون في بحث هذه المشكلات والتعمق فيها والرد على أصحابها، وإن كان ذلك لا بد منه لرد الشبهات وإقامة الحجة1.
    __________
    1 راجع: "التفكير الفلسفي في الإسلام"، "129 - 133"، "نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام": 1/ 229 - 233، "المذاهب الإسلامية" ص99 - 102. وعن الإيمان بالقدر وموقف السلف والنهي عن التعمق فيه انظر: "شرح العقيدة الطحاوية" ص250 - 280، واقرأ ما كتبه الأستاذ سيد قطب -رحمه الله- في "خصائص التصور الإسلامي ومقوماته" القسم الأول ص143 - 154 عن التوازن بين مجال المشيئة الإلهية الطليقة، ومجال المشيئة الإنسانية المحدودة.

    العقائد الإسلامية للسيد سابق (ص: 14)
    وأشهر الخلافات التى وسَّعَت الهُوّة بين الأمة الواحدة، هو ما وقع من خلاف بين الأشاعرة والمعتزلة.
    وكان أهم الموضوعات التى ثار حولها الخلاف هى ما يأتى:
    1 - هل الإيمان تصديق فقط، أو هو تصديق وعمل؟
    2 - هل صفات الله الذاتية ثابتة، أو منفية عنه؟
    3 - هل الإنسان مُسيّر، أو مُخيّر .. ؟

    شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي - محمد حسن عبد الغفار (30/ 12، بترقيم الشاملة آليا)
    هل الإنسان مسير أم مخير؟
    الناس في الإجابة على هذا السؤال فرق ثلاث: ففرقة غلت وفرقة جفت وفرقه وتوسطت، فكان في الأولى إفراط، وعند الثانية تفريط، أما الثالثة فوسط بين الإفراط والتفريط.
    أما الذين غلو فهم القدرية إذ قالوا: الإنسان مخير في كل شيء، حتى أفعال العباد، فالعباد -عندهم- يخلقون أفعال أنفسهم، وجل وعلا -بزعمهم- لا يعلم أفعال العباد حتى يعملها العامل، ومن القدرية من يثبت علم الله لعمل العبد وينفي عن الله خلق أفعال العباد، فلم ينفقوا عن الله صفة العلم.
    أما غلاة القدرية فقد نفوا العلم فقالوا: الله لا يعلم بعمل العبد حتى يعمله، فالإنسان عندهم مخير على الإطلاق.
    وبعكس قول القدرية قالت الجبرية إذ الإنسان عندهم مسير على الإطلاق، فلا خيار له ولا اختيار ولا مشيئة ولا إرادة كما قال بعضهم: ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء ولذلك كان متنطعهم قولهم: الشيطان أكبر عابد لله جل وعلا -لأنه مسير- فإن الله أجبره على ما فعل فرضي بما فعل وهو خاضع لله جل وعلا.
    أما أهل السنة والجماعة فهم وسط بين الفريقين إذ قالوا: الإنسان مسير مخير، فالإنسان مخير في فعله، فهو مخير في اختياره لزوجته، واختياره لعمله، واختياره لدينه، ألا ترى أن من شاء أن يدخل في النصرانية يدخل، ومن أراد الإسلام دخل في الإسلام، ومن أراد الكفر فعل الكفر، ومن أراد الزنا فعل الزنا ولا مجبر لهم، له، فالإنسان مخير في إرادته، ومخير في طلبه، وكفه، في منعه، وعطائه، وهو -أي الإنسان- مسير في موته، في طوله وقصره، في سواده وبياضه فلم يتحكم امرئ بلونه فقال: أريد أن أكون أبيض البشرة، بل ما خلقك الله عليه فأنت مسير به، كما أنه في اختيار في هذه ومسير من ناحية أخرى وهو أن مشيئته تابعة لمشيئة الله جل وعلا، قال الله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:30] جل وعلا.

    شرح كتاب الإبانة من أصول الديانة لحسن أبو الأشبال (43/ 4، بترقيم الشاملة آليا)
    هل الإنسان مخير أم مسير؟
    قال: [فهذا ونحوه من كتاب الله عز وجل مما يستدل به العقلاء من عباد الله عز وجل المؤمنين على أن الله عز وجل خلق خلقاً من عباده أراد بهم الشقاء].
    قوله: (أراد بهم الشقاء)، الإرادة هنا إرادة كونية قدرية، لكن قد يتوجه سؤال وهو: إذا كان الله تعالى قبل أن يخلق العبد كتبه من أهل الشقاء، وأراد به الشقاء، ولأجله خلق النار، فلم يعذبه على ذلك؟! على أية حال الإرادة إرادة شرعية دينية مبناها على المحبة والرضا، كالصلاة والصيام والزكاة والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبر الوالدين والإحسان إلى الجيران وغير ذلك، ومع هذا فإنها إرادة كونية، بمعنى: أنها تقع في الكون، وعليه فكل إرادة شرعية دينية هي كذلك قدرية كونية، وليس العكس.
    وكأن السؤال المطلوب على ألسنة العامة: هل الإنسان مسير أم مخير؟ هو في حقيقة الأمر مخير بعد البلاغ، فلما علم الله تعالى أزلاً أن عبده بعد البلاغ سيختار الضلال كتبه مع الأشقياء، وهذا منتهى العدل، فالله تعالى قبل أن يخلقك وهو العليم الخبير يعلم كل شيء في الأزل، بلا أول ولا آخر؛ لأن علمه يختلف عن كل مخلوق من المخلوقين.

    شرح كتاب الإبانة من أصول الديانة (47/ 7، بترقيم الشاملة آليا)
    ولذلك يقول هنا: فكل فعل له وجهان: وجه قائم بالرب تعالى، وهو قضاؤه وقدره، وعلمه به سبحانه وتعالى.
    ووجه قائم بالعبد، وهو ما يصدر عنه من أفعال، والعبد له ملاحظتان كما سيأتي.
    إذاً: اتفقنا أن ما يقع في الكون من أقوال وأفعال لها وجهان: وجه متعلق بالرب تبارك وتعالى، ووجه متعلق بالعبد، من أجل ألا تقول بعد ذلك: أنا مسير في فعل هذا الفعل، والسؤال هذا دائماً يطرح كثيراً: هل أنا مسير أم مخير في أقوالي وأفعالي؟

    شرح كتاب الإبانة من أصول الديانة (50/ 18، بترقيم الشاملة آليا)
    ونقول: إن الإرادة الكونية القدرية دون الشرعية تكون من العبد إرادة واكتساباً، وتكون من الرب تبارك وتعالى إيجاداً وخلقاً، فالله تعالى هو الذي أذن في وقوع الكفر في الكون، ولو أراد الله تعالى أزلاً ألا يقع في الكون كفر لما وقع، وما استطاع أحد أن يكفر، حتى وإن أراد الناس الكفر لا يكفرون إلا بإرادة الله؛ لأنه لا يكون في ملك الله إلا ما أراد، لكن بعض الناس يخلط بين الإرادة الشرعية التي مبناها على المحبة والرضا الموافقة للشرع، وبين الإرادة الكونية القدرية، فالله تعالى أذن في هذا وأذن في ذاك، أذن في الشرعية لأنه أحبها ورضيها وأمر بها، وأذن في القدرية ومنها الموافق للشرع ومنها المخالف؛ والمخالف أذن فيه الله تعالى ابتلاء للعبد، حتى إذا تاب تاب الله عز وجل عليه، وإذا لم يتب فهو في مشيئة الله إن كان موحداً، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه، وإذا كان كافراً اختار الكفر اختياراً بإرادته، وهذا هو الذي يجاب به عن السؤال
    هل الإنسان مسير أم مخير؟ فأنت تختار الطريق بإرادتك، ومن قبل قلنا: لو أن إنساناً أمامه هدف، والموصل إلى الهدف طريقان: أحدهما: معبد، والآخر غير معبد، وقلنا له: اسلك أحد الطريقين فوراً، فإنه سيسلك الطريق المعبد الممهد بعيداً عن الشوك والحجارة والطوب وغير ذلك، والذي سيوصله إلى الهدف بسرعة، وهذا هو اختيار العقل، إذاً فلم تختار طريق المعصية في حياتك وأنت تعلم أنها معصية، وأنها تؤدي إلى النار؟ ثم تقول: الله تعالى هو الذي قدر علي ذلك؟ لم لمْ تسلك هذا الطريق الممتلئ بالشوك وتقول: هو الذي قدر علي ذلك؟ إذاً أنت مختار مريد للمعصية، ووقعت منك بإذن من الله تعالى؛ لأنه لا يكون في ملك الله من خير أو شر إلا بإرادته وإذنه وخلقه وإيجاده، فالمعصية في باب الخلق والإيجاد لله عز وجل، وفي با

    المختصر فى مسائل القضاء والقدر لوليد كمال شكر (ص: 13)
    المرتبة الثالثة الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة
    المشيئة والقدرة من صفات الله عز وجل ومعني هذه المرتبة من مراتب القضاء والقدر أن نؤمن بأن ما في الكون من حركة أو سكون و لا خير أو شر ولا أفعال اضطرارية
    ولا اختيارية للمخلوقين إلا بمشيئة الله وقدرته وإرادته، فما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن قال تعالي {من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله علي صراط مستقيم}.
    ومما سبق تتضح لنا الإجابة الصحيحة علي السؤال الذي يقول.
    هل الإنسان مسير أم مخير؟
    والجواب هو ميسر فليس مسيرا بمعني أنه مجبور علي فعله فإن له مشيئة في فعله وليس مخيرا بمعني أنه لا سلطان لله عليه، فإن لله مشيئة في فعله إذاً هو مخير له قدرة ومشيئة ولكن قدرته ومشيئته تحت مشيئة الله وقدرته قال تعالي {لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين}
    ونحن عندما نثبت لله مشيئة في فعل العبد ننزه الله عن أن يوجد شئ في الكون
    دون إرادته أو رغماً عنه فمن نفي مشيئة الله فهو يقول إن أفعال العباد وجدت

    هل الإنسان مسير أو مخير كتبه: د. نايف بن أحمد الحمد
    قاضي المحكمة العامة بمحافظة رماح (ص: 1)
    هل الإنسان مسير أو مخير
    الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد: فهذا السؤال مما يكثر طرحه وتسبب سوء فهمه لبعض الناس بترك العمل - العبادات مع اقترافه للمحرمات - محتجا بالقدر والجواب يحتاج إلى بسط وذكر لفتاوى العلماء الموضحة لذلك فأقول مستعينا بالله تعالى: إن التصديق بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان ولا يتم إلا بأربعة أمور:
    الأول: الإيمان بأن الله تعالى عالم بكل صغيرة وكبيرة جملة وتفصيلا
    قال تعالى (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (المائدة:97) وقال تعالى (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الحجرات:16) وقال تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (المجادلة:7) وقال تعالى (يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور ِ) (التغابن:4).
    الثاني: الإيمان بأن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء

    هل الإنسان مسير أو مخير كتبه: د. نايف بن أحمد الحمد
    قاضي المحكمة العامة بمحافظة رماح (ص: 8)
    وسئل شيخنا العلامة ابن عثيمين -رحمه الله تعالى - مثل هذا السؤال (هل الإنسان مسير أو مخير؟) فأجاب -رحمه الله تعالى - " على السائل أن يسأل نفسه هل أجبره أحد على أن يسأل هذا السؤال وهل هو يختار نوع السيارة التي يقتنيها؟ إلى أمثال ذلك من الأسئلة وسيتبين له الجواب هل هو مسير أو مخير ثم يسأل نفسه هل يصيبه الحادث باختياره؟ هل يصيبه المرض باختياره؟ هل يموت باختياره؟ إلى أمثال ذلك من الأسئلة وسيتبين له الجواب هل هو مسير أو مخير. والجواب: أن الأمور التي يفعلها الإنسان العاقل يفعلها باختياره بلا ريب واسمع إلى قول الله تعالى-: (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً) (النبأ:39) - وإلى قوله تعالى (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) (آل عمران:152) وإلى قوله تعالى (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) (الإسراء:19) وإلى قوله تعالى (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (البقرة:196) حيث خير الفادي فيما يفدي به. ولكن العبد إذا أراد شيئاً وفعله علمنا أن الله -تعالى -قد أراده -لقوله -تعالى-: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (التكوير:29) فلكمال ربوبيته لا يقع شيء في السموات والأرض إلا بمشيئته تعالى، وأما الأمور التي تقع على العبد أو منه بغير اختياره كالمرض والموت والحوادث فهي بمحض القدر وليس للعبد اختيار فيها ولا إرادة. والله الموفق." ا. هـ


    وقال -رحمه الله تعالى - " هل الإنسان مسير أو مخير؟ وهل له إرادة أو ليس له إرادة؟ فنقول: الإنسان مخير إن شاء آمن وإن شاء كفر بمعنى أن له الاختيار وإن كان ليس سواءً لا يستوي الكفر والإيمان لكن له اختيار أن يختار الإيمان أو أن يختار الكفر وهذا أمرٌ مشاهدٌ معلوم فليس أحدٌ أجبر الكافر على أن يكفر وليس أحدٌ أجبر المؤمن على أن يؤمن بل الكافر كفر باختياره والمؤمن آمن باختياره كما أن الإنسان يخرج من بيته باختياره ويرجع إليه باختياره وكما أن الإنسان يدخل المدرسة الفلانية باختياره ويدخل الجامعة الفلانية باختياره وكما أن الإنسان يسافر باختياره إلى مكة أو إلى المدينة أو ما أشبه ذلك وهذا أمرٌ لا إشكال فيه ولا جدال فيه ولا يمكن أن يجادل فيه إلا مكابر نعم هناك أشياء لا يمكن أن تكون باختيار الإنسان كحوادث تحدث للإنسان من انقلاب سيارة أو صدم أو سقوط بيتٍ عليه أو احتراق أو ما أشبه هذا هذا لا شك أن لا اختيار للإنسان فيه بل هو قضاءٌ وقدر ممن له الأمر ولهذا عاقب الله سبحانه وتعالى الكافرين على كفرهم لأنهم كفروا باختيارهم ولو كان بغير اختيارٍ منهم ما عوقبوا ألا ترى أن الإنسان إذا أكره على الفعل ولو كان كفراً أو على القول ولو كان كفراً فإنه لا يعاقب عليه لأنه بغير اختيارٍ منه ألا ترى أن النائم قد يتكلم وهو نائم بالكفر وقد يرى نفسه ساجداً لصنم وهو نائم ولا يؤاخذ بهذا لأن ذلك بغير اختياره فالشيء الذي لا اختيار للإنسان فيه لا يعاقب عليه فإذا عاقب الله الإنسان على فعله السيئ دل ذلك على أنه عوقب بحقٍ وعدل لأنه فعل السيئ باختياره , وأما توهم بعض الناس أن الإنسان مسير لا مخير من كون الله سبحانه وتعالى قد قضى ما أراد في علمه الأزلي بأن هذا الإنسان من أهل الشقاء وهذا الإنسان من أهل السعادة فإن هذا لا حجة فيه وذلك لأن الإنسان ليس عنده علمٌ بما قدر الله سبحانه وتعالى إذ أن هذا سرٌ مكتوم لا يعلمه الخلق
    فلا تعلم نفسٌ ماذا تكسب غداً وهو حين يقدم على المخالفة بترك الواجب أو فعل المحرم يقدم على غير أساس وعلى غير علم لأنه لا يعلم ماذا كتب عليه إلا إذا وقع منه فعلاً فالإنسان الذي يصلي لا يعلم أن الله كتب له أن يصلي إلا إذا صلى والإنسان السارق لا يعلم أن الله كتب عليه أن يسرق إلا إذا سرق وهو لم يجبر على السرقة ولم يجبر المصلي على الصلاة بل صلى باختياره والسارق سرق باختياره ولما حدث النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بأنه (ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار) قالوا: يا رسول الله ألا ندع العمل ونتكل؟ قال: (لا اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق له) فأمر بالعمل والعمل اختياري وليس اضطرارياً ولا إجبارياً فإذا كان يقول - عليه الصلاة والسلام- (اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق له) نقول للإنسان اعمل يا أخي صالحا اعمل صالحاً حتى يتبين أنك ميسر لعمل أهل السعادة وكلٌ بلا شك إن شاء عمل عملاً صالحاً وإن شاء عمل عملاً سيئاً ولا يجوز للإنسان أن يحتج بالقدر على الشرع فيعصي الله ويقول هذا أمرٌ مكتوب علي يترك الصلاة مع الجماعة ويقول هذا أمر مكتوب علي يشرب الخمر ويقول هذا أمر كتب علي يطلق نظره في النساء الأجنبيات ويقول هذا أمرٌ مكتوبٌ علي ما الذي أعلمك أنه مكتوبٌ عليك فعملته , أنت لم تعلم أنه كتب إلا بعد أن تعمل لماذا لم تقدر أن الله كتبك من أهل السعادة فتعمل بعمل أهل السعادة , وأما قول السائل هل للإنسان إرادة؟ نقول: نعم له إرادة بلا شك قال الله تبارك وتعالى (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) (آل عمران: 152) وقال تعالى (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) (الإسراء: 19) وقال تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي
    الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) (الشورى:20) والآيات في هذا معروفة وكذلك الأحاديث معروفة في أن الإنسان يعمل باختيار وإرادة ولهذا إذا وقع العمل الذي فيه المخالفة من غير إرادة ولا اختيار عفي عنه قال الله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (البقرة:28) فقال الله: قد فعلت. وقال تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ) (الأحزاب:5) وهذا أمرٌ ولله الحمد ظاهر ولا إشكال فيه إلا على سبيل المنازعة والمخاصمة , والمنازعة والمخاصمة منهيٌ عنهما إذا لم يكن المقصود بذلك الوصول على الحق وقد خرج النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ذات يوم على أصحابه وهم يتنازعون في القدر فتأثر من ذلك عليه الصلاة والسلام لأن هذا النزاع لا يؤدي إلى شيء إلا إلى خصومة وتطاول كلام وغير ذلك وإلا فالأمر واضح ولله الحمد." ا. هـ
    كما سئلت اللجنة الدائمة عن ذلك؟


    فأجابت اللجنة: أولاً: ثبت أن الله - تعالى - وسع كل شيء رحمة وعلماً وكتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة .............................. .................
    ثم ذكر فتوى اللجنة الدائمة التي ستأتي فيما بعد
    دروس للشيخ سعيد بن مسفر (92/ 21، بترقيم الشاملة آليا)
    حكم القول بأن الإنسان مسير أو مخير


    السؤال
    كيف تقولون لمن يقول: إن الإنسان مسير، وليس مخيراً؟
    الجواب
    قضية (مسير، ومخير) هذه واضحة جداً، وأنا أبين لكم بمثال: الإنسان هل هو مسير أم مخير؟ أقول لكم: الإنسان مسير ومخير، ففيما لا يستطيع عليه وليس من اختصاصه هو مسير، مثل الخلق، لما خلق الإنسان مسير هو أم مخير؟ لا شك أنه مسير، هل اختار هو خلق نفسه؟ لا.
    في اختيار اللون والنوع والبلد والشكل والطول والعرض وذكر وأنثى وأبيض هل هو مسير أم مخير؟ مسير، ثم إذا بلغ سن التكليف يبدأ عنده هنا التخيير {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس:7 - 8] إلى أن يموت، فإذا مات يصبح مسيراً، يموت رغماً عنه، وضربت مرة على هذا مثال: إذا ركبت الطائرة من جدة إلى الرياض، أنت في الرحلة في الخط نفسه من جدة إلى الرياض مسير ولست مخيراً، لا تقدر عندما تصل القصيم تقول: (وقف يا ولد، على جنب) وإذا رأيت مزرعة أو وادياً أو جبلاً وقلت: والله نريد نقيل فيها، هل يمكن؟ لا.
    الرحلة مسيرة متجهة من جدة إلى الرياض، والركاب كلهم مسيرون، لكنك مخير وأنت في الكرسي من حقك أن تنام، أو تستيقظ، أو تقرأ جريدة، أو تقرأ في المصحف، أو تفتح النافذة التي بجانبك وتنظر، أو تسترخي قليلاً، أنت في هذا مخير.
    فهكذا الحياة من البداية في الخلق إلى الموت أنت فيها مسير، لكن أثناء الرحلة وفي حدود دائرتك أنت مخير، تستطيع تصلي وتستطيع ألا تصلي، تستطيع تغني أو تقرأ القرآن، أو أن تتزوج أو تزني، أو تشرب الخمر أو تشرب الحليب، أو تعمل الطيبات أو تعمل السيئات، هذه بين يديك، ولهذا لست مسيراً في هذا؛ لأنك إذا كنت مسيراً في هذا كيف الله يؤاخذك وأنت مسير؟ لا يؤاخذك الله إلا في الأمر الذي خيرك فيه تبارك وتعالى.


    دروس للشيخ سعيد بن مسفر (71/ 5، بترقيم الشاملة آليا)
    الإنسان أمام التسيير والتخيير المكتوب عليه
    الآن الناس يموتون بغير اختيار، ولو أن الموت بالاختيار هل هناك أحد يموت؟ كل شخص لا يريد أن يموت، حسناً حينما يُخلقون يخلقون باختيار أم بغير اختيار؟ من الذي جيء إليه وهو في بطن أمه وقالوا له: ما رأيك تريد أن تخلق أم لا؟ إن الإنسان يخلق رغم أنفه وبغير اختياره، كذلك التحديد في النوعيات ذكر أو أنثى ليس باختياره.
    بعد ذلك اللون الطول العرض الذكاء المواهب الزمن العمر كل هذه بغير اختيار، أنت أتيت ولم يؤخذ رأيك في كل قضاياك، وبعد ذلك تعيش فترة الحياة وأنت باختيار، لكن تموت بغير اختيار.
    وهنا يبدو جواب على الناس الذين يقولون: الإنسان مسير أم مخير؟ نقول: هو مسير ومخير.
    كيف؟ مثل الراكب الآن في الطائرة؛ عندما تركب من هنا إلى الرياض أو من هنا إلى جدة، أنت في عموم الرحلة مسير، هل تستطيع أن تنزل في الطائف؟ أو عندما تنظر إلى وادٍ وأنت فوق الطائرة تقول له: قف قف لأجل أن نقيل في هذا المكان، أو: متعب نريد أن نجلس هنا، لا، رحلة مصممة من أبها إلى جدة، لا تذهب إلا من هذا الخط فقط ولا يمكن أن تمر إلى غيرها، فأنت مسير، ولكن يمكنك أن ترقد على كرسيك، ويمكنك أن تقرأ جريدة أو قرآناً، وتقدر أن تأكل، أو لا تأكل، فأنت مخير في حدود كرسيك، لكن مع العموم مسير مع الناس كلهم، وكذلك أنت أيها الإنسان! مسير يوم خلقت، ومسير يوم تموت، ومخير بين الحياة والموت؟!! بإمكانك أن تهتدي، ومن يمنعك من الهداية؟ وبإمكانك أن تضل، ومن يمنعك من الضلال؟ إذا أذن المؤذن وأنت جالس في البيت فهل هناك قوة -إذا أردت أن تقوم وتصلي- تستطيع أن تأتي وتضغط على أرجلك وتشد عضلاتك وتضع (قف) على إمكاناتك ولا تقوم لتصلي؟ لا شيء يمنعك، لكن أنت لا تريد أن تقوم.
    وآخر يريد أن يقوم ليصلي، هل هناك من جاء وسحبه بأنفه وقال: قم فصلِّ؟ لا.
    ذهب إلى الصلاة باختياره، وذاك ترك الصلاة باختياره.
    وآخران قُدِمَ لهما شرابان حليب وخمر، فأحدهما قال: أنا أشرب الحليب فقط، لماذا؟ باختياره، والثاني قال: أريد الخمر، لماذا؟ باختياره، هل هذا أجبر على الحليب، وهذا أجبر على الخمر؟ لا، بالاختيار، فأنت بين الموت والحياة بين البقاء وبين الإجلاء بين الوجود والعدم في فترة اختيار، ولذا كانت هذه الفترة فترة اختيار وفترة تكليف وتبعة ومسئولية؛ لأنه لو لم يكن لديك الاختيار لم يكن عليك مسئولية، والله منزه عن الظلم، كيف يخلقك ويعطيك الاختيار ولا يجازيك؟ أو كيف يخلقك ولا يعطيك القدرة على الاختيار ويجازيك؟ أمعقول هذا؟! ولذا ترون أن المجنون الذي سلب العقل مرفوع عنه القلم؛ لأن التكليف منوط بالعقل، فإذا لم يعط إنساناً عقلاً فهل يعرف كيف يتصرف؟ هل يعرف متى يدخل الوقت فيقوم ويصلي؟ هل يعرف حلالاً وحراماً، هل يعرف واجباً وفرضاً؟ لا يعرف شيئاً فهو مجنون، فالله لعدله رفع عنه التكليف: (رفع القلم عن ثلاثة -يعني: المسئولية والعهدة- المجنون حتى يعقل، والصغير حتى يبلغ، والنائم حتى يستيقظ)، فلما لم يكن هناك عقل فليس هناك تكليف، لكن إذا وجد العقل ووجد الاختيار والقدرة على سلك سبيل الخير أو سلك سبيل الشر ثبت الاختيار، وثبتت معه العهدة والمسئولية؛ لأنك تعصي الله باختيارك فتحل النتيجة باختيارك، وتطيع الله باختيارك فتجد ثمرة اختيارك.
    ولا يقل أحد الناس: لا، أنا مكتوب عليَّ أن أعصي، ولهذا لا أستطيع إلا أن أعصي، لماذا تزني؟ كان مكتوباً.
    حسناً تعال إلى هذا الإنسان الذي يقول: مكتوب واضربه على وجهه بكفك، وإذا قال: لماذا ضربتني على وجهي؟ فقل له: مكتوب، والله كتب في الأجل أني سأضربك على وجهك، هل يرضى بالكتاب عليه بالصفعة هذه؟ ما رأيكم يرضى ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، جزاك الله خيراً، والله إنك صادق وأنه مكتوب علي.
    ويومه الثاني يرضى؟ لا، أبداً لا يرضى.
    حسناً هذا الرجل إذا استلم الراتب ووضعه في جيبه فقفزت وأخذت راتبه كله، وبعد ذلك يمسكونك ويقولون: ماذا بك؟ فتقول: الله كتب عليَّ أن أسرقه! هل هذا عذر يقبله الناس ويقبله هذا الذي أخذت عليه ماله؟ لا يقبل القضاء والقدر في ما يتعلق به، لكن في ما يتعلق بربه يقبله، يزني ويقول: إن الله كتب عليَّ ذلك، ويسرق ويقول: إن الله كتب عليَّ ذلك، ويشرب الخمر ويقول: إن الله كتب عليَّ ذلك سبحان الله!

    دروس للشيخ ياسر برهامي (8/ 24، بترقيم الشاملة آليا)
    فهذه من ثمرات الإيمان بكتابة المقادير، فقد كتب للإنسان وهو جنين في بطن أمه الأجل والرزق والعمل والشقاوة والسعادة وكذا الخواتيم التي يختم بها للإنسان؛ ولذلك فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لما أخبرهم بالكتاب قال: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، ولذلك فعندما نسأل: هل الإنسان مسير أم مخير؟ نقول: إنه ميسر، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ميسر لما خلق له)، وميسر هذه تثبت له إرادة وقدرة، وتثبت أن إرادة الله فوق إرادته ومشيئة الله فوق مشيئته، وهذا الأمر يكون الحديث عنه في قضية أثر الإيمان بالقدرة والإرادة الإلهية، وأثر الإيمان بخلق الله لأفعال العباد.
    أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم.

    الدار الآخرة - عمر عبد الكافي (27/ 2، بترقيم الشاملة آليا)
    فإن كان مؤمناً قيل له: اخرجي أيتها النفس المطمئنة إلى روح وريحان، ورب راض غير غضبان، هذا عندما يمشي على ما يرضي الله، وعندما لا يتفلسف، لأنه عندما تكثر الفلسفة فاعلم أن الإيمان قد قل، وأول ما تجد شخصاً يسأل في الجبر والاختيار، وهل نحن مسيرون أم مخيرون؟ فاعرف أن إيمانه ضعيف، مثله مثل التلميذ الفاشل، نسأل الله أن يبعد الفشل عن أبنائنا وأبناء المسلمين، فالولد الفاشل يضيع وقته باستمرار.
    علم التفسير كيف نشأ وتطور حتى انتهى إلى عصرنا الحاضر لعبد المنعم النمر (ص: 52)
    هل يكون من المقبول والمستساغ لدينا- إذا كنا فى حالة حرب أو طوارئ وتعبئة- أن نثير فى الصحف بحوثا ومجالات نظرية تشغل الأفكار وتمزقها، ولو حول بعض المسائل الدينية البعيدة عن جونا الذى نعيش فيه؟
    هل يستساغ أن نثير فى مثل هذه الحالة بحثا حول جواز ترجمة القرآن مثلا، أو عدم جوازها؟ أو حول من كان أحق بالخلافة. أبو بكر أم على؟. أو حول المراد من الحروف المقطعة التى بدئت بها بعض السور؟ أو حول القضاء والقدر؟
    وهل الإنسان مسير أو مخير؟ - أو حول القرآن، وهل هو مخلوق، أو غير مخلوق؟. أو نثير بحثا حول الشعر القديم والشعر الحديث؟. أو نعيد سيرة البيزنطيين فنتناقش: أيهما الأصل: البيضة أم الدجاجة؟!!
    وإذا كنا لا نستسيغ ذلك حاليا مع شهوتنا الملحة دائما فى الكلام والجدل، فكيف يمكن أن نطلب من الرسول .. وصحابته وقد كانوا فى حالة طوارئ مستمرة، وحالة حرب، وخطر الحرب، أن يسألوا ويبحثوا فى أشياء نظرية، وبعضها قد يثير الاضطراب الفكرى، ويبعثر الجهود، ويشتت الأفكار، ويؤدى إلى الدخول فى التيه؟ ..
    ولكن أليس فى فهم معنى يد الله وسمعه وبصره اتصال بالعقيدة؟
    نعم .. كان له اتصال .. ولكنهم فهموه فهما إجماليا وتركوه، واكتفوا بهذا ولم ينساقوا الى ما وراءه مما أثير بعد ذلك .. اكتفوا واكتفى منهم الرسول بأنهم مؤمنون بالله وبصفاته كما جاء فى كتابه، وليس لهم أن يشغلوا أنفسهم وأفكارهم بالبحث

    علم التفسير كيف نشأ وتطور حتى انتهى إلى عصرنا الحاضر لعبد المنعم النمر (ص: 49)
    يدا (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) ووجها (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) وعينا (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي)، وسمعا وبصرا (إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً). إلى غير ذلك من الآيات التى تبدو على غير اتفاق مع قوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) مما أطلق عليه أنه من المتشابهات فى القرآن .. بمعنى عدم جلاء معناه عند قراءته أو سماعه، كما يفهم سريعا من قوله تعالى مثلا: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) .. (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ).
    وهناك ألفاظ فى القرآن جاءت على غير ما اعتاد العرب فى كلامهم ((الم.
    ألر. المص. طسم. حم. ص. ق. ن). مما بدأ الله به بعض سور القرآن ..
    وهناك آيات فى القرآن الكريم تنص على أن الله «يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ و (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً).
    (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ) وآيات أخرى صريحة فى مجازاة الإنسان على ضلاله وعلى عمله، وينتج عن هذه وتلك .. هذا الإشكال المزمن: هل العبد مسير أو مخير؟ وكيف يحاسب الله العبد على شىء، نفذت به مشيئة الله وليس فيه حينئذ خيار؟
    آيات كثيرة فيها هذا وذاك وذلك .. ومرت القرون عليها، والناس مختلفون متجادلون فى فهم المراد منها .. وستمر قرون كذلك، دون أن يصل فيها العقل إلى رأى قاطع حاسم، فماذا كان موقف صحابة رسول الله منها؟.
    هل فهموها ووصلوا فيها إلى حل مريح، أو سألوا الرسول عنها فبينها لهم؟
    لو أنهم فهموها أو بينها لهم الرسول، لروى لنا هذا الفهم، وهذا الحل، واسترحنا، إذ ليس من المعقول أن يندرس مثل هذا البيان عن هذه الآيات المشكلة، فلا يرث علمهم أحد ممن أخذ عنهم، ولا نتوارثه، مع أن الروايات، نقلت لنا الكثير من أقوال الرسول وأقوالهم، مما هو أقل شأنا من موضوع فهم هذه الآيات، ومع أن عهد التابعين قد كثرت فيه الأسئلة عن غوامض القرآن.
    ولكن هل تمر عليهم دون أن يفهموها، ودون أن يسألوا عنها؟ ..


    تفسير المنتصر الكتاني (295/ 7، بترقيم الشاملة آليا)
    بيان هل الإنسان مسير أم مخير

    السؤال
    هل نحن مسيرون أو مخيرون؟
    الجواب
    الله جل جلاله أمر بالإحسان وبالطاعة ولم يأمر بالسوء وبالمعصية، ولا يكون في ملكه إلا ما يريد، قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:30]، والله نهانا أن نقول عن شيء: إننا فاعلوه غداً، قال تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:23 - 24]، وهذا زيادة في التوكيد وزيادة في الفهم والبيان.
    فعندما أقول لك: غداً سأفعل وأفعل، من الذي ضمن لي الحياة إلى الغد؟ ....................
    أما أننا مسيرون وتكون النتيجة فيما يريده المنافقون والفسقة: أنه لا إرادة لنا ولا اختيار في الحسنات والسيئات فلم الجنة والنار؟ وإنما الأعمال بالنيات، فإذا كان العمل بلا نية صالحة لا يعتبر، وإذا كانت النية صالحة بلا عمل لا تكفي ولا تعتبر.
    فإذاً: نحن مخيرون لا مسيرون، وكوننا مسيرين في الأجل هذا لا ارتباط له بإرادتنا، ولا باختيارنا، فهو عمل من أعمال الله، وسر من أسرار القدر، والقدر لا يبحث فيه أحد، ولو حاول الإنسان أن يبحث عنه فإنه سيخرج بلا نتيجة، وقد يخرج ضالاً مضلاً، والأنبياء قد خاطبونا ودعونا لدين الله، وأرشدونا لعبادة الله، والقرآن الكريم على هذا الأساس أنزل.

    وقال عبد الله السعد في
    أرشيف ملتقى أهل الحديث - 1 (126/ 249)
    578_ هل الإنسان مسيَّرٌ أم مخيّر؟
    ج: هو مسير ومخيَّر , فهو مسيّرٌ في خلقِه وكونه على هذه الصفة , ومخيَّر فيما ما يتعلق بأعماله وليس مجبراً ولو كان مجبرا ً لما وُجدَ التكليف , والله يضل من يشاء ويهدي من يشاء! وقال الله تعالى " وهديناه النجدين " أي طريق الشر والخير!!

    أرشيف ملتقى أهل الحديث - 3 (40/ 4)
    عندي شبهة في القضاءوالقدر


    ـ[أبويونس] •---------------------------------• [18 - 04 - 07, 03:49 م]ـ
    بسم الله الرحمان الرحيم والصلاةوالسلام على نبينا محمد
    عندي إشكال في ما يخص القضاء و القدر، أهل السنة والجماعة يثبتون أن للعبد مشيئة وإرادة ولكنهما تابعتان لمشيئة الله وإرادته كذلك نؤمن أن الله خالق كل شييء، الذي أشكل علي أن الكافر شاء الكفر فيسر الله له طريق الكفر نسأل الله السلامة والعافية، ولكن الله هو الذي خلق فيه تلك المشيئة؛ فكيف يعذبه عليها؟ </ SPAN>
    بتعبير آخر علم الله منذ الأزل أن عبده فلان اختار الكفر نعوذ بالله من ذلك ولكن </ SPAN> اختيار الكفر هو من خلق الله مادام أن الله خالق كل شيء</ SPAN>
    </SPAN> أدعو الله أن تكونوا سببا لكشف هذه الشبهة
    جزاكم الله خيرا على هذاالموقع المبارك


    ـ[أبو حمزة السني] •---------------------------------• [18 - 04 - 07, 06:14 م]ـ
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    إليك أخي الكريم الجواب من تعليق الشيخ عبد الرحيم الطحان على مواضع من العقيدة الطحاوية

    أرشيف ملتقى أهل الحديث - 3 (40/ 22)
    المبحث السادس
    يدخل تحته عدة تنبيهات وإيضاحات مهمة:
    الإيضاح الأول: هل الإنسان مُسَيّرٌ أو مُخَيّر؟ مختار أم مضطر مريد أم مجبور؟
    كنت ذكرت هذا لكم سابقاً في بعض الدروس المتقدمة، وهو أن الإنسان له حالتان:
    الحالة الأولي: حالة هو فيها مكره مجبور مسير وهي: ما لم يطالب فيه بأمر ولم ينه عنه مما يقع منه أو عليه بغير اختياره وإرادته ككونه ذكراً أو أنثى جميلاً أو قبيحاً، طويلاً أو قصيراً فهذه وما شاكلها لم يطلب منه اختيار واحدة منها فلم يطلب منه مثلاً أن يكون ذكراً أو أنثى ولذلك فهنا لا فضل للأنثى على الذكر لأنها أنثى وليس للذكر فضل على الأنثى لأنه رجل بل كل واحد بعمله مرتهن، فقد تدخل المرأة الجنة ويدخل الرجل النار، وحذاء المرأة المسلمة أطهر من ملء الأرض كفاراً مع أنها قد تكون هذه المرأة فقيرة مسكينة، لكن نقول هذه مؤمنة وليس للكافر - مهما علا شأنه - وزن عند الله (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، وهكذا لو كانت هناك امرأة مسلمة ورجل مسلم، لكن صلاحها كان أكثر من صلاحه، فالمرأة أعلى منزلة عند الله من الرجل المسلم الصالح الذي لم يبلغ لدرجتها في الصلاح.
    إذا نظرت إلى أبي لهب تراه جميلاً - وكما يقولون: وكان عربياً - ولكن مع ذلك يقول الله له (تبت يدا أبي لهب)، وما سمي بأبي لهب إلا لأن وجهه كان يلمع كالشمس حمرة وشقرة.


    ـ[مؤسسة ابن جبرين الخيرية] •---------------------------------• [26 - 10 - 09, 04:58 م]ـ
    (13344)
    سؤال: هل الإنسان مخير أم مسير؟ وهل الله يعلم الغيب الحاضر بمعنى الأمور التي سأفعلها؟ نرجو الجواب بنص يقنع هذا الشخص لأنه يقع في نفس الواقعة التي وقعت فيها الفرقة القدرية التي تقول إن الله لا يعلم الغيب ولا يعلم ما سيفعله الإنسان حتى يفعله فيعلمه؟
    الجواب: الإنسان مخير ومسير، ومعنى ذلك أن الله أعطاه قدرة يزاول بها الأعمال، ويختار بها الخير أو الشر، وتنسب إليه ويستحق الجزاء عليها، فالعباد فاعلون حقيقة، فالعبد هو المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والمصلي والصائم، وللعباد قدرة على أفعالهم، ولهم إرادة، ومع ذلك فإن الله خالقهم وخالق أفعالهم، ولو شاء الله ما حصلت منهم تلك الأفعال، فقد أثبت الله لهم مشيئة، ثم جعل تلك المشيئة مرتبطة بمشيئة الله تعالى، قال الله تعالى: {كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}، وقال تعالى: إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، وقال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، فالله تعالى هو الذي يهدي من يشاء، نعمة منه وفضلاً، ويضل من يشاء حكمة وعدلاً، ولا يظلم ربك أحدًا.
    والله تعالى يعلم الأشياء قبل وقوعها، فيعلم الغيب الحاضر والمستقبل، والأمور التي سيفعلها العباد، وقد كتب كل ما يحصل وما هو كائن إلى يوم القيامة، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}، وقال تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، وقال الله تعالى: وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}، وقال الله تعالى {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}.
    وقد خالفت القدرية الغلاة وقالوا: (إن الله لا يعلم الغيب، ولا يعلم ما سيفعله الإنسان)، قال الشافعي رحمه الله: (ناظروهم بالعلم، فإن أقروا به خصموا، وإن جحدوه كفروا)، وذلك لأن الله وصف نفسه بأنه {بكل شيء عليم}، ولا فرق بين علم ما مضى وعلم المستقبل، فكلهم خلقه، قال الله تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، وهكذا الذين ينكرون قدرة الله، فقد أخبر الله أنه {على كل شيء قدير}، وأنه خالق كل شيء، فتدخل في ذلك أفعال العباد، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}، قال الإمام أحمد رحمه الله: (القدر قدرة الله).
    قاله وأملاه
    عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين
    17/ 2/1426هـ




    أرشيف ملتقى أهل الحديث - 3 (150/ 211)
    هل الإنسان مسيَّر أم مخير؟


    ـ[وائل محمد الريفي] •---------------------------------• [26 - 10 - 09, 02:27 م]ـ
    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله، وبعد:


    يُقال إن الإنسان مسيَّر، ويُقال: إنه مخيَّر، فهل الصواب أنه مخير أم أنه مسيَّر؟ وإذا كان مسيراً فلماذا جعل الله النار للملحدين مع أنه هو الذي كتب عليهم الإلحاد؟


    الإنسان له وصفان مسيَّر ومخيَّر، مسيَّر ليس له خروج عن قدر الله عزَّ وجلَّ، فالله سبحانه وتعالى قدَّر مقادير الخلق قبل أن يخلقهم بخمسين ألف سنة كما جاء في الحديث الشريف، والقَدَر أمر ثابت وهو من أصول الإيمان، فإن النبي عليه الصلاة والسلام لما سأله جبرائيل عن الإيمان قال في جوابه: ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره)) [1] ( http://www.islamancient.com/#_ftn1).


    فالإيمان بالقدر من أصول الإيمان، فالله قدر أشياء وكتبها سبحانه قبل أن يخلق الناس، خلق العبد وقدر رزقه وأجله وشقاوته وسعادته، هذا أمر معلوم وقد أجمع عليه أهل السنة والجماعة، فهو مسير من هذه الحيثية، من جهة أنه لا يخرج عن قدر الله.


    ولكنه ميسر لما خلق له، فإن الصحابة رضي الله عنهم لما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما من الناس أحد إلا وقد وجد مقعده من الجنة ومقعدة من النار، فقالوا: يا رسول الله، فلِمَ نعملُ؟ قال: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)) [2] ( http://www.islamancient.com/#_ftn2)، فأما أهل السعادة فيُسِّروا لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فَيُسِّروا لعمل أهل الشقاوة، ثم تلا قول الله سبحانه وتعالى: فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [3] ( http://www.islamancient.com/#_ftn3).


    بيَّن عليه الصلاة والسلام أن جميع الأمور مقدرة، وأن أعمال العبد وشقاوته وسعادته وسائر شئونه قد مضى به علم الله، وكتبه الله سبحانه وتعالى، فليس للعباد خروج عما كُتب في اللوح المحفوظ، وعما قدره الله عليهم سبحانه وتعالى، وهو من هذه الحيثية مسير ومُيَسَّر أيضاً.


    أما من جهة التخيير فالله جل وعلا أعطاه عقلاً وسمعاً وبصراً وأدوات فهو بها يعرف ما يضره وما ينفعه وما يناسبه وما لا يناسبه، فإذا أتى الطاعة فقد أتاها عن اختيار وإذا أتى المعصية فقد أتاها عن اختيار وإذا أتى المعصية فقد أتاها عن اختيار، فليس بمجبور ولا مكره بل له عقل ينظر به يميز بين الضار يبصر به، وله أدوات يأخذ بها ويعطي، ورجل يمشي عليها إلى غير ذلك، فهو بهذا مخير.


    فهو المصلي، وهو الصائم، وهو الزاني، وهو السارق، وهو الذاكر والغافل، كل هذا من أعماله، فأعماله تنسب إليه وله اختيار وله إرادة، كما قال عزَّ وجلَّ: لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ* وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [4] ( http://www.islamancient.com/#_ftn4)، وقال تعالى: فَمَن شَاء ذَكَرَهُ* وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ [5] ( http://www.islamancient.com/#_ftn5)، وقال تعالى: تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [6] ( http://www.islamancient.com/#_ftn6), وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [7] ( http://www.islamancient.com/#_ftn7)، وقال تعالى: إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [8] ( http://www.islamancient.com/#_ftn8)، وقال تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [9] ( http://www.islamancient.com/#_ftn9)، وقال تعالى: إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ [10] ( http://www.islamancient.com/#_ftn10)، فنسب فعلهم إليهم، وقال: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات ِ وَالْمُؤْمِنِين َ وَالْمُؤْمِنَات ِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّق ِينَ


    (يُتْبَع .. اقلب الصفحة)


    ...............


    فهو مخير ومسير، وتعبير السنة (ميُسَّر)، وهكذا تعبير الكتاب، قال تعالى: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى [12] ( http://www.islamancient.com/#_ftn12)، والتعبير بمُيسَّر أولى من مسير كما جاءت به السنة، ويُقال: مسير كما قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [13] ( http://www.islamancient.com/#_ftn13)، فهو سبحانه الذي أعطاه العقل والقدرة على الفعل والعمل، فهو من جهة مسير وميسر ولم يخرج عن قدر الله، ومن جهة أخرى هو مخير وله مشيئة وله اختيار، وكل هذا واقع، وبهذا قامت عليه الحجة، وانقطعت المعذرة، واستحق الثواب والعقاب على أفعاله الطيبة والخبيثة، فالطيبة؛ له ثوابها، والخبيثة عليه وزرها، وبهذا يتضح معنى المُسَيَّر والمُيسَّر ومعنى المخير.


    وأما هل الإنسان مخير أم مسير؟ فهذا اللفظ لم يرد في الكتاب ولا في السنة، بل الذي دلاَّ عليه أن الإنسان له مشيئة ويتصرف بها، وله قدرة على أفعاله، ولكن مشيئته محكومة بمشيئة الله كما قال تعالى: ((لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيم، وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)) (التكوير:28، 29).


    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. اخوكم بالله وائل الريفي


    أرشيف منتدى الألوكة - 2
    ((هل الإنسان مُسير أم مخير؟)) [فائدة في العقيدة] (4)
    ـ[سلمان أبو زيد] •---------------------------------• [15 - Feb-2007, مساء 06:36]ـ
    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    إخواني و أخواتي الكرام - معاشر أهل السنة -:
    سلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،


    ((هل الإنسان مُسير أم مخير؟)) [فائدة في العقيدة] (4)


    سُئل سماحة الشيخ العلامة عبد الله بن حميد - رحمه الله -:
    هل الإنسان مُسير أم مخير؟ وما هي الأدلة على ذلك؟


    فأجاب - رحمه الله -:
    الإنسان مسير ومخير معًا؛
    فأنت مجبر بالنسبة إلى خلقك. فالله خلقك وجعل لك عقلاً لتميز به بين الخطأ والصواب، فتختار ما هو أنفع لك. فاختيارك للأصلح والأنفع هو دليل على أنك مخير. فأنت تفعل هذا الشيء: باختيارك, وأنت واختيارك بيد الله سبحانه وتعالى، فالله جل وعلا هو المتصرف في هذا الكون. قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22].
    وقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية معنى هذا البحث فقال ما معناه: العبد مخير بحيث إنه يختار ما ينفعه ويبتعد عما يضره، ألا ترى أن الذي ينفعك هو البقاء على حياتك فهل أنت مسير بأن تلقي نفسك في البئر، أو تعرض نفسك لهلاك أم أنك تحافظ عليها؟ فأنت هنا تفعل ما تقتضيه مصلحتك من أنك تحافظ على بقائك حيًا، وفعلك هذا باختيارك. أما أنك ترتكب المحرم وتقول: إني مسير. لا أنت الذي فعلت هذا باختيارك وإرضاء لشهوتك. فأنت معاقب بهذا، وذلك من جهلك لنفسك، فأنت مخير، فالله أعطاك العقل وأعطاك مشيئة وحسن تصرف وإرادة فتفعل ما فيه مصلحة لنفسك، وترتكب المعاصي التي تهواها نفسك كل هذا من اختيارك. فأنت من اختار ذلك ولم يجبرك عليه أحد.
    فالله جل وعلا أعطاك العقل وبين لك طريق الخير والشر وأعطاك حرية الاختيار بين الطريقين، وإن كان مقدراً عليك كل شيء في حياتك حتى شربة الماء. ولكن هذا لا يعطل عمل الاختيار، أما كون الإنسان مسيرًا في أمور فمنها الأجل وتحديده فالإنسان لا اختيار له في تحديد أجله من تقديم له أو تأخير.
    و الحاصل أن الإنسان مسير ومخير في آن معًا، والله أعلم.


    ((المصدر)): فتاوى سماحة الشيخ الإمام عبد الله بن حميد (ص 18)


    وكتب / سَلْمَانُ بنُ عَبْدالقَادر أَبُو زَيْد
    الجمعة 26 جمادى الأولى 1427 هـ




    ـ[قارئ] •---------------------------------• [18 - Feb-2007, صباحاً 11:13]ـ
    أرجو إفادتي هل الإنسان مخيَّرٌ في دنياه أو مسيّرٌ؛ ففي الآية الكريمة التالية لقوله تعالى: {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29.]؛ تفيد أن الإنسان مخيَّر، وفي الآية الكريمة الأخرى: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَن يَشَاءَ اللَّهُ} [التكوير: 29.]؛ تفيد أن الإنسان مسير؛ فما معنى الآيتين؟ وهل بينهما تعارض كما يظهر أم لا؟
    الجوابالإنسان مسيَّر ومخيَّر، يجتمع فيه الأمران:
    فهو مسير من حيث جريان أقدار الله وقضائه عليه، وخضوعه لذلك كونًا وقدرًا، وأنه لا يمكنه التخلُّص من قضاء الله وقدره الذي قدَّره عليه؛ فهو من هذه الناحية مسيَّرٌ.
    أما من ناحية أفعاله هو وحركاته وتصرُّفاته؛ فهو مخيَّرٌ؛ لأنه يأتي ويذرُ من الأعمال بإرادته وقصده واختياره؛ فهو مخيَّرٌ.
    فالعبد له مشيئة، وله اختيار، ولكنه تابع لمشيئة الله سبحانه وتعالى وقضائه وقدره، ولذلك يُثاب على الطَّاعة ويعاقب على المعصية التي يفعلها باختياره وإرادته، أما الإنسان الذي ليس له اختيار ولا إرادة - كالمكره والناسي والعاجز عن فعل الطاعة -؛ فهذا لا يعاقب؛ لأنه مسلوب الإرادة والاختيار: إما بالعجز، أو بفقدان العقل؛ كالمجنون والمعتوه؛ فهو في هذه الأحوال لا يعاقب على تصرُّفاته؛ لأنه فاقد للاختيار، فاقد للإرادة.
    أما ما أشرت إليه من الآيتين الكريمتين: قوله تعالى: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَن يَشَاءَ اللَّهُ} [التكوير: 29.]، وقوله: {وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29.]؛ فهذا يؤيد ما ذكرنا؛ لأن الله أثبت للعبد مشيئة واختيارًا، وأثبت لنفسه سبحانه وتعالى مشيئة، وجعل مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله عز وجل، فدلت الآية الكريمة على إثبات المشيئتين: إثبات المشيئة للعبد، وإثبات المشيئة لله، وأنَّ مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله عز وجل.
    وأما قوله تعالى: {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}؛ فهذا ليس معناه التَّخيير، بل هذا معناه الزَّجر والتهديد والتوبيخ؛ قال تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا}؛ هذا معناه التهديد والتوبيخ، وأنَّ الإنسان إذا عصى الله سبحانه وتعالى، وكفر بالله؛ فإنَّ الله يعاقبه؛ لأنه فعل الكفر باختياره، وفعل الكفر بإرادته ومشيئته؛ فهو يستحقُّ عقاب الله ودخول النار: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا}؛ فهو سبحانه أعدَّ لهم هذه النار لظلمهم.
    المفتي: الشيخ صالح بن فوزان الفوزان








    11. هل الإنسان مسير أم مخير؟


    السؤال:

    هل الإنسان مسير أم مخير؟


    الجواب:


    بسم الله الرحمن الرحيم


    إطلاق كلا هذين اللفظين: مسير ومخير في وصف الإنسان لفظ محدث فليس في كتاب الله تعالى ولا في السنة المطهرة وصف الإنسان بأنه مسير مجبور ولا فيهما أنه مخير تخييراً يخرج به عن علم الله وقدرته وإرادته.


    فمثل هذه الألفاظ المطلقة المتقابلة لم يكن السلف والأئمة يطلقونها بل كانوا يستفصلون فيها وينكرون إطلاقها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 8/ 293: "وسلف الأمة وأئمتها ينكرون هذه الإطلاقات كلها لا سيما كل واحد من طرفي النفي و الإثبات على باطل، وإن كان فيه حق أيضا بل الواجب إطلاق العبارات الحسنة وهي المأثورة التي جاءت بها النصوص والتفصيل في العبارات المجملة المشتبهة". وقد أنكر سلف الأمة إطلاق وصف الإنسان بالجبر وعدمه قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 8/ 461: " حتى في لفظ الجبر أنكروا على من قال: جبر، وعلى من قال: لم يجبر. والآثار بذلك معروفة عن الأوزاعي وسفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وغيرهم من سلف الأمة وأئمتها". وقال في موضع آخر من مجموع الفتاوى 16/ 237: " ولهذا نص الأئمة كالإمام أحمد ومن قبله من الأئمة كالأوزاعي وغيره على إنكار إطلاق القول بالجبر نفيا وإثباتا فلا يقال: إن الله جبر العباد. ولا يقال: لم يجبرهم. فإن لفظ الجبر فيه اشتراك وإجمال. فإذا قيل: جبرهم أشعر بأن الله يجبرهم على فعل الخير والشر بغير اختيارهم. وإذا قيل: لم يجبرهم أشعر بأنهم يفعلون ما يشاؤون بغير اختياره وكلاهما خطأ".


    وقد ذكر شيخ الإسلام معنى هذا السؤال فقال في مجموع الفتاوى 7/ 664: " وكذلك لفظ الجبر إذا قال: هل العبد مجبور أو غير مجبور؟ قيل: إن أراد بالجبر أنه ليس له مشيئة أو ليس له قدرة أو ليس له فعل فهذا باطل؛ فإن العبد فاعل لأفعاله الاختيارية، وهو يفعلها بقدرته ومشيئته. وإن أراد بالجبر أنه خالق مشيئته وقدرته وفعله فإن الله تعالى خالق ذلك كله".


    فسؤالك هل الإنسان مخير أو مسير؟ يجاب بمثل ما أجاب به شيخ الإسلام رحمه الله بأنه لا يطلق القول بأن الإنسان مسير أو أنه مخير فكلاهما خطأ فنصوص الكتاب والسنة قد دلت على أن للإنسان إرادة ومشيئة وأنه فاعل حقيقة لكن كل ذلك لا يخرج عن علم الله وإرادته ومشيئته ويبين ذلك قوله تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (التكوير: 28 - 29). وغير ذلك من النصوص الكثيرة في الكتاب والسنة. وأصدق ما يوصف به الإنسان مما يتعلق بهذا المعنى ما جاء به الكتاب والسنة من وصف الإنسان بأنه ميسر ففي الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة والنار. قيل: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، ثم قرأ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) (الليل: 5 - 7). والله تعالى أعلم.


    أخوكم/


    خالد بن عبدالله المصلح


    17/ 11/1424هـ.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •