تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 10 من 10

الموضوع: سلسلة الفوائد الحديثية(1) هداية السالك إلى فوائد قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه -

  1. Post سلسلة الفوائد الحديثية(1) هداية السالك إلى فوائد قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه -

    بسم الله الرحمن الرحيم
    إخواني الإعزاء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله جميع أوقاتكم، وبارك في علمكم.
    إخواني هذه أول مشاركة في هذا المنتدى المبارك.
    بسم الله الرحمن الرحيم
    المقدمة:
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
    فإن النبي الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
    فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرص أشد الحرص على تزكية أصحابه - رضي الله عنهم - أفضل تزكية، وتوجيههم أحسن توجيه، فهو - صلى الله عليه وسلم - معلمهم، ومربيهم، وقدوتهم، وإمامهم - صلى الله عليه وسلم -، فكان من ذلك أن تخرج من تحت يده - صلى الله عليه وسلم - جيل رباني فريد.
    ومن تلك المواقف التي زكى فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه موقفه من كعب بن مالك وصاحبيه - رضي الله عنهم -، ففي هذه القصة من العبر والعظات والفوائد العذاب الشيء الكثير، وقد أحببت أن أجمع تلك الفوائد من هذه الحادثة العظيمة، وأرتبها حتى يُستفاد منها.
    وقد مضيت في هذه الرسالة على اعتماد نص القصة مما في الصحيحين فقط، ثم خرجتها من مواطنها في الصحيحين، ثم بينت غريب ألفاظها، ثم ترجمت بترجمة موجزة لكعب بن مالك - رضي الله عنه -، ثم ذكرت فوائد القصة.
    وقد سرت في استنباط فوائد هذه القصة على السياق، فكلما مررت بفائدة ذكرتها، ثم أنقل من القصة المقطع الذي استفدت منه الفائدة في الغالب؛ فاجتمعت الفائدة مع مكان استنباطها، وذلك حتى يسهل الاستفادة منها.
    وبعد فراغي من استنباط الفوائد راجعت ما قاله الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - في كتابه فتح الباري عن هذه القصة، وكذلك الإمام النووي- رحمه الله تعالى - في شرحه على صحيح الإمام مسلم، فأضفت من الفوائد ما فاتني إيراده، فاجتمعت هذه الفوائد ، وقد وسمت هذا الرسالة بـ(هداية السالك إلى فوائد قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه -)، وهي أول رسالة في هذه السلسلة المباركة، أسأل الله الهداية والتسديد، والعون والتيسير، والإخلاص والتوفيق.
    ـــــــــــــــ يتبع إن شاء الله تعالى ـــــــــــــــ ـ

  2. Post رد: سلسلة الفوائد الحديثية(1) هداية السالك إلى فوائد قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه -

    بسم الله الرحمن الرحيم
    تابع هداية السالك إلى فوائد قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه -
    نص الحديث:
    قال الإمام أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ - قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه - يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ قَالَ كَعْبٌ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلاَّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ في غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا، إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلاَمِ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ في النَّاسِ مِنْهَا، كَانَ مِنْ خَبَرِي أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلاَ أَيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ في تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَاللَّهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا في تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ غَزْوَةً إِلاَّ وَرَّي بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ، غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - في حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا وَعَدُوًّا كَثِيرًا، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ، فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ، وَالْمُسْلِمُون َ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَثِيرٌ، وَلاَ يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ - يُرِيدُ الدِّيوَانَ - قَالَ كَعْبٌ فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلاَّ ظَنَّ أَنْ سَيَخْفي لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيُ اللَّهِ، وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلاَلُ، وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُسْلِمُون َ مَعَهُ، فَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَأَقُولُ في نَفْسِي أَنَا قَادِرٌ عَلَيْهِ. فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُسْلِمُون َ مَعَهُ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا، فَقُلْتُ أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لأَتَجَهَّزَ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ، وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ، وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ، فَلَمْ يُقَدَّرْ لي ذَلِكَ، فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ في النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَطُفْتُ فِيهِمْ، أَحْزَنَنِي أَنِّي لاَ أَرَى إِلاَّ رَجُلاً مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ أَوْ رَجُلاً مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ، فَقَالَ وَهْوَ جَالِسٌ في الْقَوْمِ بِتَبُوكَ « مَا فَعَلَ كَعْبٌ ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَنَظَرُهُ في عِطْفِهِ؛ فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا. فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .
    قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلاً حَضَرَنِي هَمِّي، وَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا، وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْىٍ مِنْ أَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَيْءٍ فِيهِ كَذِبٌ، فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ، وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَادِمًا.
    وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ ، فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ، وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلاً فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلاَنِيَتَهُمْ ، وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، ثُمَّ قَالَ « تَعَالَ ». فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لي:« مَا خَلَّفَكَ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ ». فَقُلْتُ: بَلَى، إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلاً، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ إِنِّي لأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ، لاَ وَاللَّهِ مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلاَ أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ». فَقُمْتُ وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي، فَقَالُوا لِي: وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا، وَلَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لاَ تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ الْمُتَخَلِّفُو نَ، قَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَكَ، فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبُ نَفْسِي، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، رَجُلاَنِ قَالاَ مِثْلَ مَا قُلْتَ، فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ؛ فَقُلْتُ: مَنْ هُمَا؟ قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْعَمْرِيُّ وَهِلاَلُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفي. فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا إِسْوَةٌ، فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلاَمِنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ في نَفْسِي الأَرْضُ، فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا في بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلاَةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطُوفُ في الأَسْوَاقِ، وَلاَ يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهْوَ في مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَأَقُولُ في نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلاَمِ عَليَّ أَمْ لاَ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلاَتِي أَقْبَلَ إِلَيَّ، وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ وَهْوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ، فَقُلْتُ يَا أَبَا قَتَادَةَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ. فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ، قَالَ فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ الْمَدِينَةِ إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّامِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؟ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ، حَتَّى إِذَا جَاءَنِي دَفَعَ إِليَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، فَإِذَا فِيهِ أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلاَ مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ. فَقُلْتُ: لَمَّا قَرَأْتُهَا وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلاَءِ. فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا، حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الْخَمْسِينَ إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْتِينِي، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ، فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا، أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: لاَ، بَلِ اعْتَزِلْهَا وَلاَ تَقْرَبْهَا. وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لاِمْرَأَتِي الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ في هَذَا الأَمْرِ؛ قَالَ كَعْبٌ: فَجَاءَت امْرَأَةُ هِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ -رضي الله عنه - رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟ قَالَ:« لاَ وَلَكِنْ لاَ يَقْرَبْكِ »؛ قَالَتْ: إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ، وَاللَّهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا. فَقَالَ: لي بَعْضُ أَهْلِي لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - في امْرَأَتِكَ كَمَا أَذِنَ لاِمْرَأَةِ هِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لاَ أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا، وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ، فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ حَتَّى كَملَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كَلاَمِنَا، فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلاَةَ الْفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ، أَبْشِرْ. قَالَ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلاَةَ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا ، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ فَأَوْفى عَلَى الْجَبَلِ وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ، فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ، وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا ، وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ، يَقُولُونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ.
    قَالَ كَعْبٌ حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ، وَلاَ أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ، قَالَ كَعْبٌ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ « أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ ». قَالَ: قُلْتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟ قَالَ « لاَ، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ». وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِ اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ». قُلْتُ فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لاَ أُحَدِّثَ إِلاَّ صِدْقًا مَا بَقِيتُ، فَوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْلاَهُ اللَّهُ في صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلاَنِي، مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيتُ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - : { لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِي نَ } إِلَى قَوْلِهِ:{ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ }.
    فَوَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلإِسْلاَمِ أَعْظَمَ في نَفْسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لاَ أَكُونَ كَذَبْتُهُ، فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا، فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لأَحَدٍ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{سَيَ حْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: { فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}.
    قَالَ كَعْبٌ وَكُنَّا تَخَلَّفْنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ حَلَفُوا لَهُ، فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللَّهُ فِيهِ، فَبِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ:{ وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ } وَلَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ مِمَّا خُلِّفْنَا عَنِ الْغَزْوِ، إِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ، فَقَبِلَ مِنْهُ.
    تخريج الحديث:
    أخرجه الإمام البخاري في كتاب المغازي، باب: حديث كعب بن مالك وقول الله تعالى:{ وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ} (فتح8/452برقم:4418)، وأخرجه الإمام مسلم في كتاب التوبة، باب: حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه(4/2120برقم:2769)، وغيرهما، وهذا لفظ البخاري.

  3. Post رد: سلسلة الفوائد الحديثية(1) هداية السالك إلى فوائد قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه -

    بسم الله الرحمن الرحيم
    تابع هداية السالك إلى فوائد قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه -
    ترجمة كعب بن مالك - رضي الله عنه -:
    كعب بن مالك بن أبي كعب واسم أبي كعب عمرو بن القين بن كعب بن سَوَاد بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعيد بن على بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج الأنصاري السلمي، يكنى أبا عبدالله وقيل أبا عبدالرحمن، وأمه ليلى بنت زيد بن ثعلبة من بني سلمة أيضاً.
    لما قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة آخى بينه وبين طلحة بن عبيدالله حين آخى بين المهاجرين والأنصار، كان أحد شعراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين كانوا يردون الأذى عنه، وكان قد غلب عليه في الجاهلية أمر الشعر وعرف به، ثم أسلم وشهد العقبة، ولم يشهد بدراً وشهد أحداً والمشاهد كلها حاشا تبوك، فإنه تخلف عنها، وهو أحد الثلاثة الذين قال الله فيهم:{ وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}؛ وهم كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن ربيعة - رضي الله عنهم -، تخلفوا عن غزوة تبوك فتاب الله عليهم وعذرهم وغفر لهم ونزل القرآن في شأنهم.
    وفي يوم أحد لبس كعب - رضي الله عنه - لأمْةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانت صفراء، ولبس النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمَتَهُ فجرح كعب بن مالك - رضي الله عنه - أحد عشر جرحاً.
    قال محمد بن سيرين – رحمه الله تعالى -:( كان شعراء المسلمين حسان بن ثابت وعبدالله بن رواحة وكعب بن مالك - رضي الله عنه - فكان كعب يخوفهم الحرب، وعبدالله يعيرهم بالكفر، وكان حسان يقبل على الأنساب، فبلغني أن دوساً إنما أسلمت فرقا من قول كعب بن مالك - رضي الله عنه -:
    قضينا من تهامة كل وتـر &&& وخيبر ثم أغمدنا السيوفا
    تُخَبِرنـا ولو نطقت لقالت&&& قواطعهن دوسـاً أو ثقيفاً
    فلما بلغ دوساً قالوا: خذوا لأنفسكم، لا ينزل بكم ما نزل بثقيف).
    توفي - رضي الله عنه - في زمن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - سنة خمسين، وقيل سنة ثلاث وخمسين، وهو ابن سبع وسبعين، وكان قد عمي وذهب بصره في آخر عمره - رضي الله عنه -.
    انظر ترجمته - رضي الله عنه - في:
    الإصابة في تمييز الصحابة (5/456برقم7448)، الاستيعاب في معرفة الأصحاب(2/381برقم2231).




    ـــــــــــــ يتبع إن شاء الله تعالى ـــــــــــــ

  4. Post رد: سلسلة الفوائد الحديثية(1) هداية السالك إلى فوائد قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه -

    بسم الله الرحمن الرحيم
    تابع هداية السالك إلى فوائد قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه
    -
    غريب الحديث:
    تَوَاثَقْنَا: بمثلثة وقاف، أي تحالفنا وتعاهدنا والتَّواثُق تفاعُل منه والمِيثاقُ العهد، أي أخذ بعضنا على بعض الميثاق لما تبايعنا على الإسلام، (1).
    المَفَاز: الصحراء البعيدة عن العمار، والماء، تفاؤلاً من الفوز بالنجاة منها.
    فَجَلَّى: بالجيم وتشديد اللام أي أوضح(2).
    أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ: الأُهبة بضم الهمزة وسكون الهاء، أي ما يحتاج إليه في السفر والحرب(3).
    وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ: بالفاء والطاء المهملة، أي فات وسبق(4).
    المَغْمُوص: بالغين المعجمة، والصاد المهملة، أي مطعوناً عليه في دينه متهماً بالنفاق(5).
    يُؤَنِّبُونِي: بنون ثقيلة ثم موحدة، والتَّأْنِيبُ المُبالغة في التَّوْبِيخ والتَّعْنيف (6).
    فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ: بالسين المهملة والقاف المعجمة، أي أنظر إليه في خفيه(7).
    حَتَّى تَسَوَّرْتُ: أي علوت سور الدار(8).
    إِذَا نَبَطِيٌّ: النبط نسبة إلى استنباط الماء واستخراجه، وهم فلاحوا العجم، وهذا النبطي الذي جاء لكعب - رضي الله عنه - نصراني(9).
    نُوَاسِكَ: بضم النون وكسر السين المهملة من المواساة(10).
    فَتَيَمَّمْتُ: أي قصدت(11).
    فَأَوْفى: أي أشرف واطلع(12).
    فَسَجَرْتُهُ: بسين مهملة، وجيم، أي أوقدته(13).
    ـــــــــــــــ ـــــــ
    (1) لسان العرب(10/371)، والنهاية في غريب الحديث(5/326)، وفتح الباري(8/456).
    (2) لسان العرب(5/392)، والنهاية في غريب الحديث(3/941)، وفتح الباري (8/457).
    (3) النهاية في غريب الحديث(1/803)، وفتح الباري (8/457).
    (4) لسان العرب(1/217)، والقاموس المحيط(ص:77)، وفتح الباري (8/458).
    (5) لسان العرب(7/61)، وفتح الباري (8/458).
    (6) لسان العرب(1/216).
    (7) فتح الباري (8/461).
    (8) لسان العرب(4/384)، والنهاية في غريب الحديث(2/1030)، وفتح الباري (8/461).
    (9) فتح الباري (8/462).
    (10) المصدر السابق.
    (11) لسان العرب(12/22)، وفتح الباري (8/462).
    (12) لسان العرب(15/398)، والنهاية في غريب الحديث(5/469)، وفتح الباري (8/462).
    (13) فتح الباري (8/462).
    ـــــــــــــ يتبع إن شاء الله تعالى ـــــــــــــ

  5. Post رد: سلسلة الفوائد الحديثية(1) هداية السالك إلى فوائد قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه -

    بسم الله الرحمن الرحيم
    تابع هداية السالك إلى فوائد قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه -

    الفوائد(141 فائدة)
    الفوائد من (1) إلى (30)
    الفوائد المنتقاة من هذه القصة:
    1- هذه القصة صحيحة ثابتة بالكتاب كما في سورة التوبة، وبالسنة الصحيحة فهي في أصح الكتب بعد القرآن الكريم البخاري ومسلم.
    2- جعلها الإمام البخاري في باب المغازي وهذا من فقهه - رحمه الله تعالى - فالقصة في باب الجهاد وخطورة التخلف عنه إذا استنفر الإمام الشرعي الناس.
    3- أن الإمام مسلم جعلها في كتاب التوبة، وذلك من فقهه - رحمه الله تعالى – أيضاً، فقد تجلى في هذه القصة صدق التوبة والصبر عليها، وشدة البلاء الذي معه تضعف النفوس؛ وظهر ذلك في تعبير القرآن عن هؤلاء التائبين، فقال تعالى:{ وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ } [التوبة:118] .
    4- مشروعية إيراد قصص التائبين حتى يستفيد ويعتبر منها السامع.
    5- أفضل من يورد القصة هو صاحبها، الذي عاش أحداثها، وتنقل بين فصولها، فمنه تكون أصدق وأوثق.
    من قول عبدالله بن كعب:( سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ).
    6- جواز تحدث العبد بما أنعم الله عليه من النعم بشرط أن يأمن الفتنة على نفسه، قال تعالى:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}[الضحى:11]. من قول كعب - رضي الله عنه -:( لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلاَّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ).
    من قول كعب - رضي الله عنه -:( لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلاَّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ).
    7- ومنها أيضاً: حرص الصحابة - رضي الله عنهم - في مشاركة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومتابعته في كل أعماله، ومن أعظمها وأجلها الجهاد في سبيل الله - تعالى -.
    8- ومنها أيضاً: عدم تشبع العبد بما لم يعط، فلا يمدح نفسه بشيء ليس فيه فقد قال - صلى الله عليه وسلم - من حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - :« الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ » أخرجه البخاري(5219)، ومسلم(5707).
    من قول كعب - رضي الله عنه -:( غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ في غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا، إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ ).
    9- إباحة الغنائم لهذه الأمة، فقد أحلها الله يوم أن كانت محرمة على من قبلنا، فهي من خصائص هذه الأمة.
    من قول كعب - رضي الله عنه -:( إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ).
    10- مشروعية الإغارة والمباغتة للعدو المحارب في ماله ونفسه.
    من قول كعب - رضي الله عنه -:( إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ).
    11- ومنها أيضاً: إذا أراد الله أمراً هيأ أسبابه، وجعل السنن الكونية تسير لتحقيقه، فقدره نافذ، وأمره بعد الكاف والنون - عز وجل-.
    12- مشروعية التعاهد والتعاقد على نصرة الدين.
    من قول كعب - رضي الله عنه -:( وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلاَمِ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ).
    13- ومنها أيضاً: فضل نصرة الإسلام، وأنه من أعظم القرب التي يتقرب بها العبد إلى الله - تعالى -، ويرجو ثوابها عنده؛ قال تعالى:{وَلَيَنصُ رَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } [الحج:40]؛ وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }محمد7 [محمد:8].
    14- ومنها أيضاً: حسنات الإنسان وسابقته مهما كانت لا تعصمه من الخطأ، ولا تمنع من معاتبته أو معاقبته عليه، وإن كانت محسوبة له.
    15- فضل أهل بدر والعقبة، وأن لهم ميزة على غيرهم، وهذا متقرر عند الصحابة - رضي الله عنهم -.
    من قوله - رضي الله عنه -:( وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ في النَّاسِ مِنْهَا).
    16- قول الحق ولو على النفس، بدون زيادة ولا نقصان وهذا من التجرد الذي نحن بحاجة إليه وخاصة في هذا الزمن.
    من قول كعب - رضي الله عنه -:( كَانَ مِنْ خَبَرِي أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلاَ أَيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ في تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَاللهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا في تِلْكَ الْغَزْوَةِ).
    17- وفيه أيضاً جواز الحلف، ويحذر المسلم من ا لإكثار منه لقوله تعالى:{وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُم ْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }[البقرة:224].
    من قوله - رضي الله عنه -:( وَاللهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ ).
    18- جواز التورية للحاجة، وهي أن يقول القائل كلاماً يقصد به شيئاً ويفهم السامع منه شيئاً آخر.
    من قوله - رضي الله عنه -:( وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ غَزْوَةً إِلاَّ وَرَّى بِغَيْرِهَا).
    19- الحنكة العسكرية التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتمتع بها، فهو يوري لأجل أن لا يصل الخبر إلى العدو فيأخذ أهبته واستعداده، بل كان يحافظ على أسرار سير جيشه - صلى الله عليه وسلم - حتى يباغت عدوه، وينال ما يريد.
    من قوله - رضي الله عنه -:( وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ غَزْوَةً إِلاَّ وَرَّي بِغَيْرِهَا).
    20- ومنها أيضاً: أن للعدو بين المسلمين جواسيس يخدمونهم ويخبرونهم بأخبار المسلمين؛ وكان الجواسيس في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - المنافقون.
    21- أهمية بيان عوارض الطريق وصعوبته ومخاطره للمدعوين، وجعلهم على بصيرة من أمرهم، وكذلك عند بداية كل عمل لأخذ الأهبة والاستعداد الحسي والمعنوي.
    من قوله - رضي الله عنه -:(حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ، غَزَاهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا، وَمَفَازًا، وَعَدُوًّا كَثِيرًا، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ، لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ، فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ).
    22- إذا استنفر إمام المسلمين النَّاس وطلب منهم الجهاد كان واجباً عليهم وجوباً عينياً ، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - جلَّا أمرها ودعاهم لأخذ الأهبة والاستعداد فيكون استنفارا منه - صلى الله عليه وسلم - للخروج فيها؛ وهذه الحالة الأولى من حالات وجوب الجهاد على الأعيان، دل لها حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:« لاَ هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا». أخرجه البخاري(2631) ومسلم(1864).
    والحالة الثانية: إذا حضر العدو بلدًا من بلدان المسلمين تعين على أهل البلاد قتاله وطرده منها، ويلزم المسلمين أن ينصروا ذلك البلد إذا عجز أهله عن إخراج العدو ويبدأ الوجوب بالأقرب فالأقرب، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } [التوبة:123].
    والحالة الثالثة: إذا حضر المسلم المكلف القتال، والتقى الزحفان، وتقابل الصفان، كان الجهاد في حقه واجباً عينياً، قال الله - تعالى -:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ }[الأنفال: 45]. وقال سبحانه:{وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } [الأنفال: 15- 16]. وجاء من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:« اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ » . قَالُوا: يَا رَسُولَ الله وَمَا هُنَّ؟ قال:- وذكر منها -«وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ » أخرجه البخاري(2615) ومسلم(145).
    من قوله - رضي الله عنه -:( فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ، لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ).
    23- ومنها أيضاً: وجوب الإعداد للجهاد وأخذ الحيطة في ذلك، قال الله تعالى:{وَأَعِدُّ واْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ }[الأنفال:60].
    24- تربية الأتباع على المراقبة الدائمة لله - تعالى - في السر والعلن، أسلوب ناجع لحل كثير من أمراض الأمة صغرت أم كبرت.
    من قول كعب - رضي الله عنه -:( فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلاَّ ظَنَّ أَنْ سَيَخْفى لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيُ اللهِ).
    25- على القائد والمربي أن يكون قدوة للأتباع في كل عمل، فهذا رسول البرية  يتقدمهم في هذه الغزوة العظيمة، فكان الصحابة - رضي الله عنهم - تبع له في ذلك، وكان له الأثر الكبير عليهم.
    من قوله - رضي الله عنه -:( وَغَزَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تِلْكَ الْغَزْوَةَ).
    26- تقديم ما يحب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - على ما تحب النفس.
    من قوله:( وَغَزَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلاَلُ).
    27- ومنها أيضاً: عظم التضحية التي كان يقدمها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخدمة دينهم، ونصرة نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، فهاهم يعدون للمعركة بكل جد واجتهاد مع علمهم ما ينتظرهم من لهيب الصحراء، وعطشها وجوعها، وبعد الشُّقة، وقوة بأس العدو، وألم الفراق للأهل والأولاد، والأرض، وهاهم يفارقون أرضهم وقد أخذت حلتها، وازينت، وطاب ثمرها وظلها.
    28- الحرص والاجتهاد على تهيئة النفس على العبادة، فكثير من العبادات يشرع أن يتهيأ لها العبد فالصلاة بالطهارة، والصيام بالسحور وغيرها، فإذا جاءت العبادة كانت النفس مستعدة للإتيان بها على أكمل وجه.
    من قوله - رضي الله عنه -:( وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُسْلِمُون َ مَعَهُ).
    29- خطورة التسويف وأنه يفسد على العبد أمر دينه ودنياه؛ يقول ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - في صيد خاطره:( إياك والتسويف فإنه أعظم جنود إبليس)، ويقول أبو حامد الغزالي كما في الإحياء:(إن التسويف يسبب أربعة أشياء: ترك الطاعة والكسل فيها، وترك التوبة وتأخيرها، والحرص على الدنيا والاشتغال بها، وقسوة القلب ونسيان الآخرة).
    من قوله - رضي الله عنه -:(فَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَأَقُولُ في نَفْسِي أَنَا قَادِرٌ عَلَيْهِ. فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُسْلِمُون َ مَعَهُ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا، فَقُلْتُ أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لأَتَجَهَّزَ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ).
    30- على المسلم أن يسارع في الطاعات، ويحرص على أدائها بدون بعزم وجد، ويحرص على سد الخلل وإدراك ما فات.
    من قوله - رضي الله عنه -:( وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ).
    ــــــــــــ يتبع إن شاء الله تعالى ــــــــــــ

  6. Post رد: سلسلة الفوائد الحديثية(1) هداية السالك إلى فوائد قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه -

    الفوائد من (31- 60)


    31- الاحتجاج بالقدر يكون في المصائب لا في المعائب، فإذا أصيب العبد بمصيبة فيجوز له أن يحتج بالقدر عليها، أم الاحتجاج بالقدر على الذنوب والمعاصي فلا.
    من قوله - رضي الله عنه -:( فَلَمْ يُقَدَّرْ لي ذَلِكَ).
    32- التحسر على ترك الطاعات، ولوم النفس عليها يدل على صحة القلب.
    من قوله - رضي الله عنه -:( فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ في النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَطُفْتُ فِيهِمْ، أَحْزَنَنِي أَنِّي لاَ أَرَى إِلاَّ رَجُلاً مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ، أَوْ رَجُلاً مِمَّنْ عَذَرَ اللهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ).
    33- أزهد الناس في الطاعات والقُرُبَات هم أهل النفاق، الذين يُلْقُوْنَ المعاذير كذباً وزوراً.
    من قوله - رضي الله عنه -:( أَحْزَنَنِي أَنِّي لاَ أَرَى إِلاَّ رَجُلاً مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ).
    34- إعذار الله - تعالى - للضعفاء عن الجهاد في سبيله، وهذا عذرا شرعي يمنعهم من الجهاد؛ قال الله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَ فِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً }[النساء:75].
    من قوله - رضي الله عنه -:( أَوْ رَجُلاً مِمَّنْ عَذَرَ اللهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ).
    35- على القادة والمربين أن يجالسوا النَّاس ويخالطوهم ويسألوا عن حالهم، فهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - يجلس مع أصحابه ويحدثهم ويسأل عن حالهم. من قوله - رضي الله عنه -:( فَقَالَ وَهْوَ جَالِسٌ في الْقَوْمِ بِتَبُوكَ).
    36- تفقد النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه، ومنه مشروعية متابعة الداعية للمدعويين، والسؤال عنهم وتفقد حالهم. من قوله - رضي الله عنه -:( فَقَالَ وَهْوَ جَالِسٌ في الْقَوْمِ بِتَبُوكَ « مَا فَعَلَ كَعْبٌ »).
    37- على المسلم أن يحرص أن لا يجعل نفسه في مواطن التُهم، فهذا الرجل لما علم من كعب - رضي الله عنه - أنه ليس من أهل الأعذار اتهمه بالتخلف، وتعلقه بالدنيا. من قوله - رضي الله عنه -:( فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَنَظَرُهُ في عِطْفِهِ).
    38- ومنها أيضاً: عدم إساءة الظن بالناس، وإلصاق التهم بهم بدون بينة، ولا برهان، ولا معرفة لملابسات الموضوع.
    39- خطورة الغيبة، وأنها كبيرة من كبائر الذنوب كما ذكر الله - تعالى -، وبين خطرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. من قول الرجل عن كعب - رضي الله عنه -:( حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَنَظَرُهُ في عِطْفِهِ).
    40- الذب والرد عن أعراض المسلمين من أسباب رد الله النار عن وجه العبد يوم القيامة؛ فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:« مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »(1)، وهذا ظاهر من فعل معاذ بن جبل - رضي الله عنه - حينما قال:( بِئْسَ مَا قُلْتَ، وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا)؛ فلا يحكم على شخص من موقف بل بالنظر في عامة مواقفه حتى يكون الحكم صحيحاً، والقول فيه حق.
    41- ومنها أيضاً: إحسان الظن بالمسلمين – وهو الأصل -، ومنه قول معاذ - رضي الله عنه -: (وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا).
    42- قد يكون سكوت النبي - صلى الله عليه وسلم - إقرار لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - بأنه لا يعلم عن كعب - رضي الله عنه - إلا خيراً، أو قد يكون إغلاقاً لباب الجدل والنقاش إذا كانت المصلحة تقتضيه، فقد يكون للرجل مقالاً، وقول معاذ - رضي الله عنه - حق، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - إغلاق باب الجدال والنقاش.
    من قوله - رضي الله عنه -:( فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -).
    43- إن النظر في العواقب يقي الإنسان من الوقوع في كثير من الأخطاء الدينية، والدنيوية، فلو نظر القاتل في عاقبة القتل، وأنه سيقتل لما أقدم على فعله ذاك.
    من قوله - رضي الله عنه -:( فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلاً حَضَرَنِي هَمِّي، وَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا).
    44- ومنها أيضاً: أن الشيطان لا يزال بالمسلم حتى يوقعه في المعصية والكفر ثم يتخلى عنه، قال الله تعالى:{كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ }[الحشر:16].
    45- أهمية الشورى في الإسلام، بشرط أن يكون المستشار مؤتمناًً، وناصحاً، وذو رأي رشيد.
    من قوله - رضي الله عنه -:(وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْىٍ مِنْ أَهْلِي).
    46- العزم على قول الصدق في كل الأحوال، فالصدق منجاة للعبد، وإن ناله شيءٌ من الأذى في سبيله، وكم الأمة في هذا الزمن بحاجة إلى قولة صادق، وصدق ناصح.
    من قوله - رضي الله عنه -:( فَلَمَّا قِيلَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَيْءٍ فِيهِ كَذِبٌ، فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ).
    47- ومنها أيضاً: أن من أعظم التوفيق أن يريك الله الحق حقاً، ويرزقك اتباعه، والباطل باطلاً، ويرزقك اجتنابه، فقد أرى الله كعباً الحق فزاح عنه الباطل، فأكثر من قول:(اللهم أرني الحق حقاً وارزقني اتباعه، وأرني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه).
    48- السنة أن الإنسان لا يطرق أهله ليلاً، فعن جابر - رضي الله عنه - قال:( نَهى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يَطْرُقَ أَهْلَهُ لَيْلاً) أخرجه البخاري(1801)، ومسلم(5078)؛ وصارف النهي في هذا الحديث أنه جاء في باب الآداب، وحتى لا يرى الرجل من أهله ما يكره، فقد بُيْنَت العلة في بعض الروايات: « حَتَّى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ، وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ »، فإذا علم أهل الشخص بمجيئه فلا مانع من أن يطرق الرجل أهله ليلاً.
    من قوله - رضي الله عنه -:( وَأَصْبَحَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَادِمًا).
    49- السنة للقادم من سفر أن يبدأ بمسجد محلته فيصلي فيه ركعتين ثم يذهب إلى أهله بعد ذلك.
    من قوله - رضي الله عنه -:( وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ).
    50- يستحب لمن كان ذو هيئة أن يجلس للناس حال قدومه من سفر حتى يُسلَّم عليه، ويتفقد حالهم، فالمصالح العامة أولى من المصالح الخاصة.
    من قوله - رضي الله عنه -:( ثُمَّ جَلَسَ - صلى الله عليه وسلم - لِلنَّاسِ).
    51- على الإنسان إذا فعل ما يُعاب عليه أن يبين مراده من فعله، أو يعتذر عنه بصدق.
    من قوله - رضي الله عنه - عمن تخلف عن الغزوة:( فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ، وَيَحْلِفُونَ لَهُ).
    52- ومنها أيضاً: أن كثرة الحلف بالكذب من صفات المنافقين لقوله - رضي الله عنه -:« أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ » أخرجه البخاري(34)، ومسلم(106).
    53- الجهاد واجب على الرجال دون النساء، فالنساء عليهن جهاد لا قتال فيه ألا وهو الحج والعمرة كما ثبت ذلك عن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها -.
    من قوله - رضي الله عنه -:( وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلاً ).
    54- قبول معاذير المنافقين ونحوهم بالأخذ بالظاهر ما لم يترتب على ذلك مفسدة.
    من قوله - رضي الله عنه -:( فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ).
    55- الأصل في التعامل مع الناس أن يعاملوا بظواهرهم، وتوكل سرائرهم إلى الله - تعالى -.
    من قوله - رضي الله عنه -:( فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ - تعالى - عَلاَنِيَتَهُمْ ).
    56- إن التدخل في النيات واتهامها لهو من الافتراء والكذب والظلم، والله - تعالى - لم يأمرنا بالتعامل مع البواطن والنيات، بل أمرنا بمعاملة الظواهر والأعمال، وتوكل النيات إلى العالم به - سبحانة -.
    من قوله - رضي الله عنه -:(بَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللهِ).
    57- ومنها أيضاً: من السهل الخروج من غضب البشر بالمعاذير، أما الله فلا تخرج من غضبه إلا بالصدق في القول والعمل، والظاهر والباطن.
    58- استعمال بعض الإشارات، وبعض حركات الجوارح دون الكلام في علاج بعض الأخطاء أسلوب نبوي رائع.
    من قوله - رضي الله عنه - :( فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ).
    59- ومنها أيضاً: أن التبسم قد يكون عن غضب، كما قد يكون عن تعجب.
    60- من آداب المحادثة أن تستقبل من تحدثه بكليتك، ولا تلتفت عنه يمنة ويسره وهو يحدثك.
    من قوله - رضي الله عنه -:(فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ).


    ـــــــــــــــ ـ يتبع إن شاء الله تعالى ـــــــــــــــ
    (ليس العجب أن يحب العبد الرب فهو مفطور على محبة المنعم والمتفضل عليه،
    والكن العجب كل العجب حب الرب للعبد وهو مستغني عنه) نسأل الله محبته.

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    97

    افتراضي رد: سلسلة الفوائد الحديثية(1) هداية السالك إلى فوائد قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه -

    جزاك الله خيراً ، وبارك فيك .

  8. Arrow رد: سلسلة الفوائد الحديثية(1) هداية السالك إلى فوائد قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه -

    أخي الآجري
    وفيك ربي بارك
    (ليس العجب أن يحب العبد الرب فهو مفطور على محبة المنعم والمتفضل عليه،
    والكن العجب كل العجب حب الرب للعبد وهو مستغني عنه) نسأل الله محبته.

  9. Post رد: سلسلة الفوائد الحديثية(1) هداية السالك إلى فوائد قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه -

    الفوائد من (61- 100)
    61- من آداب المناصحة والمصارحة أن تكون على خلوة من الناس، إلا إذا اقتضت المصلحة غير ذلك؛ فهذا كعب بن مالك - رضي الله عنه - جلس بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان بحضرة الصحابة، لأنهم - رضي الله عنهم - يعلمون تخلفه عن الغزوة.
    من قوله - رضي الله عنه -:( حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لي:« مَا خَلَّفَكَ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ »).
    62- الاستيضاح والمصارحة وعدم التعجل منهج نبوي مع المخالف، دون تعنيف ولا تجريح، فبالاستيضاح يظهر للإنسان حقيقة الأمر، وبالمصارحة تُحلُ جميع الإشكالات.
    من قوله - رضي الله عنه -:( فَقَالَ لي - صلى الله عليه وسلم -:« مَا خَلَّفَكَ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ ». فَقُلْتُ: بَلَى).
    63- ومنها أيضاً: على المربي متابعة من تحت يده من المتربين، فيتابعهم قبل العمل، وأثنائه، وبعده.
    64- الإجابة تكون دائماً على قدر السؤال، ثم يبين الإنسان ما يريد بعد ذلك، إلا إذا اقتضت المصلحة خلاف ذلك.
    من قوله - رضي الله عنه -:( فَقُلْتُ: بَلَى).
    65- إن استقطاع الحقوق والخلوص من الخلق بالحجة والجدل الكاذب لا ينفع العبد بل هو مما يضره، ومنه ما جاء من حديث أم سلمة – رضي الله عنها – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:« إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي نَحْوَ مَا أَسْمَعُ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ » أخرجه البخاري(2534)، ومسلم(1713).
    من قوله - رضي الله عنه -:( وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلاً).
    66- ومنها أيضاً: أن حسن المنطق، والإقناع مما ينعم الله به على العبد فأولى ما تُصْرَفُ فيه هي في الدعوة إلى مسديها والمتفضل بها، قال تعالى {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }[فصلت:33].
    67- من طلب رضا الناس بسخط الله - تعالى - سخط الله عليه وأسخط عليه الناس؛ وقد جاء في الحديث عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت سمعت رسول الله - صلى الله عليه - يقول: « مَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ اللهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللهِ وَكَلَهُ اللهُ إِلَى النَّاسِ »(1).
    من قوله - رضي الله عنه -:( لَكِنِّي وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَىَّ فِيهِ إِنِّي لأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللهِ).
    68- الرجاء ركيزة من ركائز العبودية التي لا يصح سير العبد إلى الله - تعالى - إلا به مع الخوف والمحبة.
    من قوله - رضي الله عنه - :( إِنِّي لأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّه).
    69- تزكية النبي - صلى الله عليه وسلم - لكعب بن مالك - رضي الله عنه -.
    من قوله - رضي الله عنه -:« أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ».
    70- الرسول - صلى الله عليه وسلم - بشر لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ويتلقى أوامره ونواهيه من ربه - عز وجل -.
    من قوله - رضي الله عنه -:«فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ فِيكَ».
    71- جواز مدح المرء بما فيه من الخير إذا أُمن عليه الفتنة.
    من قول قوم كعب - رضي الله عنه - له:( َقَالُوا لِي: وَاللهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا).
    72- ومنها أيضاً: عدم الاستهانة بالذنوب، ولو كان ذنباً واحداً، فإن بعض الذنوب تكون هلكة العبد - والعياذ بالله - فيها.
    73- على المسلم أن لا يجالس من يزين له المعصية، أو من يزين له الباطل، ولو كان أقرب قريب، فإنهم قد يكونوا سبباً في إضلاله وإغوائه.
    من قوله - رضي الله عنه -:( فَوَاللهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبُ نَفْسِي ).
    74- التأسي بالصالحين، وسلوك سبيل المؤمنين من أعظم ما يعن العبد على الثبات على دين الله - تعالى -، والبعد سبيل المجرمين.
    من قوله - رضي الله عنه -:( فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا إِسْوَةٌ).
    75- إذا تيقن العبد أنه على الطريق الحق، والصراط المستقيم، وأنه قد سبق فعليه أن يمضي ولا يلتفت للصوارف والعوارض الأرضية.
    من قوله - رضي الله عنه -:( فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي).
    76- الهجر أسلوب نبوي، وتربوي ناجع، فيستخدم إذا اقتضته المصلحة، وليس على الإطلاق.
    من قوله - رضي الله عنه -:( وَنَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلاَمِنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ).
    77- مشروعية هجران أهل البدع، والمعاصي الظاهرة أكثر من ثلاث إذا كان فيه مصلحة شرعية، فهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - هجر كعب بن مالك وصاحبيه أكثر من ثلاث، لكن كان لمصلحة شرعية.
    من قوله - رضي الله عنه -:(وَنَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلاَمِنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ).
    78- الاستجابة التامة لأمر الله - تعالى -، وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - فالصحابة - رضي الله عنهم - ما إن سمعوا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهجر هؤلاء الثلاثة حتى استجابوا لذلك استجابة تامة.
    من قوله - رضي الله عنه -:( فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا).
    79- عِظَمُ البلاء الذي أصاب كعب بن مالك وصاحبيه - رضي الله عنهم -.
    من قوله - رضي الله عنه -:( حَتَّى تَنَكَّرَتْ في نَفْسِي الأَرْضُ، فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً).
    80- ومنها أيضاً: أن الله - تعالى - قد يبتلي عبده ليعلم صدقه وثباته على الأمر.
    81- إذا وجد العبد من أصحابه وإخوانه جفوة، وصدود فلا يحملنَّه ذلك على ترك الحقوق والواجبات.
    من قوله - رضي الله عنه -:( فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلاَةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطُوفُ في الأَسْوَاقِ، وَلاَ يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهْوَ في مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاَةِ).
    82- إن مسارقة النظر، والالتفات في الصلاة لا يقدح في صحتها، لكنه ينقصها، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن ذلك قال:« هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ الْعَبْدِ» أخرجه البخاري(751) من حديث أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -.
    أما الالتفات في الصلاة للحاجة فلا حرج فيه، ودل لذلك ما جاء من حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَحَانَتِ الصَّلاَةُ فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: أَتُصَلِّى لِلنَّاسِ فَأُقِيمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّاسُ فِي الصَّلاَةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ، فَصَفَّقَ النَّاسُ - وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لاَ يَلْتَفِتُ فِي صَلاَتِهِ - فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ فَرَأَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنِ امْكُثْ مَكَانَكَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - يَدَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ ذَلِكَ ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى... الحديث.
    وأما الالتفات بالرأس للتعوذ بالله من الشيطان الرجيم عند الوسوسة فيسن، وذلك عند شدة الحاجة إليه، فقد ورد أن عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إنَّ الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يُلَبِسُهَا عَليَّ؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:«ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خِنْزِبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاَثًا» قال: ففعلتُ ذلك فأذهبهُ الله عَنِّي. أخرجه مسلم(2203).
    من قوله - رضي الله عنه -:( ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ).
    83- لابد للداعية من الحزم في التعامل مع المدعوين وخاصة في القضايا المهمة، فهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتعامل مع كعب - رضي الله عنه - بحزم، فكان كعب ينظر إلى شفتيه هل تحركت برد السلام أم لا، مع أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن من طبعه مثل هذا التعامل.
    من قوله - رضي الله عنه -:(آتِى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهْوَ في مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَأَقُولُ في نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلاَمِ عَليَّ أَمْ لاَ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ).
    84- على الداعية والمربي أن يهتم بإخوانه ويرحمهم، ويتفقد أحوالهم حتى وإن كانوا في فترة التربية، التي هي فترة الإعداد الديني والثقافي والتربوي، فهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أقبل كعب على صلاته التفت إليه الرحمة المسداه - صلى الله عليه وسلم -، فإذا أقبل عليه كعب أعرض عنه.
    من قوله - رضي الله عنه -:(إِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلاَتِي أَقْبَلَ إِلَيَّ، وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي).
    85- إن من لوازم التربية أن المربي قد يحتاج إلى القسوة أحياناً على من يحب، وصدق القائل:
    قسا ليزدجروا، ومن كان محباً *** فليقسُ أحياناً على من يرحمُ
    فهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - مع محبته لكعب بن مالك - رضي الله عنه - إلا أنه يعرض عنه.
    من قوله - رضي الله عنه -:( وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي).
    86- جواز دخول المرء دار جاره وصديقه بغير إذنه، ومن غير الباب إذا تيقن رضاه، وأَمِنَ أن ترى عينه ما حرم الله - تعالى -.
    من قوله - رضي الله عنه -:( حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ وَهْوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ).
    87- الإكثار من سؤال الله - صلى الله عليه وسلم - العافية، فهذا كعب - رضي الله عنه - بلغ به البلاء مبلغه حتى أنه تسور حائط لأبي قتادة - رضي الله عنه -. وقد كان النبي يوصي أقرب الناس له وهو عمه العباس - رضي الله عنه - بسؤال الله العافية، فقد جاء من حديث العباس بن عبدالمطلب - رضي الله عنه - أنه قال: يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله - تعالى - قال:« سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ ». فَمَكَثْتُ أَيَّامًا، ثُمَّ جِئْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ، فَقَالَ لِي:« يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ رَسُولِ اللهِ سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ »(1).
    من قوله - رضي الله عنه -:(حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِى قَتَادَةَ وَهْوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَوَاللهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ، فَقُلْتُ يَا أَبَا قَتَادَةَ، أَنْشُدُكَ بِاللهِ هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ. فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ).
    88- من أعظم صفات أهل الإيمان الحب في الله والبغض فيه، وموالاة المؤمنين وبغض الكافرين، فمع ما بين كعب وأبي قتادة من المحبة، والأخوة إلا أنه لما صار فيه ولاءٌ وبراء، لم يكلم أبو قتادة كعباً - رضي الله عنه -، بل انصرف عنه.
    من قوله - رضي الله عنه -:( حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ وَهْوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَوَاللهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ، فَقُلْتُ يَا أَبَا قَتَادَةَ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ. فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ).
    89- جواز الذهاب إلى الأسواق، والمشي فيها حتى لو لم يكن لحاجة، مع العلم أنها من أبغض الأراضي إلى الله - تعالى -، وأماكن الفتن فيحذر المسلم منها، فقد جاء من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«أَحَبُّ الْبِلاَدِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلاَدِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا » أخرجه مسلم(671).
    من قوله - رضي الله عنه -:( فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ الْمَدِينَةِ).
    90- الأصل في التعامل مع الكفار في البيع والشراء الجواز.
    من قوله - رضي الله عنه -:(إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّأْمِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ).
    91- ومنها أيضا: جواز دخول جزيرة العرب لغير المسلمين للحاجة.
    92- ومنها أيضاً: جواز أكل طعام الكفار الذي أحله الله لنا، وأما ما لم يحله الله لنا من اللحوم التي حرمها الله علينا كلحم الخنزير والكلاب وغيرها، أو مما لم يذكر اسم الله عليه فيحرم علينا أكلها.
    93- إن أعداء الله من الكفار والمنافقين لا يألون جهداً في استغلال الفرص في حرب الإسلام والمسلمين والنيل منهم.
    من قوله - رضي الله عنه -:(حَتَّى إِذَا جَاءَنِي دَفَعَ إِليَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، فَإِذَا فِيهِ أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلاَ مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ).
    94- ومنها أيضاً: وجود من ينقل أخبار المسلمين لأعدائهم، فكيف علم ملك غسان بهذه الحادثة الداخلية، إلا بجود من ينقل أخبار المسلمين لغيرهم.
    95- ومنها أيضاً: من أعظم أهدف أهل الشر استقطاب الطاقات، والمؤثرين في المجتمعات؛ وأهل الخير أولى بذلك.
    96- على المؤمن أن يصبر على البلاء مهما اشتد، وأن يستعين بالله على تحمله، فقد يكون البلاء بالضراء، وقد يكون بالسراء، فهذا كعب - رضي الله عنه - تأتيه رسالة من مالك غسان، فأصبح الملوك يُراسلونه، ومع ذلك يعد ذلك من البلاء، ويصبر على اللأواء، مع أنه - رضي الله عنه - في زمن هجر.
    من قوله - رضي الله عنه -:( فَقُلْتُ: لَمَّا قَرَأْتُهَا وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلاَءِ).
    97- إن من أعظم أسباب الثبات على هذا الدين المفاصلة مع الباطل، وأهله.
    من قوله - رضي الله عنه -:(فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا).
    98- ومنها أيضاً: جواز إحراق ما فيه اسم الله للمصلحة.
    99- ومنها أيضاً: الحذر من إبقاء دواعي الذنب، ومثيرات المعصية بالقرب من الإنسان فإن ذلك مدعاة للوقوع في الذنب مرة أخرى، فهذا كعب - رضي الله عنه - لم يُبْقِ من آثار ذلك الكتاب شيئاً حتى لا تسول له نفسه أمراً قد يكون سبباً لوقوعه في الذنب.
    100- سرعة الاستجابة لأمر الله وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - في أحرج المواقف، فهذا كعب مع ما هو فيه من البلاء، يأتيه الأمر باعتزال أهله، فيسارع في الاستجابة، بل ويسأل هل يطلقها؟ فلو أمر بذلك لكان من أسرع الناس للاستجابة، فيُؤمر باعتزالها دون طلاق.
    من قوله - رضي الله عنه -:(حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الْخَمْسِينَ إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْتِينِي، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ، فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا، أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: لاَ، بَلِ اعْتَزِلْهَا وَلاَ تَقْرَبْهَا).
    ـــــــــــــــ ـ يتبع إن شاء الله تعالى ـــــــــــــــ
    (ليس العجب أن يحب العبد الرب فهو مفطور على محبة المنعم والمتفضل عليه،
    والكن العجب كل العجب حب الرب للعبد وهو مستغني عنه) نسأل الله محبته.

  10. Arrow رد: سلسلة الفوائد الحديثية(1) هداية السالك إلى فوائد قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه -

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    ويتبع إن شاء الله تعالى
    (ليس العجب أن يحب العبد الرب فهو مفطور على محبة المنعم والمتفضل عليه،
    والكن العجب كل العجب حب الرب للعبد وهو مستغني عنه) نسأل الله محبته.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •