"من كتم داءَه قتله , وقد آن أن نعلنَ داءَنا , ونعترفَ بنقائصنا , وإن لم يكن لنا فضل المعترف , فقد فضحنا الزمان قبل أن نفيئ إلى أنفسنا , ونتدارك الوهَى بالترقيع , فصيّرَنا بذلك مثلة في الإنسانية , وداءُ إخواننا الليبيين هو داؤنا جميعا ً , ليس لأحدنا في فضل إذ لا فضل في النقص , ولا بيننا فيه تفاضل , لأن العلة واحدة , هو الداء الذي ترك جزيرة العرب تضم ملاءتها على بضع دول وإمارات , وعلى عدة ملوك وأمراء , ولولا ذلك الداء لكان للعرب دولة واحدة , لأنهم امة واحدة في رقعة واحدة , ولكان ذلك أرهبَ لعدوّهم , وأحفظ لحقيقتهم , ولولا ذلك الداء لما ضاعت فلسطين , ولما بؤنا بسبة الدهر وعار الأبد .
أصل دائنا التفرق والخلاف , بدأ صغيراً في الدين , ثم بدأ كبيراً في الدنيا , ومن الخلاف تشعبتْ شعب تلتقي معه في الأثر والنتيجة والشر والضر , والطعم والمر , كما يحمل الفرع خصائصَ أصله , فاذكر الخلافَ تذكر التخاذل والأنانية ووهن العزائم , واذكر الخلاف تذكر تعدد الزعماء والأحزاب في الوطن الواحد , واذكر الخلاف تذكر ضعف العقيدة وخطل الرأي , واذكر الخلاف تذكر بيع الذمم والضمائر , والتفريطَ في المصالح الوطنية , واذكره تذكر كل مرض عقلي نعانيه , وكلّ حقيقة في الحياة نغلط فيها , فالرجولة مائعة , والتفكير سطحي , التضحية أقوال , والأهواء متبعة , والزعامة زعْم , والنصر تصفيق , والقضايا الخطيرة , نلقاها بالعقول الصغيرة , والألسن القصيرة , وهذه الأمراض هي التي أدركها المستعمرون فينا فاحتقرونا , ولو لم يعتبرونا أطفالاً لما وضعوا في أيدينا هذه اللعب يلوننا بها عن أعمال الرجال ."
الشيخ العلامة محمد البشير الإبراهيمي - رحمه الله -