الحمدُ لله والصلاة والسلام على رسول الله, أما بعدُ:
كان لي أن جمعتُ يوماً بعضاً من أقوال أهل العلِم في مسألة (ضرب الزوجة), وعملا ًبقول السَّلف: (مِن بركة العلِم عزوُهُ لأهله) أذكُرُ أنني اعتمدتُ بشكل كبير على رسالة الدكتور نايف الحَمَد المسماة: «اللّمعة في حكم ضرب الزوجة».
قال الله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ [النساء 34]
إنَّ موضوع تأديب الزوج زوجته بالضرب أخذهُ الناس بين الإفراط والتفريط, بين مَن أنكرَهُ –تماماً- من دعاة العلمانية والمساواة –زعموا- وبين من اتخذه أسلوبَ حياة, وقاعدة تعامل مع الزوجة.
وفي هذه الأسطر, نحاولُ أن نجمَعَ كلام أهل العِلم المحققين في هذه المسألة المهمة,
قال ابن كثير: (وقوله: "واضربوهن" أي إذا لم يرتدعن بالموعظة ولا بالهجران, فلكم أن تضربوهن ضربا غير مبرح,..قال الحسن البصري: يعني غير مؤثر, وقال الفقهاء: هو أن لا يكسر فيها عضوا ولا يؤثر فيها شيئا)اهـ
قال القرطبي: (قوله تعالى: "واضربوهن" أمر الله أن يبدأ النساء بالموعظة أولا ثم بالهجران، فإن لم ينجعا فالضرب؛ فإنه هو الذي يصلحها له ويحملها على توفية حقه. والضرب في هذه الآية هو ضرب الأدب غير المبرح، وهو الذي لا يكسر عظما ولا يشين جارحة كاللكزة ونحوها, فإن المقصود منه الصلاح لا غير, فلا جرم إذا أدى إلى الهلاك وجب الضمان)اهـ
قال النبي –صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع: (فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) [رواه مسلم 2138].
قال النووي –رحمه الله- في شرحه على صحيح مسلم: (أما الضرب المبرح فهو الضرب الشديد الشاق، ومعناه اضربوهن ضربا ليس بشديد ولا شاق، و"البَرْح" المشقة، و"المبرِّح" بضم الميم وفتح الموحدة وكسر الراء.
وفي هذا الحديث إباحة ضرب الرجل امرأته للتأديب، فإن ضربها الضرب المأذون فيه فماتت منه وجبت ديتها على عاقلة الضارب، ووجبت الكفارة في ماله)اهـ [4/312].
عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تضربوا إماء الله فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذَئِرْنَ النساء على أزواجهن فرخص في ضربهن فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم) [صححه الألباني].
قال في "عون المعبود": (بل خياركم من لا يضربهن ويتحمل عنهن أو يؤدبهن، ولا يضربهن ضربا شديدا يؤدي إلى شكايتهن .
في شرح السنة: فيه من الفقه أن ضرب النساء في منع حقوق النكاح مباح إلا أنه يضرب ضربا غير مبرح ووجه ترتب السنة على الكتاب في الضرب يحتمل أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ضربهن قبل نزول الآية، ثم لما ذئرن النساء أذن في ضربهن ونزل القرآن موافقا له، ثم لما بالغوا في الضرب أخبر صلى الله عليه وسلم أن الضرب وإن كان مباحا على شكاسة أخلاقهن، فالتحمل والصبر على سوء أخلاقهن وترك الضرب أفضل وأجمل)اهـ [5/31].
وعن عائشة –رضي الله عنها- قالت: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل) [صحيح مسلم 4296].
قال النووي في شرحه لهذا الحديث: (فيه أن ضرب الزوجة والخادم والدابة وإن كان مباحا للأدب فتركه أفضل)اهـ [15/84].
وقال القاري -رحمه الله تعالى-: (خصا بالذكر اهتماماً بشأنهما ولكثرة وقوع ضرب هذين والاحتياج إليه وضربهما وإن جاز بشرطه فالأولى تركه قالوا بخلاف الولد فإن الأولى تأديبه ويوجه بأن ضربه لمصلحة تعود إليه فلم يندب العفو بخلاف ضرب هذين فإنه لحظ النفس غالباً فندب العفو عنهما مخالفة لهواها وكظماً لغيظها)اهـ[مرقاة المفاتيح 10/488].
قال في "كشاف القناع": (والأولى ترك ضربها إبقاء للمودة (وقيل) يضربها (بدرة أو مخراق) وهو منديل ملفوف (لا بسوط ولا بخشب) لأن المقصود التأديب وزجرها فيبدأ فيه بالأسهل فالأسهل..)اهـ [17/444].
والله أعلم, وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين وسلم تسليماً.
أبو محمد سَعد صَمْدَعي