حوار أجراه موقع إسلام أون لاين

* مصطلح الوسطية.. هذا المصطلح الذي شاع استخدامه حديثا، حتى صار الجميع يدعيه.. فكل التيارات سواء كانت حركية أو فكرية أو غير ذلك تتزيا بالوسطية، فما مفهوم الوسطية عندكم بداية؟

- الحقيقة أن مصطلح الوسطية كما ذكرتم مصطلح حادث، وليس له عند من أطلقوه مفهوم محدد، وكل من يستعمله قد يعني به معنى لا يكون متطابقا أو متوافقا مع المعنى الآخر الذي يقوله الآخرون، وهو يطلق كثيرا إطلاقات خاطئة، ومن هذه الإطلاقات الخاطئة "الموقف الوسط بين الحق والباطل".

وهذا التوسط بين الحق والباطل باطل؛ فلا وسطية بين الحق والباطل مطلقا.. فالأمور إما حق وإما باطل، فالتوسط بين الاثنين، ومحاولة التوفيق بين الحق والباطل، بين الكفر والإيمان، بين الإسلام وغيره من الأديان، وأن يقف الإنسان موقفا وسطا بين حق الإسلام وبين باطل الكفر، هذا أعظم باطل؛ لأن هذا هو حركة النفاق وموقفها الذي أشار إليه المولى عز وجل في قوله تعالى: {إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا}[النساء:62] أي التوفيق بين أهل الإسلام وأهل الكفر.

فالإسلام دين واضح، حق من الله تعالى، محدد المعالم، وما سواه (الخارج عن الإسلام) كفر، فكل من يريد محاولة التوفيق أو المقاربة بين الإسلام والكفر بتجاوز أحكام الإسلام لا شك أن موقفه باطل، وهذا غالبا ما استخدمه الوسطيون في العصر الحاضر، وهذا مبتغاهم –التوفيق بين الإسلام والكفر- بزعمهم.

أما الوسطية فتطلق أحيانا إطلاقات صحيحة؛ لأن الذين أرادوا هذا المعنى الباطل إنما يأخذون المعنى الصحيح الذي تحمله هذه الكلمة ويضعونه على المفهوم الباطل الذي أرادوا، وهذا من التلبيس..

ولقد جاء وصف هذه الأمة بأنها وسط في قوله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شهيدا} [البقرة 143]، والوسط هنا بمعنى العدول (العدل)، وذلك لأن الله تبارك وتعالى يشهد هذه الأمة على السابقين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنتم تشهدون لي على قومي كما تشهدون لكل رسول على قومه" يشهدون بشهادة الله تبارك وتعالى والمؤمنون شهداء بعضهم على بعض، كما قال تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدا {41} يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثا} [النساء:41 – 42].

فإذا كان المقصود بالوسطية عدالة هذه الأمة وأنها قائمة بأمر الله تعالى، وقد اختارها الله تعالى للقيام بأمر دينه فهذا معنى حق، لكن الذين يطلقونه لا يريدون هذا المعنى، إنما يلبسوه بهذا.. أي يلبسون معناهم الباطل بهذا المعنى الحق.

بين نقيضين

* لكن دعنا نقول: إن هذا المعنى ليس المقصود الأوحد على افتراض وجوده؛ لأن بعض من يستخدمون المصطلح يستخدمونه للتعبير عن موقف وسط في أمر له طرفان.. إفراط وتفريط، غلو وتساهل.. فما تعليقكم؟

- نعم.. وهذا المعنى من المعاني الحقة لهذا المصطلح، التوسط في الأمر الواحد الذي له طرفان، الإفراط والتفريط.. هذا ممدوح، والتوسط فيه مطلوب مثل التوسط في الإنفاق مصداقا لقول الله عز وجل {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا}[الإسراء:29] فالتوسط في النفقة من الدين، وكذلك التوسط في أخذ الدين في مستحباته فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم "اكلفوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا" فالتشدد والتنطع في أخذ الدين قد يخرج الإنسان أو يقطعه عن الدين، والتهاون والتفريط فيه قد يجعله يترك الأمر الواجب..

ولكن هذا المعنى الذي تقصده وتحدثت أنا عنه (الوسطية في أخذ الدين وفي عدم التشدد والتنطع وعدم التمييع والتضييع) أيضا غير مطروح لدى من يتحدثون عن الوسطية، فقليل ممن يستخدمون لفظة الوسطية يعنون هذا المعنى من المعاني الحقة التي يمكن أن يحتملها هذا اللفظ، لكنهم يقصدون ما تحدثت أنا عنه بداية، وهو الوسطية بين أمرين مختلفين إحداهما حق والآخر باطل، فهذا باطل.

وهذا الذي يَعنُونَهَ.. إنهم يتوسطون بين الإيمان وبين الكفر، يتوسطون بين الحق والباطل.. وهذا ما يطلق عليه بعض العامة (أمسك العصا من الوسط) فهو لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، فإن رجحت الكفة لهؤلاء كان معهم، وإلا كان مع الآخرين.. وهذا موقف المنافقين لا مع المؤمنين ولا مع الكفار، ولكنهم مع الغلبة.

* هل يدخل في ذم لهذا النوع من يحاولون إيجاد قواسم مشتركة الآن بين الإسلام كدين وشريعة مثلا وبين بعض المناهج الأخرى لمحاولة التقريب وتضييق الفجوة بين المسلمين وغيرهم؟

- نعم يدخل.. وهذا هو موقف المنافقين.. يا أخي الإسلام جاء بالكلمة النهائية في كل شيء، فالتقريب بين أحكام الإسلام وأحكام الكفر كفر لا شك.. وإنما يجب أن يؤخذ الحق حق {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}[يونس:32]، فكيف يقربون بين توحيد الله تعالى وبين الشرك والمشركين!!!!! ما هو التقريب في هذا الأمر..؟

مثلا من يقول بأن عيسى ابن الله ومن يقول إن الله إله واحد لا إله إلا هو.. ما مجال التقريب في الحق في هذا!!!؟

الثوابت ليس فيها تقريب.. لا يمكن أن نقرب بتاتا بين من يقول إن عيسى ابن الله وبين من يقول إن الله هو الإله الأحد الذي ليس له ولد، فالجمع بين عقيدتين كفر بالله تعالى، وكذلك في شتى العقائد، فالله عز وجل حكم بأن من لا يؤمن بهذا الرسول فهو كافر "والله لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ولا يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار"، والمسلم الذي يعيش على الإسلام ويموت على الإسلام هذا مؤمن له الجنة، فما وجه التقريب أو القواسم المشتركة في هذا بأن نقول مثلا إن اليهودي أو النصراني أو غير المسلم الذي لم يدخل في الإسلام ممكن أن يكون من المهتدين أو من أهل الجنة وهو على دينه!!.

لا وسطية في العقائد

* لم أقصد التقريب العقائدي.. أبدا وإنما قصدت التقريب الذي عناه ربنا جل وعلا في قوله مثلا: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الممتحنة:8].

- نعم.. لكنني أؤكد على هذا المعنى، وهو أن الذي يحاول أن يجمع بين عقيدتين مختلفتين على هذا النحو، ويجعل بينهما قواسم مشتركة في الاعتقاد وفي معنى الإيمان فهو كافر بالله تعالى..

فالقواسم المشتركة تكون في أمر التعايش مثلا، بمعنى أنها لا تخص العقيدة، فالخيارات المطروحة للمسلمين مع الكفار خيارات كثيرة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم سواء كانت في السلم أو الحرب.

فمثلا موقف المسلمين من الكفار، يختلف باختلاف حالة هؤلاء الكفار، فالكفار مختلفون، هناك كافر مسالم، وكافر معاهد، وكافر محارب، وتختلف طريقة التعامل معهم.

فالكافر المحارب قد أعلن الحرب على الإسلام ويجب معاملته على هذا الأساس بالمثل، والكافر المسالم يكون بيننا وبينه سلم، والكافر المعاهد بيننا وبينه عهد يجب أن يحترم هذا العهد.. فليس الكفار كلهم منزلة واحدة، فالكافر الذمي معاهد وهو في دولته، وبيننا وبينه معاهدة كأمة، وآخر ذمي يعيش معك في ديار الإسلام.. وبالتالي فأحكام المسلمين مع الكفار أحكام منضبطة ومعلومة، وما تحتمل التوسط بعمل شرع جديد، ومن هنا فإن هذه العقائد لا يمكن دخول معنى الوسطية فيها.

* بهذا التصور الذي طرحته للوسطية هل لها ملامح وسمات ومعايير يمكن رصدها وقياس مدى الانحراف أو الاقتراب منها؟

- يا سيدي لماذا نخترع أسماء جديدة ونختلف عليها؟!!! هذا اسم جديد حادث ومن أجل أن نضع له تصورات خاصة سيكون هناك اختلاف لا محالة على هذه التصورات.. فلماذا نقترح الأسماء الجديدة من الأصل؟!!

يا أخي عندنا اسم الإسلام واسم الإيمان واسم الإحسان، وعندنا أسماء كالكفر والنفاق.. فنحن المسلمين سمانا الله عز وجل مسلمين، وسمانا مؤمنين، وسمانا محسنين، وسمانا متقين فلا ينبغي أن نخترع، فهذه الأسماء محددة، معروف مثلا معنى مسلم، ما هو محتوى هذا الاسم وما يدل عليه، ومعنى مؤمن ومعنى محسن ومعنى متق.

فهذه أسماء أصبحت معلومة متفق عليها، أما عندما نقول "وسطي" أو "مسلم وسطي" فماذا تعني؟؟ سنختلف في تحديد هذه الكلمة لا محالة باختلاف هذه الإطلاقات.. كلٌ بما يقوله..

فهناك من يترك صلاته وصيامه، ويرى بأن أخذ الصلاة والتقيد بها من التشدد، وآخر يرى بأن كل الخلق (حتى اليهود والنصارى) من أهل الجنة وهم أصحاب ديانة ورسول ودين، وبالتالي لا يجوز الحكم عليهم بالكفر!! ويسمي هذه وسطية في الدين.. وهكذا.. كل على حسب مراده.

سياقات تاريخية

* لكن عذرا هناك أسماء ومصطلحات على مدار التاريخ الإسلامي لم يكن لها وجود في العصر الأول للإسلام مثلا، فضلا عن مصادر التشريع، ومع ذلك صارت علامة على أهلها.. مصطلح أهل السنة والجماعة مثلا.. وغيره.. أعني أنه ليس شرطا أن تكون الأسماء مؤصلة؟

- يا أخي هذه الأسماء التي تتحدث عنها لها سياقها التاريخي وظرفها السياسي الذي نشأت فيه، فمثلا "مسلم من أهل السنة والجماعة" هذا اسم مفهوم وله مدلول، أي أنه ليس من الخوارج مثلا أو الرافضة أو المرجئة، يعني أصبح له معنى فرضته ظروف تاريخية معينة، وكذلك مسلم سلفي، فالسلفية أصبحت كلمة محددة وهي اتباع ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين من قول أو عمل، والسلف محددون..

لكن هذا الاسم الجديد الحادث " مسلم وسطي" ليس له عند من يطلقونه أي مدلول محدد، وإنما كلٌ يطلقه إطلاقا يريد به معني بخلاف المعنى الذي يطلقه الآخر.

* إذا نستطيع أن نقول بأن الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق ضد كثرة هذه المراكز التي تدعي الوسطية وهذه القنوات وهذه المجلات وهذه البرامج.. ضد هذا المصطلح من الأساس.. أليس كذلك؟

- من أول ما ظهر هذا المسمى، ونحن قلنا هذه الكلمات التي سمعتها الآن، قلنا إن هذا اسم حادث، وإن أصحابه كل يطلقه بمفهوم غير مفهوم الآخر، وعندما نناقش ما تحت هذا المضمون عند بعضهم نجد أنه يعادل الكفر، أو يعادل النفاق إنهم منافقون وليسوا وسطيين.

إن الذين يريدون أن يجمعوا بين الإسلام والكفر تحت مظلة واحدة أو تحت حقيقية واحدة فهؤلاء إما كفار أو منافقون، أي إما كافر مستعمل يرى هذا، وإما منافق يدعي أنه مسلم، وهذا ليس بإسلام.

فقد تجد أن بعض هؤلاء يأخذ هذا المعنى من باب ترك الغلو في الدين، وهذا فيه معنى حق من المعاني لكنهم أخذوا مصطلحا "هلاميا" كل يطلقه إطلاقا مختلفا، ولا يتقيد بمعناه؛ ولذلك فنحن ضد الأسماء غير المحددة.

حمى المصطلحات

* بعيدا عن رؤيتكم حول مصطلح الوسطية وتأصيل المصطلح ورفضه أو قبوله، هل ترى أن المصطلح استخدم استخداما سياسيا، خاصة في العام العربي؟.

- لا شك أن الكل الآن يستخدم هذا المصطلح ويوظفه حسب مصالحه، وأصبحت الآن هناك حمى لاستخدام هذا المصطلح، سواء أكانت هيئات أو رؤساء، أو فرق مختلفة يكفر بعضها بعضا وكل يدعي أنه الوسطي..

* على ذكر المصطلحات وعدم تحديدها.. كانت محاضرتك في مؤتمر منظمة النصرة عن " السيرة والسلم الاجتماعي" أنا لاحظت حديثا ليس له علاقة بالعنوان، وبان لي كأن فضيلتك غير مقتنع بالمصطلح من الأصل أقصد مصطلح "السلم الاجتماعي".. أليس كذلك؟

- بلى.. فهذا الشعار الذي وضع أخيرا في هذا المؤتمر "السيرة والسلم الاجتماعي" هذه الكلمة أشر من كلمة الوسطية؛ لأنها تعني في مفهومها أن يكون المجتمع كله من مسلمين وكفار في سلام، وأن الإسلام جاء بالسلام لأهل الأرض جميعا.. وهذا معنى باطل!!.

فالرسول صلى الله عليه وسلم نعم جاء بالإسلام دين السلام لكن لأهل الإسلام، أما بالنسبة للكفار المحاربين المعاندين لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سلما لهم، وإنما كان حربا عليهم، وقد أمر بقتال المنافقين والكفار، ولو كانوا أهله كما قال الله عز وجل {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلا}[النساء:84].

* لكن أعتقد أن من وضعوا هذا العنوان قد لاحظوا تفريق القرآن في هذا الأمر بين نوعين من الخطاب: خطاب عقدي وهذا الذي توجه فيه الله سبحانه وتعالى لتسمية هؤلاء بالكفار: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ }، {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ}، وخطاب اجتماعي يكرس للتعايش القائم على أساس من الاحترام وتنحية العقيدة جانبا، وهذا ما أظن أنهم يعنونه، من مثل قوله تعالى مخاطبا أهل الكتاب في مجال الدعوة والعلاقات الاجتماعية {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ}... وهكذا؟

- يا سيدي هو خطاب واحد.. ولكن أنا في باب دعوتهم للإسلام أخاطبهم بهذا الخطاب حتى يلتزموا به من أجل أن يسلموا، ولكنهم كفار ما داموا من أهل الكتاب، فهم في حقيقة واقعهم كفار، ولكن عند دعوتهم لابد من مراعاة استخدام الأسلوب الحسن.

* أنا أقصد التفرقة بين النوعين من الخطاب، مما يكرس لحالة من التعايش بعيدا عن الاختلافات العقدية؟

- أنا أفهمك.. لكني أؤكد لك أن هذا في باب الدعوة فقط.. فمثلا هل من المعقول أن يذهب مثلا سيدنا موسى لفرعون فيقول له "أيها الكافر"!!! لا يعقل هذا، فالله عز وجل قال: {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}[طه:44]؛ لأنه خطاب في مقام الدعوة، حتى قيل إن سيدنا موسى عليه السلام كناه، وقال له يا أبا فلان.

فموسى عندما دعاه إلى هذا الأمر فهو أمر قرآني، فمقام الخطاب بالدعوة يختلف عن مقام الحكم عليهم فهذا ما دخله بمصطلح " السلم الاجتماعي".

* بقي سؤال عن ورود مصطلح الوسطية في القرآن وربطه بموضوع الشهادة على الناس.. هل من ترابط في الرؤية القرآنية بين معنى الوسطية ومسألة الشهود الحضاري على الأمم الأخرى بقطع النظر عن أقوال المفسرين: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}، أي عدولا؟

- الوسط هو العدل، ومن البديهي أن العدل هو الذي يٌستشهَد أما الظالم فلا يٌستشهَد؛ ولأنهم عدول أقامهم الله تبارك وتعالى هذا المقام؛ لأن العدل هو القائم بالعدل بنفسه وقائم بالعدل في الناس، ويحكم على الناس بالعدل، ولا يتهمهم باتهامات باطلة من أجل نفسه، فمن أجل ذلك جعلهم الله سبحانه وتعالى شهداء على الناس يحكمون بشهادة الله تبارك وتعالى.