هداك الله .. ما دمت لم تجزم بثبوته فلا تجزم بعدم ثبوته ..فتتحدث عن النص بهذهالنعوت القاسية فلعل النص ثابت فتكون قد خاطبت كلام الله بهذا الخطاب المهين !!
يا أخي الفاضل لم يزل أهل العلم يعترضون على متون الحديث المخالفة للمعقول فضلا عن المنقول، - وهي المروية في كتب أئمة السنن في ديننا لا في كتاب لا يتفق عشرة من علماء النصارى أنفسهم على صحة نسبته إلى أعيان الكتبة المنسوب إليهم!! - من بعد حكمهم بضعف السند ووهائه ولم يقابلهم أحد من أقرانهم قطُّ بمثل هذا الاتهام: "لعلكم تخاطبون كلام الله بهذا الخطاب المهين"،
فهون عليك يا رعاك الله!
إن كان ثمة إهانة فهي – ولا شك – ظاهرة جلية في أن يقال لإنسان بدعوى التشريع من الرب الحكيم جل وعلا: "مهما اعتدى عليك عدوك فلا ترد، حتى إنه لو جاءك بالسلاح يسفك دمك ويهتك عرض أهلك ويصفعك صفعا على وجهك الذي كرمه الله، فلا ترد، بل ولا تبادر حتى بالهرب إن كنت غير قادر على دفع ذلك العدوان، وإنما بادر بأن تقدم له خدك الآخر ليصفعه بل وقفاك أيضا إن لم يكتف بالخدين، وابتسم في وجهه وقل... الله محبة!!!"
يا أخي هذا كلام لا يليق بعاقل كريم! الفطرة السوية تمجه مجا والله، ولا دخل له بما تقوله من كون شريعة عيسى لا تأمر بني إسرائيل بالقتال!!
لا يماري عاقل في أن مقابلة العداون بالإحسان ليست على إطلاقها، ولا ينبغي أن تكون على إطلاقها وإلا ضاع بمثل هذا التشريع = الحرث والنسل والمال والعقل وكل شيء، فمثل هذا الإطلاق لا يُتصور أبدا أن يكون من تشريع رب العالمين لأي نبي من أنبيائه، حتى وإن كان ذلك النبيُّ غيرَ مأمور بالقتال ولا برد العدوان!! بل هو كلام موضوع مكذوب على المسيح وأنا أنزهه عنه، عليه السلام! وإن كان لهذا الكلام أصلٌ من شيء قاله المسيح عليه السلام في معنى الإحسان للمسيء – وهو غير مستبعد ولا شك – فلا يمكن أن يكون قد خرج بمثل هذه الصورة المشينة!! فالذي وضع هذا النص – أو حرفه حتى صار إلى هذه الحال - أراد به أن يبرر عقيدة الفداء والصلب، ويعطيهم مبررا أخلاقيا فاسدا لكون المسيح بزعمهم رضخ واستسلم للاعنيه وباركهم وقبِل بأن يُبصق في وجهه ويُمتهن ويسحب سحب المجرمين على الصليب ولا يقاوم، لماذا؟ لأنه جاء بالمحبة الشاملة، لأن الله أحب العالم جدا – كما يدعي يوحنا في كتابه – فبعث ابنه الوحيد حتى يضرب ويداس بالنعال لكي تكون لهم الحياة الأبدية!!! فكان من البدهي أن تبلغ "المحبة" في تعاليم المسيح على أيدي كتبة تلك الكتب مبلغ أن يؤمر الرجل بتقديم خده الآخر لمن يلطمه على وجهه!!! هذا أقل ما يجب!!!!
لا يا أخي الحبيب، شرع الله لا يأمر عبدا من العباد بمثل هذه الذلة والمهانة لأحد من الخلق أبدا - لا سيما لأعدائه وأعداء أنبيائه جل وعلا!!
وشتان شتان بين هذا الذي ينسبونه إلى المسيح في هذا النص وبين مبدأ الإحسان للمسيء!
هذه أصول في التشريع لا يُتصور أن يقع فيها النسخ والتغيير.. فتأمل بروية بارك الله فيك!
لا يُعقل أن نؤمر بمحبة أعدائنا والاستسلام لهم عند العدوان، وقد تقرر أن أصل الولاء والبراء من أصول كلمة لا إله إلا الله، التي جاء بها سائر الرسل والنبيين، فهل تدعي أن المسيح أمر بني إسرائيل - كما يدعي النصارى - بأن يحبوا أعداءهم وأن يباركوا لاعنيهم؟؟؟؟
قولك:
و الحقيقة أن هذا ليس كما تزعم - بغض النظر عن ثبوت النص أو عدمه - فشريعةعيسى عليه السلام كانت شريعة جمال تحرم القتال و استخدام أي أسلوب فيه عنف أو شدة , و هذا النص موافق لمنهج شريعته اللإجمالي , و التي تحرم مقابلة الاعتداء و توجبالمقابلة بالإحسان مع المعتدي ..
قلت لو شئتَ أن آتيك بنصوص من كتبهم فيها تهديد من المسيح عليه السلام لمخالفيه بالسيف وبضرب الرقاب لفعلتُ، وهي نصوص يحتج بها إخواننا المشتغلون في الرد على النصارى عندما يريدون إثبات التناقض في كتبهم – وما أكثره!!! ولكني لن أفعل لأني لست بحاجة إلى هذا، فلا شيء فيها تقوم به الحجة عند النزاع على ما شرعه عيسى لأتباعه وما نسخه من التشريع! فما في كتبهم إنما يحتج له ولا يحتج به، وكلام أهل العلم في كيفية تناول نصوصهم والتعامل معها معلومة لا إخالها تخفى عليك!
فقولك عن شريعة عيسى عليه السلام أنها: تحرم مقابلة الاعتداء، هذا جزم منك أنت بحكم شديد (التحريم) لا تملك عليه حجة ولا دليل فانتبه!! وقولك بإيجابها المقابلة بالإحسان مع المعتدي – هكذا - هذا أيضا لا تملك عليه سلطانا، وإلا فعيسى علَّم بني إسرائيل شريعة موسى عليهما السلام، ولم ينسخ منها إلا ما دل القرءان على أنه قد نسخه تخفيفا عليهم، وهذا غاية ما في المنصوص الذي تقوم به الحجة عندنا عن تعاليم المسيح عليه السلام لأتباعه! وحقيقة أن غالب ما نسب إليه في العهد الجديد عندهم كان كلاما في باب المحبة والوعظ والترغيب والترهيب وكذا فهذا لا يعني أبدا أنه لم يأتهم إلا بهذا، ولم يأمرهم بما تقتضيه المروءة والفطرة من الدفع عن أنفسهم، بدعوى "المحبة" والإحسان للمسيء!!
هذا المعنى أظهر من أن يستدل عليه!
و لو كان الحكمعلى شيء من أمور الأديان السابقة بمثل حكمك لكان أولى به ما نص الله عزوجل فيه عنبني إسرائيل من أمره بقتل أنفسهم كتوبة لهم ..
لم أفهم هذه العبارة .. بارك الله فيك
و إنما كلامك هذا هو لشريعتناالتي جمعت بين جلال شريعة موسى و بين جمال شريعة عيسى عليهم السلام .
والله يا أخي عبارة "جمال شريعة عيسى" هذه ليست من التحقيق العلمي في شيء! قد تقدم أن عيسى لم ينسخ كل شريعة موسى كما يدعي النصارى قاتلهم الله!! إنما نسخ منها شيئا قليلا، والنصوص في كتبهم على أنه كان يأمرهم بالناموس وعلى أنه كان يجادل أحبار اليهود عنه ويتهمهم بتحريفه ويلعنهم على ذلك = كثيرة وافرة ..
ولأنه عليه السلام كان في زمان شدة وفي ابتلاء بضعف التابع وعدم القدرة على المقاومة، لم يأمره الله بالقتال، ولكنه يقينا لم ينسخ له النهي عن امتهان الوجه – الذي لا أتصور إلا أن يكون شريعة عامة لكافة المرسلين لبقاء علة التشريع واحدة – ويقينا لم ينسخ وجوب الأخذ بأسباب السلامة للنفس والمال والعرض من المعتدي الصائل ولو بالفرار (لبقاء العلة أيضا)!! ولو تأملت لوجدت أن هذا هو ما ينص مؤرخو النصارى أنفسهم – وأنت تريد محاججتي بكلامهم فتأمل – على أنه قد فعله الحواريون لما داهم الرومان بيت المسيح عليه السلام، فكلهم هرب وفر ولم يبارك الرومان ولم "يُدر الخد الآخر"، حتى صار المؤرخون يتساءلون كيف يدعي كتبة الكتب الأربعة العلمَ بتلك التفاصيل الدقيقة لحادثة الصلب ومعلوم أن الحواريين فروا جميعا يومها ولم يبق منهم أحد!!!
فتأمل يا رعاك الله ولا تعجل في الحكم على الكلام ..
وفقني الله وإياك إلى ما يحب ويرضى.