السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
هذه ملاحظة على كتاب " الاتجاه العقلي في التفسير" لحامد أبو زيد.
بعد أن ذكر الكاتب أن مصطلح المجاز ظهر جلياً عند أبي عبيدة انتقل إلى معاصره الفراء (ت207)
( فتأملوا ياإخوان إلى ماذا يؤدي التصحيف في القراءة، فإنه جعله يستنتج أن لفظة المجاز بمعناها الإصطلاحي تبلورت مع الفراء. )
فقال (ص 103: )
د- الفراء وبلورة المصطلح:
"إذا تركنا أبا عبيدة وانتقلنا لمعاصره الفراء، فسنجد تحديداً أدق لمفهوم المجاز، أو التجاوز في الدلالة عموماً، وإذا كان الفراء لم يستخدم كلمة"مجاز" التي جعلها أبو عبيدة عنواناً لكتابه، فإنه استخدم صيغة فعل "التجوز" وذلك حين تعرض لقوله تعالى ( فما ربحت تجارتهم) حيث اعتبر اسناد الربح إلى التجارة تجوزاً في التعبير
وهذا الاستعمال في هذا السياق يعني أن مفهوم "المجاز" قد تقدم على يد الفراء خطوة بعد أبي عبيدة، وذلك أن معنى "تجوز في كلامه أي تكلم بالمجاز"
ثم ساق كلام الفراء رحمه الله تعالى عند كلامه على قوله تعالى" فما ربحت تجارتهم"
"ربما قال القائل كيف تربح التجارة وإنما يربح الرجل التاجر؟ وذلك من كلام العرب : ربح بيعك و خسر بيعك، فحسن القول بذلك، لأن الربح والخسران إنما يكون في التجارة... فلو قال قائل قد خسر عبدك لم يجز ذلك إن كنت تريد أن تجعل العبد تجارة يربح فيه أو يُوضع، لأنه قد يكون العبد تاجراً فيربح أو يوضع، فلا يعلم معناه إذا كان متجوزاً فيه." انتهى
قلت : هكذا قرأ هذا الرجل الكلمة "متجوزاً" فيه فراح كما نقلت كلامه يثبت بأن مصطلح المجاز تأكد في كلام الفراء هذا. ثم استخلص قائلا : (ص104) " والذي يهمنا في هذا النص هو التفات الفراء لمعنى التجاوز في التعبير واستخدامه لكلمة "التجوز" التي هي أقرب إلى كلمة "مجاز" ثم إدراكه للعلاقة بين المجاز والحقيقة في إسناد الفعل إلى غير فاعله"
وبالرجوع إلى كتاب الفراء "معاني القرآن" نجد الرجل في واد و حامد أبو زيد في واد
فإن الفراء لم يقل :" متجوزأ فيه بل "متجوراً" فيه. بالراء المهملة وليس بالزاي المعجمة، والمعنى أن العبد إن كان سلعة يتاجر فيها، لايمكن إطلاق عبارة ربح عبدك وأنت تريد ربحت تجارتك.
الخلاصة:
نعم، ربما كان الفراء يتكلم عماّ سمُي فيما بعد بالمجاز العقلي، لكن دعوى أن لفظة المجاز بمعناها الإصطلاحي تبلورت في كتاب الفراء مبنية على خطأ شنيع في القراءة. ثم تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز لم يكن ماثلاً للفراء كما بدا للكاتب وظن أنه ظفر بكلمة تساعده على نيل ما طلب، والله تعالى أعلم.