السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخوتي الكرام سبق وأن وقفت على هذه الفائدة الجليلة عن الامام ابي اسحاق الشاطبي رحمه الله في كتاب الاعتصام وهي جد نافعة عند مناقشة بعض من ابتلي بالتساهل في باب البدع
فصل [من البدع الإضافية كل عمل اشتبه أمره]
ويمكن أن يدخل في البدع الإضافية كل عمل اشتبه أمره فلم يتبين أهو بدعة فينهى عنه؟ أم غير بدعة فيعمل به؟ فإنا إذا اعتبرناه بالأحكام الشرعية وجدناه من المشتبهات التي قد ندبنا إلى تركها حذراً من الوقوع في المحظور، والمحظور هنا هو العمل بالبدعة، فإذاً العامل به لا يقطع أنه عمل ببدعة، كما أنه لا يقطع أنه عمل بسنة، فصار من جهة هذا التردد غير عامل ببدعة حقيقية، ولا يقال أيضاً: إنه خارج عن العمل بها جملة.
وبيان ذلك أن النهي الوارد في المشتبهات إنما هو حماية أن يقع في ذلك الممنوع الواقع فيه الاشتباه، فإذا اختلطت الميتة بالذكية نهيناه عن الإقدام، فإن أقدم أمكن عندنا أن يكون آكلاً للميتة في الاشتباه؛ فالنهي الأَخف إذاً منصرف نحو الميتة في الاشتباه، كما انصرف إليها النهي الأشد في التحقيق.
وكذلك اختلاط الرضيعة بالأجنبية : النهي في الاشتباه منصرف إلى الرضيعة كما انصرف إليها في التحقيق، وكذلك سائر المشتبهات إنما ينصرف نهي الإقدام على المشتبه إلى خصوص الممنوع المشتبه، فإذاً الفعل الدائر بين كونه سنة أو بدعة إذا نهى عنه في باب الاشتباه نهى عن البدعة في الجملة؛ فمن أقدم على منهى عنه في باب البدعة لأنه محتمل أن يكون بدعة في نفس الأمر، فصار من هذا الوجه كالعامل بالبدعة المنهي عنها، وقد مرَّ أن البدعة الإضافية هي الواقعة ذات وجهين ـ فلذلك قيل: إن هذا القسم من قبيل البدع الإضافية، ولهذا النوع أمثلة:
(أحدها): إذا تعارضت الأدلة على المجتهد في أن العمل الفلاني مشروع يتعبد به، أو غير مشروع فلا يتعبد به، ولم يتبين له جمع بين الدليلين، أو إسقاط أحدهما بنسخ أو ترجيح أو غيرهما، فالصواب الوقوف عن الحكم رأساً، وهو الفرض في حقه.
(الثاني): إذا تعارضت الأقوال على المقلد في المسألة بعينها؛ فقال بعض العلماء: يكون العمل بدعة، وقال بعضهم: ليس ببدعة، ولم يتبين له الأرجح من العالمين بأعلمه أو غيرها؛ فحقه الوقوف والسؤال عنهما حتى يتبين له الأرجح فيميل إلى تقليده دون الآخر؛ فإن أقدم على تقليد أحدهما من غير مرجح كان حكمه حكم المجتهد إذا أقدم على العمل بأحد الدليلين من غير ترجيح، فالمثالان في المعنى واحد.