تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: الرد على اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات، للشيخ طارق بن عوض الله

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    2,092

    افتراضي الرد على اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات، للشيخ طارق بن عوض الله

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله وحده..
    فقد سبق لي بحث مسألة اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات في المتون= بحثًا موسَّعًا هنا:
    http://majles.alukah.net/showthread.php?t=1651
    وخلصت فيه إلى أنه ليس على اشتراطها منهج المتقدمين من أهل الحديث، ولا عملهم وتطبيقاتهم، بل بعض المتأخرين اشترط ذلك تنظيرًا وخالفه أحيانًا تطبيقًا.
    وسردت هناك أمثلةً كثيرة ونصوصًا عن أئمة هذا الشأن تبيِّن أن اشتراط المنافاة غير مُرَاعى حال النظر في الزيادات.

    ووقفت أمس على كلام نفيس للشيخ طارق بن عوض الله في هذه المسألة، أطال فيه الكلام المؤصل، ونفى أن تكون المنافاة هي القانون الذي يرد الأئمة الزيادة على أساسه؛ إذا اتحد مخرج الرواية وكان الخلاف في الزيادة والنقصان على شيخ واحد في حديث واحد.

    وسأسوق هنا كلامه بتمامه، ولي تعليق على موضع واحد من كلام الشيخ سأكتبه في النهاية.

    قال -رعاه الله- في حاشيته على علوم الحديث لابن الصلاح ونكت العراقي وابن حجر (3/116-126) بعد أن أفاض في مقدمةٍ هامة في أن كثرة الزيادات في الأحاديث من الراوي سببٌ لطعن الأئمة فيه:

    ثم إن الحافظ ابن حجر -رحمه الله- قد صرح هنا، وكذا في "شرح النخبة" وفي أماكن كثيرة بأن الزيادة من الثقة لا يلزم قبولها في كل موضع، وإنما تقبل أحيانًا وترد أحيانًا بحسب القرائن المحتفة بكل رواية على حدة.
    قال الحافظ ابن حجر في "النزهة" (ص: 47):
    "واشتهر عن جمع من العلماء القول بقبول الزيادة مطلقًا من غير تفصيل، ولا يتأتى ذلك على طريق المحدثين الذين يشترطون في "الصحيح" أن لا يكون شاذًّا، ثم يفسرون الشذوذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه. والعجب ممن أغفل ذلك منهم مع اعترافه باشتراط انتفاء الشذوذ في حد الحديث الصحيح، وكذا الحسن".
    قال: "والمنقول عن أئمة الحديث المتقدمين -كعبدالرحمن بن مهدي، ويحيى القطان، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، والبخاري، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والنسائي، والدارقطني وغيرهم-؛ اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها، ولا يعرف عن أحدٍ منهم اطلاق قبول الزيادة".
    ثم ذكر أن هذا هو مذهب الشافعي أيضًا، وسيأتي كلامه وكلام غيره في هذا قريبًا إن شاء الله.
    لكن وقع في كلام ابن حجر في النزهة كلام يحتاج إلى توضيح؛ فإنه -بظاهره- يتعارض مع ما قدمته عنه، وقد أساء البعض فهمه، فحمله على غير مراد الحافظ ابن حجر منه.
    قال قبل ما نقلته عنه:
    "وزيادة راوي الصحيح والحسن مقبولة، ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق ممن لم يذكر تلك الزيادة:
    لأن الزيادة إما أن تكون لا تنافي بينها وبين رواية من لم يذكرها؛ فهذه تقبل مطلقًا؛ لأنها في حكم الحديث المستقل الذي ينفرد به الثقة ولا يرويه عن شيخه غيره.
    وإما أن تكون منافية، بحيث يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى؛ فهذه التي يقع الترجيح بينها وبين معارضها، فيُقبل الراجح ويرد المرجوح" ا.هـ.
    فقد وصف -كما ترى- الزيادة المقبولة بوصفين: الأول: أن يكون من زادها من راوي الصحيح أم الحسن. الثاني: أن لا تقع منافية لرواية من هو أوثق.
    فأما ما يتعلق بالوصف الأول؛ فليعلم أنه ليس كل من كان ثقة أو صدوقًا يكون مقبول الزيادة، ولا حتى عند ابن حجر -رحمه الله-، بل لا بد وأن يكون من الحفاظ الذين يحتمل منهم الإتيان بالزيادة، بحيث يكون -لسعة حفظه- عنده ما ليس عند غيره، وأن لا يكون مع ذلك من لم يذكر الزيادة أكثر منه حفظًا أو عددًا.
    وسيأتي قريبًا نقل الحافظ ابن حجر ذلك عن جماعة من الحفاظ، مثل الترمذي وابن خزيمة والدارقطني وابن عبدالبر والخطيب، وسيأتي -تعليقًا- كلام الإمام مسلم في معنى ذلك أيضًا.
    بل سيأتي قول الحافظ ابن حجر نفسه الدال على ذلك أيضًا، حيث قال: "فحاصل كلام هؤلاء الأئمة: أن الزيادة إنما تقبل ممن يكون حافظًا متقنًا، حيث يستوي مع من زاد عليهم، فإن كانوا أكثر عددًا منه، أو كان فيهم من هو أحفظ منه، أو كان غيرَ حافظٍ ولو كان في الأصل صدوقًا؛ فإن زيادته لا تقبل" ا.هـ.
    وأما ما يتعلق بالوصف الثاني، وهو عدم التنافي؛ فلم يذكر ابن حجر -رحمه الله- ضابطًا تتميز به الزيادة المنافية من غير المنافية، وقوله في المنافية: "يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى"، ليس وصفًا منضبطًا يصلح أن تندرج تحته كل الزيادات المنافية؛ وإلا فزيادة الوصل ليست منافية، إذ لا تنافي بين الوصل والإرسال، ومع ذلك فما من إمام من الأئمة الذي سماهم ابن حجر في "النزهة"، وذكر أنهم يعتبرون الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها، وأنه لا يعرف عن أحد منهم إطلاق قبول الزيادة؛ ما من إمام من هؤلاء الأئمة وغيرهم إلا وقد أعلَّ جملة من الأحاديث الموصولة ورجح كونها مرسلة، وأن من وصلها من الثقات أخطأ في ذلك.
    فلو كان وقوع التنافي بين الرواية المزيدة والرواية الناقصة شرطًا لسلوك مسلك الترجيح بينهما لما سلك هؤلاء النقاد سبيل الترجيح فيما اختلف وصله وإرساله؛ إذ لا تنافي بين الوصل والإرسال في واقع الأمر.
    وكذلك الشأن في زيادة الرفع؛ فإنها أيضًا ليست منافية؛ إذ ليس قبول الرفع يلزم منه ردُّ الوقف، كما أن قبول الوقف لا يلزم منه ردُّ الرفع، بل قد يكون الحديث محفوظًا على الوجهين؛ مرفوعًا وموقوفًا.
    ومع ذلك؛ فنحن نرى هؤلاء العلماء وغيرهم يعتبرون الترجيح في مثل هذا، ولا يقبلونه مطلقًا، كما أنهم لا يردونه مطلقًا. فلو كان القانون عندهم الذي يقبلون الزيادة على أساسه هو عدم التنافي من دون شيء آخر، للزمهم قبول زيادة الرفع مطلقًا؛ إذ لا تنافي هاهنا.
    والحافظ ابن حجر نفسه في كتبه عامةً؛ تارة يرجح الوقف، وتارة يرجح الرفع؛ وتارة يرجح الإرسال، وتارة يرجح الوصل، وتارة يصحح الحديث على الوجهين؛ موقوفًا ومرفوعًا؛ أو موصولاً ومرسلاً؛ فإن كان هذا النوع من الاختلاف هو عنده من قبيل التنافي، فكيف قَبِل الوجهين في مواضع؟! وإن لم يكن من قبيل التنافي فما الذي أحوجه إلى الترجيح في مواضع أخرى؟!
    والواقع أن ما قاله الحافظ ابن حجر -رحمه الله- من أن الزيادة من راوي الصحيح والحسن مقبولة ما لم تقع منافية، لا يتعارض مع ما ذكرناه من سلوك مسلك الترجيح في زيادة الرفع والوصل رغم كونهما لا يتنافيان مع الوقف والإرسال.
    وذلك؛ أن ما ذكره ابن حجر مشروط بما ذكره هنا -كما سيأتي- وفي مواضع كثيرة في كتبه من أنه إذا اتحد المخرج فلا بد من الترجيح، وأن الجمع لا يتأتى إلا مع اختلاف المخارج(1).
    واختلاف الرفع والوقف، والوصل والإرسال؛ إما أن يكون واقعًا في رواية واحدة، اختلف الرواة لها عن الشيخ، فبعضهم رفع وبعضهم وقف، أو بعضهم وصل وبعضهم أرسل، فهاهنا قد اتحد المخرج، فلا بد من الترجيح، ولو تعذر الترجيح لكون كل وجهٍ قد رواه عن الشيخ جماعة ثقات حفاظ، لزم أن يكون الاختلاف من الشيخ نفسه، حدث به تارة هكذا وتارة هكذا، وإذا صح هذا حُمل ذلك على اضطراب الشيخ نفسه وعدم إتقانه لإسناد الحديث، اللهم إلا أن يكون الشيخ من كبار الحفاظ الذين يحتمل منهم رواية الحديث على غير وجهٍ.
    أما إذا وقع الاختلاف في الرفع والوقف، أو في الوصل والإرسال مع اختلاف المخارج، فحينئذٍ تقبل الزيادة أبدًا، ولا معنى للترجيح، إذ لا خلاف أصلاً.
    فلو روي المتن الواحد، عن شيخين مختلفين، بإسنادين مختلفين، عن تابعيين مختلفين؛ أحدهما وصله عن صحابي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والآخر أرسله عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ أو أحدهما رواه عن صحابي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرفوعًا، والآخر رواه عن صحابي آخر من قوله موقوفًا عليه؛ لم يَعُدُّوا ذلك اختلافًا أصلاً، ولا يتكلفون البحث عن ترجيح؛ بل يقبلون هذه الروايات كلها، ويتعاملون مع كل رواية منها على أنها مستقلة بذاتها، ويعتبرونها روايات متعددة في باب واحد، بل ويقوون بعضها ببعض، اللهم إلا أن يظهر لهم وقوع الخطأ في بعضها بدليل آخر.

    هذا ما يتعلق بالزيادة الإسنادية، أما الزيادة المتنية، فلا شك أنها إذا وقعت في حديث آخر يختلف مخرجه عن مخرج الحديث الذي لم تقع فيه، فهي -بدون شك- زيادة مقبولة؛ إذ إنها -حينئذٍ- تكون بمنزلة حديث مستقل تفرد به ثقة، فتقبل ما لم تكن منافية، فإن كانت منافية رُدَّت.
    وأما إذا اتحد مخرج الحديث، وزاد فيه بعض الرواة زيادة لم يذكرها بقية الرواة، فلا شك أيضًا أنها إذا وقعت منافية للرواية الناقصة أنها تكون مردودة غير مقبولة.
    لكن إذا لم تقع منافية، أي لا يلزم من قبولها رد الرواية الناقصة، فهل الزيادة -هاهنا- يلزم أن تكون مقبولة أيضًا، كما هو الحال إذا ما وقعت في حديث يختلف مخرجه عن مخرج الحديث الناقص، أم أن قبولها هنا غير لازم؟
    والجواب: أن قبولها -والحالة هذه- غير لازم ولا متحتم؛ بل الأمر راجع إلى الترجيح باعتبار القرائن المحتفة، وعلى أساسها إما أن تقبل، وإما أن ترد.
    ولتوضيح هذا؛ لا بد من تمهيدٍ يتضح من خلاله طبيعة هذا النوع من الاختلاف، ليحسن التصور له، والتعرف على مقاصد علماء الحديث من كلامهم فيه؛ فأقول:
    البحث في الرواية يختلف عن البحث في المعاني، فالبحث في الرواية ينحصر في تحقيق صحتها من عدمها، أي في صحة أو عدم صحة القول أو الفعل عمن نسب إليه؛ بصرف النظر عن كون المعنى الذي تضمنته تلك الرواية مستقيمًا في نفسه أو غير مستقيم.
    فقول المحدثين -مثلاً-: "هذا صحيح من قول الزهري أو من فعله"، لا يفيد أكثر من أنه ثبت عندهم أن الزهري قال هذا القول، أو فعل ذلك الفعل؛ أما إصابة الزهري أو عدم إصابته فيما قال أو فعل، فهذا شيء آخر.
    فلو أن الزهري أخطأ فيما قال أو فعل، لما كان ذلك طاعنًا في ثبوت هذا القول أو ذاك الفعل عنه؛ فإن الزهري أو غيره ليس معصومًا من الخطأ، إنما المعصوم هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
    فغير الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد يقول القول أو يفعل الفعل ويخطئ في ذلك، وهو أيضًا يحتمل منه الاختلاف والاضطراب، فقد يقول قولاً في يوم ويرجع عنه بعد ذلك، وقد يقول قولاً ثم يقول بعد ذلك ما يخالفه ويناقضه، وقد يهتدي هو إلى هذا التناقض فيرجع عن أحد قوليه، وقد لا يهتدي فيبقى على تناقضه، وقد يقول القول ثم ينساه، وقد يقول بخلافه، وربما نفى صدور القول الأول منه.
    انظر -مثلاً- إلى ما جاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- من قوله: "تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ميمونة وهو محرم"؛ فهو من جهة الرواية صحيح عن ابن عباس، بمعنى أن ابن عباس -رضي الله عنهما- ثبت عنه أنه قال هذا القول؛ لكن هذا بمجرده لا يدل على أن ابن عباس أصاب في قوله هذا، بل قد يكون أخطأ، وهذا ما ذهب إليه جماعة من أهل العلم، كسعيد بن المسيب وأحمد بن حنبل وغيرهما، فرغم تسليمهم بصحة الرواية عن ابن عباس بذلك، إلا أنهم ذهبوا إلى أنه أخطأ في قوله هذا.
    وانظر: "فتح الباري" (9/165).
    فهذا شأن ما يروى عن غير النبي -صلى الله عليه وسلم-، أما ما يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فالأمر فيه يختلف، فإن الحكم بصحته عنه -صلى الله عليه وسلم- من جهة الرواية يقتضي صحته من جهة المعنى؛ إذ كل ما قاله الرسول -صلى الله عليه وسلم- حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بأبي هو وأمي -صلى الله عليه وسلم-.
    وعليه؛ فلو نسب إليه ما لا يستقيم من جهة المعنى أو يتنافى مع ما صح من سنته -صلى الله عليه وسلم-، فالخلل إنما هو من قِبَل الرواة لا من قبله هو -صلى الله عليه وسلم-، وإن كان الراوي ثقة حمل ذلك على خطئه وسهوه، وهذا يكفي للطعن في صحته والحكم بعدم ثبوته عنه -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لا يقول المنكر من القول، ولا يفعل الخطأ من الفعل، ولا تتعارض ولا تتناقض سنته -صلى الله عليه وسلم-.
    فإذا جاءت روايتان صحيحتان، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، من طريق صحابيين مختلفين، بإسنادين مختلفين، وتضمنت إحداهما زيادة على الأخرى؛ وجب حينئذٍ قبولها؛ لأن مخرجها يختلف عن مخرج الرواية الأخرى، ولا تردُّ إلا إذا وقعت منافية للرواية الأخرى التي لم تشتمل على هذه الزيادة.
    وإذا أمكن الجمع بين الرواية الناقصة والمزيدة بوجه من وجوه الجمع المعتبرة، وجب حينئذٍ اللجوء إلى الجمع، ولا تكون الزيادة حينئذٍ منافية، ولا لها حكمها؛ لأن الجمع يرفع التنافين ,قد سبق أن الجمع يتأتى مع اختلاف المخارج، وهنا قد اختلف مخرج الروايتين.
    أما إذا اتحد المخرج؛ بأن يكون الحديث حديثًا واحدًا، روي عن شيخ واحد، بإسنادٍ واحد، عن صحابيٍّ واحد، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ وقد وقع الخلاف بين أصحاب ذلك الشيخ؛ فبعضهم روى الحديث عنه فزاد في المتن زيادة لم يذكرها عنه بقية الرواة؛ فهنا تأتي مسألة "زيادة الثقة" التي تكثر في كلام علماء الحديث، ويكثر لجوؤهم فيها إلى الترجيح، فتارة يقبلونها، وتارة يردونها، بحسب القرائن المحتفة.
    والزيادة في هذه الصورة، رغم وقوعها في المتن المنسوب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إلا أنهم يتعاملون معها على أنها من المضاف إلى اللراوي، لا من المضاف إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ ولهذا هم لا يتوقفون في ردِّها -إذا ترجح لهم ردُّها- على كونها وقعت منافية، إذ قد لا تكون منافية، ومع ذلك أخطأ الراوي الذي زادها في الحديث، والصواب أنها ليست من الحديث، كما هو الشأن في الزيادات الإسنادية، والتي سبق بيان شأنها.
    فنقطة البحث هاهنا: هذا الشيخ الذي وقع عليه الاختلاف من قِبَل الرواة عنه في ذكر هذه الزيادة: هل ذَكَر في روايته تلك الزيادة فعلاً، أم أن من زادها عنه أخطأ عليه؟
    وإذا كان الأمر كذلك، فاستقامة تلك الزيادة، وعدم نكارتها من حيث المعنى، وعدم منافاتها لغيرها من باقي الرواية أو الروايات الأخرى؛ لا يلزم منه أن يكون الشيخ حدَّث بها في حديثه بالفعل؛ إذ قد تكون الزيادة إنما زادها من زادها فهمًا منه، وقد يكون فهمُهُ صحيحًا غير منافٍ لما تضمنته الرواية أو الروايات الأخرى.
    شأن ذلك شأن كثير من الروايات المدرجة، وهي التي ذكر فيها قول بعض الرواة مع قول النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير فصل، فهذا القدر المدرج في الحديث، والذي هو في الواقع ليس من كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إنما هو من قول الراوي، أكثر ما يكون مستقيم المعنى غير منافٍ للحديث، ومع ذلك يحكم الأئمة بإدراجه، وأنه من قول الراوي وليس من قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وقد يكون الراوي إنما قال هذا القول -الذي أدرج بعد ذلك في الحديث- فهمًا منه للحديث، أو تفريعًا عليه، أو استنباطًا منه، وقد أصاب في ذلك؛ فلم يقع كلامه منافيًا للحديث لذلك.
    بل قد يكون ما قاله الراوي من قِبَل نفسه يحتمله لفظ الحديث، لكنه ليس صريحًا فيه، فقد يكون لفظ الحديث يحتمل أكثر من معنى، فيفسره الراوي على بعض معانيه، فهو -من هذه الحيثية- غير منافٍ للحديث، لكن هذا شيءٌ وثبوت هذا المعنى -صريحًا- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيءٌ آخر.
    كما في حديث شعبة عن العلاء بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا: "كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج". فهكذا رواه الناس عن العلاء، وهكذا رواه أصحاب شعبة عن شعبة، وخالفهم وهب بن جرير، فرواه عن شعبة بلفظ: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب".
    فلما فهم وهب بن جرير من "الخداج" عدم الإجزاء، رواه بالمعنى الذي فهمه، وليس الأمر كذلك، بل "الخداج" يحتمل هذا ويحتمل أيضًا عدم الكمال، ولهذا كان هذا اللفظ الذي جاء به وهب شاذًّا عند الحفاظ، كما سيأتي في "نوع المضطرب".
    بل ربما تكون تلك الزيادة الواقعة في هذا الحديث عن هذا الشيخ محفوظةً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن في حديث آخر، أخطأ الراوي حيث زادها في جملة هذا الحديث عن هذا الشيخ؛ ولا شك أنها -من هذه الحيثية- مستقيمة المعنى غير منافية، كيف لا وهي صحيحة ثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن في حديث آخر؟!
    لكنها -مع ذلك- هي في هذا الحديث خاصة، عن هذا الشيخ خاصة؛ خطأ لم يحدث بها الشيخ، فمن يقبل كل زيادة غير منافية، يجرُّه ذلك إلى قبول مثل هذه الزيادة الواقعة في مثل هذا الحديث خطأ ممن أدخلها فيه من حديث آخر، والصواب أنها ليست من جملة هذا الحديث، بل من حديث آخر.
    قال الحافظ ابن حجر -كما سيأتي في "نوع المدرج"-:
    "وربما وقع الحكم بالإدراج في حديث، ويكون ذلك اللفظ المدرج ثابتًا من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لكن من روايةٍ أخرى.
    كما في حديث أبي موسى: "إن بين يدي الساعة أيامًا، يُرفع فيها العلم، ويظهر فيها الهرج؛ والهرج القتل".
    قال الحافظ: "فَصَله بعض الحفاظ من الرواة، وبين أن قوله: "والهرج القتل" من كلام أبي موسى. ومع ذلك؛ فقد ثبت تفسيره بذلك من وجهٍ آخر مرفوعًا في حديث سالم بن عبدالله بن عمر، عن أبي هريرة" اهـ.
    قلت: فتلك اللفظة "والهرج القتل"، إنما هي من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي هريرة خاصة، وليست هي من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي موسى؛ بل هي في حديثه من قول أبي موسى موقوفة عليه، فمن ظن أنها محفوظة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، من حديث صحابيين عنه، فقد أخطأ، ومن قبلها في حديث أبي موسى وأثبتها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بناءً على أنها غير منافية فقط أخطأ أيضًا.
    ثم قال الحافظ:
    "ومثل ذلك حديث: "أسبغوا الوضوء"... فهو من قول أبي هريرة -أي: في حديثه-، على أنه قد ثبت من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، من حديث عبد الله بن عمرو، في "الصحيح" ا.هـ.
    يعني: "صحيح مسلم" (1/147-148).
    وذكر أيضًا ابن الصلاح مثالاً آخر، فقال:
    "مثاله: رواية سعيد بن أبي مريم، عن مالك، عن الزهري، عن أنس، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تنافسوا" الحديث.
    قال ابن الصلاح: "فقوله: "لا تنافسوا"؛ أدرجه ابن أبي مريم من متن حديثٍ آخر؛ رواه مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، فيه: "لا تحسَّسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا". والله أعلم" ا.هـ.
    وفي "شرح العلل" لابن رجب (2/633) أن الإمام أحمد -رحمه الله- ذكر حديث محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن أبي عطية، عن عائشة -رضي الله عنها-؛ في تلبية النبي -صلى الله عليه وسلم-، وذكر فيها: "والملك، لا شريك لك".
    قال الإمام أحمد: "وَهِمَ ابن فضيل في هذه الزيادة، ولا تعرف هذه عن عائشة، إنما تعرف عن ابن عمر".
    قلت: وحديث ابن عمر في البخاري (3/408) ومسلم (4/7)، وفيه هذه الزيادة، وأما حديث عائشة فهو أيضًا في البخاري من غير طريق ابن فضيل، وليس فيه هذه الزيادة.
    وذكر هذه الزيادة في حديث عائشة، هو خطأ من محمد بن فضيل -كما ذكر الإمام أحمد-، حمل لفظ حديث عائشة على لفظ حديث ابن عمر، والصواب أن حديث عائشة ليس فيه تلك الزيادة؛ فمن اكتفى بكونها غير منافية فأثبتها من حديث عائشة يكون قد أخطأ.
    والأمثلة على ذلك كثيرة، راجع بعضها في كتابي "الإرشادات" (ص: 362-379).
    فخلاصة القول: أن قبول الزيادة من الثقة أو عدم قبولها، ليس مرتبطًا بالتنافي وعدمه، بحيث تقبل من الثقة أبدًا ما لم تقع منافية، بل نقول:
    نعم إذا وقعت فيه منافية فلا شك في عدم قبولها، أما إذا لم تقع منافية، فلا يلزم قبولها، بل تقبل أحيانًا وترد أحيانًا بحسب القرائن المحتفة بالرواية، والتي على أساسها ينبني القبول أو الرد.
    وأيضًا؛ فهذا إذا كان مخرج الروايتين -الناقصة والمزيدة- واحدًا، أما إذا اختلف المخرجان، فهنا تقبل الزيادة من الثقة بلا تردد، لأنها حينئذٍ تكون بمنزلة حديث آخر يرويه الثقة، اللهم إلا أن تظهر فيها علة أخرى توجب ردها
    . والله أعلم.


    انتهى كلام الشيخ طارق -حفظه الله-.
    _________________
    (1) هذا الحمل من الشيخ طارق لكلام ابن حجر على ما كان المخرج فيه مختلفًا= مخرج جيد للحافظ، وله اعتباره.
    لكن فيه نظرًا -فيما أرى- من ثلاثة أوجه:
    الأول: أن إطلاق زيادة الثقة -خاصة في المتون- في كلام الأئمة ينصرف أولاً إلى ما كان المخرج فيه متحدًا -وقد ذكر الشيخ طارق ذلك فيما يلي من كلامه-، وكلام الحافظ ابن حجر من جنس ذلك.
    الثاني: أن الحافظ قد نصَّ على أن ما يتكلم فيه مغاير لمسألة الحديث المستقل، قال: "... لأنها في حكم الحديث المستقل الذي ينفرد به الثقة ولا يرويه عن شيخه غيره"، والزيادة في الحديث مع اختلاف المخارج هي نوع من الحديث المستقل الذي لم يكن الحافظ يتكلم فيه، وإنما كان يتكلم في الزيادة مع اتحاد المخارج، وقسمها قسمين، وقاس أحد القسمين على الحديث المستقل.
    الثالث: أن بعض تطبيقات الحافظ وفهم من بعده (كالمباركفوري وغيره) تدل على أن الكلام في الزيادة مع اتحاد المخرج.
    والله أعلم.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    الدولة
    مصر - محافظة الشرقية - مدينة الإبراهيمية
    المشاركات
    1,463

    افتراضي رد: الرد على اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات، للشيخ طارق بن عوض الله

    جزاكم الله خيرًا -شيخنا الكريم- على هذه الفوائد.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    المشاركات
    10,732

    افتراضي رد: الرد على اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات، للشيخ طارق بن عوض الله

    جزاكم الله خيرا
    لا إله إلا الله
    اللهم اغفر لي وارحمني ووالديّ وأهلي والمؤمنين والمؤمنات وآتنا الفردوس الأعلى

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: الرد على اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات، للشيخ طارق بن عوض الله

    الشيخ الكريم محمد عبد الله السريع - وفقه الله - .
    بارك الله فيك على نقل الكلام النافع في المنافاة في زيادات الثقات عن الشيخ طارق بن عوض الله - حفظه الله - .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •