أخي الكريم: الأثري:
جزاك الله خيرا على تذكيرنا بهذا المعنى الدقيق اللطيف، الذي يعد الثمرة العملية، وجَنَى الأخلاق الداني للعقائد، ورضي الله عن سيدنا الشيخ ابن عثيمين بقية السلف في هذا الزمان، ومجدد العقيدة السلفية، وأحسن الله عزاء المسلمين في فقده.
ثم اسمح لي أن أشاركك في تأكيد هذا المعنى بنقل هذا النص النادر والمهم، الذي ينبغي للعاقل أن يكتبه بماء الذهب؛ بل بماء العيون، وأن يجعل معناه دائما نصب عينيه؛ وهو قول الإمام عزِّ الدينِ ابنِ عبدِ السلام في كتابه الفذ الماتع العظيم: ((قواعد الأحكام في مصالح الأنام)): 1/27-28: حيث قال رحمه الله ورضي عنه:
((مَا قُرِنَ بِالآيَاتِ مِنَ الصِّفَاتِ، فَإِنَّهُ جَاءَ أَيْضًا حَاثًّا عَلَى الطَّاعَاتِ، وَزَاجِرًا عَنِ المُخَالَفَاتِ؛ مِثْلُ أَنْ:
ـ يَذْكُرَ سَعَةَ رَحْمَتِهِ:ليَرْجُوهُ؛ فيعملوا بالطاعات.
ـ وَيَذْكُرَ شِدَّةَ نِقْمَتِهِ: ليخافوه؛ فيجتنبوا المخالفاتِ.
ـ وَيَذْكُرَ نَظَرَهُ إِلَيْهِمْ: ليستحيوا منَ اطِّلاعِهِ عليهم؛ فلا يعصوه.
ـ وَيَذْكُرَ تَفَرُّدَهُ بِالضُّرِّ وَالنَّفْعِ: ليتوكلوا عليه ويُفَوِّضُوا إليه.
ـ وَيَذْكُرَ إِنْعَامَهُ عَلَيْهِمْ وَإِحْسَانَهُ إِلَيْهِمْ: ليُحِبُّوه، ويطيعوه، ولا يخالفوه؛ فإن القلوب مجبولةٌ على حُبِّ من أنعم عليها، وأحسن إليها.
ـ وَكَذَلِكَ يَذْكُرُ أَوْصَافَ كَمَالِهِ: ليعظموه ويهابوه.
ـ وَيَذْكُرُ سَمْعَهُ: ليحفظوا ألسنتهم من مخالفته.
ـ وَيَذْكُرُ بَصَرَهُ: ليستحيوا من نظر مراقبته.
ـ وَيَجْمَعُ بَيْنَ ذِكْرِ رَحْمَتِهِ وَعُقُوبَتِهِ: ليكونوا بين الخوف والرجاء؛ فإن السطوة لو أفردت بالذِّكْر، لَخِيفَ من أدائها إلى القُنُوطِ من رحمته، ولو أفردتِ الرحمةُ بالذِّكْرِ، لَخِيفَ من إفضائها إلى الغرور بإحسانه وكرامته؛ مثل قوله: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {49} وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ}، وقوله: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ}، وقوله: {اعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
ـ وَقَدْ يَجْمَعُ المَدَائِحَ فِي بَعْضِ المَوَاضِعِ: ليتعرف بها إلى عباده؛ فيعرفوه بها، ويعاملوه بمقتضاها.
ـ وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي قَصَصِ الأَوَّلِينَ، وَإِنْجَاءِ المُؤْمِنِينَ، وَإِهْلَاكِ الكَافِرِينَ: إنما ذكره زجرا عنِ الكفر، وحَثًّا على الإيمان:
فيا خَيْبَةَ مَن خالفه وعصاه، ويا غِبْطَةَ مَن أطاعه واتَّقَاهُ)).