بسم الله الرحمن الرحيم :
إن الحديث عن الاجتهاد وصناعة الفتوى لهُ شجون - ولكنّه مزعجٌ للبعض - والسبب :
أنّ الكثير من المتوارث في طُرق الاستنباط يُعتبر مُقدسَاً عند البعض ، بل هوَ محلّ مفاصلة .
ولذلك الرؤى الجديدة دائماً ما تكون محلّ رفض ، وشجبٍ وانكار .. !
بل .. و تهويل :
الكثير منّا اليوم مسحوا - في أذهانهم - كل احتمالات الخطأ والوهم والهوى ، والقصور الذاتي والخضوع للمصلحة - وإن كان لسان المقال يُخالف لسان الحال - ، وانتهوا إلى أنّ المجتهد أو العبقري .. إذا أبدى رأياً .. فينبغي أن يكون صواباً !
وكانت النتيجة تضاؤل الرؤى المنهجية والحقائق الواضحة .. عن طريق منح العصمة لمن لا يستحقها أو من لم يتملك شروط القول ..
أو الآدمي - بإطلاق - في كل شؤون الحديث .
وهذه الحالة - مع الأسف - : " لا تجرح كبرياء العقل فحسب .. وإنما تخدش صفاء التوحيد " - كما يقول د.بكّار - .
والأمر الآخر : أننا في الغالب - وضمناً - لا نفرّق بين (الأفكار) و (الأشخاص) ، .. ويمكن معرفة مستوى أمةٍ من الأمم بالنظر إلى موقفها من ثلاث أشياء :
(1) الأفكار .
(2) الأشخاص .
(3) الأشياء .
فمدى طُغيان إحدى الأشياء - مثلاً - على الأشخاص .. تجد التدهور في التفكير ، فكيف بطُغيان الأشخاص على الأفكار ؟! " وهنا المشكلة " !!
أيضاً يمكن القول :
أن الوسط أو (البيئة) مُنطَلق الفكرة .. هيَ تحكم مدى جدواها على التطبيق في أوساط أخرى ، فقياس بيئة على بيئة أخرى - هكذا بإطلاق - يُعتبر (قياس مع الفارق) - كما يقول الأصوليون - .
ويظهر (هذا) واضحاً في :
(الحزب الإسلامي في العراق) عندما وقّع وقبل التوقيع على المعاهدة المشؤومة ، قاسَ نفسه على تُركيا - مثلاً - ولم يعلموا أنّ الفارق : هو الوجود الأمريكي ، والافتراق المذهبي والعَقدي .. والسياسي .
ونحنُ نعلم أن العملية الإجتهادية تمرّ بمجموعة من التطبيقات في الأدلّة ذكرها علماء الأصول ، .. على خلاف بينهم في بعض الأدلّة - كما هوَ معروف - .
ولكن هناك اغفالٌ نسبي لبعض المؤثرات على العملية الاجتهادية .. :
فنحنُ نعلم أن الفقه الإسلامي - اصطلاحياً - ينقسم إلى قسمين :
(1) عبادات .
(2) معاملات .
ولنقول أن (السياسية الشرعية) معاملة .. مع أنّ البعض يرفض (هذا) ويقول أنها : قسم مستقل .. ولا مشاحة في الاصطلاح ..!
بالنسبة للعبادات : لا يمكن أن يتدخل فيها إلا الأدلّة الشرعية .. وهذا مرجعه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهوَ رد " ، و (أنّ الأصل في العبادات المنع) .
ولكن بالنسبة للمعاملات : يمكن القول :
بما أنّ نصوصها - في الغالب - نصوص عامّة ، وأنّ (الأصل في الأشياء الإباحة) .. فيمكن التعامل معها بحرّية أكثر وانفتاح نسبي - منضبط طبعاً - ، يراعي (المقاصد الشرعية) و (قانون المصلحة والمفسدة) ..
ما أريد قوله : لِمَ لا يكون هناك تدخل للتجربة البشرية في (التاريخ القديم والمعاصر) على الُحكم على نفوذ أو قَبول بعض التطبيقات الفقهية أو الاجتهادات ..!
ويمكن أن أضرب مثالاً لهذا على :
(الأصلاح السياسي) و طُرق تطبيق الشورى أو (البرلمان) .. ، بهذا المنطق السابق يمكن قَبول (الديمقراطية) - مثلاً - بعيداً عن توهم البعض أن (الديمقراطية ) تُضادّ (الحاكمية) ..!
أعرف أنّ هناك إشكالاً في مدى أثر التجربة الإنسانية على الحكم الشرعي ، .. فهل هوَ يؤثر على أصل الحكم أم على كيفية تطبيق الحُكم ؟!
ولكن :
يمكن أن ننحى (هذا) المنحى في التفكير حتى نخرج من الأزمة التي نعيُشها ..!
وهذا يظهر - كذلك - في العمل الاقتصادي ، ومدى أثر التطبيقات الغربية على البنوك والمصارف والاجتهاد الفقهي صاحب الاهتمام في (هذا) .. !
يجب النظر إلى موضوع الاجتهاد من أكثر من جانب حتى تتضح معالم الموضوع - تماماً - ، فلا يمكن إغفال الشأن العام عن القول الفقهي ، ..
فهذا لهُ آثار كارثية .. فما سيحصل لو قِسنا أنفسنا على (الأقليات) في العالم الغربي ؟!
وهذا يظهر - مثلاً - على : أننا في مُعايدة الكافر في بلاد الإسلام .. قد نُرجح جانب المنع ، أما في بلاد الغرب ، فيظهر أن المصلحة تُرجح القول بالجواز ..!
الُجعبة مليئة بالتفاصيل ..
ولكن :
لنتذكر أنّ الاجتهاد ليس في المسائل الفقهية الفردية - فقط -
ولكن في الشأن العام ، والمجتمع .. و نظريات الدعوة ، والعمل السياسي ، وهذا غائب في أذهاننا .
(والله الموفق)