اسمي الله تعالى: (الرحمن الرحيـــــم).
من أسماء الله عزَّ وجلَّ الحسنى الرحمن الرحيــــم، فهو ذو الرحمة الواسعة الشاملة لجميع خلقه سبحـــانه وتعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة:163]، والرحمن من الأسماء الخاصة به سبحانه ولا يجوز أن تُنسب لغيره، قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى..} [الإسراء:110].
ورود الاسمين في القرآن الكريم:
وقد ذُكر اسمه تعالى: (الرحمن) في القرآن 57 مرة، أما اسمه (الرحيـــم) فذُكر 114 مرة.
معنى الاسمين في حق الله تعالى:
الرحمن والرحيـــم اسمان مشتقان من الرحمة، والرحمة في اللغة: هي الرقة والتعطُّف، و(رحمن) أشد مبالغة من (رحيـــم) ولكن ما الفرق بينهما؟
الرحمن: هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا، وللمؤمنين في الآخرة، أي: إن رحمته عامة تشمل المؤمن والكافر في الدنيا، وخاصة بالمؤمنين فقط في الآخرة، قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، فذكر الاستواء باسمه (الرحمن) ليعم جميع خلقه برحمته.
الرحيـــــم: هو ذو الرحمة للمؤمنين يوم القيامة، كما في قوله تعالى: {..وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِين َ رَحِيمًا} [الأحزاب:43]، فخص برحمته عباده المؤمنين.
يقول ابن القيم: "الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم، فكان الأول للوصف والثاني للفعل، فالأول دال أن الرحمة صفته، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله: {..وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِين َ رَحِيمًا} [الأحزاب:43]، {..إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:117]، ولم يجيء قط رحمن بهم فعُلِم أن الرحمن هو الموصوف بالرحمة، ورحيم هو الراحم برحمته" (بدائع الفوائد:2:34)، فالرحمنُ الذي الرَّحْمَةُ وَصْفُهُ، والرحيمُ الراحمُ لِعِبَادِهِ.
آثـــــار الإيمان بهذين الاسمين:
1- إثبــــات صفة الرحمة لله ربِّ العالمين، فصفة الرحمة من صفات الله تعالى الثابتة بالكتاب والسُّنَّة، وهي صفة كمال لائقة بذاته كسائر صفاته العلى، لا يجوز لنا أن ننفيها أو نعطلها لأن ذلك من الإلحــــاد في أسمائه سبحـــانه وتعالى، وقد يُلحد البعض بهذه الصفة دون أن يشعر، حينما يعترض على الابتلاءات التي تعتريه هو أو غيره، ولا يدري أن تلك الابتلاءات من رحمة الله عزَّ وجلَّ بعبـــــاده، عن جابر قال: قال رسول الله: «يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب، لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض» (رواه الترمذي وحسنه الألباني)، فأهل البلاء أكثر إحساسًا برحمة الله تعالى؛ لأنها سابغة عليهم..
2- جلاء آثار رحمة الله على الخلق، انظر إلى ما في الوجود من آثار رحمته الخاصة والعامة، فبرحمته سبحانه وتعالى أرسل إلينا رسوله، وأنزل علينا كتابه وعصمنا من الجهالة، وهدانا من الضلالة، وبرحمته عرفنا من أسمائه وصفاته وأفعاله ما عرفنا به أنه ربنا ومولانا، وبرحمته علمنا ما لم نكن نعلم، وأرشدنا لمصالح ديننا ودنيانا، وبرحمته أطلع الشمس والقمر، وجعل الليل والنهار، وبسط الأرض، وجعلها مهادًا وفراشًا، وقرارا، وكفاتًا للأحياء والأموات، وبرحمته أنشأ السحاب وأمطر المطر، وأطلع الفواكه والأقوات والمرعى، وبرحمته وضع الرحمة بين عباده ليتراحموا بها، وكذلك بين سائر أنواع الحيوان.
وكان من تمام رحمته بهم أن جعل فيهم الغني والفقير، والعزيز والذليل، والعاجز والقادر، والراعي والمرعي، ثم أفقر الجميع إليه، ثم عمَّ الجميع برحمته، (مختصر الصواعق بتصرف:2:121،124)، ومن رحمته: "أن نغصَّ عليهم الدنيا وكدرها؛ لئلا يسكنوا إليها، ولا يطمئنوا إليها، ويرغبوا في النعيم المقيم في داره وجواره، فساقهم إلى ذلك بسياط الابتلاء والامتحان، فمنعهم ليعطيهم، وابتلاهم ليعافيهم، وأماتهم ليحييهم" [1].
3- رحمة الله واسعة، يقول الله جلَّ وعلا" {..وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ..} [الأعراف:156]، فرحمة الله عزَّ وجلَّ عــــامة واسعة، هي للمؤمنين في الدارين، يقول الله تبارك وتعالى: {..فَسَأَكْتُبُه ا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:156]، وفتح الله تعالى: أبـواب رحمته للتائبيــن، فقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].
وقال رسول الله: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طَمِع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد» (متفق عليه)، وسمى الله تعالى: وحيـــه إلى أنبيــائه رحمة، كما في قوله تعالى مُخبرًا عن نبيه نوح عليه السلام: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُو هَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} [هود:28]، فجعل الوحي والعلم والحكمة، رحمة، ويقول تعالى عن نبينا: {..وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [النحل:89]
4- رحمة الله تغلب غضبه، عن أبي هريرة عن رسول الله قال: «إن الله حين خلق الخلق كتب بيده على نفسه: إن رحمتي تغلب غضبي» (رواه الترمذي، وقال الألباني: حسن صحيح)، وهذا الحديث موافق لمعنى قوله تعالى: {..كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ..} [الأنعام:54]، فالله تعالى أوجب على نفسه ولا يوجب أحدٌ على الله.
5- لله جلَّ ثناؤه مائة رحمة، كل رحمة منها طباق ما بين السماء والأرض، فأنزل منها إلى الأرض رحمة واحدة نشرها بين الخليقة ليتراحموا بها، فبها تعطف الوالدة على ولدها، والطير والوحش والبهائم، وبهذه الرحمة قوام العالم ونظامه. (مختصر الصواعق:2:124)، قال رسول الله: «إن الله تعالى: خلق يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فجعل منها في الأرض رحمة فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض، وأخر تسعا وتسعين فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة» (رواه أحمد، وصححه الألباني، صحيح الجامع:1767)، فيا لعظم رحمة الله تعالى في هول هذا الموقف العصيب، ولكن هذا ليس دعوة للعصاة ليزدادوا عصيانًا، بل هو دعوة للمؤمنين ليزدادوا قربًا ومحبة من ربِّهم الرحيـــم.
6- الله سبحانه وتعالى: أرحم بعبـــاده من الأم بولدهـــا..
عن عمر بن الخطاب قال: "قدم على النبي سبي، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها، تسعى إذا وجدت صبيًا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبي: «أترون هذه طارحة ولدها في النار؟»، فقلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال: «لله أرحم بعباده من هذه بولدها» (متفق عليه).
7- نِعَم الله سبحانه وتعالى رحمة..
وقد سمى الله سبحانه بعض نعمه بالرحمة، كالمطر في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ..} [الأعراف:57]
وسمى رزقه بالرحمة في قوله تعالى: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا} [الإسراء:28]، أي:إذا سألك أقاربك وليس عندك شيء وأعرضت عنهم لعدم وجود ما تنفقه عليهم، فعليك أن تعدهم باللين إنه إذا جاء رزق الله -الرحمة- فسنصلكم إن شاء الله، وسمى الله كتابه العزيز بالرحمة، فقال تعالى: {..وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [النحل:89]، وسمى الله عزَّ وجلَّ الجنة بالرحمة، وهي أعظم رحمة خلقها الله لعباده الصالحين، قال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران:107]
حظ المؤمن من اسمي الله الرحمن الرحيــــم، موجبــــات الرحمة: فالرحمة بمثابة الوقود الذي سيدفعك للعمل والحركة، فلا بد أن تأخذ بتلك الأسبــاب التي توجب الرحمة، وتعتمد على الله وحده ليوفقك للعمل الصالح، ومن موجبـــات الرحمة:
1- رحمة النــــاس، الرحمة من الأخلاق العظيمة التي حضَّ الله سبحـانه عباده على التخلُّق بها، ومدح بها أشرف رسله، فقال جلَّ وعلا: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِين َ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]، ومن أسمائه: (نبي الرحمة) (حسنه الألباني، مختصر الشمائل:316).
ومدح النبي أفضل أصحابه من بعده بهذه الصفة، فقال: «أرحم أمتي بأمتي: أبو بكر..» (رواه الترمذي وصححه الألباني)، فكأن من يتصف بالرحمة ينال درجة الصديقين، وهي أعلى الدرجـــات عند الله تعالى، وبيَّن أن الرحمة تنــال عبــاده الرحمــاء، كما قال: «فإنما يرحم الله من عباده الرحماء» (متفق عليه)، والشقي هو الذي نزعت من قلبه الرحمة، قال: «من لا يرحم الناس، لا يرحمه الله» (متفق عليه)، وعن عائشة قالت: "جاء أعرابي إلى النبي فقال: أتقبلون الصبيان؟ فما نقبلهم! فقال النبي: «أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة» (متفق عليه)
2- القرآن، قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء:82]، فقراءة القرآن رحمة، وتدبُّر القرآن رحمة، وكل تعلَّقٌ للمؤمن بكتاب الله جلَّ وعلا مستوجبٌ لنزول الرحمة.
3- صلاة أربع ركعــات قبل العصر، قال رسول الله: «رَحِم الله امرءًا صلى قبل العصر أربعًا» (رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني)، وهي ليست من السُنن المؤكدة، لكن تُستنزل بها الرحمــات.
4- المكوث في المسجد، قال رسول الله: «لا يزال أحدكم في صلاة ما دام ينتظرها، ولا تزال الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في المسجد: اللهم اغفر له اللهم ارحمه، ما لم يُحدِث» (رواه الترمذي وصححه الألباني).
5- عيـــادة المرضى، عن جابر قال: قال رسول الله: «من عاد مريضًا لم يزل يخوض الرحمة حتى يجلس، فإذا جلس اغتمس فيها» (رواه مالك وأحمد وصححه الألباني).
6- طاعة الله ورسوله، فهي من أعظم أسبــاب الرحمة، وكلما كان العبد أطوَّع لله، كان أكثر استحقاقًا لاستنزال الرحمة به، قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران:132].
7- الإحســـان:
فالإحســـان يبدأ من الإتقان وتجويد العمل، ويصل إلى المنزلة العظمى من منازل الإيمان وهي: أن تعبد الله كإنك تراه، كما جاء في حديث جبريل حينما سأل النبي عن الإحسان، فقال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (رواه مسلم)، وهذه المنزلة العظمى تقتضي مراقبة الله جلَّ وعلا في السر والعلن، فإن كنت تريد أن تتنزل عليك الرحمة: راقب قلبـــك وحالك في الخلوات،فإن كنت مستقيم الحال في خلوتك، فاعلم أن هذا من أعظم أسبـــاب استنزال الرحمة عليك، يقول تعالى: {..إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56]
كيف ندعو الله باسميه الرحمن الرحيم؟
1- اثن على الله عزَّ وجلَّ في كل حالك وأكثِر منه بين الخلائـــق، فتتحدث بنعمته ورحمته عليــك، وتقول: يا لرحمة الله، وافرح برحمة الله تعالى: إذا تنزلت عليك، قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58].
2- أن يُكثر العبد من سؤال ربِّه الرحمة، فيقول:اللهم ارحمني، اللهم ارحمني.
فإذا دعوت الله، فاعزم في الدعــاء ولا تتردد، قال رسول الله: «إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت، ارحمني إن شئت، ارزقني إن شئت، وليعزم مسألته إنه يفعل ما يشاء ولا مكره له» (رواه البخاري)، اللهم رحمتك نرجو، فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
المصدر: موقع الكلم الطيب
شاركونا في إخراج مشاهد ومعاني الإيمان من اسم الله: (اللطيف):
من أسماء الله الحسنى الثابتة في القرآن والسنة : (اللطيف)، قال تعالى : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ) الملك/14 ، وقال عز وجل: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفا خَبِيرا) الأحزاب/34.
ولهذا الاسم معنيان عظيمان:
الأول: أن الله يعلم دقائق الأمور وخفاياها، وما في الضمائر والصدور .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي شارحًا معنى هذا الاسم : " الذي لَطُفَ علمه حتى أدرك الخفايا ، والخبايا ، وما احتوت عليه الصدور، وما في الأراضي من خفايا البذور " .
انتهى من "تفسير أسماء الله الحسنى " للسعدي (ص: 225) .
المعنى الثاني : أن الله تعالى يحسن إلى عباده من حيث لا يحتسبون .
قال الزجاج : " وَهُوَ فِي وصف الله يُفِيد أَنه المحسن إِلَى عباده فِي خَفَاء وَستر من حَيْثُ لَا يعلمُونَ ، ويسبب لَهُم أَسبَاب معيشتهم من حَيْثُ لَا يحتسبون ".
انتهى " تفسير أسماء الله الحسنى " للزجاج (ص: 44) .
فإذا يسر الله لعبده طريق الخير وأعانه عليه : فقد لطف به .
وإذا دفع عنه السوء والمكروه : فقد لطف به .
وإذا هداه من ظلمات الجهل والكفر والبدع والمعاصي ، إلى نور العلم والإيمان والطاعة : فقد لطف به .
وإذا قيض الله له أسبابًا خارجية غير داخلة تحت قدرة العبد : فقد لطف به .
فمن لطفه : أن يسوق عبده إلى الخير ، ويعصمه من الشر ، بطرق خفية لا يشعر العبد بها ، ويسوق إليه من الرزق ما لا يدريه ، ويريه من الأسباب التي تكرهها النفوس ما يكون ذلك طريقًا له إلى أعلى الدرجات ، وأرفع المنازل .
" ولهذا لما تنقلت بيوسف عليه السلام تلك الأحوال ، وتطورت به الأطوار من رؤياه ، وحسد إخوته له ، وسعيهم في إبعاده جدا ، واختصامهم بأبيهم ثم محنته بالنسوة ثم بالسجن .
ثم بالخروج منه بسبب رؤيا الملك العظيمة ، وانفراده بتعبيرها ، وتبوئه من الأرض حيث يشاء ، وحصول ما حصل على أبيه من الابتلاء والامتحان .
ثم حصل بعد ذلك الاجتماع السار وإزالة الأكدار وصلاح حالة الجميع والاجتباء العظيم ليوسف : عرف عليه السلام أن هذه الأشياء وغيرها لطف لطف الله لهم به ، فاعترف بهذه النعمة فقال: (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) أي لطفه تعالى خاص لمن يشاء من عباده ممن يعلمه تعالى محلا لذلك وأهلاً له ، فلا يضعه إلا في محله ، فالله أعلم حيث يضع فضله .
فإذا رأيت الله تعالى قد يسر العبد لليسرى ، وسهل له طريق الخير ، وذلل له صعابه ، وفتح له أبوابه ، ونهج له طرقه ، ومهد له أسبابه ، وجنبه العسرى : فقد لطف به " .
انتهى من تفسير أسماء الله الحسنى" للسعدي (ص: 227) .
ومن لطفه بعباده : أنه يقدر أرزاقهم بحسب علمه بمصلحتهم ، لا بحسب مراداتهم ، فقد يريدون شيئاً وغيره أصلح لهم ، فيقدر لهم الأصلح وإن كرهوه لطفاً بهم ، وبراً إحساناً ( اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ).
ومن لطفه بهم : أنه يقدر عليهم أنواع المصائب ، وضروب المحن والابتلاء رحمةً بهم ولطفاً ، وسوقا إلى كمالهم ، وكمال نعيمهم ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) .
ومن لطف الله تعالى بعبده : أنه ربما طمحت نفسه لسبب من الأسباب الدنيوية التي يظن فيها إدراك بغيته ، ويعلم الله تعالى أنها تضره وتصده عما ينفعه ، فيحول بينه وبينها ، فيظل العبد كارهاً ولم يدر أن ربه قد لطف به حيث أبقى له الأمر النافع وصرف عنه الأمر الضار .
قال ابن القيم : " واسمه اللطيف يتضمن : علمه بالأشياء الدقيقة ، وإيصاله الرحمة بالطرق الخفية " انتهى من " شفاء العليل " (ص: 34) .
وقال في " الكافية الشافية " (ص: 179) :
وهو اللطيف بعبده ولعبده ... واللُطف في أوصافه نوعان
إدراك أسرار الأمور بخبرةٍ ... واللطف عند مواقع الإحسان
فيريك عزَّته ويُبدي لطفه ... والعبد في الغفلات عن ذا الشَّان
وقد أفاض الشيخ عبد الرحمن السعدي في بيان صور وحالات من لطف الله بعباده في رسالته " تفسير أسماء الله الحسنى " (ص: 225) .
https://islamqa.info/ar/214374
سبحــــان اللطيف الخبيــــر، يرفق بعبـــاده ويلطف بهم، يرزق من يشــاء بغير حســـاب، ومنعه هو خيـــر العطــــاء، يعلم مصالح جميع الخلائق؛ الجن والإنس، والطير والحيوان، والجماد والنبـــات، ثم يسلك سبيلَ الرفق في إيصال هذه المصالح إلى مستحقِّها دون العُنْف..
ولو نظر الإنسان إلى الكون من حوله، لوجد آثـــار لطف الله تعالى بخلقه واضحةً جليَّة، ولوجد المرءَ نفسه في نهاية العجز، واللهُ تعالى في نهاية اللطف، ولطفُه به هو الذي جعله على هذا الحال الحسن، فليس لك إلا أن تدعوه سبحــــانه قائلاً: يـــــا لَطِيــــــف.. الْطُفْ بِنـــــا..
الله ( اللطيف ) تبارك وتعالى:
قال تعالى:{ وهو اللطيف الخبير}
- المعنى اللغوي : اللطيف هو: البر، والحفاوة، والإكرام، والترفق في تحقيق المراد، والعلم بدقائق الأمور، وغوامضها، فإذا اجتمع الرفق في الفعل، واللطف في الإدراك، تم معنى اللطيف.
فهذا الاسم الكريم يتضمن: علمه بالأشياء الدقيقة، وإيصاله الرحمة بالطرق الخفية، ولا تجتمع هذه المعاني كلها إلا في الله.
- المعنى الشرعي: الله سبحانه وتعالى هو اللطيف الذي لا ألطف منه على الإطلاق:
(1) الذي لطف علمه ودق، حتى أحاط بالسرائر والخفايا، وأدرك البواطن، والخبايا، ومكنونات الصدور، ومغيبات الأمور، وما في الأراضي من خفايا الحبوب، والبذور.
(2) الذي يوصل الأمور إلى غاياتها بألطف الوجوه، وبأحسن ما يكون، فييسر المنافع للعباد، من حيث يعلمون أو لا يعلمون.
(3) وهو اللطيف البر بعباده المؤمنين، الموصل إليهم مصالحهم ومنافعهم، بلطفه وإحسانه، وسهل لهم كل طريق يوصل إلى مرضاته وكرامته، وحفظهم من كل سبب ووسيلة توصل إلى سخطه، من طرق لا يشعرون، ومن حيث لا يحتسبون، كما قال يوسف عليه السلام: { إن ربي لطيف لما يشاء}.
(4) وهو سبحانه الذي لطف صنعه، وحكمته ودق، حتى عجزت الأفهام، عن إدراكه.
(5) ومن لطفه بعباده أنه تعالى أعطاهم فوق الكفاية، وكلفهم دون الطاقة وسهل عليهم الوصول إلى السعادة في مدة قصيرة.
- الثمرات:
عندما يدرك المؤمن اتصافه تعالى باللطف بكل معانيه، من دقة العلم، وإحاطته تعالى بكنه الأشياء، صغيرها وكبيرها، وأنه يلطف بوليِّه بإيصال إحسانه إليه، من حيث لا يحتسب، فإن ذلك يغرس في قلبه شجرة المحبة، التي تثمر له أنواع القُرب، والعبودية، من ذلك محاسبة نفسه على أقواله، وأفعاله، وحركاته، وسكناته، والتعبد بمقتضى هذا الاسم الكريم، في التلطف مع إخوانه المؤمنين، وأخص من ذلك مع أهله، في النصح، وفي أمره ونهيه، وإيصال البر واللطف بكل أنواعه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وينبغي له أن يتوسل بهذا الاسم، ويستحضر معانيه " فإذا قال العبد: يا لطيف ألطف بي، أو لي، وأسألك لطفك، فمعناه: تولني ولاية خاصة، بها تصلح أحوالي الظاهرة والباطنة".
________________________
المصدر: أسماء الله الحسنى لماهر مقدم.
أحسن الله إليكم
مِنْ أسماء اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الرَّؤُوف، وَهُوَ الرحيمُ لِعِبَادِهِ العَطُوفُ عَلَيْهِمْ بأَلطافه ..
فالله عزَّ وجلَّ هو الرؤوف المتناهي في الرحمة بعبـاده، لا راحم أرحم منه سبحانه ولا غاية وراء رحمته ..الدليل على ثبوت الاسم من القرآن الكريمسمى الله تعالى نفسه الرؤوف في عشر آيات من كتابه تعالى، منها: قوله تعالى {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النور: 20]، وقوله عزَّ وجلَّ {.. رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10]
المعنى اللغوي للاسمالرأفَةُ: أشدُّ الرحمة .. والرأفة في حق البشر، هي: امتلاء القلب بالرقة، وهي أشد ما يكون من الرحمة، وقيل: بل شدة الرحمة ومنتهاها ..
قال تعالى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ..} [النور: 2]، يعني: لا تنظروا بأي اعتبار يمكن أن يمنحهم شيئًا من الرحمة والرقة، فلا ترحموهما فَتُسْقِطُوا عنهما ما أَمَرَ الله به من الحد.
ويمكن القول أن الرحمة تسبق الرأفة، فالرأفة هي المنزلة التي تعقبها .. فإذا رقَّ القلب دعاه ذلك إلى الرحمة، وإذا رَحِم واشتدت رحمته وامتلأ القلب بها كانت الرأفة .. كما يُقال: فلان رحيم فإذا اشتدت رحمته فهو رؤوف، فالرأفة آخر ما يكون من الرحمة ..
ولذلك قُدِمَت الرأفة على الرحمة في وصف نبينا ، كما قال تعالى {.. بِالْمُؤْمِنِين َ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]، وذلك على اعتبار أن الرأفة مبالغة في الرحمة، والمبالغة في الرحمة تتعلق بخاصة المؤمنين، أما الرحمة في اسمه الرحمن فإنها تتعلق بالخلائق أجمعين، فالأمر في الرأفة والرحمة على قدر الولاية والإيمان، وعلى حسب علو الهمة في عمل الإنسان، وقد كانت رأفة النبي بأصحابه ما بعدها رأفة.
الفرق بين الرأفة والرحمة:
والرَّأْفَةُ أَخصُّ وأَرَقُّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَلَا تَكاد تَقَعُ فِي الْكَرَاهَةِ، والرحمةُ قَدْ تَقَعُ فِي الْكَرَاهَةِ للمَصْلحةِ. [لسان العرب (9:112)]
معنى الاسم في حق الله تعالىيقول ابن جرير "إنَّ الله بجميع عباده ذو رأفة، والرأفة أعلى معاني الرحمة، وهي عامة لجميع الخلق في الدنيا ولبعضهم في الآخرة" [جامع البيان (2:12)]
قال الخطابي "الرَّؤوف: هو الرحيم العَاطِف برأفته على عباده"والرَّؤوف سبحانه هو الذي يتعطف على عباده المؤمنين بحفظ سمعهم وأبصارهم وحركاتهم وسكناتهم في توحيده وطاعته، وهذا من كمال الرأفة بالصادقين ..
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ "إِنَّ اللَّهَ قَالَ: .. وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ" [صحيح البخاري]
ويعطف على عباده المذنبين، فيفتح لهم باب التوبة ما لم تغرغر النفس أو تطلع الشمس من مغربها ..
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ "مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ" [صحيح مسلم]
وعَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري: عَنْ النَّبِيِّ قَالَ "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا" [صحيح مسلم]
والرَّؤوف أيضًا هو الذي يخفف عن عباده، فلا يكلفهم ما يشق عليهم أو يخرج عن وسعهم وطاقتهم ..
قال تعالى {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28]، وقال {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ..} [البقرة: 286]
قال الحُليمي "الرَّؤوف معناه المتساهل على عباده؛ لأنَّه لم يُحملهم ما لا يُطيقون، بل حَمَّلَهم أقل مما يُطيقون بدرجاتٍ كثيرة.
ومع ذلك غلَّظ فرائضه في حال شدة القوة، وخَفَّفها في حال الضعف ونقصان القوة، وأخذَ المُقيم بما لم يأخذ به المسافر، والصحيح بما لم يأخذ به المريض .. وهذا كله رأفة ورحمة"
وقد ذكر الله تعالى أنه جعل الرأفة في قلوب بعض عباده .. فقال تعالى { .. وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّة ً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ ..} [الحديد: 27]
حظ المؤمن من اسم الله تعالى الرؤوفأولاً: طهِّر قلبــــك حتى يمتليء بالرحمة ..
قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (*) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النور: 19,20]
لأن العبد إذا لم يُطهِّر قلبه، لن تدخله الرحمة بل سيكون قلبًا قاسيًا .. فلا يعرف معروفًا ولا يُنكِر مُنكرًا .. وحينها ستستحكم الأمراض من هذا القلب، فيمتليء بالحقد والضغينة ويكون ممن يحبون أن تشيع الفاحشة بين المؤمنين والعياذ بالله.
ومن رأفة الله عزَّ وجلَّ بعباده أن أنزل عليهم القرآن؛ ليفك تلك الأغلال التي تُقيد القلب ..
قال تعالى {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحديد: 9]فتدبُّر القرآن يُخرِج القلب من ظلمات الشهوة والقسوة إلى نور الهداية والإيمان .. ومن ظلمات الشك إلى نور اليقين .. فإذا امتلأ القلب بهذا النور، تنزلت عليه الرحمة وصار قلبًا نقيًا طاهرًا سليمًا.
ثانيًا: بِع نفسك لله ..
قال تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة: 207]فلكي تكون أهلاً لنيل رأفة الله سبحانه وتعالى، لابد أن تُضحي بشيءٍ عظيم تقربًا لله عزَّ وجلَّ .. فإذا ما ضحيت بصدق وإخلاص، نلت رأفة الله جلَّ وعلا وحينها ستتخلَّص من قسوة قلبك ويصير طاهرًا.
ثالثًا: كن رؤوفـــًا بالنــاس ..
على العبد أن يمتلأ قلبه بالرحمة والرأفة التي تشمل عامة المسلمين وخاصتهم .. عن عبد الله بن عمرو : أن رسول اللهِ قال "الرَّاحِمُون يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللهُ" [رواه الترمذي وصححه الألباني (1924)]
وعليك أن تسعي في جميع الأسباب الموجبة للرحمة؛ لكي تنال رأفة الله عزَّ وجلَّ ..الاعتدال في الرأفـــةولا بد أن تكون الرأفة في موضعها .. فكما أنها من الأخلاق الحميدة والخصال العظيمة إلا أن الشدة أنفع في بعض المواضع؛ كإقامة الحدود والأخذ على أيدي المفسدين الظالمين حين لا ينفع معهم نصح ولا لين، قال تعالى في حد الزنا {.. وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ..} [النور: 2].
وهذا يشبه حال المريض إذا اشتهى ما يضره أو جَزَع من تناول الدواء الكريه فأخذتنا رأفة عليه حتى نمنعه شربه؛ فقد أعناه على ما يضره أو يهلكه، وعلى ترك ما ينفعه فيزداد سقمه فيهلك ..
وهكذا المذنب هو مريض .. فليس من الرأفة به والرحمة أن يمكن مما يهواه من المحرمات ولا يعان على ذلك، ولا أن يمكن من ترك ما ينفعه من الطاعات التي تزيل مرضه، بل الرأفة به أن يعان على شرب الدواء وإن كان كريهًا، مثل الصلاة وما فيها من الأذكار والدعوات فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأن يحمى عما يقوى داءه ويزيد علته وإن اشتهاه، ولا يظن الظان أنه إذا حصل له استمتاع بمُحَرَم يسكن بلاؤه، بل ذلك يوجب له انزعاجًا عظيمًا وزيادةً في البلاء والمرض في المآل، فإنه وإن سكن بلاؤه وهدأ ما به عقيب استمتاعه، أعقبه ذلك مرضًا عظيمًا عسيرًا لا يتخلص منه، بل الواجب دفع أعظم الضررين باحتمال أدناهما قبل استحكام الداء الذي ترامى به إلى الهلاك والعطب.
ومن المعلوم أن ألم العلاج النافع أيسر وأخف من ألم المرض الباقي، وبهذا يتبين أن العقوبات الشرعية كلها أدوية نافعة يصلح الله بها مرض القلوب، وهى من رحمة الله بعباده ورأفته بهم الداخلة في قوله تعالى لنبيه {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]
فمن ترك هذه الرحمة النافعة لرأفة يجدها بالمريض، فهو الذي أعان على عذابه وهلاكه وإن كان لا يريد إلا الخير ..إذ هو في ذلك جاهل أحمق كما يفعله بعض النساء والرجال الجهال بمرضاهم وبمن يربونه من أولادهم وغلمانهم وغيرهم في ترك تأديبهم وعقوبتهم على ما يأتونه من الشر ويتركونه من الخير رأفة بهم، فيكون ذلك سبب فسادهم وعداوتهم وهلاكهم ..
ومن الناس من تأخذه الرأفة بهم لمشاركته لهم في ذلك المرض، وذوقه ما ذاقوه من قوة الشهوة وبرودة القلب والدياثة، فيترك ما أمر الله به من العقوبة، كمن ينادي بتعطيل الحدود الشرعية من قطع يد السارق ورفع عقوبة الزنا، وإباحة الشذوذ والسحاق واللواط وغير ذلك من الأمور الانحلالية تحت دعوى الحرية، فهؤلاء من أظلم الناس وأديثهم في حق نفسه ونظرائه، وهو بمنزلة جماعة من المرضى قد وصف لهم الطبيب ما ينفعهم فوجد كبيرهم مرارته، فترك شربه ونهى عن سقيه للباقين.
ومن لم يكن مبغضًا للفواحش كارهًا لها ولأهلها، ولا يغضب عند رؤيتها وسماعها لم يكن مريدًا للعقوبة عليها، فيبقى العذاب عليها يوجب ألم قلبه .. قال تعالى {.. وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ..} [النور: 2]، فإن دين الله طاعته وطاعة رسوله المبني على محبته ومحبة رسوله ، وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ..
فإن الرأفة والرحمة يحبهما الله ما لم تكن مضيعة لدين الله، فهذه الرحمة حسنة مأمور بها أمر إيجاب أو استحباب بخلاف الرأفة في دين الله فإنها منهي عنها ..والشيطان يريد من الإنسان الإسراف في أموره كلها، فإنه إن رآه مائلاً إلى الرحمة زين له الرحمة حتى لا يبغض ما أبغضه الله، ولا يغار لما يغار الله منه، وإن رآه مائلاً إلى الشدة زين له الشدة في غير ذات الله حتى يترك من الإحسان والبر واللين والصلة والرحمة ما يأمر به الله ورسوله ، ويتعدى في الشدة فيزيد في الذم والبغض والعقاب على ما يحبه الله ورسوله ..
فينبغي أن يكون الموحد سُنيًا وسطيًا في رأفته؛ فإن الله لا يحب المسرفين.[مجموع الفتاوى 15/290 بتصرف]نسأل الله تعالى أن يرزقنا قلوبًا نقيةً طاهرةً؛ حتى ننال رأفة الله تعالى،،
http://www.kalemtayeb.com/index.php/...ahat/item/1280
الله (الرؤوف) جل ثناؤه
جلال الرؤوف: من جلال رأفته تعالى أن فيها صلاحا للعباد في دينهم، ودنياهم، وآخرتهم، فمنها:
(1) أن حذرهم، ورغبهم، ورهبهم، ووعدهم، وأوعدهم، رأفة بهم، ومراعاة لصلاحهم، قال سبحانه:{ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد}.
(2) إنزاله الكتاب على رسوله ليخرجنا من الظلمات إلى النور، قال تعالى:{ هو الذي ينزل على عبده ءايات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرءوف رحيم}.
(3) ومنها: سخر لنا وسائل النقل، كالجمال والخيول، والحمير قديما، والسيارات، والطائرات حديثا، قال سبحانه:{ وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم}.
(4) أن ما اشتراه من العباد من أنفسهم وأموالهم، إنما هو خالص ملكه، ثم إنه سبحانه يشتري منهم ملكه الخالص، بما لا يعد ولا يحصى، قال تعالى:{ ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد}.
(5) ومن جلال رأفته أنه يجيب دعاء أوليائه، قال تعالى:{ والذين جاءو من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم}. أي: فحقيق أن يجيب دعاءنا.
(6) ومنها أنه نصب الحدود الزاجرة عن الحدود الحاملة على التقوى، فإن الرأفة تقيم المرؤوف به، لأنها ألطف الرحمة، وأبلغها، قال تعالى:{ ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم}.
(7) ومن جلالها إمهاله للكافرين، والعاصين، "من أن يأخذهم بالعذاب على غرة وهم لا يشعرون، بل يمهلهم، ويعافيهم، ويرزقهم"، قال سبحانه:{ أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم}.
(8) ومن جلال رأفته سبحانه، أنه يمسك {السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم}.
* الثمرات:
يجب على كل مكلف أن يعلم أنه لا رؤوف على الإطلاق إلا الله تعالى، وأن رأفته ليست كرأفتنا، ومن رأفته لعباده ورحمته بهم أن دفعهم عن مراتع الهلكة، ومنعهم من موارد الشهوات، فمتى أصابهم نصيب من كتاب سبق، أقال عثراتهم، وأيقظهم من سبات غمراتهم، وربما رأف بهم ورحمهم، بما يكون في الظاهر بلاء وشدة، وهو في الحقيقة رأفة بهم، ورحمة، ثم عليك أن ترأف بنفسك كما رأف الله سبحانه بها، فلا تحملها فوق وسعها، وينبغي للعبد أن يكون رؤوفا مع أهله، وإخوانه.*
____________________________
* أسماء الله الحسنى لماهر مقدم.
جزاكم الله خيرًا
وجزاكم الله خيرا على فتح موضوع معرفة أسماء الله وصفاته...
قال الشيخ عبدالرزاق البدر حفظه الله:
"... عباد الله:
إن معرفة الله - عز وجل - ومعرفة أسمائه الحُسنى وصفاته العظيمة باب شريف من العلم له الأثر البالغُ على من اعتنى به وفَهمه؛ يقول - صلى الله عليه وسلم - كما في الصّحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا، مَنْ أحصاها، دخل الجنة)).
تأمل - رعاك الله - هذا الأثر العظيم والنهاية الطيبة لمن أحصى تسعة وتسعين اسمًا من أسماء الله، فإن مآله - بإذن الله - إلى دخول الجنة، وليس المراد - عباد الله - بإحصاء أسماء الله في هذا الحديث حفظ ألفاظها فقط دون علم بمعرفة معانيها ودلالاتها، ودون قيام بمقتضياتها وموجباتها، بل المطلوب في الإحصاء - عباد الله - العلم بمعاني أسماء الله مع حفظها وفَهْمها، والقيام بما تقتضيه، فهي ثلاثة مراتب؛ المرتبة الأولى حفظها، والمرتبة الثانية فَهْم معانيها، والمرتبة الثالثة القيام بالعبوديات المختصة بها.
ومعنى ذلك - عباد الله - أنَّه ما من اسم من أسماء الله - جل وعلا - إلا وله عبودية مختصة به، وهي من موجبات العلم بذلك الاسم، بل إن لكثير من الأسماء عبوديات كثيرة، فما أعظم - عبادَ الله - أن يُقبل العبد على معرفة الله، ومعرفة أسمائه وصفاته الواردة في كتابه وسنة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم...".
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/22412/#ixzz4OaapesI3
شاركونا في إخراج مشاهد ومعاني الإيمان من اسم الله: (العزيز):
اسم الله العـــزيزالعزيز لغة: يدور حول ثلاثة معانٍ: القوة والشدة والغلبة
ü منه قول الله تعالى ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ [ص/23] يعني غلبني فيه
ü وقوله ﴿فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ [يس/14] أي فقوينا وشددنا بثالث
(وعز الشيء) إذا قل أو ندر فهو شيء عزيز أي أصبح نادرًا
لذلك هذه صفة اختص الله بها نفسه فلا يشاركه فيها أحد لذلك قال ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ﴾ [المنافقون/8] استأثر بالعزة نفسه هو سبحانه وتعالى فله الغلبة وله القوة وله البأس سبحانه وتعالى.
وروده في القرءان
اسم الله العزيز ورد كثيرًا في القرءان، ورد اثنتين وتسعين مرة. ولا شك أن في هذا إشارات، فورود الاسم وتكراره بهذا الشكل لابد أن يكون له حكمة. واقترن بأسماء كُثر
فاقترن أحيانًا باسمه الحكيم ﴿وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة/260]
واقترن بالعليم ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [الأنعام/96]
واقترن بالغفور﴿ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر/28]
واقترن بصفة (الانتقام المنتقم) سبحانه وتعالى يقول الله جل و علا ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾ [آل عمران/4]
واقترن باسم الله الغفار ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾ [ص/66]
واقترن باسمه الحميد ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾[البروج /8]
معنى الاسم في حق الله تعالى:
¯ يقول ابن جرير: العزيز أي الشديد في انتقامه ممن انتقم من أعدائه لذلك قال ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾[البروج /8 ]
آمنوا بالعزيز فمالهم ينقمون عليهم؟ آمنوا بالحميد وشكروا أنعم الله عليهم ،أهذا ما نقموه عليهم؟!
¯قال ابن كيسان: معناه الذي لا يُعجزه شيء، ألم يقل الله ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾[فاطر/43]
¯قالوا العزيز الذي لا مثل له ألم يقل ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾[الشورى/11]
يقول ابن القيم في النونية:-
وهو العزيز فلن يُرام جنابه ******* أنى يُرام جناب ذي السلطان
وهو العزيز القاهر الغلاب لم********** يغلبه شيء هذه صفتان
وهو العزيز بقوة هى وصفه ********** فالعز حينئذ ثلاث معان
وهي التي كملت له سبحانه ********** من كل وجه عادم النقصان
¯ ومن معاني العزيز :الندرة ونفاسة القدر، وهو سبحانه وتعالى لا يعادله شيء ولا مثل له ولا نظير له.
إذا اشتد الكرب بالعبد؛ لجأ إلى العزيز، وتوكل عليه وفوض أمرة إليه سبحانه وتعالى، فهو عز وجل العزيز الغالب على أمره، المنتقم من أعدائه، ومن آمن بأن العزة لله؛ لم يطلبها من غيره، وطلبه لها يكون بطاعة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم.
اقتران اسـم الله العزيز باسمه الرحيم
اقترن اسم الله العزيز مع الرحيم كثيرًا في سورة الشعراء وغيره ليعطينا معنى الكمال...فهو عزيز في رحمته رحيم في عزته بلا ذل. لأن أحيانًا الرحمة إذا زادت عن حدها وعن قدرها تنقلب إلى ذل، فالأب مثلا من شدة رحمته بابنه قد يذل له أو لأجله حتى لا يصيبه شيء.
فهو سبحانه وتعالى رحيم لكنه عزيز؛ لذلك فإن حبه دوما مشوب بالخوف، ليس الخوف الذي يبعدك عنه بل خوف الإجلال والمهابة..فهو معي رحيم ودود رءوف لكنه عزيز قد يطردني عن جنابه في أي لحظة ولا يبالي!.
http://www.kalemtayeb.com/index.php/kalem/safahat/item/22534
فـ "العزيز" مِن أسماء الله الحسنى التي وصف الله عز وجل بها نفسه كثيرًا، وقد ذُكر من معاني اسم الله "العزيز": أنه "الذي لا مغالب له". وأنه الذي: "لا مرام لجنابه".
- لا مُغالب له:
فلا يغالب الله عز وجل، فعزَّ بمعنى: غلب، وفي المثل العربي: "من عزَّ بزَّ" أي: مَن غلب أخذ المتاع، فالعزة بمعنى: الغلبة، وقولنا: "لا يغالب" أكمل في المعنى من: "لا يغلب"؛ إذ قولنا: "لا يغالب" بمعنى أنه لا يتصور أن يطلب أحد غلبة الربّ عز وجل، مثل قولنا: "لا يُقاتل" تعني أنه لا يتطلّع أحد إلى قتاله فضلاً عن قتله؛ فهذا ليس ممكنًا، فالله عز وجل لا يُغلَب ولا يُغالَب.
- لا مرام لجنابه:
فلا يتطلع أحد إلى أن يُنازع الله؛ لعظمته عز وجل، وإن زعم بعض الكفرة والطواغيت أنه: "ربهم الأعلى"، وقال آخر: "أنا أحيي وأميت"، وقال ثالثهم: "أولك ربٌّ غيري؟!" فما هذا إلا مكابرة، ولما قال إبراهيم عليه السلام للنمرود: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ}، قال الله عز وجل: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة: من الآية 258]؛ إذ لا يُنازَع الربّ عز وجل في مثل ذلك، وعجز العباد عجز مطلق عن طلب الوصول لصفة من صفاته، ولو فكر إنسان في ذلك؛ لحكم على نفسه بالعجز قطعًا ويقينًا.
وقد عجز "فرعون" عن مواجهة آيات سيدنا موسى عليه السلام كما جاء في القرآن الكريم لما قال موسى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} [الشعراء: من الآية 24]، فما كان منه إلا أن حاد عن الجواب وعمد إلى التشغيب والاستهزاء {قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ} [الشعراء:25]، فما أجاب فرعون على أي حجةٍ من هذه الحِجج: من رب هؤلاء الناس؟! من ربّ الآباء الأولين؟!
وما كان منه إلا أن يحاول الهروب بعيدًا: {قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء:27]، فلما بهته موسى عليه السلام {قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [الشعراء:28]، فما استطاع أن يدعي أنه يقدر على أن يجعل الشمس تخرج من المشرق أو يجعلها تغرب من المغرب، وما كان منه إلا أن لجأ إلى البطش {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ } [الشعراء:29].
- شهود آثار اسم الله العزيز:
فالله عز وجل عزيز لا مغالب له، فضلاً على أن يكون له غالب، فلما يحاول الكفرة -إذن- أن يغالبوا شرع الله؟!
إنهم قد يهزمون المؤمنين ويغلبونهم، ولكن لا يستطيع أحد منهم أن ينازع قدر الله!
- زلازل وأعاصير:
فلا يستطيع أحد منهم أن ينازع قدر الله باهتزاز الأرض، فما وجدنا أحدًا يستطيع أن يقول -مثلاً- أننا قوةً عظمى ولن نجعل الزلازل تحدث، ولن نجعل الأعاصير تهب، أو سنجعل الشمس تتأخر أو تتقدم، فلا يمكن لأحد أن يفعل ذلك، فهم مصابون رغمًا عنهم!
- سفينة تغرق ومركبة فضاء تنفجر:
فيوم أن قالوا: صنعنا سفينة لا تغرق! إذا بها تغرق عند أول رحلة، وعندما قالوا: صنعنا مركبة فضاء تُدعَى: "CHALLENGE" -وهي كلمة إنجليزية تعني: التحدي-؛ إذا بها تنفجر عند أول رحلة، فقد أرادوا أن يتحدوا ربهم فقصمهم، وفي كل يوم تحدث آية من آيات الله تُبرهن على أنه العزيز الذي لا يغالب.
- يوسف وإخوته.. والله غالب على أمره:
فقد أراد إخوة يوسف أن يغلبوه ويجعلوه بعيدًا عن أبيه، فإذا بالذي يفعلونه يكون -بإذن الله- سببًا لتمكينه عليهم: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف: من الآية 21].
- يوسف وامرأة العزيز.. والله غالب على أمره:
أرادت امرأة العزيز أن تحبس يوسف عليه السلام في السجن؛ ليستجيب لها، فجعل الله السجن سببًا لتملكه عليها وعلى الناس.
- والله غالب على أمره:
فالله عز وجل لا يُغالب، والذين ينازعون الله أمره الشرعي واهمون في ذلك، فلا بد لدين الله أن يظهر، ومهما ظهروا على المؤمنين لفترة من الزمن فالعاقبة في النهاية للمتقين، كما أخبر الله سبحانه وتعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: من الآية 49]، وقد ختم الله عز وجل الآيات التي ذكر فيها هلاك الكافرين من الأمم السابقة، فقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:103].
فقد غلب الله عز وجل هؤلاء الكافرين بعد أن غالبوا أمره، ونازعوا شرعه، وغالبوا عباده المؤمنين، فغلبهم الله عز وجل، ورحم عباده المؤمنين، فهو العزيز في انتقامه ممن عاداه، شديد العقوبة لمن خالف أمر الشرعي، ينتقم ممن خالف شرعه، وكذّب رسله، وعادى أولياءه، فيثأر لهم عز وجل.
فهو العزيز سبحانه وتعالى، وجعل العزة لعباده المؤمنين، فقال سبحانه وتعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: من الآية 10].
- ذلوا له فأعزهم، وإن تكبروا أهانهم:
عبيد أذلوا أنفسهم لله كأشد ما يكون الذل؛ فأعزهم الله وأظهرهم على من خالفهم، ومَن طلب العزة بغير دينه وطاعته؛ أذله الله، فقد أذل الله الطغاة المجرمين، فمن طغى منهم على الضعفاء منهم وتكبر عليهم؛ أهانه الله عز وجل أعظم إهانة على يد أعدائه، فقد أهان الله فرعون فغرق وهو يصرخ: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: من الآية 90]، وخرج جسدًا ميتًا لا حراك فيه: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس: من الآية 91]، وهكذا يذل الله الظالم ويهينه، ويذّله أسوأ المذلة والهوان.
- قلوب المؤمنين عزيزة.. وإن خضعت الأبدان:
وأما أولياء الله المؤمنين فإن سُلط عليهم عدوهم فإنما يُسلط على أبدانهم أو أموالهم أو أراضيهم، ولا يسلط على قلوبهم، ولربما أكرهوا الناس بأنواع الاضطهاد المختلفة؛ لتوافق ألسنة المؤمنين إرادتهم، وإلا فقلوب المؤمنين تظل كارهة للباطل، عزيزة ممتنعة عليهم.
- أتبتغون عندهم العزة؟!
وأما مَن وافق ورضي وتابع، وكان ذيلاً لهؤلاء الكفرة والمجرمين، فهذا هو الذل الحقيقي الذي يطلب به الكفرة والمنافقون عز الدنيا فما يزيدهم إلا ذلاًّ فصاروا تابعين لأعداء الله، موافقين لهم بالقلب واللسان، مسارعين في رضاهم، ومعادين لدين الله وأوليائه من أجلهم، فكان أعظم الذل والهوان، وصدق الله إذ يقول: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج:18]، فلما طلبوا العزة بمعصية الله والكفر به؛ أهانهم الله عز وجل وأذلهم.
- فما كان السجن ذلاًّ ليوسف عليه السلام:
فما كان السجن ذلاًّ ليوسف عليه السلام، وما كان الاستضعاف ذلاًّ لبلال ومَن شابهه من المستضعفين من المؤمنين، وإنما كان الذل للكفرة الذين ملك الله نواصيهم للشياطين: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مريم:83]، فيصيبهم بأنواع من الذل في الدنيا.
- فضائح.. ذل وهوان:
حتى إن كبار هؤلاء يفضحهم الله بأنواع من الفضائح على سمع وبصر من العالم كله، فانظر لمن كان يُقال عنهم رؤساء وكبراء -زعموا- كيف أذلهم الله وأهانهم وفضحهم فضائح متتابعة؟!
- أي عز.. وأي ذل؟!
فأي عز دنيوي يطلبه الناس أكثر من مثل هذه الرئاسة والإمارة؟! وأي ذل أشد مما وقع ويقع لهؤلاء؟! لقد طلبوا العزة بغير طاعة الله؛ فانتقم العزيز سبحانه وتعالى منهم: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء:9].
- معاملة اسم العزيز بما يقتضيه من فعل العبد:
إذا اشتد الكرب بالعبد؛ لجأ إلى العزيز، وتوكل عليه وفوض أمرة إليه سبحانه وتعالى، فهو عز وجل العزيز الغالب على أمره، المنتقم من أعدائه، ومن آمن بأن العزة لله؛ لم يطلبها من غيره، وطلبه لها يكون بطاعة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم.
http://ar.islamway.net/article/36183/%D8%AA%D8%A3%D9%85%D9%84%D8%A7 %D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D8%B3%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B2%D9%8A %D8%B2
الله (العزيز) تبارك وتعالى
قال تعالى:{ وإن ربك لهو العزيز الرحيم}.
المعنى اللغوي العزيز:
من صيغ المبالغة على وزن فعيل، وهذا الاسم الجليل يحمل في طياته معان جلال وكمال، التي لا تحيط به العبارة، ولا يشار إليها بإشارة، فمنها: أنه الغالب، والجليل الشريف، الرفيع الشأن والقدرة، والقوي القاهر، والرفيع المنيع، والمنقطع النظير، الذي يصعب مناله، ووجود مثله.
المعنى الشرعي:
الله جل جلاله هو العزيز: الذي لا أعز منه على الإطلاق، له جميع معاني العزة، وصفا، وملكا، في أسمى معانيها، وأعلى كمالها، قال الله تعالى:{ إن العزة لله جميعا }.
(1) فهو تعالى العزيز: له عزة الغلبة والقهر، فهو تعالى الغالب الذي لا يغلب، والقاهر الذي لا يقهر.
(2) وله عزة الامتناع: فهو المنيع سبحانه، فلا ينال منه، ولا يرام جنابه، ولا يلحقه سوء لعظمته، وجلاله.
(3) وله عزة القوة القدرة: فهو تعالى الشديد في قوته، الذي ذلت لعزته الصعاب، ولانت لقوته الشدائد الصلاب.
(4) وهو تعالى المنقطع النظير، الذي لا شبيه له، ولا مثيل له، ولا عديل، لكماله من جميع الوجوه والاعتبارات.
(5) وهو سبحانه العزيز الشديد في نقمته، إذا انتقم من أعدائه، فلا يقدر أحد على دفعه، أو منعه متى أراده سبحانه.
(6) وهو تعالى العزيز: الذي يهب العزة لمن يشاء من عباده، قال تعالى:{وتعز من تشاء}.
(7) وهو سبحانه العزيز الذي لا يضام جاره، ولا يذل أنصاره فيعز أهل الإيمان، ويذل أهل الكفران، قال تعالى:{ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون}.
(8) وهو سبحانه: الجليل الرفيع الشأن، والقدر، له شرف الذات، والتفرد في كمال النعوت، والصفات.
(9) ومن تمام عزته: براءته من كل نقص، وسوء وعيب،قال تعالى:{سبحان ربك رب العزة عما يصفون}.
(10) ومن كمال عزته سبحانه أنه أمنع الأبصار أن تدركه، وعن الأوهام أن تكيفه.
الثمرات:
إن هذاالاسم الكريم يورث للعبد العزة في دين الله تعالى، وأن هذه العزة تعلو في اتباع أمره تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والسير مع الصالحين من عباده، فإنه تعالى كتبها له، ولحزبه، قال تعالى:{ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون}، فمن أراد العزة في الدنيا والآخرة، فليطلبها من الله تعالى وحده، قال عز شأنه :{ من كان يريد العزة فلله العزة جميعا}، ولا تكون إلا بطاعته، واتباع أمره.
واعلم أن على قدر ركوعك خاضعا، وسجودك خاشعا، يكون عزك في دينك، ودنياك، وآخرتك، قال صلى الله عليه وسلم لمن سأله مرافقته في الجنة: (أعني على نفسك بكثرة السجود)، وعليك أن تتذلل لأوليائه وأهل طاعته، قال تعالى:{واخفض جناحك للمؤمنين}،وقال سبحانه:{أذلة على المؤمنين}، وأن تعتز على أهل كفرانه، قال تعالى:{أعزة على الكافرين}، وأن تعفو عمن أسأء إليك من عباده، قال صلى الله عليه وسلم:(وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا).
المصدر: أسماء الله الحسنى لماهر مقدم
جزاكم الله خيرًا الفاضلة: (أم علي)