قال الشيخ الجديع في تحرير علوم الحديث (1/42)
واعلم أنه ليس لأقل عدد التواتر حد منضبط ، وإنما يراعي فيه التعدد فوق الشهرة ، مع قرائن تنضم إلى التعدد تمنع الاتفاق على الخطأ والوهم فضلاً عن الكذب ، وعلامته مع تعدد الطرق : حصول العلم الذي يتعذر دفعه للمطلع عليه العارف به .
والتواتر في الأحاديث النبوية هو من باب ( التواتر النظري ) لا من باب ( التواتر الضروري ) ؛ لأن معرفته موقوفة على جميع طرق الحديث ورواياته ، فهو مبني على البحث والنظر ، والعلم به غير حاصل ضرورة كتواتر نقل القرآن المستغني عن الأسانيد والطرق .
لذا فالتواتر بالحديث لا يُستغنى فيه بمجرد تعدد الأسانيد عن ثبوت أفرادها ؛ فمن الأحاديث ما تعددت أسانيده وكثرت ، لكنها واهية لا يثبت منها شيء .
وهذا المعنى أغفله أكثر من تعرض لهذا الموضوع ، خصوصا أن أكثر من تكلم في التواتر هم الأصوليون ، وهؤلاء تكلموا في التواتر الضروري ، كتواتر القرآن ، ومن ثم عدَّاه طائفة إلى الحديث ، وأغفل هؤلاء أن نقل القرآن ليس كنقل الحديث ، فلا يستويان ، فتواتر القرآن أغنى في صحته عن البحث في الإسناد ، بخلاف تواتر الحديث ، فإن عمدته على الإسناد ، ويكفيك دليلا على ضعف القول باستغناء الحديث المتواتر عن الإسناد ما تنازعوه في قدر ما يُدَّعى فيه التواتر ، فإن موجب التسليم لصحته دون مناقشةٍ على طريقة أهل الأصول ، فكيف يصحُّ التنازع بعدُ في شيءٍ من ذلك : هو متواتر أو غير متواتر .
ولذا أحدث معنى للتواتر ليستوعب الحديث العائد إلى الإسناد ، وهو ( التواتر النظري ) ، إشعاراً بأن تمييز ما يُفيد العلم من الحديث على سبيل القطع ليُساوي التواتر في معناه ، موقوف على النظر والبحث .