الصغير الطَّموح (سلسلة رحلة ياسمين؛ 1)
الفئة العمرية: (الأطفال بين سن السابعة والتاسعة
)
كانَ الطّيرُ الصَّغير يحدِّقُ فيما حولَهُ بفُضولٍ..
نظرَ إلى السماءِ، ورأَى الطُّيورَ تحلِّقُ بسعادةٍ فوقَ رأسهِ.. نظرَ حَوْلَهُ فرأَى أشجاراً خضراءَ وحقولاً ذهبيّةً .. وحيواناتٍ غريبةً لم يرَها مِن قبلُ.. تمنّى أنْ يخرج من عشِّهِ ليتعرفَ ما حَوْلَهُ. وقرّرَ أنْ يُفاتحَ أمَّهُ بذلك حِينَ عودَتِها...
انتظرَ الطّيرُ الصَّغيرُ وانتظر، وأخذ يتمَلملُ في العشِّ، يُريدُ أنْ يَخرجَ من عشِّهِ ليرى العالَم الفسيح.
وأخيراً جاءتْ أمُّهُ...
قفز الصغيرُ فرِحًا لتحيَّتها، ضمَّتْهُ أمُّهُ بحنانٍ بَيْنَ جناحَيْها ونقَرَتْ على رأسهِ الصَّغيرِ بمنقارها تُداعبُهُ قائلةً:
- كيف حالُ صغيري اليوم؟؟ أراك استيقظتَ باكراً..
- نعمْ أُمِّي... لقد استيقظتُ باكراً، وكُنتُ أتأمَّلُ السَّماءَ.. آهٍ كم هيَ جميلةٌ يا أمّي! أريد أنْ أطِيرَ مثلَكِ وأحلِّقَ في السّماءِ..
ضحكَتِ الأمُّ، وقالت: بنيَّ، مازلتَ صغيراً.. انظُرْ إلَى جناحَيْكَ فَهُمَا ما زالا صغيرَينِ.. لا بُدَّ أنْ تصبرَ وتأكلَ جيداً حتى ينموَ جناحاكَ، وحينَها تستطيعُ الطيرانَ.
ضربَ الصّغيرُ برجلِهِ في العُشِّ وصاحَ: أنا لست صغيراً.. انظُري، انظُري.. ومدَّ جناحَيهِ بقوّةٍ.
هزَّتْ أمُّهُ رأسَها بيأسٍ وقالتْ: آه.. يا لكَ مِن صغيرٍ عنيدٍ! هلْ يجبُ عليَّ أنْ أُعيدَ كلامي كلّ يومٍ؟ كم قلت لك يا صغيري: اصبرْ.. اصبرْ، سوفَ تطيرُ بإذْنِ اللهِ، لكُلِّ شيءٍ وقتُهُ.
حرَكةٌٌ في العشِّ المجاور لفتَتْ نظر الصّغيرِ، التفَتَ لِيَرَى، فرأى صغيرَينِ جميلَينِ في نفْسِ سنِّهِ، وكان والِدُهُما يطعمُهُما بمنقارهِ، ووالدتُهما تزقزقُ حولَهُما بسُرورٍ.
حَزِنَ الصَّغيرُ، وقال لأُمِّهِ: أُمّي، أينَ أبي؟؟ أليس لديَّ أبٌ كبقيّةِ الطُّيور.
تنهّدتْ أمُّهُ بحُزْنِ، وقالت: بلَى يا بُنَيَّ، كان لكَ أبٌ حنونٌ عطوفٌ، ولكنَّهُ سافرَ - يا بُنَيَّ - وأنت ما زلتَ في البَيضةِ لم تفقسْ بعدُ. قالَ الصغيرُ: سافَرَ؟؟ وَإِلى أينَ سافرَ يا أمِّي؟؟
قالت الأمّ: سافرَ إلى بلادٍ بعيدةٍ.. بعيدةٍ جدًّا.
قال الصغير: متى يعودُ إذَنْ يا أمّي؟؟ لقد اشتقتُ إليهٍ.
مسحَتِ الأمُّ دمعةً ترقرقتْ من عينيها، ونظرت إلى السماءِ وقالتْ بحزنٍ: لا أدري يا بُنَيَّ، لا أدري.. قالتْ ذلك وهي تتذكَّرُ كيف اصطادَ الصيَّادُ زوجَها ووضعَهُ في قفصٍ وذهبَ به بعيداً. تنهّدتْ بحُزنٍ ثم قالت: هيّا يا بني، كُفَّ عن إلقاءِ الأسئلةِ علَيَّ أنْ أنطلِقَ لأبحثَ عنِ الطَّعامِ.
فقال الصغيرُ: ولكنْ - أُمّيْ - ماذا عنِ الطيَران؟؟ أريد أن أطيرَ يا أمّي.
ولكنّ الأمَّ طارتْ بعيداً، وَهِيَ تقولُ لابنِها الصّغيرِ:
يا بُنيَّ، لا تقلقْ. ستطيرُ.. ستطيرُ في السَّماءِ يوماً.