محاكمة الفريقين في حكم إظهار المرأة للعينين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه
أما بعد:
فإني علمت أن بعض أخواتنا الفاضلات يذهبن إلى وجوب تغطية الوجه كله بما في ذلك العينين.ويتواصي بذلك.
وهو أمر لا يعرف عن العلماء المحققين.سواء منهم القائلون بحرمة كشف المرأة وجهها للأجانب والمبيحون لكشفه.
فأما ما سوى العينين فقد اختلفوا فيه كما هو معلوم. وأما العينان فلا أعرف خلافا بين العلماء في أن الأصل فيهما جواز إبدائهما...!
وبيان ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين ).رواه البخاري والنسائي وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقد اختلف في رفعه ووقفه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء ).
قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في الغريب :( النقاب عند العرب هو الذي يبدو منه المَحْجِر ,فإذا كان على طرف الأنف فهو اللِّفام, وإذا كان على الفم فهو اللَّثام ) قلت : المحجر مستقر العينين في الرأس ، ومثله البرقع وهو : (بضم الباء الموحدة وسكون القاف وفتحها خريقة تثقب للعينين تلبسها نساء العرب على وجوههن ) كذا في البحر الرائق .
وقال الحافظ في الفتح (4/53/دار المعرفة): (والنقاب الخمار الذي يشد على الأنف أو تحت المحاجر)
فظهر أن البرقع ثوب يسدل على الوجه يكون فيها ثقبان للعينين. والنقاب ثوب يشد على الأنف تحت العينين. وهذا هو الفرق بينهما.
وأما ما نقل عن الشيخ العثيمين – ولست متأكدا من نسبته إليه – من وجوب تغطية العينين بسبب توسع النساء في إبداء ما حولهما فلا يخالف الأصل فيهما.وهو الإباحة.
والذي يظهر أن الحل في هذا لا يكمن في المنع من المباح بل في النهي عن التوسع على مذهب من يرى وجوب تغطية الوجه.
والذي يظهر لي أن تظهر المرأة عينيها. كي لا تحرم نفسها الرؤية الواضحة.هذه نصيحة لأخواتنا الفاضلات اللاتي يرين وجوب تغطية الوجه, وتوجيه أرجو أن يكون نافعا لهن لرفع المشقة والله أعلم .
وأخف من هذا من أوجب تغطية العييين إن كان فيهما كحل.واحتجوا للمنع بأن الكحل من الزينة الباطنة التي يجب سترها.ومن المانعين الشيخان ابن باز والعثيمين وجمهور حنابلة الحجاز
وأما الجواز فالأصل فيه ما رواه البيهقي والطبري وغيرهما عن ابن عباس أنه قال في تفسير قوله تعالى : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)(النور: من الآية31): (الكحل والخاتم),وهو دليل أيضا على جواز إبداء العينين,فإبداء الكحل يستلزم إبداء العينين!!؟ وهو قول قتادة ومجاهد وابن جريج وقد روي عن المسور بن مخرمة وفيه رجل مجهول وروي عن أنس أيضا.
قال الإمام البغوي في تفسيره (3/339) بعد ذكر أثر ابن عباس: (فما كان من الزينة الظاهرة جاز للرجل الأجنبي النظر إليه إذا لم يخف فتنة وشهوة فإن خاف شيئا منها غض البصر وإنما رخص في هذا القدر أن تبديه المرأة من بدنها لأنه ليس بعورة) وهو اختيار الإمام الطبري.وقد ضعف الشيخ الألباني أثر ابن عباس وهو كما قال.
بل قد صح في جواز الكحل في العين أمام الأجانب حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم. فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن سبيعة بنت الحارث رضي الله عنها أنها كانت تحت سعد بن خولة, فتوفي عنها في حجة الوداع, وكان بدريا , فوضعت حملها قبل أن ينقضي أربعة أشهر وعشر من وفاته, فلقيها أبو السنابل بن بعكك حين تعلت من نفاسها, وقد اكتحلت واختضبت وتهيأت فقال لها : أربعي على نفسك ـ أو نحو هذا ـ لعلك تريدين النكاح ؟ إنها أربعة أشهر وعشر من وفاة زوجك, قالت : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ما قال أبو السنابل بن بعكك, فقال : قد حللت حين وضعت
قلت : هذا لقوله تعالى : (وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)(الط لاق: من الآية4) والحديث صريح واضح في جواز إبداء العينين من الوجه على الأقل وفيه أيضا جواز الاكتحال بدليل إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لها على اكتحالها ولن يكون أحد أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم بالحلال والحرام.
قال الشيخ الألباني في حاشية كتابه (الجلباب ص69) وقد كتب عبارة (اكتحلت واختضبت وتهيأت) في أصل الحديث بخط مميز: (والحديث صريح الدلالة على أن الكفين ليسا من العورة في عرف نساء الصحابة , وكذا الوجه أو العينين على الأقل وإلا لما جاز لسبيعة رضي الله عنها أن تظهر ذلك أمام أبي السنابل ولا سيما وقد كان خطبها فلم ترضه).
قلت : تأمل قول الشيخ رحمه الله: (ولا سيما وقد كان خطبها فلم ترضه). فإنه يدل على أنها لم تقصده هو بالكحل, فسقطت دعوى قد يدعيها أحد فيقول :( إنه يجوز لها أن تختضب للخطاب فإن تزوجت لم يجز لها).
وقد اعترض على هذا بعض من رد على الشيخ فزعم أن أبا السنابل إنما أنكر عليها حين رآها . والحجة عليه ما في الصحيحين أنه كان قد خطبها قبل ذلك فلم ترضه.
ـ وقد يحتج للمنع بما روي عن ابن أبي فديك عن يحيى بن أبي خالد عن ابن أبي سعد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إني لأكره المرأة المرهاء السلتاء. فقالت عائشة بأبي أنت وأمي إني لأسمع منك الكلام فقال: أنا أعرب العرب ولا فخر أما المرأة المرهاء فالتي لا كحل في عينيها وأما المرأة السلتاء التي لا خضاب في يديها)
قال أبو حاتم كما في العلل لابنه (1/419): ( يحيى بن أبي خالد مجهول وابن أبي سعيد مثله وهو حديث ضعيف) .
وبهذا يظهر أن العينين ليستا عورة باتفاق. بل يعرف بهذا أيضا جواز اكتحال المرأة وجواز إبداء ذلك بغير قصد سوء.وقد سئل الشيخ الألباني في الشريط رقم ( 669 ) من سلسلة الهدى والنور في الدقائق الأخيرة منه من أحد الاخوات المنتقبات عن حكم وضع المرأة للكحل وخروجها للشارع به فأجاز ذلك.
ومن أدلة الجواز ما صح عن النبي صلى الله عليبه وأنه قال: (طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه) مع أنه يجوز لها أن تتطيب بما فيه رائحة أمام محارمها. فالمقصود بالطيب ذي اللون ما أبدته للأجانب.قال ملا علي القاري في المرقاة: (حملوا قوله : (وطيب النساء) على ما غذا أرادت أن تخرج , فأما إذا كانت عند زوها فلتطيب بما شاءت)