بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله .
أما بعد :
فهذه منارة من منارات النصح والإرشاد عن نشر المخطوط ونسخه ، للعلامة المحقق عبد العظيم الديب - حفظه الله ، وأمد في عمره على خير ، وشفاه - :
نثر فيها زهورًا من خبرته الغالية العالية في نشر المخطوطات ، والتي أثمرت عن أعمال نظيفة نفيسة وزنها من ذهب !
وقد حذّر - أثابه الله - من فئة ساقطة لا تفقه معنى خروج الكتاب كما أراد مؤلفه ، بل عملهم إخراج الكتاب كما يريدون ! ؛ فينفخون أو يبعثرون أو يصحفون أو يخطئون عمدًا وبغير عمد ! ، فقد أشبعوا جشعًا وأنانية فالكتاب كتابهم لا كتاب مؤلفه الذي تركه للزمن ، فقدر الله تسلط فئة باغية على بنات أفكاره فأُخذن بغير وجه حق ولا تُقى .
قال أبو بكر المكي : ومن هؤلاء الذين عناهم : رجل - لا داعي لذكر اسمه - بلغت أعماله وهو ما زال في 50 من العمر ، ولم يمض إلا ما يزيد على 20 عامًا في النشر : من تأليف، ونسخ للمخطوطات = بلغت قريب 200 كتاب مما سماها هو : تأليفات منهجية !!، وتحقيقات ..... إلى آخر كلامه المملوء بالجهل ، مع التنبه إلى أمر : تأليفه في كل باب : في الفقه (وهو توقيع عن رب العالمين)، وفقه النوازل ، والعقيدة ، وعلل الحديث ، و و و و و و و و و و و و .
كيف سيخرِجُ السارقُ - المسمى بالمحقق - كتابًا كما أرادَه مؤلفُه وهو لم يعايش لغة الكتاب ولا مؤلفه ولا أسلوب الكتاب وهو يقفزُ قفزًا في هَذا الكِتاب وذلكم المصنَّف - يبتغي حفنة من المال -!
أما مقالة العلامة الديب فما فيها يخبركَ عن حالِها ، فإليها - وقد انتقيتُ كلامَه منها ؛ لأنه مزجَه بمنهجِه في عملِه في الكتابِ - :
قال (في مقدمته لتحقيق كتاب : نهاية المطلب / ج مقدمات / ص 345-376 ) :
الفصل السابع : منهج التحقيق وعملنا في الكتاب
التزمت في تحقيق هذا الكتاب ، المفهوم الدقيق لمعنى التحقيق ، والمنهج الدقيق الذي قرره أئمة هذا الفن من العلماء والأئمة المعاصرين والأقدمين ، وعلى رأسهم شيخي ، أبو فهر محمود [بن] محمد شاكر ، شيخ العربية ، رحمه الله وتقبله في الصالحين .
يقوم هذا المنهج على أصل واحد هو : (( إخراج الكتاب على الصورة التي أرادها له مؤلفه )) فإذا لم يتيسر ، أو بالأحرى إذا استحال ذلك ، فليكن على أقرب الصور إليها .
وهذا ليس بالعمل الهين ، بل هو الميدان حقًّا ، الذي بذل فيه العلماء من شيوخ هذا الفن وفرسانه جهودهم ، وظهرت فيه آثارهم ......
[ثم ذكر - على سبيل المثال - أعلام هذه الأمانة الجليلة ، ثم قال] :
... لم أذكر هؤلاء نافلة ولا تزيدًا ، وإنما لتوازن بين أعمالهم وبين ما تطلع علينا به المطابع الآن من تحقيقات ، يهولك منظرها ، ويعجبك مرآها ، وتقلب النص بين يديك ، فتجد الفتى قد افتات على مؤلف الكتاب ، وأثقل هوامشه بتعليقات لأدنى ملابسة (كما يقولون) بل بدون ملابسة ، وتجد النص الأصلي ممزقًا في رؤوس الصفحات ، مبعثرًا من بين أرقام الهوامش ، وتحاول أن تقرأ النص الذي هو موضوع الكتاب ، وعماده ومعْموده ، فتجده غير مستقيم ، به من خلل التصحيف والسقط ما به ، مع فواصل وعلامات ، إن ساعدتك في قراءة النص مرة ، تضلك مرات ومرات ، ويكابد الباحث ما يكابد ، ويعاني ما يعاني ، وهو يتخبط بين الهوامش وفروق النسخ ، محاولا إقامة النص ، وفهم مراد المؤلف . وهيهات ، هيهات .
لقد كنا نسعد كل السعادة ، ونهش ونبش حينما نسمع أن كتابًا من الأمهات والمراجع قد طبع ، ونقول : منارةٌ قد أضيئت ، وطريق قد مهدت وأقيم عليها الصُّوى .
أما الآن ، فكلما سمعنا أن كتابًا قد خرج ، نضع أيدينا على قلوبنا ، وكم من باحث اشترى كتابًا من الكتب الأمهات المحققة ، وذهب به فرحًا مسرورًا ، وأمضى الليل به حفيًّا ، ولكنه في الصباح : أرسل يرده إلى من باعه إياه ، ثم أقبل إلى الطبعة القديمة من الكتاب يحنو عليها كالمعتذر لها ، عن همه بالاستغناء عنها وهجرها إلى تلك الخلوب !!!
نعم . كم من كتاب خرج بهذا التحقيق ( العصري ) مثقلا بالحواشي والتعليقات ، ينوء بما يسمونه التخريج والتوثيق ، وأما النص - الذي هو عمل المحقق أصلا - ففيه ما فيه من الخلل والاضطراب ، فماذا تغني هذه التعليقات إذا ! ؟
ومن قبل تنبه علماء أجلاء ، ومحققون أصلاء إلى هذه القضية ، ونبهوا عليها ، فها هو الشيخ عبد الله دراز يتحدث عن عمله في تحقيق كتاب الموافقات ، فيقول في مقدمته : (( إنه إقامة النص ، وتخليصه من التصحيف والتحريف )) ، ويسخر في مهارة وخفة من هذه التعليقات إياها ، فيقول : (ولم أرُم الإكثار في هذه التعليقات ، وتضخيمها باللمم من المصنفات للمناسبات ، بل جعلت المكتوب بمقياس المطلوب ، واقتصرت على المكسوب في تحقيق المرغوب ، إلا ما دعت ضرورة البيان إليه في في النادر الذي يتوقف الفهم عليه ) اهـ.